كلمة هيئة تحرير المجلة للعدد 54
كلمة هيئة تحرير المجلة للعدد 54
لا ريب أنّ المشكلات والأزمات والنكبات التي تنهال على أيّة بقعة في العالم مبعثُها سوء التخطيط، والافتقاد للخطط الاستراتيجيّة، ومن بين هذه البقع هي بقعة الشرق الأوسط مثار اهتمام مجلّتنا، فمن النكبات التي تنهال على الشرق الأوسط هي عدم التفكير المستقبلي والاستشراف الدقيق للمخاطر التي ستنهال على الدولة والشعب في آن واحد، وذلك لتعقيد هذه الحرب الشعواء على الشرق الأوسط، فمعظم مفكّرينا يصفون المشكلة، ويشخّصونها بشكل جيد، لكنّهم يفتقرون إلى الحلّ الناجع، وهذا ما رأيناه في أزمات ربيع الشعوب الذي ابتدأ في تونس، وأضحى خريفاً، بل شتاءً قارساً.
إنّ انهيار الأمن القوميّ من خلال خلق ثنائيّات التضاد، بعد أن كانت توافقات واتّحادات أدّى إلى خلخلة هذا الأمن، فإثارة النعرات الطائفيّة والأثنيّة يخلق مشكلات جمّة تقع الدولة بحدّ ذاتها في هذا الفخّ الذي صنعته بيدها، فمصطلح الأقلّيات مصطلح جديد طارئ على ثقافة الشرق الأوسط، مثل هذا المصطلح يشابه الكثير من المصطلحات المفبركة التي لا معنى لها، ولا وجود لها في التاريخ، فمفهوم الأقليّات هو صناعة من صناعات الحداثة الرأسماليّة، فباتت الأكثريّة أقلّيّة بعد أن رسمت الحدود بدقّة لا متناهيّة لخلق النعرات والتنابُذات.
ما زال البحث عن الحلّ أحاديَّ الجانب، فالغرب الذي خلقَ المشكلات في الشرق يريد أن يضع الحلّ، فهل صانع المشاكل قادر على وضع الحلّ المستدام، لذلك ظهرت مصطلحات غربيّة للحلّ تقابل مصطلحات الحلّ الديمقراطيّ المجتمعي، فظهر مجتمع الحوكمة الذي يقابل الإدارة، وصارت إدارة الأزمات الدوليّة تبحث عن حلّ لمشاكلها المستعصية، فكلّ الأزمات هي من صنع الدولة، فالدولة هي الجهاز الذي يخلق الأزمات تلقاء نفسها، لكن عندما تعود المبادرة إلى المجتمعات فستعرف كيف تحمي نفسها، فالدول – بحدّ ذاتها – هي صانعة الإرهاب، وهي التي تغذّيه، لتعود فتقضي عليه، والدول هي المبدعة في الحروب، بل تطوّر وتتفنّن في أنواع الحروب، وهذه الحروب تجدّد نفسها دائماً، وتتحوّل إلى أنواع عدّة، ولعلّ الحرب السيبرانيّة هي الحرب الجديدة في العالم، وكلّ يوم نسمع بنوع جديد من التفنّن في الدمار، ولا حلول للسلام وحماية البيئة والفقر والتشرّد والإبادة والصهر والتهجير، بل صراعات جديدة متجدّدة.
في فلك هذا التحليل لمشكلات الشرق الأوسط، وتوصيفها، والبحث عن حلول لها، حاولنا أن نلقي الضوء على هذه المعضلات من خلال محاور هذا العدد، ففي هذا العدد حاول كتاب المجلّة أن يعالجوا هذه المسارات عبر عدّة محاور مهمّة وهي الاستراتيجية والأمن القومي للإدارات والدولة، ومن خلال المحور الثاني الذي يلقي الضوء على الإدارة والسلطة، أمّا المحور الثالث فهو عن الحرب الحديثة، والتغلغل الغربيّ في الشرق، وهناك مواضيع أخرى متنوّعة تصبّ في بوتقة هذه المحاور، والتمعّن في بعض الحركات والانتفاضات العالميّة.