آلاء محمودافتتاحية العددمانشيتملف العدد 51ملف المرأة

التطور التاريخي لتمكين المرأة بين العقبات والمكتسبات

آلاء محمود

التطور التاريخي لتمكين المرأة

بين العقبات والمكتسبات

 

تميز القرن العشرين بالاهتمام بقضايا المرأة، حيث تشكّلت أسس حركة حقوق المرأة والحركة النسويّة للمطالبة بوضعها على قدم المساواة مع الرجل في كافة الحقوق، كما تميّز هذا القرن بالوعي بالقضية الديمقراطية والتي من أهم  مرتكزاتها المساواة وإعطاء الفرصة للجميع دون تفرقة بين الجنسين، وبناءً عليه فإنّ وضع المرأة في المجتمع يُعتبر أحد المؤشّرات الرئيسة والمقاييس الهامة المعبّرة عن واقع هذا المجتمع من درجة الديمقراطية السائدة في هذا المجتمع ومدى تطوره وتقدمه، أما في العالم العربي فقد ارتفعت الأصوات في أربعينيات القرن الماضي من أجل المطالبة بتحسين وضع المرأة في المجتمع؛ من خلال المناداة بتعزيز وجودها في مركز القرار السياسي وممارسة حقها بعيداً عن ذكورية السياسة، بعد قرون طويلة من الإقصاء والتهميش من قبل المجتمع وعدم الاعتراف بحقها في أن يكون لها دور فاعل وواضح ومتكامل في الميدان السياسي والشأن العام، وحصرها فقط في الوظيفة البيولوجية من الإنجاب وإدارة المنزل، فالمشاركة السياسية للمرأة هي معضلة تاريخية، حيث تعددت وجهات نظر المفكرين والفلاسفة في هذه القضية على مرّ العصور، من فكر ابن رشد الذي سبق عصره حيث أكد على المساواة بين المرأة والرجل، ورأى في تعطيل دور المرأة في الحياة العامة سبباً في تخلف مجتمع بكامله، على عكس أرسطو الذي حقر المرأة، فهو يرى ضرورة أن تكون النساء خاصات للرجال بحيث لا يكون لهنّ سلطة، و يقول عن المرأة “إن الطبيعة لم تزود المرأة بأي استعداد عقلي يُعتدّ به؛ ولذلك يجب أن تقتصر تربيتها على شؤون التدبير المنزلي والأمومة والحضانة وما إلى ذلك”.

 

مفهوم التمكين السياسي

هذا المفهوم يشكل عملية مركبة تتطلب تبنّي سياسيات وإجراءات وهياكل مؤسساتية وقانونية، بهدف التغلب على أشكال عدم المساواة وضمان الفرص المتكافئة للأفراد في استخدام موارد المجتمع وفي المشاركة السياسية تحديداً، وليس القصد من التمكين المشاركة في النظم القائمة كما بُنيت، بل العمل الحثيث لتغييرها واستبدالها بنظم إنسانية تسمح بمشاركة الغالبية في الشأن العام وإدارة البلاد وفي كل مؤسسات صنع القرار ضد هيمنة الأقلية.

فتمكين المرأة بشكل عام يعني فتح المجال أمامها للوصول إلى ما تستحقه من مكانة في المجتمع، ويعني أيضاً أن تكفل الدولة حقوقها وأن يعترف المجتمع بهذه الحقوق.

 

القرارات والتوجيهات الدولية

أحرزت الأمم المتحدة تقدماً كبيراً في النهوض بالمساواة بين الجنسين انطلاقاً من قاعدة أنها ليست مجرد حق أساسي من حقوق الإنسان، ولكن لتحقيقها تداعيات اجتماعية واقتصادية هائلة، ومن أجل هذا الغرض عقدت الأمم المتحدة العديد من المؤتمرات التي أكدت جميعها على ضرورة تمكين المرأة ومشاركتها في التنمية، عن طريق المشاركة الفاعلة في عملية صنع القرار، باعتبار أن القيادة ومواقع اتخاذ القرار هي قوة مؤثرة وموجهة ومخططة في عمليات التنمية الشاملة، ولهذا طالبت العديد من الهيئات والمنظمات الدولية الحكومات بالإسراع في عملية المساواة.

والجدير بالذكر أن دعم الأمم المتحدة لحقوق المرأة جاء مع الإطار الدولي المعلن في ميثاق الأمم المتحدة، وقد مثل ميثاق الأمم المتحدة حجر الزاوية في التنظيم القانوني الخاص بكفالة حقوق الإنسان وضمان مراعاتها، ومن بين مقاصد الأمم المتحدة المعلنة في المادة (1) من ميثاق الأمم المتحدة: “لتحقيق التعاون الدولي …على تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً والتشجيع على ذلك إطلاقاً بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء”.

كما أكّد الإعلان التاريخي الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 1948، على أنه “يولد جميع الناس أحراراً ومتساويين في الكرامة والحقوق” وأن “لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، … أو المولد، أو أي وضع آخر”.

إن بنود هذا الإعلان تؤكد على المساواة المطلقة في الحقوق دون فصل أو تمييز، فهي تشمل كل إنسان، وهذا يعني ضمناً شمولها النساء بشكل عام، فلا يمكن فصل حقوق النساء عن مفاهيم حقوق الإنسان بشكل عام.

وتمثلت الجهود المبذولة في إطار الأمم المتحدة من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين وتفصيل المبادئ والحقوق المتضمنة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وصياغتها في شكل التزامات قانونية محددة في موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 ديسمبر 1966 على ثلاث وثائق دولية مهمة، وهي العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والبروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الأول المتعلق بالشكاوى المقدمة من الأفراد ضدّ أي انتهاك لحقوقهم.

كما تمثلت هذه الجهود أيضاً في وثائق الأمم المتحدة الخاصة بالمرأة والتي صدرت عن العديد من الاتفاقيات والمؤتمرات، منها الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق السياسية للمرأة عام 1966 التي أكدت على حق النساء في التصويت في جميع الانتخابات، وكذلك للنساء الأهلية في أن ينتخبن جميع الهيئات المنتخبة بالاقتراع العام، بشرط التساوي بينهن وبين الرجال دون أي تمييز، وكذلك ضرورة تقلد المناصب العامة دون أي تمييز ضدهم.

وعندما بدأت الحركة النسائية الدولية تكتسب زخماً خلال فترة السبعينيّات، توالت المؤتمرات المهتمة بمسألة تمكين المرأة ومساواتها مع الرجل، فقد نظّمت الجمعية العامة عام 1975 المؤتمر العالمي الأول المعني بالمرأة الذي عُقد في المكسيك، وفي عام 1979 اعتمدت الجمعية العامة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة “الشرعة الدولية لحقوق المرأة”، وهي أول معاهدة لحقوق الإنسان تؤكد على الحقوق الإنجابية للمرأة، وقد حددت الاتفاقية في موادها الثلاثين صراحةً، التمييز ضد المرأة ووضعت برنامجاً للعمل الوطني لإنهاء هذا التمييز، وقد استهدفت الاتفاقية بالدرجة الأولى الإرث الثقافي والاجتماعي بوصفهما قوى مؤثرة في تشكيل الأدوار بين الجنسين والعلاقات الأسرية.

ولعل أهم المؤتمرات التي عُقدت في هذا الشأن كان مؤتمر المساواة والتنمية والسلام الذي عُقد في نيروبي لاستعراض وتقييم منجزات عقد الأمم المتحدة للمرأة، ووُصف هذا الحدث بأنه ولادة للحركة النسوية العالمية، ثم عُقد مؤتمر بيجن في بكين عام 1995، وكان يهدف إلى تعجيل تطبيق استراتيجيات نيروبي التطلعية لتمكين المرأة، والارتقاء بها وإزالة كل العوائق أمام مشاركتها في كل أوجه الحياة العامة والخاصة، والتأكيد على حقوقها بوصفها حقوقاً إنسانية أصيلة، والالتزام باتّخاذ إجراءات محددة لضمان احترام هذه الحقوق.

ولعلّ الحدث الأهم في هذا المجال كان اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1979 لاتفاقية سيدوا الدولية على أنها مشروع قانون دوليّ لحقوق المرأة، والتي تهدف إلى القضاء على جميع أشكال التمييز ضدها، وتُعتبر هذا الاتفاقية المرجعية والمصدر للاتفاقيات والمؤتمرات الخاصة بالمرأة، وتتألف من مقدمة و(30) بنداً، ودخلت حيّز التنفيذ عام 1981، ووقّعت عليها أكثر من 189 دولة من بينهم أكثر من خمسين دولة وافقت مع بعض التحفظات والاعتراضات، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وإن كانت قد وقّعت عليها إلّا أنّها ظلت إلى القرن الحادي والعشرين دون المصادقة عليها، حيث يُعتبر توقيع الدول موافقة ضمنية على بنود الاتفاقية، أما المصادقة فتعني إقرارها بهذه البنود والالتزام بالعمل بها، ومثلها المملكة السعودية والتي وقّعت مع تحفظ عام على كل الاتفاقية، حيث تحفظت على بندين من بنودها خصوصاً في حال تعارض الاتفاقية مع الشريعة الإسلامية، فيما جاء البند الثاني مع البنود المتعلقة بجنسية الأطفال، حيث لا تمنح القوانين السعودية الجنسية لأطفال المرأة المتزوجة من غير سعودي، كما وافقت الأردن على الاتفاقية مع التحفظ على ثلاثة بنود خاصة بالمساواة بين الرجل والمرأة، وتُعتبر هذه الاتفاقية بمثابة صكّ دولي لضمان حقوق المرأة وضمان مشاركتها  في مراكز صنع القرار.

 

واجهت جهود الأمم المتحدة التي كانت تهدف إلى تعزيز المساواة بين الجنسين على الصعيد العالمي لسنوات عديدة الكثير من التحديات، ومن بينها عدم كفاية التمويل وعدم وجود محرّك موحّد معترف به لتوجيه أنشطة الأمم المتحدة بشأن قضايا المساواة بين الجنسين، ما دفع الجمعية العامة للأمم المتحدة لإنشاء هيئة الأمم المتحدة للمرأة في يوليو/ تموز 2010، وهي كيان معنيّ بالمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، ومن مهماته التصدي لهذه التحديات، ويمكن القول: إنّ إنشاء هذه الهيئة يُعدّ بمثابة خطوة تاريخية في تسريع وتيرة العمل لتحقيق أهداف المنظمة بشأن المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة.

 

معوقات التمكين السياسي للمرأة

جدلية تمكين المرأة تحكمها العديد من العوامل التي تُعتبر بمثابة معوقات تضغط على طموحها وتمنع ترقيتها وممارسة حقوقها في كافة المجالات، لا سيّما في الحقل السياسي الذي ظلّ مدّة طويلة من أكثر المجالات مقاومةً لإدماج المرأة في هذه المعوقات المترابطة والمتشابكة.

ويمكن إجمال المعوقات فيما يلي:

 

الإرث الثقافي ونظرة المجتمع

على الرغم من خروج المرأة إلى معترك الحياة العملية، وشغلها العديد من الوظائف والمناصب التي كانت حكراً على الرجل، والاهتمام الذي حظيت به في قضايا تمكين المرأة ضمن اتفاقيات، ومعاهدات أكدت على ضرورة فسح المجال للمرأة في المشاركة السياسية، والتزمت بها معظم دول العالم باستثناء بعض الدول العربية، إلّا أنه ما زالت فكرة عمل المرأة في الحقل السياسي، وتقلّدها مناصب قيادية يلقى عدم قبول ومعارضة من قبل المجتمع الذي ترسّخت في أذهانه عبر عقود، تلك النظرة المتدنية للمرأة المتمثلة في محدودية قدراتها، وأنها لا يمكن إلّا أن تكون تابعة للرجل، وحصرها داخل المنزل، فهي لا يمكن أن تقوم بأي عمل خارج هذا الإطار.

هذا إلى جانب الاعتبارات الدينية التي فسّرت بعض النصوص تفسيراً خاطئاً، أو جرى تفسيرها على النحو الذي يصبّ في مصلحة جهة ما، حيث ترى الآراء المعارضة لمشاركة المرأة في الحقل السياسي من ممارسة السلطة وتقلّدها المناصب القيادية أنها تمثل ولاية عامة، فهم يرَون وفقاً لفهمهم وتفسيرهم بعض النصوص، أن الولاية العامة تقتصر على الرجال دون النساء، وهم يستدلون في هذا الخصوص بالآية الكريمة “الرجال قوّامون على النساء” وأيضاً استناداً إلى الحديث الشريف “لن يفلح قوم ولّوا أمرهم لامرأة”.

وهنا يجب الإشارة إلى أن هذا الفهم للآية الكريمة والحديث الشريف هو فهم ضيق ومغلوط، فهذه الآية مختصة بتنظيم العلاقات الزوجية وشؤون الأسرة، فقراءة الآية في سياقها يؤكد ذلك، لأنها تعني أن الرجال مسؤولون عن النساء، ولذلك هم يقومون على حاجة النساء من النفقة مثلما يقومون على حاجة أطفالهم، ولا علاقة لذلك بمسألة الحقوق السياسية للمرأة ومنعها من الولاية وتقلد المناصب العليا.

وأيضاً الحديث الشريف قد فُهم خطأ على غير وجهه، فهذا الحديث صحيح لا شبهة فيه، ولكن إذا رجعنا إلى الحديث ومناسبة وروده لعلمنا وجه الحق في فهمه، فهذا الحديث خاص بتولي بنت كسرى الحكم خلفاً لأبيها، وذلك عندم علم النبي (ص) أن دولة الفرس قد ولت أمرها للنساء، ما يعني أن دولة الفرس ستنتهي وأن الأكاسرة سينتهون وليس عندهم رجال يتولون الأمور، فإذا ما تولّتِ النساء فإن بموت المرأة ينقطع النسل، ومن المعروف في الأسر المالكة أنّه إذا انتهى الذكور وانتهى الأمر إلى النساء فإنّ ذلك يأذن بزوال الدول، فما أورده النبي (ص) في هذا الحديث خاص بهذه المناسبة، وليس حكماً عاماً يتعلق بأحكام شرعية تربط بين ولاية المرأة، وعدم الفَلاح.

والجدير بالذكر أنّ القاعدة العامة في الشريعة الإسلامية تقوم على المساواة العامة في الحقوق العامة والواجبات بين الجنسين، إلّا ما تم استثناؤه بنص صريح، وفي الحقيقة لم يثبت ورود نص قرآني أو سنة نبوية أو إجماع صحيح أو كتاب يحرّم حق الانتخاب والترشّح على المرأة، فليس من حق البشر أن يقوموا بالتحريم من غير دليل.

 

مستوى التعليم

من أهم مرتكزات تمكين المرأة هو مستوى التعليم ونوعه، فالتعليم هو الذي يخلق الوعي لديها بحقوقها ويشعرها بقيمتها ومكانتها، ويمكّنها من خوض غمار المناصب والوظائف التي ظلت لفترات طويلة حكراً على الذكور.

فعلى الرغم من تنامي الاهتمام بقضية تعليم المرأة منذ منتصف العشرينيّات من القرن الماضي، وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الدول العربية للارتقاء بالمستوى التعليميّ للمرأة، وتحسين أوضاعها في هذا المضمار، نجد أن المرأة حتى وقتنا الحالي مازالت تعاني من سوء الأوضاع التعليمية، لا سيما في الأرياف التي تتسم بارتفاع مستوى الأمية للإناث، حيث تكون الأولوية في هذه المجتمعات للزواج وتكوين الأسرة، بالإضافة إلى المناهج التربوية التي تتضمن بعض الرسائل التي تحصر المرأة في البيت، وبعض الفضاءات الخاصة، وتربط المسؤولية التي تقوم بها بالدور الإنجابي، الأمر الذي يؤدي إلى ترسيخ تلك الأفكار والنزعات الذكورية  التي لا تعطي الثقة بالمرأة ويهيمن فيها الذكور على كل المجالات.

 

المعوقات السياسية

مع تنامي الحركات النسوية والحقوقية في جميع أنحاء العالم، تزايدت المطالبات بتفعيل دور المرأة وإشراكها في المسارات السياسية كحقّ أصيل من حقوق المواطنة، حيث إن مشاركتها في تحقيق التنمية الشاملة على قدم المساواة مع الرجل هي جوهر المواطنة.

رغم كلّ هذه المجهودات الدولية والإقليمية  لتحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين  المرأة سياسياً، نجد – إذا ما نظرنا إلى الواقع – أنّ هذا التمكين ظلّ نظرياً، وأنّ وضع المرأة يُعتبر هشّاً في الميدان السياسي، ويمكن إرجاع ذلك إلى عدة أسباب؛ منها عدم تـأهيل المرأة للمشاركة السياسية، وتنمية الوعي لديها؛ ليكون لها دور فاعل في المجتمع، بدءاً من مشاركتها كمواطن بالإدلاء بصوتها في الانتخابات مروراً بالاهتمام بالشأن العام ومعرفة مجريات ما يحدث حولها، وانتهاءً بالانخراط في العمل السياسي، فالعادات والتقاليد التي حصرت المرأة في الدور النمطي خلق عقيدة لدى المرأة أن الاهتمام بالمسائل السياسية هي أمور خاصة بالرجل، وكأنّها ليست عضواً في  هذا المجتمع تتأثر به، وإذا ما أرادت يمكن أن تؤثر به، فمن النادر أن نرى امرأة تتحدث في السياسة، أو تمسك بجريدة لمطالعة الأخبار إذا ما قارنّاها بالرجل.

وأيضاً رغم اعتماد الكوتا في بعض الدول إلّا أنّ نسبة النساء لا تمثل سوى 16% من البرلمانيين على مستوى الأحزاب السياسية، كما نجد أن المرأة العضو في حزب سياسي تبتعد عن الترشح في دوائر معينة خوفاً من تضييع الفرصة فتتركها لمرشح رجل في حزبها، لأنها تعلم مقدّماً أنها لن تحظى بأصوات كونها امرأة، كما تفيد الدراسات الصادرة عن المنظّمات الدولية أن المرأة لا تحتلّ إلّا 10% من المناصب القياديّة داخل الأحزاب السياسية على الرغم من أنّها منخرطة فيها بنسبة تتراوح بين 40 و50%، وتكاد المرأة تكون غائبة عن المراكز القيادية العليا في الأحزاب السياسية في الدول العربية، فضلاً عن افتقار النساء إلى الدعم المالي والمعنوي في حملاتهنّ الانتخابية وعدم توفر دعم من القيادات السياسية الرسمية وغير الرسمية، بالإضافة إلى ضعف  فاعلية المنظمات المعنية بحقوق المرأة.

ويمكن إرجاع ذلك إلى:

– قلة الموارد المالية، فالدعم الذي تلقاه هذه المنظمات قليل جداً، وهذا يستلزم بناء استراتيجية مستمرة لتوفير الدعم والتمويل الذاتي والوطني لهذه المنظمات.

– وجود القوانين المقيدة لنشاط الجمعيات وإخضاعها عندما تنشأ لأشكال مختلفة من الإشراف والرقابة بالإضافة لمحاصرتها والتضييق عليها، وعدم قدرة هذه المنظمات على الحصول على التسجيل القانوني في بعض الدول العربية.

– غياب استراتيجية تمكين شاملة، وضعف عملية بناء قدرات المنظمات النسائية وتحويلها إلى مؤسسات فاعلة ذات قيادات مؤهلة ومدربة.

 

المعوقات التشريعية

ويضاف إلى ما سبق من معوقات، المعوقات التشريعية بما تتضمنها من قوانين مجحفة بحق المرأة، وعلى الرغم من أنه من المعروف أن القوانين مرجعها الأساسي للشريعة الإسلامية طبقاً للدستور، لكن إن نظرنا إلى الواقع نجد أن القوانين بعيدة كل البعد عن أحكام الدين الحنيف، ونجد أكثرها تمّ تفصيلها على مقاس الرجل، فهي في الحقيقة مرجعها العادات والتقاليد التي تبجّل الرجل وتمنحه حقوقاً مطلقة على حساب المرأة، فنجد العديد من الدول في المنطقة العربية تحتفظ بقوانين تمييزية ضدّ المرأة تعمل على التقليل من درجة مواطنتها وإبطال واستلاب حقوقها.

فعلى سبيل المثال؛ التمييز في قانون العقوبات في البلدان العربية، والذي يفرق بين الرجل والمرأة في الجرائم المخلة بالشرف، مع أن الله  ساوى بين الرجل والمرأة في عقوبة الزنى بقوله: (الزاني والزانية فاجلدوا كل واحد….)، وكذلك التمييز في قوانين الأحوال الشخصية، حيث كثيراً ما تقف حاجزاً أمام المرأة أكثر من الرجل إذا رغبت في إنهاء زيجة تعيسة، أو في بدء إجراءات الطلاق، أو ضمان حقوقهن المتعلقة بالأطفال بعد الطلاق، وأيضاً التمييز في قوانين الجنسية التي ما تزال تؤثر على حياة الملايين من النساء وأسرهن، ولا بد من الذكر أن هناك اليوم ما يقارب من  27 دولة مازالت  تمارس التمييز ضد المرأة من خلال حرمانها من الحق في نقل جنسيتها إلى أطفالها، وأكثر من 60 بلداً ينكر حقوق مساواة المرأة بالرجل في اكتساب الجنسية أو تغييرها أو الاحتفاظ بها، ما يعني أن أطفال هؤلاء النساء يفتقرون إلى الوضع القانوني، وفي أسوأ الأحوال يصبحون عديمي الجنسية.

فهذا التمييز في القوانين له آثاره المدمّرة والسلبية على المرأة، حيث أنّ انشغال المرأة في الحصول على حقوقها وحقوق أطفالها يجعلها لا تجد الوقت الكافي للقيام بدور آخر خارج الدور النمطي المرسوم لها من قبل المجتمع، وفيما يتعلق بالتشريعات المتعلقة بتمكين المرأة وكفالة تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، فإذا ما نظرنا إلى الواقع، نجد أنها مجرد حبر على ورق، فبعض الدول استخدمت المرأة كأداة للدعاية السياسية لتحقيق بعض المكاسب وتحسين صورتها أمام العالم تحت ستارة تمكين المرأة، دون أي تمكين فعلي.

فتمكين المرأة يحتاج إلى إيمان وثيق بقدرتها على المشاركة الفعالة في كافة المجالات بشكل عام وفي الميدان السياسي بشكل خاص، كما يحتاج إلى توفر الرغبة الحقيقة لدى القيادة السياسية وصنّاع القرار بتمكينها وإفساح المجال أمامها لإثبات قدراتها في هذا المضمار.

 

العلاقة بين التمكين السياسي للمرأة وبين ثقافة المجتمع وقيمه

إن قضية تمكين المرأة  سياسياً وتعزير دورها في الفضاء السياسي ما زالت حديثة العهد في المجتمع الشرقي مقارنة بالمجتمع الغربي، وعلى الرغم من أن مشاركة المرأة في العمل السياسي تُعتبر مؤشراً ومقياساً على مدى ديمقراطية وتحضّر المجتمع، ولكن ما تزال مشاركتها في الحياة السياسية باهتة ودون الطموح في مجتمعنا العربي الذي تحكمه عادات وتقاليد وقيم جامدة وراسخة من الصعب تغييرها، خاصة فيما يتعلق بعمل المرأة في المجال السياسي، فالمجتمع العربي يتّسم بهيمنة السلطة الأبوية، حيث يرى في الرجال وحدهم دون النساء القدرة على الإدارة والأخذ بنواصي الأمور، وأنهم الأجدر في اتخاذ القرارات، وهذه النظرة تنطبق على كافة مناحي الحياة بدءاً من الأسرة وانتهاءً بممارسات كافة المناصب القيادية والمراكز الهامة.

فالثقافة العربية السائدة تقوم على منظومة من القيم والعادات والتقاليد التي ترسخت عبر عقود، وقد رسمت صورة نمطية للمرأة وحددت ما هو مناسب وما هو غير مناسب من أدوار بالنسبة للرجل والمرأة، فالمناسب للمرأة هو اهتمامها ورعايتها لأطفالها وزوجها، وكذلك المناسب للرجال هو توليهم للمناصب والمراكز السياسية والتشريعيّة، فعلى الرغم ممّا حققته المرأة من إنجازات ملموسة في شتى المجالات وإثبات قدرتها على العمل في المناصب العليا والمشاركة في عملية صنع القرار،  فإنها مازالت تعاني من التفرقة بينها وبين الرجل وعدم الثقة فيها للعمل بالحقل السياسي، فنجد في الانتخابات النساء أنفسهن يعطين أصواتهن للمرشح الرجل لاعتقادهن أنه أصلح للسياسة من المرأة.

 

الخاتمة

إنّ قضية تمكين المرأة سياسياً هي مسألة شائكة ومعقدة، ولا يمكن القول: إنّه من السهل حلها في القريب العاجل لارتباطها بالعديد من العوامل التي حالت دون ذلك، وعلى رأسها الموروث الثقافي والاجتماعي القائم على العادات والتقاليد والذي من الصعب تغييره، لكن ليس بالمستحيل، ويلعب الإعلام دوراً هاماً في إمكانية تغيير الأفكار المترسخة عن الدور النمطي، عن طريقة التوعية بأهمية دور المرأة ومساهمتها في المجتمع بدلاً من توجيه الخطابات الاستهلاكية التي حصرت المرأة في الرعاية والتجميل والموضة، فالإعلام يقوم بدور كبير في تشكيل الوعي المجتمعي الذي يمكن أن يكون له عظيم الأثر في تغيير الصورة الذهنية الثابتة  لديهم عن دور المرأة، مع ضرورة قيام مؤسسات المجتمع المدني بقيادة عملية تغيير ثقافي في المجتمع مع التركيز على قطاع ﺍلمرﺃة.

وكذلك عقد دورات ثقافية وتدريبية لتوعية المرأة بأهمية مشاركتها السياسية وخلق الثقة بقدرتها على الدخول إلى المعترك السياسي، مثلها مثل الرجل، حيث أنّ انعدام ثقتها في إمكانياتها وقدراتها، يجعلها تبتعد عن طرح نفسها للمنافسة في المناصب القيادية والعليا، الأمر الذي يترتب عليه استمرار بقاء العديد من النساء في المقاعد الخلفية.

ومن الناحية التشريعية لا بدّ من تعديل القوانين والأنظمة التي تحمل تمييزاً ضد المرأة، إذ أنّ عملية تمكين المرأة ودمجها في عملية التنمية يرتبط ارتباطاً مباشراً ووثيقاً بوضعها التشريعي والقانوني، وأن يتم تطبيق النصوص القانونية التي تقرّ بالمساواة بين الرجل والمرأة على أرض الواقع بدلاً من أن تكون مجرد نصوص شكلية دون تطبيق، وعلى الحكومة إفساح المجال للمرأة وإعطاؤها الفرصة للمشاركة في المواقع القيادية والحساسة بدلاً من حصرها في الوزارات الناعمة مثل وزارة التضامن الاجتماعي وغيرها من الوزارات، التي تُعدّ امتداداً للدور النمطي والتقليدي المتمثل في رعاية الأسرة.

كذلك يقع على عاتق رجال الدين مهمة تصحيح التفسيرات المغلوطة لبعض الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة، وسرد القصص التاريخية التي توضح إسهامات المرأة ومكانتها قديماً.

 

 

 

المراجع

– دكتور صابر بلول / التمكين السياسي للمرأة العربية بين القرارات والتوجهات الدولية والواقع.

– وسيم حسام الدين الأحمد / التمكين السياسي للمرأة

– قوانين الجنسية – ساحة معركة جديدة من أجل تحقيق المساواة للمرأة / موقع OPEN DEMOCR

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى