جوزيف لحدومقالات

الإبادة الجماعية في مجازر السيفو 1915م

جوزيف لحدو

الإبادة الجماعية في مجازر السيفو 1915م
جوزيف لحدو

جوزيف لحدو
جوزيف لحدو

إن الدولة العثمانية منذ تأسيسها في القرن الخامس عشر وتأسيس السلطنة العثمانية قامت على جماجم الشعوب الأصلية، حيث مارست منذ البدء عمليات التطهير العرقي الوحشية والإبادة الجماعية والإرهاب الدائم والمستمر على الشعوب بارتكاب أفظع الجرائم وبأشد وأبشع صور التعذيب والتنكيل وبث الذعر في النفوس، وتركزت هذه الإبادة الجماعية في البداية على الشعوب المسيحية/ اليونانية ، البلغار ، الأرمن ، السريان الآشوريين الكلدان /عبر سلسلة من الاضطهادات وصلت ذروتها وتعاظمت بشكل غير مسبوق في بداية القرن العشرين حيث أبادت مئات الألاف من اليونانيين وأكثر من مليون ونصف من الأرمن وما يقارب مليون سرياني آشوري كلداني وتهجير ما تبقى منهم.

واستمرت بتطبيق هذه السياسة اللاإنسانية الوحشية على الكرد بالتصفية الجسدية والإبادة الثقافية لإنهاء وجودهم كشعب وقومية بشتى الطرق والوسائل الإرهابية والدسائس والمؤامرات, وصولاً إلى التآمر على عفرين واحتلالها وتشريد أهلها.

وقد اتبعت السلطنة العثمانية منذ البداية سياسة بث التفريق بين مكونات الشعب وزرع الفتن الطائفية والدينية واستغلت الدين وحولت السلطنة إلى خلافة إسلامية لتستغل العواطف الدينية عند الشعوب الإسلامية، وإبان حكم السلطان عبد الحميد وضعف السلطنة العثمانية وبعد الاطلاع على تقرير “محمد زكي باشا” حول وضع العشائر الكردية وبقية شعوب المنطقة في شرق وجنوب البلاد والتي كانت في حالة تعايش مع بعضها ومختلفة مع سياسة الامبراطورية من جهة، فتم وضع خطة لتشكيل وحداة عسكرية على شكل مليشيات من العشائر التركية البدوية وبعض العشائر الكردية المتعاملة مع السلطة بحثاً عن الجاه والنفوذ والغنائم ومن مجموعة من المساجين والمجرمين المرتزقة وذلك لإخضاع العشائر الكردية وشعوب المنطقة /سميت بالفصائل الحميدية/ وقد نفذت في البداية مجازر الإبادة الجماعية ضد المسيحية/ الأرمن والسريان الآشوريين الكلدان/على مرحلتين.

المرحلة الأولى: في الأعوام /1890 ، 1909/ حيث قام الجيش العثماني مع الميليشيات المرتزقة بتنفيذ مجازر مرعبة ضد الشعوب المسيحية وممارسة التطهير العرقي والنهب والسلب من قبل الميلشيات المرتزقة للأموال والممتلكات والحقول والمواشي وغيرها، وبلغ عدد الذين قتل من الشعب السرياني الآشوري الكلداني لوحده أكثر من /300/ ألف نسمة ما عدا الذين توفوا نتيجة التشرد في الجبال والبراري.

المرحلة الثانية: وامتدت من العام /1915 ، 1970/ وهي المجازر والاضطهادات الأكثر فظاعةً في تاريخ الإنسانية حيث ابتدأت بـ (مجازر سيفو) عام 1915 وامتدت باضطهادات وضغوط متعددة من قبل الحكومات التركية المتعاقبة حتى عام 1970 حيث أدت إلى تهجير ما تبقى من الشعب إلى الدول الأوربية.

وكانت قد وضعت خطة لإبادة المسيحيين في السلطنة العثمانية للحفاظ على وحدة البلاد من قبل/أنور باشا وباقتراح من (قوشجو باشا أشرف) بتاريخ 32/2/1914 وقد تم تنفيذ هذه الخطة في البداية في غرب الأناضول ضد اليونانيين والبلغار وقتل وإبادة وتشريد مئات الآلاف والاستيلاء على أراضيهم وممتلكاتهم وذلك بالتعاون مع الضباط الألمان وبقيادة الجنرال الألماني (فون ساندرز).

وبعد ذلك تم التوجه إلى شرق وجنوب البلاد لإبادة الأرمن والسريان الآشوريين الكلدان، فبتاريخ 2/8/1914 تم الإعلان عن السفربرلك وتعيين (قوشجو باشا أشرف) بتنفيذ هذه الخطة، حيث قام الجيش العثماني ومع الفصائل الحميدية التابعة له بشن الهجوم على الأرمن منذ مطلع عام 1915 بعمليات إبادة وتهجير وتنكيل بشكل عشوائي لبث الذعر في النفوس، إلا إنه بعد اجتماع آذار 1915 في اسطنبول بمشاركة حزب الاتحاد والترقي تم تنفيذ عمليات الإبادة الجماعية المنظمة من قبل السلطنة العثمانية أي /إرهاب دولة منظمة/ حيث شمل في البداية اعتقال المئات من الشخصيات الاجتماعية والشعبية والدينية وإعدامهم بقطع الرؤوس والتعذيب وبعدها الهجوم على القرى والمدن وإبادتها وحرقها ونهبها وتهجير السكان إلى أماكن بعيدة وقتلهم بطرق فظيعة وشنيعة مما أدى إلى إبادة أكثر من  مليون ونصف من الأرمن وتهجير ما تبقى منهم.

ومنذ نيسان 1915 شملت أعمال الإبادة الجماعية هذه الشعب السرياني الآشوري الكلداني في مناطق /وان، وبتليس، سيرت/ وكان قائد العمليات فيها /جودت بيك/ ابن طاهر باشا وهو من المسيحيين (دف شرما).

وبتاريخ 5/6/1915 شملت المجازر منطقة نصيبين وجميع القرى المحيطة بها ومنطقة حسن كيف وقراها وقبور بيض وقراها حيث تم جمعهم على شكل قوافل وقطع رؤوسهم من قبل العسكر العثماني بقيادة أحمد منير ويوسف حسن شمدين وعشائر كردية متعاملة معهم.

وبتاريخ 11/6/1915 تم تنفيذ مجازر مديات ومحيطها بقيادة القائم مقام (رؤوف بيك) الذي اعتقل في البداية (140) شخصاً من الوجهاء والزعماء الأرمن والسريان وقطع رؤوسهم وبعدها أطلق عنان الإبادة بحق الشعب وتهجير ما تبقى والاستيلاء على ممتلكاتهم.

وما بين (1/10/1915، 23/11/1915) تم محاصرة مدينة آزخ بأكثر من /8000/ جندي عثماني بقيادة ألمانية مع الفصائل المرتزقة ولم يتمكنوا من اقتحامها بسبب المقاومة العنيفة التي أبداها أهلها، فانسحبوا بعد تكبدهم خسائر بشرية كبيرة، إلا أنهم أبادوا جميع القرى المحيطة بآزخ والذين لم يتمكن من الوصول إلى آزخ. وقد استخدم الأتراك الوحشية والإرهاب في عمليات الإبادة هذه من قطع الرؤوس وحرق الأحياء والتعذيب بقطع الأوصال والأعضاء وبقر البطون للنساء الحوامل وصلبهن بعد تعريتهن وقتل الأطفال أمام أمهاتهم بطرق بشعة وموت الكثيرين في الجبال والبراري والطرقات من البرد والجوع وأكلتهم وحوش البرية … وغيرها من الويلات التي يندى لها الجبين الانساني ويعجز القلم عن صياغة وتصوير ما حصل.

حيث فقد الشعب السرياني الآشوري الكلداني حوالي مليون نسمة مع خسارة جميع ممتلكاته وماله الذي جمعهم عبر العصور وتشرد في بلاد الله الواسعة هائمة على وجهه.

وامتداداً لمجازر سيفو التي حصلت عام 1915، تعرض الآشوريون (من آذار إلى تموز 1915) لمجازر وحرب إبادة في منطقة أورميه وسين قلعة وسلامس ومنطقة هكاري على يد الجيش العثماني والإيراني من تبريز مع بعض القبائل الكردية المتحالفة معها مثل قبيلة سمكو آغا الذي كان صديقاً للأشوريين واستخدمه السلطة الايرانية في تنفيذ خطة تآمريه على زعيم الآشوريين البطريرك (مار بنيامين شمعون) ووعدوه بالجاه والنفوذ والدعم، فنفذ الخطة باغتياله هو والكثير من المرافقين، مما أدى إلى زعزعة وضعف في القيادة عند الآشوريين وبالتالي تم محاصرتهم من كل جانب وكان الجيش العثماني بقيادة (علي إحسان باشا) و(حيدر باشا) وسيد طه وجودت بك الذي له خبرة في الإبادات لأنه كان قد قتل الآلاف من الآشوريين في منطقة سلامس عام 1915 ودفن/700/ شخص آشوري أحياء في حادثة واحدة … وباستمرار الحصار والهجوم المستمر انهارت قوة الآشوريين وهربوا من أورميه وهكاري ومناطقها إلى منطقة همدان حيث تواجد الجيش الإنكليزي والتي تبعد عنهم حوالي (900 كم)  مشياً على الأقدام وتحت الهجوم المستمر والقصف من جميع الجهات فتعرضوا لمجازر متعددة في الطريق وكانت أقساها في منطقة (حيدر اباد ماميشه) على بعد (4 كم) من أورميه، حيث فقد الآشوريون في هذه المجازر أكثر من ربع سكانهم ماعدا الذين قتلوا وتشردوا وضاعوا في الطرق الوعرة والطويلة التي قطعوها ومن هناك تم نقلهم إلى بلاد الرافدين، العراق حيث تم وضعهم في مخيمات وتوفي منهم (300 ألف) نسمة في المخيمات وتم التآمر عليهم ممن قبل الحكومات العراقية والإنكليزية وإعادة تهجيرهم من العراق إلى الجزيرة السورية وإسكانهم في مخيمات على سهل الخابور عام 1933 وفي العصر الحالي في السنوات /2013 ، 2016/ تعرضوا لهجمات جبهة النصرة وداعش الإرهابيتين والمدعومة والمرسلة من قبل النظام التركي وتم قتلهم وسبيهم وتشريدهم من جديد، والمأساة مستمرة على شعوب المنطقة بسبب استمرار هذه العقلية الإرهابية.

ونتيجة للنشاط السياسي والثقافي والإعلامي لمجلس بيث نهرين القومي والأحزاب والمؤسسات المرتبطة به تم الاعتراف بمجازر سيفو هذه بحق (السريان الآشوريين الكلدان) من قبل الكثير من الدول والبرلمانات والمنظمات الأوروبية نذكر منها /السويد، ألمانيا، هولندا، بلجيكا، فرنسا، التشيك، أرمينيا، وعدة إيالات وبلديات في أمريكا وأستراليا/. ومع توالي الاعترافات انكشف زيف الأنظمة التركية المتوارية وخداعها للمجتمع الدولي بأنها تدافع عن نفسها ضد الإرهابيين والعصابات، وفي حقيقة الأمر هي الأنظمة الإرهابية الحقيقية والتي تمارس إرهاب الدولة المنظم، وتلد وتؤسس المنظمات الارهابية وتحتضنها وتستخدمها ضد الشعوب وتبث ثقافة وفكر الإرهاب وعدم الاعتراف بالأخر عبر الأجيال.

ومن الجدير ذكره في هذا الصدد إن الكثير من القبائل الكردية لم تخضع لأوامر الحكومات العثمانية والتركية ولم ترضخ لابتزازها ولا للترهيب والترغيب ولم تشارك في هذه المجازر، بل بالعكس وقفت ضدها وقامت بتقديم المساعدة والعون والحماية للكثير من المسيحيين، أما الذين باعوا أنفسهم للسلطة العثمانية التركية وللنهب والسلب فأن ذكرهم هو في مزبلة التاريخ وقد استخدمهم الأتراك في قتل إخوانهم وأبناء جلدتهم الكرد لإخضاع العشائر الكردية للسلطة العثمانية التركية وبشكل مستمر حتى اليوم للقضاء على أية مقاومة كردية واغتيال وقتل الكرد المقاومين للظلم والهيمنة التركية المستمرة منذ (500 عام) بأشكال متعددة بنفس الفكر والأيديولوجيا الإرهابية في القتل والإبادة وصولاً إلى جبهة النصرة وداعش وغيرهم من التنظيمات الإرهابية التي استخدمهم النظام التركي في قتل وتشريد /السريان الآشوريين الكلدان/ في وادي الخابور وجميع قراها وسهل نينوى ومدنه وبلداته وقراه وفي جبل سنجار ومدنها وقراها مع الأخوة الإيزيديين الذين تعرضوا لنفس عمليات الإبادة كما حصل في سنوات /2013 ، 2016/ وما دل على ذلك ما وصل مؤخراً في عفرين من هذه العصابات التي فيها الكثير من الكرد مع الجيش التركي الذي شن حرب إبادة وتهجير وتدمير على عفرين بنفس العقلية الإرهابية، حتى إنه جرى تدمير الآثار والكنائس الأثرية القديمة (كنيسة مارمارون) ليبيد ويستأصل الآثار والجذور الدالة على الشعب السرياني الأصيل.

وإننا عندما نذكر هذه المجازر ونطالب تركيا بالاعتراف بها لا نقصد أبداً الحقد والعداوة والانتقام بل من أجل أن لا تتكرر مثل هذه المجازر التي يمارسها أردوغان كل يوم بحق شعوب المنطقة من كرد وعرب وسريان آشوريين كلدان، أرمن وإيزيدين.

وإن الحل للخلاص من هذه العقلية الإرهابية هو أن تحل محلها ثقافة أخوة الشعوب والعيش المشترك بطريقة حرة ديمقراطية إنسانية تسود فيها العدالة وينقطع منها حبل العداوة والفتن والإرهاب بحيث يعيش الجميع بحرية وسلام.

 

……………………………………

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى