أبحاث ودراساترياض درارمقالات

مواطنةٌ أم عيشٌ مشترَك!

رياض درار

رياض درار

رياض درار
رياض درار

 

تتكررُ مقولةُ العيش المشترك، ولم نجد لها أكثرَ من مدلولٍ رغبوي لحسن التلاقي والجوار بين أبناء المجتمع الواحد؛ الذي تتعدد فيه الديانات والطوائف والاثنيات والمذاهب؛ ولكنها عملياً تخفي واقعاً مريراً يسعى معسول الكلام للتغطية عليه بمديحٍ مفتعل للعلاقات بين هذه التنويعات الاجتماعية؛ مع التمثل ببعض قصص وروايات تحاول إضفاء مسحةٍ تاريخية على هذه العلاقات لجعلها مثلاً يمكن أن تستمرَ الحياةُ على هديه ومنواله.

إن الناسَ تنتمي، ولكن الحياة لا تستمرّ بمجرد الانتماء، فالدينُ ليس ورقة حماية لأبنائه، لأن الصراعَ الديني قد يكون أشدّ بين حامليه منهم على أعدائه، والصراعات الدينية خلقت طوائفَ متقاتلة لم تتوقف هي ذاتها عن الانقسام، وفي كل مرة يتكرر الحديثُ عن ضرورة التعايش المشترك.

والأقوامُ، وهي على أرض مشتركة، وتنشد انتماءً واحداً، تفصل فيه العشائر والأفخاذ والبطون ما تلبث أن تدخلَ حروباً تنافسية، بين أبناء العمومة لاتتوقف إلا بفناء البعض أو تهجير الآخر. ومازلنا نتمسك بالقرابات، وننتخي بأبناء العمومة، ونتوهم إمكانية العيش المشترك بقليل من الديّات، وشيء من تقاسم النفوذ وتوزيع المرعى، والتزاوج بين القبائل لعلّ المصاهرة تلغي المقاهرة.

إنها الهوياتُ العميقة في حياة الإنسان، التي يرى كلّ طرف فيها التفوق والجدارة وأهلية الاستمرار. إن كل فرد ينتمي لدين وينتمي لجماعة بشرية، ولكن لا شيء مؤكد أن الانتماء المشترك يقود إلى عيش مشترك، لأن المجتمعاتِ مجموعُ أفراد لهم طموحات، ولهم تصورات، ولهم اندفاعات لا تحدّها الانتماءاتُ إلا في حالة سجنهم بقيود الولاء والانتماء، وسجنهم في علاقات الطاعة أو البراء منهم، وتلك ظاهرة الصعاليك في تاريخنا القديم، ولكنها ظاهرة الثوار المتمردين في كلّ عصرٍ وشعب عبر التاريخ.

إن ظاهرةَ التمرد، هي التي تجعل الحديثَ عن العيش المشترك طوبى يلتزم بها من لا طموح لهم، ومن يقبلون المسكنة من أجل لقمة عيش، أو حياة هادئة ومصلحة ذاتية تلتصق بقوى أكبر من المتنفذين أو القادة السلطويين.

بسبب انتفاء الطموح، والخوف من تأجيج الصراعات بين القوى الاجتماعية، يقوم أصحابُ النفوذ والمصالح بطرح أفكارٍ تجمع ولا تفرّق، وتوحّد ولا تقسِّم، وتخرج منها بمواثيقَ اجتماعية بمثابة عقود بين عقلاء مدركين، ما يسمى العقد الاجتماعي، أو الميثاق، وهو ماعهدناه في مسارات الصراع والبناء في حياتنا المعاصرة، وكلها تنشد العيشَ المشترك وتدبج فيه الجمل الرنانة والكلمات الطنانة، ويتغنى به الشعراءُ وتصاغ فيه أجمل القصائد .

ونخرج من فضاء المواثيق إلى أرض الواقع، فنجدُ انقساماتٍ جديدة حول الحزب القائد، وحول الرمز المفدى والأمل المرتجى، وحول العلم المرفرف، فنجد في ظل ذلك نسبةَ الأمية ترتفع، وتخلف المجتمع يزداد، وتميز الذكورة يتحكم، وغياب المرأة وحضورها كديكور، والتحدث عن الأكثرية والأقليات، وأمراض تفتك وجهل يعمّ وتسابق على المناصب كمغانم، فيزيد النفاقُ الاجتماعي ويتفشى طاعونُ التفسّخ المجتمعي.

إن العقودَ والمواثيق تتحدث عن حرية المعتقد، ولكنا نجد تدخلاً في معتقدات الناس ومحاسبة على تعبيراتهم لها، فالنظام السياسي يفرض بدايةً دين الرئيس، مايجعل بقية الأديان والمعتقدات هامشية لاقيمة لها، ويفرض نوع العقيدة ومرجعيتها القانونية، فيُلزم الآخرين بالالتحاق بها أو يظلوا أهل ذمة لاحول لهم ولاقوة، ولاأمل لهم بالوصول إلى مكانة إلا بما يسمح به النظام العام. وتصبح حرية المعتقد قيد على حرية التعبير والتمثيل والسعي للتغيير، وتصبح الحريات مقيدة بالولاء للمعتقد، والولاء للمعتقد يخلق حقداً دينياً، أو طائفياً متعدداً متصارعاً، نتيجة سيطرة المرجعيات التي تفصل ثوب الولاءات والعلاقات، وبالتالي فإن من لايلتزم الايمان واتباع مذهب أو معتقد يصبح منبوذاً. عداك عن أحكام الزواج ومنعها بين المختلفين ديناً ومعتقداً ويحدثونك عن العيش المشترك.

ومن أجل التوصّل إلى التعايش مع الآخرين كضرورة لا مفرّ منها. جرى البحثُ عن كيفية صياغة الحياة الاجتماعية والعامة وفق الجمع بين حاجتين: حاجة الاختلاف والتمايز في الهويات والانتماءات، وحاجة القبول  بالآخر المختلف والمغاير.

ولأجل ذلك يجري البحث دائماً عن مخرج يخلصنا من تدبيج الشعارات وتنميق المقولات لتحقيق الغايات المأمولة من فكرة العيش المشترك وهذا ماجرى الاتفاق عليه بعد دماء سُفكت، وتضحيات قُدمت، وشعوب هُلكت، فكانت المواطنة وحدها التعبيرَ الذي  يسمح للإنسان أن يتمتع بالحرية، ويحقق الإيمان الديني النقي ويستمر على انتمائه القومي، حيث تجتمع لغة وثقافة مشتركة لقوم معينين. وتحقيق ذلك  في الدولة العلمانية التي تقوم فيها الخياراتُ على مبدأ النسبية، والاتفاقات على العقلانية، ويتم فيها الاعتراف المتبادل بين الجميع، وعلى قدم المساواة للجميع، من غير تحكّم للعادات الاجتماعية ولا تأثر بمصالحَ سياسية.

إن محاولاتِ الدمج والتذويب أدت إلى مزيد من التمسّك بالخصوصية، والتمسك بالتميز عن الآخر والاستغناء عنه، والسعي للبحث عن كيان يمثل هذه الخصوصية، فكانت هبات التحرر القومي والعودة إلى المجد القديم، وإحياء الدول على المبادئ الدينية، وهذا محورُ الصراع الحديث الذي قاد إلى نشوء الدول القومية، ونداءات العودة إلى الخلافة، وإلى حكم الهوية والمذهب، وقاد إلى حروب مقدسة ومدنسة عديدة، وهو ما دفع للتفكير في إمكانية الخروج من هذا الصراع بنداءات التعايش، لكنها لم تحقق التوافق، ولا تستطيع تقديم حلّ ناجز ودائم. لذلك كان ظهور مصطلح المواطنة، الذي يعتمد الفرد المواطن مقياساً للانتماء الوطني، ولايمنع ذلك من الاعتراف بامكانية توزيع سلطة الدولة، وقيام الحكم الذاتي في إطارها، والاعتراف بالتمايز المحلي في إطارها.

تزايد المشكلات العرقية والدينية واستفحالها، وازدياد نسبة العنف وتفجره بسببهما، قاد إلى الحديث عن التعايش وركز عليه باعتباره الحلّ المناسب لوقف الصراع، لكنه بقي من ضمن الأحاديث العاطفية التي لا تخدم مشروع السلم الاجتماعي، لأنها ليست مبنية على قواعد قانونية ولا على مصالح سياسية واجتماعية، ولايستند إلى مفاهيم نظرية في البناء الذي تقوم عليه الدول الحديثة، وهذا دفع كثيراً من الأوساط السياسية والاجتماعية والمفكرين إلى استلهام مبادئ المواطنة، والبحث في آليات تطبيقها، وبلورة تصوّر يناسب التحديات ويشكل مخرجاً من المشكلات.

ففي مجتمع يعاني من التفكك، ويتكون من أعراق وأديان وطوائف ومذاهب، وقد امتنع من ممارسة السياسة أجيالاً، وعاش على التنافس والصراع بين هذه العصبيات المتنوعة، أو موحداً إنما تحت ظل القهر والاستبداد مجبراً على تصور المواطنة مفروضة عليه بالقسر والإكراه وإرهاب الدولة وطغيان الحزب الواحد، قاده ذلك إلى التمظهر بمظهر الوحدة والشعور بالمواطنة الكاذبة التي لا تقوم على الرضى والقبول، لكنها تخفي الانتماءات المتفجرة والتي ستظهر في أول امتحان لها، فيستفحل القتلُ على الهوية والاحتماء بالمرجعية والولاء للعصبية.

إن بناءَ هوية جامعة تقوم على مفهوم الوطنية، لا تستند إلى الأرض وحدها كوطن جامع، لأن هذا هو مفهوم للتمييز فقط بمقابل أوطان الآخرين، والوطن لمجرد كونه مكان السكن هذا شكلٌ بدائي لعبَ عليه المستبدون، الذين ربطوه بحزب قائد حيث الانتماء للحزب هو روح الوطنية، أو لشخص قائد والولاء له هو عين الانتماء للوطن، وكل خروج عن ذلك خيانة وردة، وكل تعبير خارج هذا المفهوم مؤامرة.

الوطن حقوق وكرامة ومبادئ حرة، من حق الفرد التعبير عنها، ويجب حمايتها وإن خالفت في نسقها السياسي أو الفكري أو الثقافي السلطة السائدة، أو المفاهيم المسيطرة، وهذه الحقوق يحميها دستور يحترمه الجميع، لأن مقياسَ الانتماء للوطن هو حماية العقد الاجتماعي المتفق عليه، وحماية الأفراد من التحرك في ظله دون قيود، ويضمن مشاركتهم في تمثيله، أو التمثل في مواقعه المرسومة للإدارات والهيئات والمؤسسات. وهذا تعبير متسق مع مفهوم المساواة دون تمييز في جنس أو لون أو عرق أو دين. والفرد الحر هو التعبير الأوفى لصفة المواطن. فالمواطنة هي أفراد أحرار، يختارون التعبير عن رغباتهم ورسم حياتهم وخطواتهم بإرادتهم دون قيود. ويساهمون في الحياة العامة في جميع وجوهها ومختلف مجالاتها.

الحرية الفردية لا تكون عطاء من أحد، فالفرد حرٌّ منذ الولادة مالم تصادر حريته، وهي تسبق التجمعات، وعلى أساس الاعتراف بها تقرر ديمقراطية الأنظمة والمؤسسات، وعلى ضوئها تتبدى مفاهيم المواطنة وصدق التعبير عن حقوق الجماعات، وحين يعبر الفرد بحرية عن مصيره يمكن للجماعات أن تقررَ مصيرها لأنها مجموع الأفراد الأحرار فيها.

لقد تبدل مفهومُ المواطنة عبر مراحل في التاريخ المدني، بدءاً من تعريف الوطن كمكان للاستقرار (وهو ليس مفهوماً عربياً وإن اعتمد العربُ في تعريفه أنه مكان الاستقرار، ومنه موطن الإبل والغنم وهو مكان بروكها وهذا من باب المقاربة لأن الوطن مفهوم سياسي وليس لغوياً). وفي مدن الإغريق كان المواطن هو من تتوفر فيه شروط  تجعله قادراً على المشاركة في التصويت وممارسة حق الانتخاب والمشاركة في الشأن العام، لكن المواطن في كتب المفكرين السياسيين المتأخرين هو الفرد الحرّ القادر على التعبير وعلى المشاركة في النشاط العام حيث تسبغ المواطنة حقوقاً سياسية على الأفراد، وتجعلهم مستقلين أمام الدولة بما لهم من حقوق وعليهم من واجبات. وفي تعريف ريموند كايتل: (الوطن هو مجتمع من الأفراد يقيمون باستمرار في إقليم معين، مستقلين من الناحية القانونية عن كل تسلط أجنبي، ولهم حكومة منظمة تشرع وتطبق القانون على جميع الأفراد داخل حدود سلطتها).

في القرن الثامن عشر مع قيام الثورة الفرنسية تدعم مفهوم المواطنة أكثر، وتوضح مع صياغة مبادئ المواطنة وإعلان حقوق الإنسان إبان الثورة عام 1789 حين برز دورُ الفرد، وتميز بالحقوق التي هي حقه دون وصاية من الدولة عليه، لكنها علاقة منظمة عرفتها دائرة المعارف البريطانية “بأنها علاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة، وبما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات وحقوق”.

المواطنة ليس فيها أقليات وأكثرية، لأنها تقوم على مبدأ المساواة. والمساواة تعني أن المواطنين مجموع أفراد متساوين، ينتظمهم قانون موحد يطبق على الجميع. أما الجماعات والتجمعات فلها حقوق ثقافية لا تمس، لأنها كما الولادة تحمل ملامحها وجيناتها معها، وفي وجودها المتنوع إغناء للمجتمعات يجب المحافظة عليها، ومنحها التكريم الكافي والقدرة على التعبير الذي يغني التنوع، ويثري العلاقات الإنسانية. وفي هذه الحالة يمكن الحديث عن العيش المشترك كعلاقات تفاعل إنساني تتضمن الاحترام والتكامل، ولكنها لا تغني عن مفهوم المواطنة. لأن المواطنة مفهومٌ سياسي تلحق به واجبات وحقوق سياسية، ووجود الهويات تشمل المجتمع المتنوع، ولكنها لا تستلزم حقوقاً سياسية.

مشروعُ الدولة هو الذي يحدد مفهوم الوطن والمواطن. الخلافة والإمارة والولاية لا يصنعون دولة، فالخليفة والأمير والوالي والشيخ لا يقودون سوى رعية لا قيمة للأفراد فيها، لأنهم أرقام ضمن الجموع، فهم إما تابعٌ لقرارمتنفذ، أو ملتصق بحامٍ وسيد، أو لاجيء إلى كنفٍ يحميه ومولى يحمي عياله، حيث تتجلى الذكورية المتسلسلة، وتنعدم الأنوثة إلا كونها مبضع إنجاب وتكاثر للتباهي.

في الدولة والدولة الحديثة؛ الأفراد ذكور وإناث وكلهم سواء ومجموعهم شعب بالمفهوم السياسي لا المفهوم السلالي، لذلك فإن نظام العشيرة والقبيلة هوإدراك بدائي للتعايش، تجمعهم الأعراف والتقاليد ويحتكمون إلى الشيوخ أو العرافين والكهنة أو المفتين حيث المرجعية الدين، وحيث الوعي مجموع في مخازن التاريخ والمعرفة عند المتنفذين وحدهم. في الدولة والدولة الحديثة؛ المرجع هو الدستور، الذي يقوم على عقد اجتماعي يدركه أفراد أحرار، يتوزع على مؤسسات، والمؤسسات تقوم على قانون، يفرض على الجموع بإرادتهم وتنازلهم الطوعي لتحقيق مصالحهم، فيفرض احترامه، وينفذ أحكامه، فيكون القضاء حاكماً، لا الكهنة أوالعارفين وليس الحكيم أو المفتي، وحيث يكون العقل هادياً والعلم شائعاً، فلا احتكار للعلوم والمعارف، ولا قيود على العقول. والسلطات مقيدة بسجلات تحفظها وتحدد مرجعيتها، والذاكرة مسجلة لا تعتمد على سمعنا أو قيل لنا، ولا ما حفظه لنا صندوق المعارف الشفهية، وجمعه الرواة عن قيل وقال.

الدولةُ غير النظام. في النظام تتنافس مراكز القوى، وتحتاج لأجهزة الأمن التي تراقب الأفراد وتتبع العورات الشخصية، وتتدخل في حياة الناس عبر العيون والعسس. فالنظام يسعى لحماية نفسه من ناسه، والدولة تحمي أبناءها، والمرجعية للأمن الوطني الذي يحمي الحدود، ويشجع المبادرات، ويواجه المجهول، ويسعى للإبداع، ويقوم على الابتكار وعلى الوعي الخلاق. وهنا تكون المواطنة هي المعيارُ لأنها تحدد المسؤولية، بينما الأتباع الراضين الراضخين المستكينين للأنظمة فهؤلاء تنقصهم مفاهيم المواطنة. والأنظمة بغياب مفهوم الدولة الحديثة الأفراد فيها  مجرد رعايا، والجموع قطعان تقاد حيث يُراد لها لا حيث تريد.

وفي الأنظمة حيث تغيب مفاهيم الدولة، الأمن الوطني يعتمد السيطرة والاستبداد، والجيش الذي يحمي هذه الأنظمة جيش وظيفي وليس جيشاً حقيقياً.

مشروع الدولة؛ هو الذي يحلّ القضايا، بوجود المناهج واتّباع الأساليب الملبية للحاجات الاجتماعية، وتشجيع الحريات الفردية. بينما مشروع الأنظمة المتعاقبة، يراكم القضايا لأنها تجريب مستمر، لا ينجز إلا المصائب ولاينتج إلا المزيد من المصاعب.

في الدولة والدولة الحديثة؛ تُحلّ مشاكلُ القوميات والأقليات، عبر الديمقراطية كوسيلة علاج أثبتت جدواها العملية في مشاركة الجميع، لا عبر التنافس الهوياتي، ولكن عبر التنافس لبناء المصالح الاجتماعية والسياسية، وفق برامج وانتخابات دورية، لا احتكار فيها لسلطة ولا سيادة لغير القانون.

وفي الدولة الحديثة؛ تحلّ مشكلات الطوائف والأديان، من خلال العلمانية كوسيلة للعلاج الذي يفصل بين الولاءات الدينية وبين الدولة كعنصر ولاء وطني، يجمع ولا يفرق، ويوحد ولا يبدد، و يفرض الحياد الايجابي على السلطات المنتخبة تجاه العقائد والإيمان، ويجعلها تتفرغ للخدمات، لا لإدارة الصراع والتنافس على الجنة والنار، وعلى الخلود والفناء، أو على الملائكة هل هم ذكور أم إناث، وترك ذلك للمعارف الفلسفية والتنافس بين الفلاسفة والمفكرين.

والدين علاقة فردية بين المؤمن وخالقه، تنعكس اجتماعياً بمقدار تمثل الوصايا والانضباط بها، دون أن يتم ترسيمها مؤسساتياً، حتى لا تتحول إلى كهنوت يتدخل في حياة الناس. والدين دعوة. والدولة لا دين لها، وإنما الدين للمجتمع وللناس، والناس من حقهم الاعتقاد بما يشاؤون، ولا يجب فرض دين على أحد، ولا تمييز لشخص عن آخر في دينه أو هويته، وفي حال تعدد القوميات أو تعدد الأديان، المواطنة هي المرجع، والمواطنة إنسان وليست دين ولا هي مكان.

ودولة المواطنة هي الوحيدة التي تنصفنا، لأنها تقوم على المساواة المطلقة في الحقوق، وهو أساس العدل في الدولة. وفي الدول العادلة يكون الإنسان أولاً، وأولية الإنسان من كونه حراً بغير تمييز، ومن كونه وحدة كاملة لا يحتاج إلى تعريف بنسبه إلى قوم أو دين، طائفة أو مذهب، لأن هذه التعريفات طرق وأساليب للتدجين، بإخراج الإنسان من كونه فرداً حراً إلى كائن مرتبط  بروابط دموية أو ثقافية تحاصره وتشده وتمنعه من محاولات الإفلات عنها، وتمنع استقلالية الأفراد فيها. والفرد إذا بات مستقلاً قانونياً وثقافياً يبدع أكثر ويعبر أكثر ويكون مواطناً حقاً أكثر وأكثر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى