“السرطنة” العثمانية- التركية والإبادة الجسدية للشعوب الشرق أوسطية
لزكين إبراهيم
العثمانيون الذين اعتلوا منصة التاريخ لسبعة قرون متتالية، تضمنها 400 عام قضوها في احتلال العالم العربي وكردستان. يقول مؤرخون إن السلطنة العثمانية خلال هذه الفترة كانت “كسرطنة” دخلت جسد المنطقة وأبادت الملايين من الشعوب الرازحة تحت احتلالها.
الإمبراطورية العثمانية التي قامت عام 1299 ميلادياً على يد عثمان بن أرطغرل سقطت يوم 1 تشرين الثاني 1923 بإعلان تأسيس وريثتها الدولة التركية الحديثة، على يد مصطفى كمال الدين أتاتورك، بعد 600 عام، سيطر خلالها العثمانيون ولو صورياً على معظم مناطق الشرق الأوسط والبلقان، وذلك على أطلال الخلافات الإسلامية وأوروبا الشرقية، وذاقت من ظلمها الشعوب التي وقعت تحت وطأتهم الويلات والمجازر التي ارتقت إلى الإبادة الجماعية للشعوب. وشهدت الدولة التركية القائمة على أنقاض العثمانية حقبة جديدة وتولت حكمها الأحزاب العلمانية على رأسها حزب الشعب الجمهوري، كما شهدت عدداً من الانقلابات العسكرية والاضطرابات السياسية، إلى أن جاء الخليفة التركي “العثماني” الجديد رجب طيب أردوغان والذى لا تفوت مناسبة حتى يعلن أنه «حفيد العثمانيين» ويقول «أنا زعيم أحفاد العثمانيين»، حيث يحاول أردوغان إعادة أمجاد هذه الدولة التي ولت من الزمن، فلا يكتفى باستئثار الحكم في تركيا وتغيير دستورها، ليصبح بعد أن كان رئيس الوزراء رئيساً للجمهورية، ولكنه لا يترك فرصة إلا ويتدخل في شؤون البلاد المجاورة لها والعربية والإسلامية عامة، وينصر الإرهاب والجماعات المتطرفة في محاولة لإحياء السلطنة العثمانية.
لذا كان ضرورياً أن نُذكر أردوغان وإخوانه والحاسرين على زوال خلافة آل عثمان، في هذه المساحة، بما ارتكبوا من إبادات “جينوسايد” بحق الشعوب والمذابح والمجازر في كل بقعة احتلوها من الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا. فيما حفيدة العثمانيين “تركيا اليوم” تسير على نهج جدها، وفي عفرين ترتكب اليوم مجازر دموية بحق آلاف المدنيين الكرد، حيث تتجه الأنظار والمخاوف إلى ارتكاب الدولة التركية الاحتلالية “جينوسايد” أخرى في عفرين على غرار ما ارتكبها أجدادهم العثمانيون بحق شعوب الشرق الأوسط عامة وكل بقعة احتلوها.
وقبل فتح صفحات التاريخ القديم والحديث واستخراج بعض ما ارتكبته العثمانية والدولة التركية من مجازر وإبادات بحق شعوب الشرق الأوسط، لنتعرف بداية على معنى مصطلح “الإبادة” أو “الجينوسايد”.
فما هي الإبادة أو “الجينوسايد”؟
يعني مصطلح “الجينوسايد” القتل الجماعي أو الإبادة الجماعية الجسدية لشعب أو أقلية أو طائفة ما، وقلعها من جذورها من مختلف النواحي، كما أنها تعني القتل والتطهير العرقي والفناء الجماعي، وقد ظهر مصطلح (جينوسايد) في قاموس القتل الجماعي بعد عمليات (هولوكوست) أي الحرق الجماعي لليهود على يد النازيين في ألمانيا، حينما اعتبروا اليهود قمل دون مستوى البشر، والمتمدنون من سكان البارغواي اعتبروا السكان السود الأصليين فئران مسعورة، والبيض في جمهورية جنوب أفريقيا اعتبروا السود الأصليين قردة.
توصف جريمة الإبادة الجماعية أنها أشد الجرائم الدولية جسامة وبأنها جريمة الجرائم, وأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1946 قرارها المرقم ( 96 (د-1) ) الذي أعلنت خلاله أن جريمة الإبادة الجماعية جريمة دولية تتعارض مع روح الأمم المتحدة وأهدافها ويدينها العالم المتمدن، ومن ثم أنشأت اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها استناداً إلى قرارها المرقم ( 260 ألف (د-3) ) لعام 1948. وتبنى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية نص المادة (2) من هذه الاتفاقية. وعرّف جرائم الإبادة الجماعية بأنها أي من الأفعال التي ترتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو أثنية أو عرقية أو دينية، بصفتها هذه إهلاكاً كلياً أو جزئياً، كما حددت الأفعال التي تنطبق عليها صفة الجرائم المذكورة.
حالات جرائم الإبادة وحالات مشتبه بها جرت في القرن العشرين
أشهر عمليات الإبادة هو ما قام به النازيون، أثناء الحرب العالمية الثانية، من قتل لحوالي 11 مليون مدني، من بينهم يهود وسلافيون وشيوعيون ومثليون ومعاقون ومعارضون وسياسيون وغجر والعديد من الشعوب غير الألمانية.
ومن أشهر المجازر التي شهدها التاريخ العالمي خلال القرن العشرين هي “مجازر الأرمن، مجازر سيفو، مجزرة سميل، هولوكوست أو المحرقة اليهودية، مذبحة سربرنيتشا، مجاعة هولودومور، مذبحة صبرا وشاتيلا، مذبحة حماة، عمليات الأنفال، الإبادة العرقية في رواندا، عمليات التطهير العرقي في بوروندي، نزاع دارفور، قتل الإيزيديين على يد داعش”.
أبرز الجرائم التي ارتقت إلى “الجينوسايد” في كردستان والشرق الأوسط
لو بحثنا بين صفحات التاريخ عن أكثر من مارسوا سياسات الإبادة ضد الشعوب، فإننا سنجد بدون شك أن السلطنة العثمانية تحتل المرتبة الأولى في إبادة الشعوب وارتكاب أبشع المجازر والجرائم بحقهم لتوسّعَ وتمتن جذورَ إمبراطورتيها على حساب دماء وأرض ومقدرات تلك الشعوب المعرضة للإبادة، فالسلطنة العثمانية انتشرت كوباء أو سرطنة في جسم الشرق الأوسط وقضت على ملايين البشر وأبادت شعوب ومجتمعات وثقافات وأديان وحضارات بأكملها.
حيث ارتكبَ العثمانيون عدة مجازر بحق الشعوب المضطهدة تعدّ من أكبر المجازر التي ارتكبت في تاريخ الإنسانية وعلى رأسها مجازر الأرمن ومذابح سيفو.
مجازر الأرمن
في فترة الحرب العالمية الأولى، وصل مستوى التعصّب القومي بين العثمانيين إلى ذروته. العثمانيون ولخوفهم من أن تطالب الشعوب الخاضعة لهم بالاستقلال الذاتي أو أن تطالب بإدارة ذاتها، بدؤوا بقتل تلك الشعوب، أو صهرهم وتتريكهم، وارتكبوا مجازرَ جماعية بحقهم.
وسعى العثمانيون لصهر الشعوب الأخرى القاطنة في الإمبراطورية العثمانية في بوتقتهم، وذلك لقطع الطريق أمام موجات الحركات القومية الاستقلالية التي ظهرت في بدايات القرن الـ 20. أولى عمليات الإبادة بدأت بمجازر الحميديين، ففي المدن الجنوبية لتركيا قتل السلطانُ العثماني عبد الحميد الثاني مئاتِ الآلاف من الأرمن والآشوريين.
وفي هذه الفترة ارتكب العثمانيون المجازرَ بحق الشعب الكردي في بيازيد وآلاشكرت، ومن جهة أخرى أذكى حزب تركيا الفتاة، الحربَ الطائفية بين الكرد والسريانيين بحجة “المسيحيون في الجنوب خطر على الوجود”.
ولكن المجزرةَ الأولى التي قتل فيها مئات الآلاف كانت مجزرة الأرمن. ففي فترة الحرب العالمية الأولى، خاف الأتراك من أن يتم تقديم الدعم لروسيا وأرمينيا، وبدؤوا بتغيير ديموغرافية المنطقة الواقعة شرق الإمبراطورية العثمانية. وفي هذه المنطقة، أفنى العثمانيون أهالي مئات القرى الأرمنية شرق الامبراطورية، حتى أنه في الـ 24 من نيسان 1915 جمع العثمانيون المئات من أشهر الشخصيات الأرمنية في اسطنبول وأعدموهم في ساحات المدينة، ثم تم أمر كافة الأرمن في منطقة الأناضول بترك أملاكهم والخروج، وخلال هجرة الأرمن قتل مئات الآلاف منهم.
المؤرخون الأرمن يشيرون بأن عددَ الأشخاص الذين فقدوا حياتهم في هذه المجازر يبلغ مليون ونصف أرمني.
مجازر السيفو بحق السريان، الآشوريين، الكلدان
الإبادة الجماعية السريانية – الآشورية، تُعرف أيضاً باسم مذابح السيفو، يقصد بها سلسلة الأعمال الوحشية والقتل المنظم والمتعمد التي شنتها قوات نظامية تابعة للدولة العثمانية بمساعدة مجموعات مسلحة شبه نظامية استهدفت مدنيين آشوريين، سريان، وكلدان أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى. أدت هذه العمليات إلى مقتل مئات الآلاف منهم، كما نزح آخرون من مناطق إقامتهم الأصلية بجنوب شرق تركيا الحالية وشمال غرب إيران، على وجه الخصوص مناطق طور عابدين وهكاري بالإضافة لتواجدهم بأعداد وإن كانت أقل في مناطق مثل وان وسيرت وأورميا.
بدأت عمليات إبادة المسيحيين من غير الأرمن – حسب بعض الباحثين – سنة 1915 وبالتزامن مع بداية عمليات الإبادة الجماعية بحق الأرمن، إلا أنها استمرت إلى العام 1920 في وقت كانت فيه الفظاعات ما تزال ترتكب بحق أخوتهم الأرمن وصولاً للعام 1923.
اختلف الباحثون في تقدير عدد ضحايا الإبادة الجماعية السريانية- الآشورية (مذابح السيفو) ولكن يبقى الرقم المتفق عليه بين أغلب المهتمين في هذه القضية والمطلعين عليها هو 275.000 حيث يستندون في إحصائهم هذا إلى معاهدة لوزان، وإن كان البعض يرفع الرقم إلى 300.000 شهيد بالأخذ بعين الاعتبار عدد من المناطق العثمانية التي لم تشملها عمليات إحصاء أبناء الشعب السرياني- الأشوري من قبل.
مجزرة الجامع الكبير “التلل” في حلب ضد العلويين
بعد معركة مرج دابق واحتلال حلب، وللانتقام من العلويين، استهدفَ السلطانُ سليم في 26 تموز عام 1516 العلويين في مدينة حلب، وبعد أداء صلاة في الجامع الكبير، جمع العثمانيون 40 ألف علوي حمداني في إحدى الساحات الكبرى وقتلوهم، وسميت هذه المجزرة باسم مجزرة الجامع الكبير.
وكان من أبرز وأشهر نتائج هذه المجزرة المروّعة قيام المحتل العثماني بصناعة تلالٍ من جثامين الضحايا في وسط المدينة ولذلك اشتهرت هذه المجزرة وعرفت باسم مجزرة “التلل”.
وقُدّرَ عددُ القتلى ﺑﺤﻮﺍلي 40 ألفاً وقال البعض 90 ألفاً، وقيل أيضاً 200 ألف من الرجال والأطفال والنساء وكبار السن وعلماء الطائفة العلوية، وقد سالت الدماء في شوارع حلب.
ويوثق التاريخ نصّ الرسالة التي وجّهها قائد الحملة العسكرية العثمانية على المناطق التي يقطنها المسلمون السوريون، إلى سليم الأول وهي محفوظة في مكتبة ستراسبورغ الوطنية الجامعية الفرنسية، قسم المخطوطات العربية يبلغه فيها تنفيذ أوامره وقتل كل العلويين في حلب. وجاء في نص تلك الرسالة:
“بسم الله الرحمن الرحيم. ﺗﺤﻴﺎﺕ ﺇﺟﻼﻝ ﻣﻘﺎﻣﺎﺕ: ﺗﻨﻔﻴﺬﺍً لأﻭﺍﻣﺮ سعاﺩﺍت، ﻓﻘﺪ ﺗﻢ ﺗﻨﻔﻴﺬ القرﺍﺭﺍﺕ والتوﺻﻴﺎﺕ، ﻭﻗﺘﻞ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻭﻗﻊ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﻗﺮﻯ سوريا خاصة قرى النصيرية ﺣﺘﻰ ﺃﺩﻏﺎﻝ ﺍﻟﺠﺴﺮ ﻭﺑﺎﺏ ﺍﻟﻨﺴﺮ، ﺇﻟﻰ ﺷﻴﺰﺭ ﻭﻭﺍﺩﻱ ﺧﺎﻟﺪ، ﺣﺘﻰ ﻛﺘﺐ ﻟﻨﺎ ﺍﻟﻨﺼﺮ، ﻭﻟﻦ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻬﻢ ﻭﺟﻮﺩ ﺑﻌﺪ ﺍﻵﻥ ﻋﻠﻰ ﻣﺮ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ، ﻭﺧﻠﺼﺖ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﻣﻦ ﺁﻓﺔ ﻭﻋﻠّﺔ ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ، ﻭﺍﺳﺘّﺘﺐ دين ﺍﻹﺳﻼﻡ، “العثماني” طبعاً!، ﻓﻲ ﺑﻼﺩ ﺍﻟﺸﺎﻡ، ﻭﻟﻢ ﻳﺒﻖ لهؤلاء السوريين ﺩﻳﺎﺭ ﻭلن يعيشوا ﻋﻠﻰ ﺃﺭﺽ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﺳﻠﻴﻢ، وقد أكلت ﺑﻘﺎﻳﺎﻫﻢ وحوش الجبال وتماسيح الغاب، ﻭﺍﻟﻌﻴﺶ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎﻥ ﺑﺎﻟﺮﻏﺎﺏ، والله الموفّق للصواب.. لعنهم الله في كل كتاب، ودمتم بنور الله”.
وتقع ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﺘﻠﻞ قرب ﻗﻠﻌﺔ ﺣﻠﺐ ﺑــ 2 ﻛﻢ غرباً، وقد جاءت ﺗﺴﻤﻴﺘﻬﺎ، كما سبق وأشرنا، ﻣﻦ تلك ﺍﻟﺮؤوﺱ التي حزّها المجرمون العثمانيون أجداد أردوغان بالسيف وهم في ذلك الفعل كانوا يؤسّسون لداعش والقاعدة وأخواتهما من تنظيمات الإرهاب المسلّح في سوريا والعراق ومصر، وتؤكّد بعض الروايات أن المحتل العثماني قام بحرق الأطفال والنساء أحياء ووضعهم في أفران عدرا العمالية، والذبح والسلخ وبقر البطون في حمص وشيّ الرؤوس في إدلب، وسحل الأجساد في الرقة، وغيرها الكثير.
مجزرة الشيعة في العراق
بعد دخول السلطان سليم إلى العراق، أصدر فتوى بأن كافة الشيعة في العراق هم كفار، وأخرج فرماناً بقتلهم. وبناء على هذا الفرمان وبحسب علماء التاريخ العلويين فإنه تم قتل 40 ألف شيعي عراقي.
ويلفت قائد الشعب الكردي عبد الله أوجلان في كتابه “الدفاع عن الشعب”، الانتباه إلى “إرهاب” الدولة العثمانية ضد الشعوب الأخرى، قائلاً: “الحضارة الإسلامية العثمانية تقدمت بالسنية. الكرد العلويون والإيزيديون المناضلون أجبروا على صعود الجبال والمناطق العالية بعد أن قاموا بنصف ثورات. في وقت الوزير الأكبر مراد باشا، تم رمي 40 ألف علوي في الآبار وهم أحياء بالإضافة إلى إعدام بير سلطان عفدال، وهذه أمثلة تعتبر الأكثر رحمة لهذا الإرهاب والذي ترك أثراً”.
مجزرة كربلاء
حاولَ الشيعةُ في كربلاء عام 1842 الانتفاضَ بوجه العثمانيين، ولكن الوالي العثماني نجيب باشا، حاصر المدينة في ذلك الوقت وبدأ بقصفها، قطع أشجارها، ودخل بجيشه إلى المدينة. وتعرضت المدينة للدمار وارتكب العثمانيون مجازر بحق شعبها. المؤرخ حسين البراقي يقول إن عدد الذين قتلوا في هذه الأحداث هو 24 ألف مدني من رجال، نساء وأطفال.
مجازر العثمانيين لا تتوقف عند واقعتين فقط، فالمؤرخ عبد الرزاق الحسني يتحدث في بحثه الذي يحمل اسم “نزهة الإخوان في وقعة بلد القتيل العطشان”، عن أكثر من 7 مجازر ارتكبها العثمانيون بحق الشيعة في العراق بشكل خاص.
ومن جانبه يقول بروفيسور جامعة مصر حسين فوزي في أحد أبحاثه عن تاريخ العثمانيين في مصر “بعد دخول السلطان العثماني إلى مصر عام 1517، نقص عدد المصريين الذي كان يبلغ 8 مليون في القرن الـ 14، إلى 2.5 مليون في القرن الـ 18، العثمانيون دمروا كل شيء، قتلوا المدنيين ونهبوا المنطقة”، ويصف فوزي اسبوع دخول العثمانيين إلى مصر بـ “الأسبوع الأسود”.
المجازر اليونانية
بالإضافة إلى الآشوريين السريان فقد تعرض أيضاً عدد من أتباع الطائفة اليونانية في أراضي الإمبراطورية العثمانية في الحقبة التاريخية ذاتها إلى الإبادة الجماعية ويقدر عدد مجموع ضحايا المسيحيين على أيدي حكومة تركيا الفتاة قرابة 2.500.000 قتيل بينهم على الأقل 1.500.000 أرمني و500.000 يوناني. وفي وقت ينصب فيه اهتمام الباحثين الدوليين بالإبادة الجماعية الأرمنية يظهر عدد من خبراء الإبادات ليعلنوا أن العدد الأكبر من الضحايا التي قدمها الشعب الأرمني لا يلغي حقيقة كون الأشوريين أيضا قد تعرضوا لإبادة مماثلة، ممنهجة ومتعمدة.
مذابح العثمانيين في مصر.. مقتل 10 آلاف مصري في يوم واحد
كانت القاهرة قبل عام 1517م، عاصمة الخلافة الإسلامية، ومركزها الأخير ـ وكان حكامها من المماليك خير مدافعين عن الأمجاد الإسلامية والعربية، وامتدت دولتهم إلى حدود آسيا الصغرى، مسيطرين على الشام، وكانت تدين لها بلاد الحجاز بالولاء، وكانوا القائمين على شؤون الحرمين الشريفين، علاوة على أن مصر كانت مقر الخلفاء العباسيين بعد سقوط بغداد، لتنتهي هذه الخلافة بعد نقل الخليفة المتوكل عنوة إلى اسطنبول ليتنازل عنها لسليم الأول الامبراطور التركي.
غزا العثمانيون بقيادة سليم، مصر، وطوال حكم العثمانيين لمصر، «ظلت صلة مصر بالإمبراطورية العثمانية ضعيفة غير وثيقة»، حسب ما يقول المستشرق والمفكر كارل بروكلمان، فى كتابه «تاريخ الأمم الإسلامية»، واقتصر هم العثمانيون على جباية أموال وخيرات الأمة المصرية، إلى أن جاء محمد علي وحصلت مصر على استقلالها الجزئي.
وخلال الاحتلال العثماني لمصر ارتكبوا مجزرة مروعة بحق المصريين في شهر كانون الثاني 1517 ويعتبر يوم نكبة وحسرة للمصريين، وحسب ما يقول المؤرخ المصري محمد ابن إياس في كتابه “بدائع الزهور في وقائع الدهور”، «أنه لم يقاس أهل مصر شدة مثل هذه» ووصل الأمر لوصفه أنه وقع فيها مثل ما وقع من جند هولاكو في بغداد.
ويروى المؤرخ المصري آيات وقصص الظلم الذي وقع وأصاب المصريين من العثمانيين في مواضع عدة من كتابه، حيث وصل الأمر إلى سقوط 10 آلاف من عوام المصريين قتلى في يوم واحد، وحسب وصف ابن إياس لهذا اليوم المشئوم «فالعثمانية طفشت في العوام والغلمان والزعر ولعبوا فيهم بالسيف وراح الصالح بالطالح، وربما عوقب من لا جنى، فصارت جثثهم مرمية على الطرقات من باب زويلة.. ولولا لطف الله لكان لعب السيف في أهل مصر قاطبة».
المجازر العثمانية في بلاد الشام
هذا ويُحدّثنا التاريخ أيضاً أن العثمانيين في بدايات غزوهم لبلاد الشام ارتكبوا عشرات المجازر الدامية نذكر منها:
1 – عام 1515م استباحة حلب ومعرّة النعمان أسبوعاً كاملاً ما أدّى إلى مقتل 40 ألف في حلب، و15 ألفاً في معرّة النعمان.
2 – عام 1516م استباحة دمشق ثلاثة أيام ما أدّى إلى مقتل 10 آلاف شخص.
3 – عام 1516م استباحة ريف إدلب وحماة وحمص والحسكة ومقتل عشرات الآلاف من السكان.
4 – عام 1847م مذابح بدرخان حيث قتل أكثر من 10 آلاف في منطقة حكاري.
5 – 1841 – 1860م مذابح جرت بعد خروج جيش محمّد علي باشا من لبنان في منطقة حاصبيا والشوف والمتن وزحلة حيث قتل أكثر من 82 ألف لبناني.
6 – مذابح عام 1860م: وهي أعمال عنف وقعت بين السكان في المنطقة الممتدة بين دمشق إلى ساحل لبنان والبقاع، حيث كانت الدولة العثمانية تغذّي الصراع سرّاً وتزيد من الشرخ القائم بين السكان بسبب وقوف المسيحيين مع محمّد علي باشا، وفي دمشق تم قتل 25 ألفاً من السكان في تلك الأعمال وبتحريض ومساعدة الجيش العثماني ونهبت بيوتهم وتشرّدوا وقتلوا وهُدِمت أراضيهم وبيعت ممتلكاتهم.
7 – عام 1895م مجازر ديار بكر وطور عابدين وماردين حيث قتل أكثر من 15 ألفاً من الأرمن والسريان والآشوريين.
المجازر التي ارتكبت بحق الشعب الكردي
تعرض الشعب الكردي على مدى تاريخه للعديد من مجازر الإبادة على يد الدول والسلطات التي حكمت كردستان، إلا أن أكبر المجازر وأفظعها تعرض لها الشعب الكردي على يد الدولة التركية منذ تأسيسها وحتى يومنا هذا، يضاف إليها المجازر التي ارتكبها نظام صدام حسين في كردستان الجنوبية منذ ثمانينات القرن الماضي.
في حزيران 1927 أصدر مجلس تركيا قانوناً ينص على تتريك كافة المواطنين المقيمين في تركيا وذات الأقلية دينياً وعرقياً فيما انتفضت بعض المدن الكردستانية ضد قرار مجلس تركيا وارتكبت تركيا مجازر بحق بعض المدن الكردية منها مجزرة ديرسم ومجزرة زيلان.
مجزرة زيلان
المجزرة التي قامت بها الدولة التركية ضد الكرد في باكور كوردستان عام 1930, في فترة ما قبل ظهور الحركة الثالثة لانتفاضة آغري, أثناء توجه الشعب الكردي إلى وادي زيلان الواقعة في منطقة أرجيش التابعة لمحافظة وان، هرباً من بطش النظام والأعمال الوحشية التي كان يقوم بها الجيش التركي من قتل وحرق وهدم القرى، فيما أشارت بعض الجهات الرسمية بأن عدد القتلى وصل إلى 47 الف شخصاً.
مجزرة ديرسم
وقعت مجزرة ديرسم بين عام 1937 و1939 في منطقة ديرسم، بعد أن دمرت المدينة بشكل كامل، وعلى أنقاضها أنشأت الدولة التركية محافظة أخرى تسمى اليوم باسم تونجيلي. كان سبب المجزرة المقاومة المسلحة بقيادة سيد رضا ضد قانون إعادة التوطين النقل القسري للسكان، ضمن تنفيذ تركيا لسياسة التتريك آنذاك، وهي أكبر انتفاضة كردية في تركيا بعد ثورة الشيخ سعيد عام 1925، قتل فيها الآلاف من العلويين والكرد الزازيين وشرد داخلياً الكثيرون، وقد أكد المؤرخون أن العدد الإجمالي للوفيات كانت قرابة 14 ألف كردي.
عمليات الأنفال
عمليات الأنفال أو حملة الأنفال هي إحدى عمليات الإبادة الجماعية التي قام بها النظام البعثي في العراق السابق برئاسة صدام حسين سنة 1988 ضد الكرد في باشور كردستان، وقد اعتبرت الحكومة العراقية آنذاك الكرد مصدر تهديد لها، وقد سميت الحملة بالأنفال نسبة للسورة رقم 8 من القرآن. و(الأنفال) تعني الغنائم أو الأسلاب، قام بتنفيذ تلك الحملة قوات الفيلقين الأول والخامس في كركوك وأربيل مع قوات منتخبة من الحرس الجمهوري بالإضافة إلى قوات الجيش الشعبي وأفواج ما يسمى بالدفاع الوطني التي شكلها النظام العراقي، وقد تضمنت العملية ستة مراحل انتهت بتدمير ما يقارب من 2000 قرية وقتل الآلاف من المواطنين الكرد في مناطق جنوب كردستان أثناء عمليات الأنفال وإجبار قرابة نصف مليون مواطن كردي على الإقامة في قرى أقامتها الحكومة العراقية آنذاك خصيصاً كي تسهل السيطرة عليهم وجرى إلقاء القبض على ما يقارب من 1000 مواطن كردي جرى تصفيتهم ودفنهم في قبور جماعية في مناطق نائية من العراق.
مجزرة حلبجة
الهجوم الكيمائي على حلبجة هو هجوم حدث في السنوات الأخيرة للحرب العراقية الإيرانية، حيث كانت مدينة حلبجة محتلة من قبل الجيش الإيراني، وعندما تقدم إليها الجيش العراقي تراجع الإيرانيون إلى الخلف وقصف الجيش العراقي البلدة بالغاز الكيميائي قبل دخولها مما أدى إلى مقتل أكثر من 5500 من الكرد، وأصيب 7000-10000 وكان أغلبهم من المدنيين، كما مات آلاف من سكان البلدة في السنة التي تلت الهجوم نتيجة المضاعفات الصحية وبسبب الأمراض والعيوب الخلقية التي ظهرت على الولادات الجديدة.
مجزرة داعش ضد الإيزيديين الكرد
ولم تكتف الدولة التركية بارتكابها المجازر في تركيا فقط، بل وجهت الدولة التركية مرتزقتها إلى المناطق الكردية في روج آفا، وتصدت وحدات حماية الشعب والمرأة وتمكنت من القضاء على تلك المجموعات الإرهابية، فيما ارتكبت المرتزقة مجزرة بحق الكرد الإيزيديين في باشور كردستان وذلك نتيجة اتفاقيات بين الدولة التركية وسلطات باشور.
مجزرة مرتزقة داعش التي تعمل مع الدولة التركية وصفت بأنها إبادة جماعية من قبل مرتزقة داعش تعرض لها الإيزيديون في العراق، جرت هذه الإبادة بعد بدء الحرب بين مرتزقة داعش وإقليم كردستان في شمال العراق، حيث انسحبت قوات البيشمركة انسحاباً مفاجئاً من شنكال، فقامت داعش باحتلال المنطقة في يوم 4 أغسطس 2014 وقتلوا عدداً كبيراً من الإيزيديين يصل لحوالي 5,000 شخص وقاموا باختطاف العديد من النساء الإيزيديات، بينما نزح البقية إلى جبل سنجار وحوصروا هناك لعدة أيام وفقد العديد منهم هناك بسبب الجوع والعطش والمرض، إلا أن وحدات حماية الشعب الكردي قامت بتأمين ممر آمن لإيصال الإيزيديين إلى المناطق الآمنة.
عفرين.. شنكال ثانية تتبدل فيها راية المرتزقة بقيادة رسمية من تركيا
إن التاريخ يُنبئنا بأن العثمانيين كانوا يقتلون ويذبحون ويسرقون ويمارسون الغزو والاحتلال ثم يسمّون ذلك فتحاً إسلامياً. عشرات المذابح التي لا يقرّها دين أو عقل؛ ولذا فإن عفرين كما نرى وبعيداً عن حسابات السياسة والاستراتيجية؛ هي امتداد منطقي لمذابح العثمانيين ضد الشعب السوري، من زاوية العمق التاريخي ومن زاوية فلسفة أردوغان في الغزو والعدوان واستخدام الإسلام كعنوان لتبرير ذلك، وهو منه براء.
حفيدة العثمانيين تركيا اليوم وفي عفرين تريد إعادة تكرار هذه المجازر بحق المدنيين، أكثر من 10 مجازر ارتكبها طيران الاحتلال التركي خلال الغارات الجوية والقصف المدفعي راح ضحيتها العشرات من المدنيين. أغلب هذه المجازر استهدفت المدنيين من الأطفال والنساء، ناهيك عن قتل المدنيين في القرى التي احتلوها والعديد من مقاطع الفيديو والصور أثبتت ذلك من خلال تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي .
وهنا تتوضح صلة الوصل ما بين التاريخ الدموي القديم والجديد ”القتل، النهب، والإبادة العرقية”، إذ إن نفس الأساليب التي اتبعها العثمانيون تتم اليوم، لكن بيد جيش أردوغان الذي يفضل مناداته ما بين مريديه ومرتزقته ”بالسلطان الجديد”
أعاد الاحتلال التركي من خلال هجماته العدوانية على أراضي عفرين المجزرة التي ارتكبت بحق الكرد الإيزيديين في شنكال، فالمرتزقة التي استعملتها الدولة التركية في المجزرة على كرد شنكال استعملها الدولة التركية اليوم في عفرين بنفس الفكر وباسم وراية مختلفة، فأثبتت عدة صور وفيديوهات في المناطق الحدودية التي احتلتها الدولة التركية ومرتزقتها في عفرين، التطهير العرقي وارتكاب مجازر بحق مكونات الشعب الكردي ونهب البيوت والأموال. وكان المدنيين والبنى التحتية والمرافق العامة الحياتية للسكان هدف رئيسي للإرهابيين وطائراتهم، ونتيجة لذلك استشهد 232 مدنياً معظمهم أطفال ونساء، كما جرح 668 مدني بينهم حالات حرجة.
وقيام الاحتلال التركي بإسكان عوائل مرتزقته في القرى والبلدات التي احتلوها ما هو إلا دليل واضح وصريح على الإبادة الجماعية بحق أهالي عفرين التي يحاول جيش الاحتلال التركي تطبيقها.
خطر “السرطنة” العثمانية يحييها أردوغان اليوم في المنطقة
ينفخ أردوغان في نيران الصراعات الأثنية والطائفية في منطقة الشرق الأوسط، مكملاً بذلك السياسة العثمانية القديمة، يسعى من خلال ذلك إلى تغيير ديمغرافية المنطقة عبر دفع السكان الأصليين للهجرة عن طريق سياسات الترغيب والترهيب، وتستوطن بدلاً عنهم التركمان والأتراك.
كما يستخدم شعوب المنطقة بحسب مصالحه الخاصة، ويحفز مسألة عودة الخلافة الإسلامية في عقول المسلمين السنّة، ويدعي أنه الشرارة التي ستعيد هذه الخلافة. وبهذه الحجج يتدخل في الدول المجاورة له، وفي نفس الوقت يكرر التاريخ الدموي العثماني في شمال كردستان وروج آفا (شمال سوريا).
وقد صرح أردوغان في أكثر من مناسبة القول التالي، “لقد أجبرونا على قبول الحدود الحالية. لوزان لم يكن نصراً بالنسبة لنا. إما أن تصبح تركيا أكبر وإما أن تصبح أصغر”. ويتحدث أردوغان مرة أخرى عن الحدود من حلب إلى الموصل. فحسب أردوغان كان من المفروض أن تكون مناطق روج آفا/ شمال سوريا وباشور/شمال العراق جزءاً من الخريطة التركية. حيث ارتكبوا في هذه المناطق العشرات من المجازر وقتلوا الآلاف.
لذلك، فإن تواجد حزب العدالة والتنمية وأردوغان في المنطقة هو بمثابة خطر كبير ودائمي على العراق وسوريا والشرق الأسط عامةً، يخلق الأزمات والتناقضات بشكل مستمر بين مكونات المنطقة.
كما أن تكرار التجربة العثمانية سيكون لها آثاراً خطيرة. بكلمة أخرى فإننا سنشهد تكرار التاريخ الدموي العثماني في الشرق الأوسط الذي أعاد المنطقة قروناً إلى الوراء وقضى على الحضارات ونهب خيرات البلدان، مرة أخرى.
خلاصة
أذا ما تأمّلنا في كل تلك الأحداث وحاولنا ربط الماضي بالحاضر، ستتضح لنا قصة الأطماع العدوانية التركية الممتدة والدائمة ضد سوريا، وهنا لا ينبغي أن نستهين بالتاريخ ودوره في تشكيل عقلية شديدة الغرور والصلف مثل عقلية حزب العدالة والتنمية ذي الميول العثمانية ولا نقول الإسلامية، والعثمانية كما نفهمها، “طريقة و منهج” وحشية وعدوانية في غزو البلاد المجاورة وإقامة الامبراطوريات على جثث الشعوب وحضاراتها، توظّف الدين، الذي هو هنا الإسلام، في لعبة السياسة والحرب لاستعباد الأقليات والشعوب الأخرى، وهي أخيراً من ثم “طريقة ومنهج” لا تقف عند زمان بعينه، لكنها تمتد إلى أزمنة أخرى بما فيها زماننا هذا، إنها فلسفة قائمة بذاتها، إذا جاز أن نسميها فلسفة، فلسفة للقتل ولسفك الدماء وتبرير ذلك كله باسم الإسلام وهو قطعاً براء من كل هذا الإرث العثماني الشاذ والمعادي لروح الدين وعدالته.
هكذا كان تعاملهم مع السوريين، إجرام يسمّونه إسلاماً، وقتلاً يسمّونه نصرة للدين، فهل اختلف هو عنهم عنفاً في عفرين اليوم؟، وفي باقي الجغرافيا السورية من مذابح بدأت منذ سبع سنوات باسم الربيع العربي والثورة السورية؟.
المصادر :
ـ روبرت ميلسون ـــ الاستفزاز او القومية في الابادة الجماعية للأرمن ـــ نيوجرسي ــ 1986.
ـ هاروت ساسونيان ـــ الإبادة الجماعية للأرمن ، وثائق وإعلانات ــ 1915ـــ 1995 ـــ لوس انجلس ــ 1996.
ـ عبد الله أوجلان في كتابه “الدفاع عن الشعب”.
ـ المستشرق والمفكر كارل بروكلمان، من كتابه «تاريخ الأمم الإسلامية».
ـ المؤرخ المصري محمد ابن إياس من كتابه «بدائع الزهور في وقائع الدهور”.
ـ ملفات من وكالة أنباء هاوار ANHA.