افتتاحية العدد 17: عندما ينهض…
هيئة التحرير
هزت شعوب الشرق الاوسط عرش الانظمة بقبضة فولاذية نُدر من تاريخها في العالم من بعد سبات تمتد الى عقود، لتتبرعم ثمار ذهنية تعبر عن كيان اجتماعي حر يليق بتاريخه العريق. لا يوجد ما يدعو المرء الى الاستغراب فيما يحدث في الشارع الاوسطي، لو كان على دراية بماهية مكانة هذه الارض بالنسبة للانسانية. يغفو الشرق الى حين غرة ومن ثم يشع ببريق شرارة لهيب عندما تحاول الانسانية ان ترمي بثقلها على كاهل البؤساء والفقراء. ومرة اخرى نادت الشعوب بحقها المشروع في بناء نظام ديمقراطي وحياة حرة كريمة، بحرق أبدانها تارة ومواجهة الرصاص الحي بصدر عاري غير آبهة بما سيحدث تارة اخرى. أفلم يكن نار جسد الشاب التونسي” بو عزيزي” نارا نوروزيا شرقيا اوسطيا؟ ألم تكن الاحتفالات المليونية بعيد النوروز في عموم كردستان طلبا شرعيا في بناء ادارة ذاتية ديمقراطية في كردستان وبدمقرطة تركيا؟، هذه هي حقيقة الشرق عندما ينهض. يسبق سرعة العولمة ويستنفر في مواجهة كل ما تخبأه الحداثة من احتكار وهيمنة وعجرفة، ليتعالى فوق جميع اسوار الانظمة ويرتفع صوت الحق على الباطل.
فلم يكن غريب على شعوب الشرق الاوسط أن تستمر بالمقاومة الى حين يجر الحكام اذيال الفشل والخيبة. هذه الشعوب التي شهدت على حكم العوائل والسلالات والخلافات واكبر الديكتاتوريات عنفوانا واظلمها حقدا وكراهية طيلة عقود مديدة، بصمود وإباء. لم تفقد الجذور الشرقية اصالتها وبقي شريانها نابضا بالمجتمعية الحية وبثمار ثقافة المقاومة التي لم تنضب ابدا، لتثور في حنجرة طفل كردستاني وفي حجارة بيد فلسطيني وفي دموع الثكلى وزغاريد الامهات على اجساد ابنائهن وفي لقمة فقير وعلى اثار اقدام المقاومين في المدن والجبال وفي حكم وامثال الآباء والاجداد.
من بعد هذا الفيض الذي عم عموم المنطقة، هناك ضرورة ملحة الى تحويل هذه المكتسبات الى نظام كفوء وقادر على تلبية متطلبات المجتمع في الحرية والسلام، من دون تعرضها لاية مخاطر تهدد النتائج الموجودة على الساحة. لا يمكن غض النظر عن متطلبات المجتمع في الديمقراطية والسلام والحرية من بعدما نادت به ملايين الحناجر لكن بجملة واحدة ” نريد اسقاط النظام”، لكن يكمن بيت القصيد في ضمان بناء وحدة ديمقراطية بارادة شعبية. بالطبع هذا ما سيحدده مستوى النضال والاستمرار به الى حين التحقيق. فلم تعد السياسة الدولتية السلطوية بكل اقنعتها التقليدية والمروغة في مثال تركيا اليوم وما تمارسه ضد الشعب الكردي وحركتها التحررية الوطنية من انكار وابادة باسم الاسلام، قادرة على خداع المجتمع وخاصة نحن في بديات القرن الواحد والعشرون. فالخطر مازال موجودا وذلك في نوعية النظام البديل للانظمة المخلوعة، ولازالة هذا الخطر ينبغي تمتين صفوف المجتمع بوعي اخلاقي وسياسي.