افتتاحية العدد 3: طوبى للسلام
ها قد أُعلنت الهدنة من الطرف الأول، فردّ عليه الطرف الثاني بالمثل فتوقف الاقتتال و باتت تباشير الحوار السياسي تلوح في الأفق. كل محادثة كانت تسجل تقدماً و تقطع مسافات أطول من التي قبلها حتى وصلت المحادثات إلى نتيجة مرضية و مهمة جداً و على أثرها أنسحب الجنود من مناطق الحرب و عادوا إلى ثكناتهم للإنكفاء و ألقى الأنصار السلاح و نزلوا من الجبال تستقبلهم هتافات الجماهير و الورود تزين ساحات القرى و مداخل المدن و مراكز القصبات… الكل متفائل بأن كل شيء سيكون من الآن و صاعداً عبر الحوار و المحادثات الايجابية… أنه السلام!
السلام: الحلم الذي يدغدغ أحلامنا الوردية في زمنٍ بات التمتع بلحظة هادئة في هذه اللوحة الدراماتيكية من الصراعات اللامنتهية، فإله الحرب باسطٌ جناحيه في كل مكان و هو يعض جناحي فراشات السلام. حربٌ في لبنان و أخرى في فلسطين و اسرائيل و أخرى في العراق و أخرى في ايران و افغانستان و حرب شرسة في تركيا من نوع آخر، أنها بين مناضلي الحرية و سالبيها، الحرب التي مرّغت أنف أعتى جيش في المنطقة في التراب و جعلتها تئن تحت وطأة كابوس و هاجس عضال اسمه (الكرد، المقاتلين لأجل الحرية). فهذه الكلمة تلفظ و تكتب آلاف المرات في الإعلام و الكواليس السياسية كخير اثبات على هذا الكابوس الذي يرزح على صدور الحكام المتعنتين في اللاحل. الحرب التي استمرت لسنوات عدة و رغم كل الهدن المعلنة من قِبل المقاتلين الأنصار إلا أن جميعها كانت تُخرَق و من اللحظة الأولى من قِبل جنرالات الدولة المتحجرين…
و أخيراً و قد يكون آخراً، تم الإعلان عن هدنة جديدة من قبل المقاتلين الأنصار بناءً على دعوة السيد أوجلان كي يفتحوا المجال أمام الحوار السلمي و المحادثات الايجابية لايجاد حلٍ عادل للمسألة الكردية في تركيا أولاً و من ثم في الدول المعنية الأخرى.
السلام: ليس حلماً يدغدغنا فحسب، بل قيمة حضارية و ثقافة فكرية و سلوكية إنسانية راقية بعيدة كل البعد عن التشنج و العصبية في التعامل مع القضايا الباحثة عن حلول.
هذه الهدنة و على الرغم من كونها فرصة مهمة جداً للسلام و إسكات الأسلحة إلى الأبد، إلا أنها الفرصة الأخيرة أيضاً. نعم الفرصة الأخيرة؛ فكونها الفرصة الأخيرة فمن المهم بمكان الاستفادة على أكمل وجه من هذه الفرصة. هذا واجب يقع على عاتق كل من يحمل بين اضعله حب هذه الجغرافيا المترنحة على شفا الهاوية من الاقتتال الأعمى بين الكل و طغيان فلسفة “أقتل و مُت” على لوحتنا الجريحة أصلاً.
و الوضع كهذا، علينا أو الحري بكل فرسان الثقافة و أرباب القلم الصارخ و حاملي الفكر الحر النير و الضمير من ابناء و بنات الشرق العريق العمل و لو بكلمة حق لجعل هذه الفرصة –الأخيرة- للسلام مثمرة و ناجحة حتى يكون العقل و العواطف الأخوية و أحاسيس الصداقة بين الشعوب الطاغي على تفكير المجتمع و الساسة في المنطقة.
أنتبهوا! لا أوجه بندائي هنا إلى الساسة و العسكر و الانصار و الرؤساء، بل بالتحديد إلى المثقفين؛ لأنهم يمثلون و الأحرى بهم ذلك – ضمير المجتمع النابض. فالضمير هو الحكم الذي يأمر بالمحبة و الأخوة و السلام و ليس العكس. سيكون اليماً جداً ملاحظة المثقفين اللامباليين بهذه الفرصة- الأخيرة و ما قد يتمخض عنها من نتائج في حالة العكس… فاللامبالاة لا تليق بالمثقف، وإلا فليبحث لنفسه عن صنعة أخرى غير تمثيل ضمير المجتمع النابض.
نعتز بكل المثقفين من القوميتين الكردية و التركية الذين نادوا و صارعوا طويلاً لأجل إحلال السلام، و لن يكون مبالغاً فيه إن قلنا بأن هذه الفرصة- الأخيرة- للسلام ثمرة ناضجة للجهد الذي بذله المثقفون الذين لا يتكلمون فحسب بل و يسعون إلى فعل ما يقولونه و يكتبونه في تحقيق السلام في المنطقة.
فـ طوبى لهم و لجهودهم النبيلة، و طوبى لكل من ينضم اليوم و غداً و بعد غد من مثقفي العراق وسوريا و اسرائيل و كل المنطقة إليهم كي يتحقق وصية المعلم الكبير” أحِبوا بعضكم بعضاً”…