جيهان أرن
يمر الشرق الاوسط بمرحلة مخاضات جديدة قد تنتهي بنتائج تاريخية هامة، ولكن على ما يبدو ان القوى المهيمنة التي انضمنت بفاعلية اليها لا تريد استوعاب الاسباب التي فتحت السبيل امام مرحلة تاريخية كهذه، وهذا الرفض بدوره سيؤدي الى افشال جميع مخططاتها ومشاريعها السياسية المطروحة باسم الحل. اما بخصوص وجهة نظر القوى الراسمالية العالمية وعملائها فهي متناقضة تماماً مع مطالب الشعوب في منطقتنا، لذا نرى بأن قفزاتها الجديدة ومشاريعها المطروحة باسم الحل تحولت الى مشاكل جديدة خلال فترة وجيزة، وخاصة يبدو من ما عشناه في الاعوام العشر الاخيرة تشير الى اننا نتجه صوب فترة معقدة وعصيبة.
تُكرر قوى الهيمنة العالمية تقاليدها الممتدة الى آلاف الاعوام في مرحلة التغيير هذه في منطقتنا، لتجر مجتمعنا الى نهاية مأساوية جهنمية. حيث نلاحظ مؤشرات وبوادر هذا التغيير الذي تزعمه منذ هذه اللحظة. مثلاً، يذكر التونسيون بأن ثورتهم اشتراها صندوق النقد الدولي، ولا يمكن ايضا الاستخفاف بعدد النادمين من التغيير الموجود بعد سقوط حكم قذافي في ليبيا، وكذلك يتضاعف عدد القائلين: ” كانت الاحوال افضل في عهد صدام حسين”. كذلك سعت القوى التي تزعم التغيير الى اقناع الشعب المصري بان ما يجري فيها من تغيير هي ثورة وليس تغيير حكام عبر الترويج والدعاية لمزاعمها هذه، ولكن لا تلاقي من يصدّقها. قد يكون رفض الشعوب للعبة تغيير حكام الدولة التي بدات من افغانستان واستمرت في مصر باسم الديمقراطية من احد اهم الاسباب الرئيسية في بقاء نظام البعث في سوريا. انحرف مسار التغيير في لحظة انتظار الجميع تحقيق الديمقراطية وناضل لاجلها على هذه الارض، ومن ثم روجت القوى الحاكمة للتغيير الموجود على انه ديمقراطية لمطالبي ومنتظري التغيير الحقيقي، ولكن لم تُسلم الجرة في هذه المرة وانكشف فساد خميرة النظام الراسمالي مرة اخرى.
- كيف يمكن الحفاظ على قيم الثورات ونهجها؟
(يجب ألا تَقَعَ الثوراتُ في خاتِمَتِها في مرضِ السلطةِ وألاعيبِ الدولتية، كي تَغدوَ قَيِّمَةً ثمينة، وكي لا تَدخُلَ في مفارقةٍ وتناقضٍ مع أهدافِها. فالثوراتُ الصائرةُ سلطةً ودولةً على الفور، لا تُعتَبَرُ منتهيةً زائلةً فحسب، بل وتُصبحُ خائنةً لأهدافِها في المساواةِ والحريةِ والديمقراطية.) عبدالله اوجلان
يبدو من المقتطف الذي تفضل به قائد الشعب الكردي في مجلده الرابع بعنوان “ازمة المدنية وحل الحضارة الديمقراطية في الشرق الاوسط” بانه من اكثر الواقعيين في وجهة نظره حول ما يعيشه الشرق الاوسط تاريخياً واجتماعياً. لا يمكن هنا الاستغناء عن تشخصياته وتوجيهاته لادراك وتحليل هذه المرحلة. كما يتضح لنا يوما بعد آخر بأن طرحه لكونفدرالية الشرق الاوسط الديمقراطي هو السبيل الوحيد للحل.
- ما هي السياسة المتبعة تجاه الشرق الاوسط؟
تُتبع سياسة الارهاب والتخويف في الشرق الاوسط منذ خمسة آلاف عام، إلا ان هذه السياسة التي انتهكت بنية الشرق الاوسط الاجتماعية عبر الحضارة الدولتية بدات تتسارع في الموت، لقد اثبتت الشعوب ميدانياً رفضها القاطع لسياسة الترهيب رغم محاولات اصحاب هذه السياسة في اقناع المجتمع عبر جاذبية مصطلح “الربيع العربي”
. اما الموضوع الآخر الملفت للنظر والمفيد ذكره هو تستر القوى الامبريالية الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية وراء مصطلح “الربيع العربي”، حتى تبني ديكتاتوريات جديدة وهذا الموضوع قد اشار اليه كُتاب مجلة “الشرق الاوسط الديمقراطي”مرارا وتكرارا.
التغيير ضرورة في الشرق الاوسط، ولكن علينا ان نبين وابعد من ذلك ماهية الاشياء التي ينبغي تغييرها وكيف، وقد توضح ميدانياً في العامين الاخيرين بشكل اكثر ضروريات التغيير لاجل تحقيق الديمقراطية، إلا ان ما عاشته منطقتنا من مواقف وسلوكيات متباينة حولتها الى بحر من الدماء. ان قوى الهيمنة العالمية مع عملائها “حتى وان كانت اسمائهم جديدة ولكن نزعاتهم ومفاهيمهم قديمة” تصف ممارساتها المتبعة عبر الاعتدال الديني والمركزية المفرطة وحتى الفاشية احيانا بالتغيير الجذري، ولاجله تلجأ الى وسائل وسبل سياسية لاديمقراطية، أما الشعوب فتطالب تغييراً تحكمه بنى سياسية محلية وديمقراطية وادارة ذاتية ديمقراطية مباشرة. تُفرض ديكتاتوريات جديدة تذكرنا بالقديمة تحت اسم دمقرطة الشرق الاوسط بالرغم من وجود دعاية كثيفة للتغيير الديمقراطي في الاعوام الاخيرة كما نراه في مثال العراق وتركيا. اما الامثلة الساطعة على مقاومة الشعوب لاجل تغيير ديمقراطي فنشاهده في كفاح الشعب الكردي وفي مقاومة وكفاح الفئة المعارضة للرئيس المصري محمد مرسي بالدعوة الى التغيير المستمر والثورة في مصر.
- الى اين تتحول الربيع العربي
تسعى قوى الهيمنة العالمية لتحويل المرحلة المسماة بـ “الربيع العربي” الى مرحلة تأجيج حدة النزاع بين الشعوب
. ومن اهم القضايا التي عانتها منطقتنا في قرن العشرين هي العداوة التي أججتها قوموية الراسمالية ضمن الشعوب بيد النظام الدولتي، حيث تسعى الى ايقاع الشعوب ببعضها البعض وتأجيج العداوة والتمييز بين ثقافاتها وهوياتها التعددية تحت اسم التغيير الديمقراطي. مثلاً، يصبح الانكار والتصفية لغة السياسة الحاكمة عندما تكون قضية الشعبين الكردي والفلسطيني محور الجدل والنقاش بالرغم من انهما اهم القضايا الاولية في الشرق الاوسط، كما يتم الدفاع عن هذه اللغة باسم القانون الدولي الى جانب هذا الظلم.
الى جانب تفعيل سياسة اللاحل هذه تُقمع وتُظلم الشعوب، وهذا بدوره ما يفتح السبيل امام نزف الدماء والدموع. ان هذا هو السبب في الانعكاس الخارجي لعنصرية تركيا واسرائيل بهذا المستوى ومن دون أية مخاوف. كما ان محاولة المهيمنين في خلق نزاع كردي-عربي في العراق هو بسبب تقاسم البترول لصالحها.
الى جانب تأجيج نار العداوة بين الهويات الاثنية فهناك سياسة مشابهة لزرع الفتنة بين الاديان والمذاهب ايضا، حيث يتم النقاش حول المسائل الدينية والمذهبية لخدمة مصالح تآمرية بدل من النقاش عليها من دون المساس او الحط من شأن القيم والتقاليد الاجتماعية وتعذيب ضميرالمجتمع، ويعتبر هذا ايضا جزءٌ من سياسة القوى المهيمنة، وما الكُفر بنبي الاسلام احيانا والتجزئة والمؤامرات والالاعيب الدائرة في سوريا والعراق إلا نتائج ميدانية لهذه السياسة.
ان التقرب من قضية المرأة يأتي في مقدمة المقاييس الاولية للتغيير الديمقراطي. يمكننا أن نشاهد بكل يسر مدى وجود الحيل والخداع قولاً وفعلاً في مسالة التغيير في الاعوام الاخيرة لدى تناول نتائج التقرب من قضية المرأة. مثلاً، لم تتعرض القوى المهيمنة للسعودية بالرغم من الفرق الشاسع والاختلاف الكبير بينها وبين سوريا في مسالة التقرب من قضية المرأة الى درجة لا يمكن مقارنتهما، بالعكس تماما تم قمع المعارضة وتعذيبها بكافة الاشكال. اما جنوب كردستان الذي ارتأته القوى العالمية كنموذج للتغيير وكسبيل حل للقضية الكردية يعاني من مخاطر ومستجدات وخيمة. ولكون طابع الحكومة طابع عشائري-اقطاعي وديني نسبياً فلا يوجد جدل ونقاش جدي حول قضية المرأة، لأنها تعتبر قضية عار ولا تقبل النقاش. لذا فلا تُعكس الصورة الحقيقية لحياة المرأة ولا حتى في الصحافة، سوى إننا نسمع ويوميا أنباء قتل النساء من مؤسسات المجتمع المدني.
- ما هو السياسة الاقتصادية للنظام وهل هناك ضرورة لتغييرها؟
يعتبر الاقتصاد من الميادين الحياتية الهامة التي تعكس الصورة الحقيقية لمشروع التغيير للنظام بشكله الشفاف وممارساته على وجه الخصوص، حيث له سياسة اقتصادية لا تمت بأي صفة اخلاقية. مثلا، يعود انهيار العديد من المدن وخاصة في ليبيا وسوريا باسم الكفاح في سبيل التغيير بالدرجة الاولى الى الاتفاقيات السرية بين شركات البناء التابعة للراسماليين الاسلاميين المعتدلين والقوى العالمية، وفق العديد من الآراء المتداولة في مؤسسات المجتمع المدني الديمقراطي وضمن صفوف شعوب المنطقة. انعكست الاتفاقيات التركية-الفرنسية بخصوص ليبيا وسوريا اعلاميا وباشكال مختلفة، حيث اتفق البلدان على الربح من وراء بناء الشركات المحلية المتعاونة خارجيا لدى انهيار الشركات العالمية. لم يعد البترول في الشرق الاوسط يُصدر بالسفن بل يُنقل بالانابيب منذ الاحتلال والى الان. كما نعلم بالمحاور المتداولة احيانا حول البترول في جنوب كردستان. اي لا يوجد اقتصاد اكولوجي ديمقراطي منتج في الافق الاقتصادي، بل هناك توظيف وتنشيط اقتصاد احتكاري قائم على النهب في منطقتنا كما هو في جنوب كردستان. تسعى القوى المهيمنة الى خداع المجتمع بالمراكز التجارية العملاقة والمباني الشاهقة التي تُهدم بعد سنة من بنائها، في حين تُقدم ثرواتنا الطبيعية في خدمة مصالح فئة معينة عبر تركيا. من الصواب تناول هذه السياسة المطبقة في دبي والتي شملت جميع البلدان كواجهة جديدة وخطوات لا تقبل التغيير في الشرق الاوسط. اما مقابل هذه السياسة يتم قمع استياء الشعب ضد هذه الممارسات بالرشاوي الاجتماعية التي توزع تحت اسم الرواتب احياناً وبالخوف والارهاب في اخرى.
اما الموضوع الاخر والذي يمكننا ان نلاحظه وبسهولة بعد المستجدات الحاصلة في الاعوام الاخيرة هو تحريف اجندة المنطقة باستمرار، لانه ومع تحريف الاجندة ينحرف تجاه النضال المفروض ايضا. مثلا، تم تحريف مسار مطالب الشعب في كل من ليبيا وسوريا. ففي حين كان الكل ينتظر تحقيق الثورة في سوريا بدات العصابات بهجماتهم، والقائمين على هذه الافعال هي الدول الموجودة تحت رقابة القوى العالمية من امثال تركيا والقطر والسعودية. حيث اختارت هذه الدول الثلاث العيش على حساب بيع ثورات الشرق الاوسط، واختار حُكامٌها العيش على حساب دماء الشعوب بالاعتماد على هذه الاتفاقيات لحماية نظامهم القديم. كما تم توظيف الدولة التركية وتعيينها لوضع المستجدات تحت خدمة النظام والدعاية له. فإذا ما لاحظنا سنرى بان هذه الدول هي من الدول المكلفة والمدعوة باستمرار الى الاجتماعات المنعقدة حول شؤون المنطقة. اما المكان الذي تحاول هذه الدول الثلاث الاستيلاء عليه عبر ثقلهم الميادني فهي سوريا وغرب كردستان. وهذا هو السبب في تحريف الكفاح ضد النظام في هذا البلد وتحويل المجموعات المختلفة التي ظهرت باسم المعارضة الى عصابات.
يعيش الشرق الاوسط مرحلة نضال مستمر بتجذر الصراع بين قوى النظام الراسمالي وقوى المجتمع الديمقراطي في كافة الميادين الاجتماعية. وهذا التناقض في جوهره يكمن وراء حقيقة الحروب والصراعات المستمرة منذ عام 1999 والى هذه اللحظة. لولا هذه التناقضات لما واجه النظام الراسمالي كل هذه المصاعب والمضايقات. يسير هذا الكفاح بوتيرة عالية الان في شمال وغرب كردستان ومصر. لذا فان مقاومة الشعب الكردي وخاصة ضد الدولة التركية موقف ديمقراطي اساسي في منطقتنا. وشاهدنا مدى تاثير هذا الموقف وخاصة في غرب كردستان الذي يمثل احد دعائمها. هناك الكثير مما يحتذى به الشرقيون من هذه المقاومة. اي شاهدنا فيها امكانية تحقيق التغيير الديمقراطي بأقل ألم إذا ما شأنا، واثبت مرة اخرى بان للشعوب بديلها.
- ما هو دور الشعب الكردستاني في الشرق الأوسط؟
لم ينجر الشعب الكردستاني او ينخدع بالالاعيب والمؤامرات الموجودة في الشرق الاوسط، كما استطاع الشعب العربي ايضا لم شمله على الفور حتى وإن كان له آمال كبيرة في اولى العامين من التدخلات الخارجية وذلك بسبب ظلم وطغيان حكامها على مدى قرن العشرين مثلما شاهدناه في مصر.
“تقومُ عناصرُ المجتمعِ الأخلاقيِّ والسياسيِّ للعصرانيةِ الديمقراطيةِ بتجاوُزِ هيمنةِ الدولتيةِ القوميةِ المؤديةِ إلى فَتَشيةِ وقُدسيةِ القانونِ والسلطة، ممهدةً السبيلَ بذلك إلى نماءِ المجتمعِ الديمقراطيّ. وعوضاً عن احتكاريةِ السلطةِ ذاتِ الهويةِ المنغلقةِ الأطرافِ والصارمة، والتي تُمَزِّقُ جيوسياسةَ المنطقة، وتَجعَلُها مُجدِبةً عقيمة؛ فإنها بمفهومِ السياسةِ المرنةِ والديمقراطيةِ والمتراميةِ الأطراف على صعيدِ المنطقة، بل والعالَمِ أيضاً، تُمَكِّنُ من الكُلّيّاتيةِ والأخوةِ اللتَين هناك حاجةٌ ماسةٌ ومُلِحّةٌ لهما ضمن هذا الكمِّ الهائلِ من التنوعِ والتباين. بالتالي، فهي تُشَيِّدُ صرحَ المجتمعِ الديمقراطيِّ على أرضيةِ كُلّيّاتيةِ الثقافةِ التاريخيةِ – الاجتماعية.” عبدالله اوجلان
وماذا يتطلب من القوى المناضلة باسم الشعوب؟
ستتسبب القوى المناضلة باسم الشعوب في عقم الكفاح الديمقراطي إذا ما لم تنظم ولم تكن شاملة او تفتقد لافق ديمقراطي
بالمستطاع اتخاذ تجارب ودروس عديدة من المقاومة والنهج النضالي للشعب الكردستاني وخاصة في غرب كردستان، حيث يمر بتجربة نضالية هامة في تحقيق ادارة ذاتية ديمقراطية، ولكن لم يتلقى موقفه الايديولوجي والسياسي هذا حق الدعم والمساندة الاقليمية المستحقة. وحتى لم تتلقى المقاومة الكردية بمواقفها في سوريا الدعم والمساندة الكافية من الاوساط الديمقراطية ايضا. حيث بقيت الاوساط العربية الديمقراطية بعيدة وغير مبالية بالشأن الكردي ظناً منها بأن الشعب الكردي على خصام مع الشعب العربي او إنه يستهدف تجزئة سوريا. اما السبب في عدم تقرب الاوساط التركية الديمقراطية من المسالة الكردية فهو لضعف تنظيمهم وتأثرهم بعلمانية ودينوية الكماليين “حزب العدالة والتنمية، حزب الشعب الجمهوري”. اما ايران فتتحرك وفق مغالطاتها الداعية الى ان الكل سيتحولون الى عملاء مع الغرب ماعداها، ولا يمكنها تخطي موقفها الدفاعي هذا. ان ضعف المعارضة ونقصانها في الشرق الاوسط يؤثر بدوره على بقاء الحركة التحررية الكردستانية لوحدها. إلا ان المتعاونين مع القوى الدولية العالمية وبالاتفاق مع المجموعات العصاباتية التي تحصل على المال من الدولة التركية يحاولون محاصرة وعزل الشعب الكردي من جميع النواحي ويعملون بكل ما في وسعهم في سبيل اعاقة نضاله الديمقراطي. تطيل هذه القوى من عمر النظام السوري عبر افشال وحدة صفوف شعبها من كرد وعرب واشوريين وارمنيين وتفكيك اواصر اخوتهم، الى جانب استهداف النظام الذي يريده الشعب انشائه عبر تطبيق الحصار الاقتصادي. تقف كل من القطر والسعودية والدولة التركية وعملاء الحداثة الراسمالية كحجرة عثرة امام تتويج كفاح شعوب المنطقة بالنصر.
تستهدف هجمات هذه الدول التطورات الاجتماعية المتركزة حول السياسة الديمقراطية في المنطقة في حال عدم القدرة على تصفيتها، وبه تريد ان تؤكد بان نظامها هو الوحيد ولا بديل آخر سواه، ولكن تعلم هذه القوى اللاديمقراطية بان امكانية صد هجماتها سيكون عبر قيادة ديمقراطية سليمة كما شاهدناه في مدينة “سري كانية” التي بدات تهاجمها بكافة الوسائل القذرة لاعاقة النضال الديمقراطي فيها. ففي هذه المرحلة التي ينادي فيها الكل باسقاط حكم بشار الاسد في سوريا.
تشير هجمات الدولة التركية اللاديمقراطية الى البعد الذي بلغه الصراع بين قوى الحداثة الراسمالية والعصرانية الديمقراطية ستكون البنية الاساسية للنضال في منطقتنا على هذا النهج، لان النظام الراسمالي لم يسعى الى تحقيق الديمقراطية يوماً، إلا انه كان يملك وسائل واجهزة التستر على سياساته هذه. بتنا شاهدين على عدم وجود الديمقراطية في اجندة قوى النظام الراسمالي وعملائها وشركائها من دول ومنظمات في المنطقة. نستطيع معرفة طابع التغيير في منطقتنا لدى التطلع الى ممارسات الدولة التركية الفاشية بقيادة حكومة حزب العدالة والتنمية ضد الشعب الكردي والقوى الديمقراطية وهجمات القوى العسكرتارية العصاباتية المسلحة ضد القوى الديمقراطية في شمال سوريا ومنطقة حلب وممارسات محمد مرسي في مصر وسياسة المالكي في العراق.
“من دونِ إنهاضِ المجتمعاتِ بالسياسةِ الديمقراطية، وتأسيسِ التنظيماتِ الديمقراطيةِ وتَنشِئَةِ القياداتِ الديمقراطيةِ في كلِّ مجموعة، وتجربةِ وتوطيدِ نمطِ الحياةِ الديمقراطيةِ على المدى الطويل؛ يستحيلُ إنشاء المجتمعاتِ الأخلاقيةِ والسياسية، أو تَكوين المجتمعاتِ الديمقراطية، وبالتالي الأممِ الديمقراطية، بوصفِها تعبيراً ملموساً وعَينِيّاً عن المجتمعِ الأخلاقيِّ والسياسيّ.” عبدالله اوجلان
ومن دون تحقيق ما افاد عنه قائد الشعب الكردي “عبدالله اوجلان” حول مستوجبات الديمقراطية لا يمكن تحرير وخلاص الشعوب من مخالب ظلم وطغيان الشركات الراسمالية وابعادها في المنطقة، وبالتالي لا يمكن تجنب افخاخ النظام البرجوازي والاسلامي المعتدل الذي تقوده هذه القوى لتأمين مصالحها والحفاظ عليه. لدى التطلع الى ما اشار اليه قائد الشعب الكردي “عبدالله اوجلان” يتضح لنا بان هناك الكثير مما يقع على عاتق الشعوب المناضلة في سبيل تحقيق نظامها الديمقراطي، ومنه تنشيط وتوعية المجتمع بالقيم الاخلاقية والسياسية. ان بلوغ هذا النهج من ضروريات تحقيق مجتمع سياسي ديمقراطي.
” تؤدي السياسةُ الديمقراطيةُ دوراً لا استغناءَ عنه من أجلِ ذلك أيضاً. إذ يستحيل الوصول إلى المجتمعِ العادلِ والمتساوي (ضمن تبايُناتِه) والحرِّ بوسيلةٍ أخرى غير السياسةِ الديمقراطية. فبقدرِ ما تُصبحُ سلطة، فإنكَ تُصبحُ طبقة. وبالعكس، فبقدرِ ما تَتَدَمَقرَط، فإنكَ تَخلو من الطبقية. أي، من المحالِ بلوغ المجتمعِ الديمقراطيّ، ما لَم تُفرَضْ وسيلةُ السياسةِ الديمقراطيةِ الشاملةِ للغاية على ثقافةِ الشرقِ الأوسط، وما لَم يُوقَظْ ويُنَبَّه المجتمعُ ويُنهَضْ بهذه الوسيلةِ دوماً، وما لَم يُدفَعْ نحو الممارسةِ العملية. ومن دونِ بلوغِ المجتمعِ الديمقراطيّ، محالٌ تحقيقُ أيِّ هدفٍ في المساواةِ والحرية، أو التوصلُ إلى عصرِ الحضارةِ الديمقراطية.”