سترك كلو
ربما تواجهنا مشاهد من اكثرها تعقيداً لدى تناول دور المراة في السياسة الديمقراطية، ولكن وضع هذه القضية على طاولة التشريح من اهم القضايا الانسانية التي تواجهنا كلما نبشنا في بنية اكبر قضايانا والى اليومية منها. لم يكن عزل المراة عن ممارسة السياسة في المجتمع وخاصة في الشرق الاوسط يسيرٌ لو تصفحنا حتى القليل في تاريخ مجتمعنا بعد انتهاكها تحت ظل سياسة النظام الحاكم، وانحصرت ممارسة السياسة في يد الطبقة المهيمنة بعدما كان المجتمع مرجع القرار والتنفيذ في جميع شؤونه الحياتية. لقد كانت المراة من الاقرب الى ادارة الاعمال والنشاطات الاجتماعية والاقتصادية وممثلة الثقافة بجميع تقاليدها الحياتية تحت ظل سيادة المجتمع الطبيعي الى حد وصف البعض المجتمع الشرقي القديم بمجتمع المراة. ولدى تطلعنا الى مجتمع القرية اوالريف والبادية سنشعر بهذه التقاليد وحرارتها عن قرب. لذا، تؤكد لنا المجتمعات البعيدة عن سيطرة النظام الدولتي الذكوري بكل تفاصيله بانها مازالت حاملة قيم المجتمع الطبيعي ولم تفقده رغم الابادات وويلات السلطة المتكبلة في ذهنية الرجل والذي كلف فئات المجتمع وعلى رأسها المراة الكثير.
حتى وإن كانت المراة مازالت تأن تحت وطأة ترسبات ذهنية الحداثة الراسمالية الذكورية، ولكن الصراع يشتد كلما تعرفت على قوة ارادتها وحقائقها التاريخية التي احتفظت بها في ذاكرتها العاصية ولم تتبناه يوما حتى وإن كان هذا الرفض في سرها. لاننا نعلم بان هجمات النظام الذكوري لم تقتصر على جانب فحسب، بل شملت كافة النواحي لدرجة باءت تؤمن المراة نفسها بانها الضلع الاعوج، وإذا ما حاولت طرح هذه القضية على طاولة النقاش ربما لاقت مواجهة من جنسها، لان الاحباط كاد يفقد ثقتها وايمانها بتغيير الذهنية الذكورية الحاكمة، رغم وجود عصيان دخيل يفور في كل فرصة بداخلها، كما رأيناه في مثال الحركات الشعبية الاخيرة في الشرق الاوسط عبر انضمامها الكثيف وحتى قيادتها حتى وإن كانت تفتقد هذه القيادة الى وعي ايديولوجي وتنظيمي شامل في العديد من البلدان.
تعالى صوت المراة على صمتها في مسيرة الحركات الشعبية التي هبت من دون الحسبان لاية قوى مستبدة او ديكتاتوريات لتنتشر في جميع البلدان، كون هذا الصوت لم يكن وليد لحظة بل غضب عقود وحتى قرون ضد سياسة السلطات الدولتية الذكورية المستبدة التي كبحت جماح المجتمع وكادت تفتك بكل ما أتي به قيمه الحضارية الديمقراطية الممتدة الى ثقافة الالهة الام في العصر النيولوتي الذي كان عصر ولادة الانسانية. ان النهوض من بعد سبات عميق لا يدل على شيء سوى المطالبة بحياة ديمقراطية حرة يعبر فيه جميع الشرائح والفئات الاجتماعية وعلى راسها المراة عن نفسها بحرية عبر سياسة ديمقراطية حرة.
إذا كنا متفقين على ان الديمقراطية تمثل ادارة المجتمع نفسه بنفسه، فهذا يعني إذا ما فقد اي مجتمع هذه الارادة سيفقد اهم قيمه كمجتمع انساني، وفي هذه النقطة بالذات حاولت القوى المهيمنة وعلى مر التاريخ ان تبني مجتمعا مقموع الارادة ومحروم من حق الكلمة والقرار، ولاجل تحقيقه جعلت الامم وعلى راسها أمة المراة تدفع ثمن ذلك باهظا ليس في الشرق الاوسط فحسب بل في العالم ايضا. اما الشرق الاوسط فقد غاص في هذا المستنقع من قمة راسه والى اخمص قدميه. لكن السؤال الهام الذي يبادر الى اذاهننا هل مدت الشعوب رقابها تحت سكاكين هذه السياسة؟ ان جواب هذا السؤال يستحق بحثا وتحريا في التاريخ ولكن لحظتنا هذه مرآة للتاريخ وبامكاننا ان نستخرج نتائج لدى التطلع الى الاحداث والتطورات الجارية في منطقتنا، كون اللحظة مزيج الماضي والمستقبل ولا يجعلنا ننفصل عن ماضينا كما تسعى اليه قوى الحداثة الراسمالية بكل ما تملك من آليات وعلى كافة الميادين الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية والاخلاقية وذلك باسم التغيير والحداثة.
نظرا للمستجدات واحتمالات التغيير الجارية في منطقتنا، نحتاج الى تحري في حقيقة السياسة المتبعة من قبل الذهنية الدولتية الذكورية والمتمثلة في الدولة القومية بكل اجهزتها. وبما ان الآراء تجتمع على ان السياسة الديمقراطية فن وعمل المجتمع فعلينا ان نعترف بان المجتمع المحطوم الارادة محروم من حقه المشروع هذا، لانه لا يستطيع ادارة اعماله بنفسه ولا التعبير عن رأيه بحرية، لانه ثمة سلطات مسؤولة عن تسيير السياسة وهي الدولة، اي السياسة محصورة ضمن نطاق حدود الدولة، وهذا بدوره ما يؤدي الى عزل المجتمع بكل فئاته وخاصة المراة عن ممارسة حقها الطبيعي هذا، وبالتالي ستبقى الديمقراطية مجرد ديماغوجية وشعارات براقة لطبقة او لشريحة معينة، ولكن هذا لم يتكافئ يوما مع حقائق الحضارة الديمقراطية التي مثلتها المراة منذ العصر النيولوتي والتي كانت الطليعة في انسياب ثقافة الالهة على اشكال مختلفة الى يومنا الراهن. لم يكن بمستطاع الشرق الاوسط انبعاث ميلاد جديد من دون الاستناد على ثقافة الام التي انبعثت على اثرها قيما اجتماعية وثقافية واقتصادية جعله ينقذ من منحدر هيمنة الحداثة الراسمالية وخاصة من بعد احتضار هذه الثقافة على يد ثقافة الابادة والمجازر والاغتصاب.
بالطبع كل ملامح هذه اللوحة المرسومة تجتمع في صورة المراة وقضيتها المستفحلة على يد الذهنية السلطوية الدولتية. تم عزل المراة من كافة الميادين الحياتية وعلى راسها الميدان السياسي، لان انضمامها يحتاج الى ذهنية ديمقراطية بعيدة عن الهيمنة والتسلط. لكن الواقع المفروض يختزل هذه القضية تحت عناونين فات عليه الدهر وشرب، كمثل تحويل انضمام المراة الى السياسة والشؤون الادارية للمجتمع بالمعنى الحقيقي الى قضية مستعصية، لانها ووفق وجهة نظر النظام الحاكم لا يمكنها ممارسة السياسة ولا ادارة اعمال المجتمع ولكن بامكانها ان تتحول الى قوة احتياط لترسيخ الذهنية الذكورية كما نجده في مساعي الانظمة الحاكمة في الشرق الاوسط. ولا تقتصر المسالة الى هذا الحد، بل هي قوة عاملة رخيصة ومجانية تستخدم في سد جميع الثغرات التي يتركها النظام في فرض السيطرة على المجتمع، وحتى الى قوة رئيسية للقضاء على قيم المجتمع الاخلاقية ايضا. كون مقياس حرية مجتمع ما مرتبط بمقياس حرية المراة فيه. انطلاقا من ذلك فان مقياس السياسة الديمقراطية مرتبط بمدى فاعلية دور المراة فيها.
ان اغتصاب المراة كجنس واستعمارها كأمة من دواعي النظام الذكوري. ولهذا النظام وسائله في تطبيق هذه السياسة، حيث بدأ من العائلة والتي تمثل لبنة المجتمع وذلك عبر تحويلها الى صورة مصغرة عن الدولة. حيث تحولت العائلة الى بؤرة استنزاف قوة المراة والمؤسسات الاخرى الى آلة لاستغلال جهدها بمزيد من الجشع الراسمالي. هذا الى جانب تحويلها الى آلة انجاب من دون ان يكون لها حرية القرار في هذه العملية الحياتية التي تشكل جزء من الطبيعة الانسانية، لانها معرضة للحرمان حتى من حق الامومة إذا شاء الرجل، وهناك امثلة عديدة نصادفها في حياتنا اليومية. اما الذي يدفع ثمن هذه السياسة اللاديمقراطية فهي المراة. لا نريد هنا ان نتطرق الى تراجيديا احصائيات القتل والانتحار في معظم بلداننا، ولكن اللوحة التي لا يمكن لاي عالم اجتماعي ان يصوره موجودة في واقع المراة في الشرق الاوسط حتى من بعد وقوع اكبر الانتفاضات والحركات الشعبية نظرا الى تاريخنا القريب.
ان تشكيل سياسة ديمقراطية عبر تحويل جميع انجازات المراة الى رصيد في خدمة هذه السياسة سيفتح السبيل امام انضمامها الفعال والنشط الى هذا الميدان، ولكن هذا بدوره يحتاج الى وعي تاريخي واجتماعي بذهنية مستقلة عن جميع السياسات التي تطبل لها القوى الحاكمة. فهنا لا يمكن ان يكون المفهوم الليبرالي ولا الدوغمائي مقاييس لسياسة ديمقراطية، كون النظام الحاكم يسعى الى معالجة القضايا عبر هذه المفاهيم ولكن باسم التغيير والسياسة الديمقراطية في مرحلة التحول التي تمر بها منطقتنا وبه يحاول ان تكون المراة من اولى ضحاياه. فمن جانب يتاجر بكل جزء من جسدها عبر اثارة الشهوات الجنسية التي افرغت المجتمع من جوهره وذلك للحصول على اكبر ربح ممكن، ومن جانب اخر يحاول تحجيبها باسم الشرف والاخلاق، ولكن كلا الطريقتين لا يخلوان من تحويل هذه الامة الى مستعمرة ولكن بموديل خاص، كما يحصل اليوم تحت اسم اعادة صياغة الدساتير والقوانين وتعديلها في بعض البلدان التي تبدو وكأنها تحاول التغيير مثل تونس والسعودية ومصر. على ماذا يفيد التجديد إذا كانت المراة لا تمتلك حق التصويت والانضمام الى السياسة وان تكون صاحبة الكلمة والقرار بحق نفسها والمجتمع، دع ذلك جانبا، فانها لا تستطيع ان تعبر عن نفسها ومأساتها سوى بالانتحار والحرق كما نسمعه يوميا في العديد من البلدان في الشرق الاوسط وعلى راسها العراق لان الحداثة الراسمالية بقيادة امريكا حولت هذا البلد العريق الى مستنقع للتجزئة والتشتت والنزاع الطائفي والمذهبي وينهب خيراته حتى تدفع المراة ثمن ما يجري في شوارعه من قتل ودمار. كذلك هناك الحديث عن اعادة سن دساتير وقوانين ولكن من دون ان يكون لمصطلح حقوق المراة مكان فيها كما حدث في السعودية والكويت ومصر، كحق الامومة وحق الطلاق بالاضافة الى منع انضمامها الى المجالات الحياتية الاخرى، اي لا يوجد من يضمن حقوقها دستوريا. فدعك من وجود دستور يصون حقوقها، فهناك تقاليد تؤدي بها الى العزلة الاجتماعية إذا ما طالبت بادنى حقوقها. وكذلك هو بالنسبة الى الميدان السياسي ايضا. ان انضمام عدد من النساء الى المجلس او البرلمان لا يغير من صلب الموضوع إذا كانت أمة بمجملها تحت رحمة نظام ذكوري لا يبت بصلة الى العدالة والمساواة. فكيف سيكون الظل مستقيما إذا كان العود اعوج، اي كيف ستكون السياسة الموجودة ديمقراطية إذا كانت تحت هيمنة السيادة الذكورية والمراة فيها محرومة حتى من حقوقها كجنس، فعلى سبيل المثال منع عملية الاجهاض في تركيا بقرار من رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم رجب طيب اردوغان، بالطبع إذا كان الهدف هو حماية المراة والاطفال، فلماذا تؤدي السياسة التركية بحياة العشرات من النساء يوميا ولماذا يباح قتل وتهجير وتعذيب النساء وخاصة الكرديات منهن من دون ان يرف له جفن. اي ينبغي ان تكون المراة هي صاحبة القرار فيما يخصها وقد اشار قائد الشعب الكردي “عبدالله اوجلان” الى هذه الحقيقة بقوله: “ثورةُ المرأةِ تقتضي تجذيرَ الحربِ أخلاقياً وسياسياً تجاه عقليةِ الاغتصابِ السائرةِ على مدارِ الساعة. كما وتستَوجبُ رفضَ وتنديدَ ظاهرةِ إنجابِ الأطفالِ بهدفِ السلطةِ والاستغلال، وتركَ موضوعِ إنجابِ الأطفالِ تماماً لإرادةِ المرأةِ المتحررة.”
اما المشهد الاخر الذي ينطوي على حقيقة الذهنية الذكورية هو ما تعانيه المراة من جراء تقاليد بالية كالرجم والخيتان والجنايات المرتكبة باسم الشرف. ان تحليل هذا المشهد بشكل سليم سيدلنا على مدى مخاوف النظام الذكوري وحقيقة ممارساته ضد المراة. كون النظام الذكوري نظام قائم على الترهيب وبدونه لا يمكنه ان يصمد امام احياء الحقائق الاجتماعية التي تحملها المراة بطبيعتها الاجتماعية. فمن جانب يُشرعن جميع الوسائل التي تحطم ارادة المراة وتحولها الى آداة بيد السلطة الذكورية وذلك باسم الدين اوالاخلاق، ومن جانب اخر يعمل وكأنه المنجد لما تتعرض له أمة النساء من ويلات الحروب السلطوية في عصرنا. ولكن لا الدين يحث على ذلك ولا اية شريعة سماوية إلا بعدما تحولت الى اداة لسياسة السلطة الذكورية الحاكمة او البحث عن دولة الدين. وبه قُتلن الالاف من النسوة حرقاً لاتهامهن بالشعوذة والسحر. وتستمر هذه المحاولات الى يومنا الراهن ولكن بصور مختلفة بعدما تصاعدت الحداثة الراسمالية واقتحمت ادق تفاصيل الحياة الاجتماعية كوحش كاسر.
لم تتجذر عبودية المراة في اي عصر مثلما آلت اليه في عصر الحداثة الراسمالية ولم تبتعد عن حقيقتها في اي عصر مثلما عليه في راهننا، كون النظام الراسمالي يدرك بان استهداف المراة وتعبيدها سيؤدي بدوره الى استعباد المجتمع وتأنيثه. بالطبع وما نشاهده من حال المراة في مجتمعنا يدل على انها الضحية الاولى للسياسة الحاكمة. وهنا اريد ان آتي بمثال اقشعر بدني عندما سمعته علنا في الصحافة، حيث دعى احد رجال الدين في السعودية النساء في سوريا الى مضاجعة الرجال الطغاة في الجيش الحر والذين يضربون الشعب العزل والابرياء بدعم القوى الامبريالية وذلك بحجة ان الدين يشرعن ذلك. وهنا اريد ان اسال سيدي الفاضل هذا، كيف سيكون موقفك إذا كانت ابنتك من احدى اللواتي تشجعهن على مضاجعة هؤلاء الرجال بالله عليك! ولكن لا نعلم عن اي شريعة سماوية يتحدث هذا الرجل، لاننا لم نرى اية فتوة من هذا القبيل لا في الدين ولا في دستور ولا اخلاق المجتمع، لكنه مثال ساطع على رعونة وميوعة النظام الذكوري الذي يؤدي بدوره الى انحطاط المجتمع اعتمادا على تسليع المراة. ان هذه السياسة تدل على استمرارية ثقافة الجواري والحرم التي كانت موجودة في سرايا الامبراطوريات في الشرق الاوسط والتي كانت المراة فيها مجرد سلعة جنسية لا غير. ان استهداف المراة بهذه السياسة القذرة من احد اساليب النظام الذكوري الذي يريد ايقاع الاجناس والشعوب بعضها ببعض على حساب استغلال المراة، ليتحدث من بعدها عن الحريات الاجتماعية وحقوق المراة. فكيف لرجل لا تقبل عقليته في ان تعطي المراة ابسط قرار بحق حياتها سواء حق ممارسة السياسة او التعليم او العمل او حتى قيادة السيارة ان يتحدث عن الحق والحقوق.
ان اول ما يستهدفه النظام من تسير سياسة ممنهجة ضد المراة هو ضمان عبوديتها تحت سلطنة الذكورة، وإذا ما حاولت المراة مناهضة هذه السياسة ستجد نفسها معزولة ومحرومة من ابسط حقوقها. وياتي عزل المراة من الميدان السياسي على راس ممارسات النظام الذكوري، ليستولي على جميع منجزاتها ومكاسبها مثلما اثبتت تاريخ الاساطير والميثيولوجيات صحة ذلك، ويعاد نفس السيناريو اليوم ولكن هذه المرة عبر الصحافة والاعلام وخاصة بعد اندلاع الحركات الشعبية في الشرق الاوسط ومطالبة المراة ضمان حقوقها وحرياتها. بمكاننا القول بان المراة في الشرق الاوسط اولى من ذاقت الويلات تحت ظل النظام الذكوري، لذا فهي خير من تجاهد في سبيل نيل حريتها وعلى كافة الاصعدة. فإذا ما تابعت الحوار مع احد النسوة سواء أكانت عربية او تركية اوكردية او فارسية فانها ستتحدث عن نفس المعاناة، لان استعمار هذه الامة نابع من الهيمنة الذكورية التي احتلت السلطة على حساب استغلالها وعزلها عن جميع الميادين الاجتماعية وخاصة عن الميدان السياسي. فحتى وإن وجدت حركات ومؤسسات ومبادرات نسوية ولكنها تبقى ضعيفة التنظيم والمبادرة الى سوية التوعية الجنسية ولم شمل النساء وتوحيد ارادتهن تحت ظل منظمات نسوية لادولتية، حتى تخرج من كونها قوة احتياط للسلطة الحاكمة وتصبح الارادة الحرة في اصدار القرار بحق نفسها والمجتمع. وإذا ما وصلت المراة الى هذا المستوى فبمكانها ان تنضم الى كافة المجالات الحياتية بارادة حرة مستقلة.
جميلٌ جدا ان يعبرن النساء عن استائهن ضد النظام السائد وقوانينه المجحفة عبر عمليات تقاليدية كقص شعرهن او النهوض بمسيرات عارمة كما حدث في الكثير من بلدان الشرق الاوسط او الرقص بعدد يفوق المليار كما حدث في عموم بلدان العالم، كون هذه العملية احتجاج ضد سياسة العنف والاعتداء المطبق بحق المراة والدعوة الى ممارسة سياسة ديمقراطية تعبر فيها المراة عن ارادتها بحرية، ولكن الاجمل ان تتحول هذه القوة الى عملية تنظيمية حتى تتحول الى قوة القرار والتنفيذ وهذا بالضبط ما يخشاه النظام الذكوري القائم. ان نهوض المئات في الهند ضد اعتداء فتاة لا تتجاوز العشرين من عمرها عملية مشرفة ولكن الصمت تجاه ما تتعرض له النسوة في البلدان الاخرى من اعتداءات جنسية وفكرية وثقافية أمر مريب ومخجل في نفس الوقت. وهنا يفرض تنظيم قوة المراة وتوحيدها عبر سياسة ديمقراطية نفسه بالحاح، وان تحقيق هذه العملية تحتاج الى وعي جنسوي تحرري اكولوجي.
لا يمكن توحيد الصف النسوي بمستقل عن تطبيق سياسة ديمقراطية موحدة ولا ضمان سياسة ديمقراطية بدون انضمام المراة وتنشيط دورها عبر بناء مؤسسات ومنظمات واكاديميات نسوية تناقش فيها النسوة قضاياهن بحرية حتى تصبحن قوة القرار بحق مصيرهن. وكون ما تعانيه المراة في ظل سياسة التجزئة واللامساواة بين الجنسين تجعلها معرضة لاصابات دامية. وهذا بدوره يضعف من عود المجتمع ويجعله متشتتا ضعيفا، وحتى يشكل عائقا رئيسيا لتحقيق نظام ديمقراطي عبر سياسة ديمقراطية، لان المراة ضمان السياسة الديمقراطية. وقد شاهدنا هذه الحقيقة في واقع المجتمع الكردي الذي تعرض لهذه السياسة قرون طويلة ولكن بعد انضمام المراة الكردستانية الى النضال السياسي والعسكري واثبتت وجودها في واقع مثل الواقع الكردستاني وتحول هذا الانضمام الى مقياس من مقاييس الوطنية والديمقراطية، وتغيرت وجه المعادلة فيه. بالطبع لم يكن ذلك يسيرا في مجتمع متشتت ومستعمر الى النخاع، وهذا ما شعرت به المراة الكردستانية وحاولت تحويل ما تعانية الى قوة عملية.
ان توحيد الصف النسوي في كردستان تحت راية حركة المراة الكردستانية الحرة كلفت الكثير من الجهد والكفاح والنضال وهذا بالضبط ما لم تتراجع عنه المراة الكردستانية واثبتته في الكثير من عملياتها وممارساتها من خلال التصدي للنظام الحاكم عبر التسلح بوعي تنظيمي وجنسوي حر. ولا يمكن لاحد اليوم غض النظر عن هذه الحقيقة في الواقع الكردي، وبما ان المراة الكردستانية عانت واكثر من الجميع من ممارسات النظام الحاكم على كردستان ومن التقاليد التي حاصرتها ومازالت تحاصرها من كافة النواحي، فهي خير المدركين بما تعانيه النسوة في البلدان الاخرى. وبنضالها الديمقراطي في الاجزاء الكردستانية الاربعة تصبح صوت ونداء جميع النسوة. ان انضمام المراة الى النشاط السياسي الديمقراطي في غرب كردستان والى المجالس الشعبية تحت راية نظام الادارة الذاتية الديمقراطية يدل على قدرتها في تفعيل وتنشيط السياسة الديمقراطية وحتى ضمان هذا النظام في اي بلد كان.