النزعة القبلية وعملية التحول نحو الأمة
سردار ستار
كيف يجب أن نقرأ مسألة القبيلة والعشيرة و ال”بك Beg” في كردستان؟ يا ترى هل تلك القراءة التي تتم الآن من قبل بعض المثقفين والكتاب والسياسيين صحيحة؟ حيث تأتي تعاريفهم وتحليلاتهم من إطار محمّل إياهم الجهل والقتل والنهب, يا ترى هل القبيلة هكذا فعلاً؟ أم إن حقيقة الأفخاذ والقبيلة والعشيرة قد شوّهت في كردستان, بنفس الطريقة التي شوّه بها قسم كبير من تاريخنا ومجتمعنا ومكوناته، هل النموذج الموجود اليوم من القبلية هو نفس النموذج والنظام القديم؟ أليس من الممكن أن تصبح القبيلة والعشيرة جسر عبور نحو مجتمع الحداثة الديموقراطية؟
الرأسمالية والعدأوة في القبيلة والعشيرة
إن الحداثة الرأسمالية برزت أكثر على أنقاض النظام الإمبراطوري في الـ150 من الأعوام الأخيرة، (لأن النظام الرأسمالي أقدم من ذلك). فالنظام الرأسمالي الذي اتّخذ نموذج الدولة القومية كأساس وإطار ليقول للعالم إن النظام الإمبراطوري نظام جامد، ولهذا قدم نظاماً جديداً باسم نظام الدولة القومية.
بصورة عامة لم يكن هناك قومية واحدة ودولة واحدة في النماذج و الأنظمة الإمبراطورية، بل كان هناك الكثير من القوميات والقبائل والعشائر والعوائل والأُسر النبيلة، اجتمعت كلها في إطار إمبراطورية واحدة، صحيح أنها لم تجتمع مع بعضها بصورة اختيارية، ولكن لم يكن هناك قرارات بالقضاء على أية قبيلة أو عشيرة أو أسرة. وصحيح أنه كان هناك مركز رئيسي كعاصمة، ولكن كان هناك الكثير من المراكز والأقاليم والولايات التي لم تكن أدوارها أقلّ من دور العاصمة, فمع وجود النظام الضريبي وضريبة الرأس ومسألة خدمة الدولة، فلم يكن المواطن متضايقاً منها إلى تلك الدرجة, لأنه في أغلب الأوقات لم يكن الإمبراطور يريد سوى مقاتلين من القبائل والعشائر، وكانت هذا يتيح الفرصة للقبائل والعشائر أن تدير شؤونها بنفسها إلى حدّ ما.
إن الحداثة الرأسمالية في فترة الـ 150 عاماً بجميع حركاتها اليمينية واليسارية, والحركات التحررية والاشتركية، تقوم بالدعاية المضادّة ضد النظم القبلية والعشائرية, وتظهرهما كبعبعين, وهذا جعل من الأمم التي لم تصبح دولة في العالم الحالي؛ أي لا تملك دولتها القومية, تشعر بالعار وأن لا يُذكر اسمها في أية عملية في العالم، فمثلاً يتم ذكر الأمم المتحدة، لكن في الأساس الأمم المتحدة هو مكان تلك الأمم التي تملك دولاً، ولهذا لو أطلقنا عليها الدول المتحدة فسيكون أدقّ من الأمم المتحدة، لأنه لا نوجد بينهم أمة لا تمتلك دولة. والشاعر الكردي الكبير (عبدالله بشيو) قد عبّر عن هذه الحقيقة في قصيدته (13 درساً للأطفال) حينما يقول: “يا عديم الراية اخرج”، لأن الدولة القومية فقط تقدر أن تمتلك راية لها.
في الحقيقة في زمن الإمبراطوريات معظم القبائل والعشائر كانت تمتلك رايات خاصة بها، وحتى كانت أصحاب اقتصاديات خاصة بها، ففي كردستان نرى بأن العديد من أمرائها أرادوا أن يمتلكوا صكّاً لنقودهم الخاصة ولم يكونوا يأخذون الإذن من أحد, ولهذا نرى الدولة القومية قد ضيّقت على الأقوام والقبائل والعشائر, وجمعتهم في حدودٍ واحدة باسم الدولة، ووضعتهم تحت راية واحدة وفرضت عليهم لغة واحدة باسم اللغة القياسية القومية، وحشرتهم في تاريخ واحد كميناء مفروض عليهم بالقوة، ولهذا فإن الدولة القومية أصبحت حفرة عميقة كحفرة الموت للقبيلة والعشيرة والأمم.
أوروبا تُعرف بأنها باني نظام الدولة القومية وقد عرّفوا أنفسهم ضمن أُطر جمهوريات، وتُعتبر الدولة الفرنسية هي بداية لتلك العملية, والثورة الفرنسية الكبرى التي اندلعت في 14 تموز 1789، عُرِفَت كثورة للبورجوازية, وفي الحقيقية إن البورجوازية ليست بحاجة إلى أية ثورة، والذين بحاجة إلى ثورة هم الشعب والمجتمع والطبقات المضطهدة والكادحة.
هذا خطأ حدث في فترة الـ 230 سنة الماضية, ففي فترة السنوات الأخيرة الماضية انضمّ مؤرخو وفنانو وسينمائيو شمال ووسط أوروبا في السلسلتين الدراميتين (Vikings) و(Game of Thrones)، حتى يتذكروا مرة أخرى أو ينتقدوا أنفسهم, وليسترجعوا تاريخهم عن طريق السيناريوهات والمسلسلات الدرامية الطويلة, وخاصة التاريخ ما قبل اعتناق الديانة المسيحية, وأن يكشفوا بأنه كم كانت الأفخاذ والعشائر والقبائل ودويلات شمال ووسط أوروبا, مرتاحة أكثر مقارنة بزمن هيمنة الحداثة الرأسمالية التي لم تبقِ قيمة للإنسانية. فالتغيير الذي طرأ على النظام والهيمنة التي انتشرت في العالم باسم الإمبريالية، أحدث أكبر عملية سرقة ونهب في البلدان المحتلة وفرضت عليها نموذجاً مشابهاً له.
بعد الحربين العالميتين في القرن العشرين, خسر النموذج الإمبريالي أمام كفاح الشعوب والأحرار في العالم, ما أجبر الدول الإمبريالية التي كان مركزها أوروبا وأمريكا, على التراجع إلى الخلف بما نهبوها وسرقوها، وكذلك استطاع الرأسماليون الذين كانوا قد نظموا أنفسهم بصورة أحسن، أن يستولوا على مكاسب الشعوب المتحققة من الكفاح في ثورة الشعوب والثورة الصناعية في أوروبا، وأن يبنوا على أساسها هيمنتهم.
النزعة القبلية في كردستان
إن نموذج الفخذ والقبيلة في كردستان تاريخه أقدم مما في أوروبا، لأن تاريخ التحول المجتمعي واكتشاف مصادر الحياة والإنتاج في كردستان, والذي أطلق عليه اليونانيون ميزوبوتاميا أي بلاد ما بين النهرين, هو أقدم من التاريخ الذي يبدأ باليونانيين, بلا شك إن المفكر عبدالله أوجلان قد كشف هذا التاريخ أكثر في مجلداته الخمسة باسم (مانيفيستو الحضارة الديموقراطية)، بالاعتماد على بحوث الآثاريين الذين بدؤوا في مطلع القرن العشرين وما زالوا مستمرين إلى الوقت الحالي. وضّح المفكرعبدالله أوجلان هذا المبحث بصورة أعمق في الجزء الخامس- الفصل الثالث, عندما يتحدث عن تسلسلية المجتمع الإنساني في كردستان، في العصر الحجري القديم والعصر الحجري الحديث أو العصر الحجري الذهبي, أو عندما يقول بتعبير آخر، المجتمع الطبيعي. هذه المرحلة انتهت في جنوب بلاد الرافدين بدويلات مثل سومر و بابل، ولكنها استمرت عند الآريانيين بالأفخاذ والعشيرة والقبيلة، فصحيح بأن نظام الكلان والقبيلة قد صاغ نفسه في العائلة والقرية، ولكن هذا التطور في كردستان اتخذ شكل العشيرة.
العشيرة في كردستان بيّنت نفسها أكثر في إطار الأُسر النبيلة و النزعة الأسرية، أي أن القبيلة لم تتحول في كردستان إلى دولة وإمبراطورية، وعندما سارت أكثر تشكلت في بوتقة النزعة العشائرية، والعشيرة هي نظام كونفيدرالي للقبائل، أي أنه في نظام العشيرة لا تسود قبيلة واحدة, وعندما ننظر إلى الإمبراطورية الميدية نجدها شكلاً من أشكال كونفيدرالية الشعوب والقبائل والعشائر والمجموعات الخاضعة لهم، وعلى الرغم من تسميتها بالإمبراطورية الميدية، فإن مصطلح الإمبراطورية يمكن أن لا يناسب هذا التكوين كثيراً، لأن تلك الشعوب والأقوام والقبائل والعشائر, التي كانت تُضطهد تحت الحكم الآشوري، والذين أرادوا أن يتخلصوا من ظلم واضطهاد الآشوريين لهم, قاموا بعمل اتفاقية حلف آرياني، ولهذا لا تجد اسم قومية واحدة فقط على السلطة الميدية، ولغاية اليوم تجد مع الأكراد شعوباً وأمماً أخرى تعتبر الإمبراطورية الميدية ونوروز وهذا الانتصار ملكاً لهم.
في عهد الإمبراطوريتين الصفوية والعثمانية، ظهر الدور والوجود الأكبر للقبائل والعشائر الكردية، فمن ناحية كانوا يديرون شؤون أقاليمهم، ومن ناحية أخرى كانوا يدعمون واحدة من هاتين الإمبراطوريتين، وتُعتبر اتفاقية إدريس البدليسي مع الخليفة العثماني من أبرز الاتفاقيات في ذلك العصر، والتي تعتبر كاتفاقية استسلام يجب أن يتم منافشتها أكثر. فهي الأكثر شهرة، لأن القبائل والعشائر الكردية قد شهدت في ذلك العصر تغييرات إدارية وتوسعاً في مناطق سلطتها، ولهذا كانوا يسمون بالأمراء، والذي كان يستحوذ على سلطة أوسع ويعقد اتفاقيات أكثر بين الأمير والعشيرة والقبيلة كان يُسمى “أمير الأمراء”
إن مشروع أمير الأمراء في كردستان كان يُعتبر عملية محلية، أي أنها كانت تُنجز بدون تدخلات خارجية، لأنه في الإمارة كما في القبيلة لم تكن هناك هيمنة طرف أو قوم أو مجموعة أو فخذ أو لغة أو لهجة واحدة: (أمير بوتان، أمير بابان، أمير سوران، أمير أردلان)، هؤلاء هم أمير الأمراء، أي أنهم قد جمعوا عشرات القبائل والعشائر حولهم، وبالتأكيد فإن كل واحد من هؤلاء الأمراء أو القبائل قد حاول أن يوسع قوته و مساحة ولايته.
لقد أشار كاتبا التاريخ الكرديان “ديار غريب وقاسم أنكين” في كتابيهما باسم (قراءة حديثة لتاريخ كردستان ـ التاريخ المعاصر) إلى نقطة مهمة في مسألة القبيلة والعشيرة، فكلاهما يفصلان نموذج القبيلة والآغا والشيخ عن بعضهما البعض, أي أنه بظهور الآغايتية والمشْيَخة في كردستان يمكن القول إن معايير نموذج القبيلة قد اضمحلّت لدرجة كبيرة، لأن ذلك النموذج الجديد يظهر في الآغايتية أكثر بعد قمع نظام الإمارة في كردستان, ونظام الإمارة كان قد بنى نفسه على أساس القبيلة, وتتطور هذا خاصة بعد مجيء الإنكليز إلى الشرق الأوسط, الأمر الذي دعم خلق شخصيات وأُسَر وآغاوات وشيوخ تابعة لهم، ولهذا وزّع الإنكليز عليهم أراضٍ وأملاكاً كثيرة, وأخذوا أطفالهم إلى بريطانيا ليغيّروا هذا النموذج الرصين بنموذج مزيّف ومصطنع. ولهذا إذا سألنا لماذا لم يبقَ أحد من عائلة أمراء سوران؟ لماذا لم يبقَ أحد من أمراء بوتان و بادينان وأردلان؟ الجواب هو أن الذين لم يصبحوا عكازة بيد الإنكليز، انتُزِعوا من الجذور, ومن الممكن أن يتم عمل بحوث أكثر عن هذا الموضوع، ولكن الحقيقة التي لا يمكن نكرانها هي أن الذين يُطلق عليهم آغاوات وشيوخ في كردستان، ليست لديهم جذور وأصول، وأن أعمارهم لا تتجاوز المئة عام. وكذلك فإن المشْيَخة ليست لها جذور في كردستان، ففي مئتي عام الماضية، أتت الطريقة القادرية من شمال إيران وبدؤوا بنشر طريقتهم من بغداد، ومولانا “خالدي الميكائيلي” جلب الطريقة النقشبندية من الهند إلى السليمانية وبعدها إلى بغداد والشام، وفي كردستان وسّعوا أنفسهم بالتركيز أكثر على الشخصيات والأسر البارزة, ومن الجلي أن الطريقة الوهابية والذين عبّروا عن أنفسهم بعدها بإطار الأخوانية وبعدها بالسلفية, أسسها محمد بن عبدالوهاب في بريطانيا, وانتشرت أكثر في الجزيرة العربية، كما انتشرت في كردستان في منتصف القرن العشرين وما بعده باسم الأخوانية, و بعدها باسم السلفية.
في القرن العشرين أصبحت الكثير من القبائل والآغاوات في كردستان أدوات بيد المحتلين، وهذا حدث بعد العملية التي قام بها السلطان عبد الحميد الثاني بتأسيس فرق الفرسان الحميدية في شمال كردستان, وجعلهم أداة لإبادة الأرمن والآشوريين, وفي جنوب كردستان بعد الحرب العالمية الأولى وتأسيس دولة العراق, في البداية تم تسليح الآشوريين تحت اسم (ليفي)، وبعدها تم تسليح آغاوات وبيكات الكُرد باسم الشرطة، حيث تم منحم شكلاً من أشكال الشرطة الداخلية، وكان ضدّ كل أشكال الانتفاضات والمخاطر التي يمكن أن تواجه السلطة البريطانية, والقبائل التي كانت داخل المدن، أو الأصحّ أن نقول بأن الأمراء والبيكات والآغاوات الذين كانوا داخل المدن، أصبحوا جزءاً من سلطة أنظمة المحتلين لكردستان، لأن الكثير من تلك القبائل والعشائر قد أخذوا دوراً عند مواجهة الإنكليز، وكانوا قد حاولوا أن يكون لهم إدارات إقليمية, وعندما فشلت الانتفاضات والجمعيات والمنظمات وانتفاضة الشيخ محمود والشيخ سعيد وسمكو الشكاك, وبعدها حصلت الإبادة الجماعية في ديرسم، بهذا مد فقدان الأمل جناحيه على كردستان. هذا هو أحد أسباب استسلام الآغاوات والبيكات والأسر النبيلة في كردستان وحملهم السلاح للمحتل.
ولأن النزعة القبلية والعشائرية لم تسعَ للتحول القومي، فقد حاولت القوى الاستعمارية والدول المحتلة، أن تستغل هذا الضعف في المجتمع الكردي، فمن جهة يلحقونهم بأنفسهم ويعززون بهم سلطتهم في كردستان والمنطقة، ومن جهة أخرى يستخدمونهم ضد غيرهم من القبائل والعشائر، فخلف جميع الحروب التي حدثت بين القبائل والعشائر الكردية بدون أي شك، إما أيادي القوى الاستعمارية أو أيادي محتلي كردستان. و بسبب عدم التحول من القبيلة إلى الأمة وقعت القبيلة تحت أيادي محتلي كردستان.
عملية التحول نحو الأمة في كردستان
لأن الحداثة الرأسمالية قد خلطت بين عمليتي التحول نحو الأمة و التحول نحو الدولة، لهذا فإن عمليتي التحول نحو الأمة والتحول نحو الدولة في كردستان أيضاً تم خلطهما، حتى إن الكثيرين في جنوب كردستان يقولون إنهم لا يملكون وطناً، لأن الدولة تمّ تقديسها إلى درجة بحيث أن الذي لا يملك دولة فإنه لا يملك وطناً، لكن في الحقيقة لا يوجد أي ربط بين الدولة والوطن. من المحتمل أن عملية التحول نحو الأمة قد تأخرت في كردستان، ولكن الآن بعد قرابة نصف قرن من نضال حزب العمال الكردستاني فإن عقلية ومفهوم وحياة التحول نحو الأمة قد تقدمت، فمغوار من كرمانشاه يستطيع بسهولة أن يحارب في ديرسم ويستشهد فيها، وكذلك بنفس الشكل فإن كردياً ظاظائياً وعلوياً بمقدوره أن يحارب بفخر في سنجار ومخمور و كركوك و شاهو ودالاهو, و أن يسجل ملاحم المقاومة فيها. ولهذا فإن الكردي الذي تربى بمفاهيم و فلسفة المفكر عبدالله أوجلان، نستطيع أن نقول بأنهم قد حققوا هذا التحول إلى مستوى كبير، وبهذا قد تم خلق كردي وطني، وهذا يخبرنا، بأنه بالإمكان إنجاز عملية التحول نحو الأمة بدون دولة. ولكن القوى والجهات التي ما تزال تصرّ في نضالها السياسي والفكري على النزعة القبلية والأسرية والتعصب المناطقي والإقليمي، فإنهم يكونون بعيدين عن التحول نحو الأمة، صحيح بأنهم يعملون دعاية باستمرار للحداثة الرأسمالية و الدولة القومية، ولكن في الحقيقة هم ما يزالون بعيدين عن الحياة ومفهوم والروح القومية، فيريدون أن يكون لهم دولة لكي يبسطوا سلطتهم أكثر على الأمة الكردية وأن يضطهدوا المواطن والفرد الكردي تحت سلطتهم، ولهذا فإن القضية الكردية لم تتحول لديهم إلى قضية واحدة، بل ما تزال لديهم كردستان العراق وتركيا وإيران وسوريا. لا يقدرون أن ينظروا إلى جميع محتلي كردستان كعدوّ، ولحد الآن يعتبرون أردوغان صديقاً، ويحتضنون وزير دفاع دولة الاحتلال التركي. وبكل سهولة يركبون دبابات ومدرعات العدو ليقضوا بها على الثوار والوطنيين، وأن يطلقوا على قوات المرتزقة والعصابات التابعة لهم اسم “المعارضة”؛ وأن يقولوا عن احتلال عفرين وسري كاني وكري سبي “بأنه تمت السيطرة عليها من قبل تركيا”. ولهذا فإن عزف المزمار للدولتية ومسألة التحول نحو الأمة شيئان مختلفان. وهنا يجب أن نشير إلى أن التحول نحو الأمة والوطنية، أي الإخلاص للأمة والوطنية والذي صاغه المفكر عبدالله أوجلان بتعبير الأمة الديمقراطية والذي أصاب الهدف بصورة جيدة.
الأمة الديمقراطية تختلف عن التعصب القومي و جعل القومية أداة للسلطة، ففي أوروبا سُميت هذه بالقومية الشوفينية (Nationasim)، أي التعصب القومي، وفي كردستان سماها السيد أوجلان بالقومية البدائية، لأن عملية البورجوازية والاقتصاد الوطني المستقل في كردستان لم تتقدم، ولهذا هنالك أمة متخلفة وتتواجد على أساس التبعية للمحتلين، فلا يمكن رؤية هذه كعصبية قومية اعتيادية، بل إن هذا تخلف و لايمكن له أن يخدم عملية تحرير و ديمقراطية وإنقاذ كردستان، ولهذا فإن مصطلح “القومية البدائية”، يلائمه بامتياز، أي متعصب قومي غير مكتمل. عندما يتم التحدث عن عملية التحول نحو الأمة، فهذا لا يعني انصهار مجمل القبائل و العشائر في بوتقة التحول نحو الأمة، مثلما فعله مصطفى كمال في تركيا، أو كما فعله هتلر في ألمانيا، فالقبيلة يجب أن لا تصبح عائقاً أمام التحول نحو الأمة، ولكن في عملية التحول نحو الأمة لا يمكن فرض جميع المعايير على القبائل والعشائر، مثل إدارة شؤونهم، وحماية أنفسهم، وأشكال لهجاتهم و لغاتهم، وأشكال ملابسهم وطريقة أكلهم وشربهم، ومن الممكن أن تحافظ قبيلة على هويتها، ولكن دون أن تتناسى النضال من أجل هويتها القومية. في عام 2004 في إحدى القرى التابعة لمدينة ماردين تقاتل بعض الأكراد المسلحين التابعين للدولة التركية فيما بينهم وقتلوا 30-40 شخصاً فيما بينهم، قائد جيش الدولة التركية آنذاك كان قد قال بأن الكرد لأنهم ما زالوا قبليين لهذا يقتلون بعضهم البعض. كان السيد أوجلان في ذلك الوقت قد التقى بمحاميه فقال لهم؛ “صحيح بأن حقيقة القبلية ما زالت موجودة عند الكرد، ولكن هؤلاء كانوا من الكرد المسلحين للدولة التركية، وقال أيضاً إن السيد أحمد تورك هو من الكرد القبليين المقرّبين لنا، فلينظروا إليه كنموذج”. كان هذا الجواب في محله 100%، أي أن السيد احمد تورك أيضاً هو رئيس قبيلة كردية كبيرة في إقليم ماردين، ولكن له دور كبير في النضال القومي الديمقراطي في ماردين والشمال, بل في مجمل كردستان.
القبيلة والحزب و العراقيل أمام التحول نحو الأمة
لقد بات للنزعة القبلية في جنوب كردستان 75 سنة وهي تمتهن السياسة والتحزّب وتمارس السلطة لـ30 سنة. ولهذا ففي هذه الـ 30 سنة لم يقتصر الوضع على عدم وجود تقدم, بل هناك تراجع في مسألة دفع التحول نحو الأمة للأمام في كثير من النقاط، مثال ذلك أن موضوع الانتماء للوطن والأمة قد ضعف جداً. سابقاً كان بعض الناس والآغاوات والبيكات بالسرِّ يصبحون من أزلام الأعداء باسم الفرسان, ورجال الدولة المركزية في بغداد يقبلون التبعية والارتزاق خجلاً، ولكن الآن يمارسون العمالة تحت مسمى الكردايتي (الحركة القومية الكردية) والحزب والقبيلة وحتى أنهم في بعض الأحيان يتجاوزون ذلك فيحاربون بالملابس الكردية الحركات التحررية والثوار في كردستان, جنباً إلى جنب المحتل تحت مسمى القومية, وبكل سهولة يتخلون عن حماية سنجار ويسلمونها إلى عصابات داعش في 2014، يهربون بدبابات ومدافع وسيارات وأسلحة كردستان, ويسلمون نساء وأملاك أمتهم إلى المحتلين. يتفقون مرة أخرى مع المحتلين في 9/10/2020 حتى ينزعوا من المجتمع اليزيدي تلك المكتسبات التي حصلوا عليها في الحماية والإدارة الذاتية الديمقراطية، ويعيدون الإيزيديين إلى العبودية والاضطهاد, ويسلمون كركوك والمناطق المتنازع عليها في 16 اكتوبر 2017 بدون إطلاقات إلى مليشيات الحشد الشعبي دون خجل.
في عمليات الأنفال وحرق وهدم القرى بعض العشائر باسم الفرسان المرتزقة (جاش) والمسلحين للنظام البعثي المقبور، أصبحوا سبباً للقضاء على الآلاف من الناس الأبرياء،أولئك المسلحون المتورطون في تلك الجرائم كان لا بد أن تتم محاسبتهم خلال هذه الـ 30 سنة الماضية، ولكن بالعكس فقد قامت السلطة الكردية بحماية التابعين لهم من أولئك المجرمين, حتى أن معضمهم أصبحوا مسؤولين وقادة، مثال ذلك تحسين شاويس و قاسم كوير (قاسم الأعور) وعائلة شيم الهاروني و قاله فرج و … الخ.
ولكن هذا لا يعني بأن ننظر إلى كل العشيرة والأسر التي ينتمي إليها هؤلاء المذنبون كمتهمين، ومن الممكن أن يتم الاستفادة من الطاقة الكامنة لهؤلاء. فالذي تم عمله لحد الآن هو تجزئة المجتمع تحت السلطة الحزبية، أي أنه لم يتم تحديد المعايير والمبادىء لكيفية عقوبة المتهم ومتى تنتهي عقوبته وكيف يرجع إلى الصف الوطني، أو أن لا يتم منحه فرصة الخدمة والحياة في كردستان، وهذا اختيار آخر.
في بداية هذه السنة قال تلفزيون نظام الاحتلال الإيراني (صدا و سيما) في أحد ستوديوهاته للشاب الكردي الذي كان يلبس الملابس الكردية (هل هذه ملابس الرعاة التي تلبسها؟)، ولكن الشاب الكردي أجاب إجابة جميلة حينما ردّ عليهم (بأنها كانت ملابس الميديين). وفي جنوب كردستان عندما يتم ملاحظة شخص بالملابس الكردية يمكن بكل سهولة اعتباره متخلفاً، أو قروياً وأمياً، وعندما تلبس المرأة الملابس الكردية فإنها لا تُعتبر مرتدية للملابس الكردية إذا لم تكن تلبس عدة مصوغات ذهبية. ويتم الافتخار باللغة الكردية في جنوب كردستان، ولكن ذلك العدد الهائل من الجامعات الأهلية الأجنبية والخاصة، جعل نصف مفردات التحدث عند الناس كلمات أجنبية، وهذا تم اعتباره بلا شك تقدماً وتطوراً. ومن جهة يتم عزف الأبواق في الـ30 سنة الماضية للحداثة الأوروبية, والسلطة السياسية تخرج على الملأ بأجمل الملابس الأوروبية كأنما لا يمكن إدارة البلد بالملابس الكردية، ولكن على القرب منهم يتم صرف مصاريف دواوين الشيوخ ورواتب الوهميين للآغاوات. والمرأة التي تعتبر إحدى الأعمدة الرئيسية للأمة، ولكن قتلها بحجة غسل العار أصبحت مسألة عادية، وتم تقديم بعض النساء لعمل مكياج لوجه السلطة، ولكن في الأساس فإن السلطة في جنوب كردستان تعتبر لحد الرمق الأخير سلطة ذكورية ومركزية ومناطقية و فاشلة.
إن الشباب الذين يُعتبرون القوة الحركية والطاقة الرئيسية للمجتمع يهاجرون بالآلاف والذين بقوا يهيمون بلا أمل من البطالة, وعدم توفر فرص الحياة والمعيشة. اغتصاب الحريات السياسية والإعلامية، فالفرص السياسية والصحفية المتاحة هي بقدر أن تفكر مثلهم، وأن تفكر أكثر منهم هو ضرب لمصالحهم الحزبية والشخصية والعائلية, وبالتالي سيقضون عليك، ومثال ذلك في استشهاد رؤوف العقراوي إلى أن تصل إلى دكتور سيروان و زردشت عثمان و ويدات حسين و كاوه كرمياني و سوران مامه حمه، بالإضافة إلى أن العشرات قد اقتيدوا إلى السجون ويفرضون عليهم العقوبات لغاية الآن باختلاق التهم ضدهم، ومثال ذلك شيروان شيرواني و بدل برواري ورفاقهم.
كيف من الممكن أن نقترب من مسألة العشيرة، في الوقت الذي يكمن الحل في مسألة الأمة، أو نواجه كأمة هجمات الإبادة الجماعية للمحتلين على أيدي دول الاحتلال في تركيا و إيران. ولهذا نحتاج للتوحد ووحدة الصف الوطني من أجل المقاومة ومواجهة المحتلين، أي أن جميع الأفخاذ والقبائل والعشائر في كردستان يجب أن تأخذ دوراً لها في هذه المقاومة، يجب أن يصطف البيشمركة جنباً إلى جنب مع الكريلا و الشرفان، لا يجوز للكريلا أن يكون بوحده في خندق المقاومة، عندما يقال بيشمركة فليس المقصود هو بيشمركة تابعة لحزب، بل بيشمركة لجميع الأحزاب الكردستانية في جنوب و شرق كردستان. لأن الاحتلال لا يقضي على الكردي فحسب، بل يحطمون إرادة جميع الاكراد. من الصعوبة الآن أن يقوم العدو بتحطيم قوة الثورة الكردستانية في شخصية PKK، ……………………
دهبێ ئێستا زهحمهتبێ دوژمن نهتوأنێ هێزی شۆڕش كردستان له كهسایهتی پهكهكه بشكێنێ، بهڵام ئهگهر خێڵ و هۆزهكان و پێشمهرگه و شهڕڤأن و گهریلا لهیهك بهره سهنگهریأن گرت، بێگومأن ئهوكات دوژمن و داگیركهری كردستان تێكدهشكێن نهوهك چأوهڕێ بكرێت كا كهی هێزه شۆڕشگێڕهكان تێكدهشكێن.
من الممكن أن يتم تأسيس اتحاد القبائل والعشائر في كردستان، أي أنه من الضروري أن يتم جمع القبائل والعشائر حول بعضها البعض ليتم الاستفادة من طاقاتهم وإمكانياتهم، لماذا بمقدور المحتلين أن يستخدموا القبائل والعشائر بحسب مصالحهم, وأن لا تقدر الحركة القومية الكردية أن تجمعهم مع بعضهم البعض, و أن توظفهم في خدمة عملية التحول نحو الأمة الديموقراطية. في تجربة غرب كردستان نرى هذه قد نفذت إلى حدٍ ما، ولكن من الضروري أن يتم تطوير هذه التجربة في عموم كردستان.
- تیره:فخذ، كلأن
- هۆز:عشيرة
- خێڵ: قبيلة
- كوردايتي: الحركة الكردية القومية
- جاش: فرسان مرتزقة للنظام البعثي