الشرق الأوسط بين الرأسمالية والاشتراكية
صلاح الدين مسلم
الشرق الأوسط بين الرأسمالية والاشتراكية
تمهيد
كان الشرق حلمَ الغرب منذ القدم، منذ أن غزا الإسكندر المقدوني بابلَ، ومنذُ أن وسّعتِ الإمبراطورية الرومانية والبيزنطيّة أراضيها وصولاً إلى بلاد الشام ومصر، وكانت الحملات الصليبية أيضاً من تدخّلات الغرب في الشرق الساحر حسب تعبيره، وصولاً إلى الاستعمار الغربيّ له.
لم تكن هذه التدخّلات توسّعيّة احتلاليّة للبحث عن البترول والمواد الخام والمواد الزراعيّة وتسويق المنتجات الغربيّة فحسب، وإنّما كان هذا التدخّل أيضاً، وحتّى الآن ضريبة أسبقيّة الشرق في الحضارة (الدولتيّة والمجتمعيّة على حدّ سواء)، ولأنّ نهضة الشرق تعني ضعضعة الغرب.
لقد أضحت التدخّلات الغربيّة في القرن العشرين في أوجها، وذلك نتيجة ضعف الدولة العثمانيّة التي أضعفت الحضارة الشرق أوسطيّة، وتضعضع المجتمع الشرقيّ، وأمسى في غياهب الجهل والظلمات، ولم يعد يمتلك ثقافة ووعياً، وهذا ما أدّى إلى تقدّم العلم في العالم على حساب الميثولوجيا والدين والفلسفة، وبدت المعرفة محصورةً في العلم، وهذا ما أدّى بالعالم إلى انتهاج العلم وسيلة وحيدة للمعرفة، فباتت النظريات السائدة علميّة بحتة، وهذا ما أدّى إلى سيطرة التيّارَين اليساري واليميني، أو سيطرة الاشتراكيّة والرأسماليّة في العالم كأنموذجين وحيدَين للتفكير، وإن كانت الاشتراكية تعتمد على الأخلاق كغاية أكثر من الرأسمالية التي تنظر إلى الأخلاق كوسيلة، وكسلعة.
لقد باتت الديمقراطيّة محصورةً في الغرب، وكان التعامل مع الشرق غير التعامل مع الغرب، فكان الاستعمار الغربيّ قمعيّاً ديكتاتورياً في الشرق، وديمقراطياً في الشرق في بعض الأحيان، فكان المستعمر الإيطاليّ على سبيل المثال يستخدم كلّ وسائل العنف في قمع أيّة ثورة كانت، وكذلك كان الاستعمار البريطانيّ في مصر، والاستعمار الفرنسيّ في الجزائر.
لم تختلف ذهنية التعامل الغربيّ مع الشرق ما بعد أفول عهد الاحتلال، فقد كان هناك تفاوت في تعامل المستعمر الغربيّ مع الدول المستعمَرة، فكان تعامل البريطانيين مع العراق يختلف عن تعاملهم مع المصريين، وكان الفرنسيون أيضاً مستبدين في الجزائر أكثر من سوريا على سبيل المثال، وكانت الخطط الأميركيّة في المنطقة مختلفة، فعلى سبيل المثال كانت تدعم الديمقراطيّة في تركيا، وبالمقابل تدعم الاستبداد في العراق، يقول نعوم تشومسكي: “وكان الخطر الأعظم في أندونيسيا يتمثّل في الديمقراطية، كما كان في إيطاليا عام 1948م وفيما بعد التخوّف من (عدم تمكّن الوسائل الديمقراطيّة الانتخابيّة من ضرب الشيوعيين) ومن ثمّ كان لا بدّ من خلال ذبح حوالي نصف مليون إندونيسي – معظمهم من الفلّاحين غير المالكين – ممّا يظهر لمحة عن الحضارة الغربيّة، وهي لمحة قد تمّ نسيانها بالتأكيد[1].”
لقد كانت هذه المزاجيّة مدروسة، فعندما تتضارب مصالح الدول تلجأ إلى العنف، وعندما تخاطب مجتمعاتها تلجأ إلى الديمقراطيّة، وبالمقابل تدعم الدول التيارات المسيحيّة في مكان، وتدعم الإسلام ضدّ المسيحيين في مكان آخر، فصمت العالم المريب تجاه مذابح الأرمن (المسيحيين) هو دليل قويّ على كلامنا، وبالمقابل تتصارع الدول على حماية المسيحيين في لبنان، وتوزيع السلطة فيها بطريقة غريبة.
الصراع الاشتراكي الرأسمالي في الشرق
أمسى الصراع الاشتراكيّ الرأسماليّ في الشرق من سلسلة التدخّلات الغربيّة في المنطقة ، فقد ساهم المعسكران (الاشتراكيّ والرأسماليّ) في خلق التناحرات، وصعود التيارات الأصوليّة، التي بدأت تكفّر الشيوعيين، وتصوّرهم شياطين يجب قطع رؤوسهم، فقد ساهم الاتّحاد السوفيتي في دعم الأحزاب الشيوعية، ونشر الفكر الماركسيّ واللينيني، وباتت تدعم دولاً كسوريا ومصر والعراق وليبيا… وبالمقابل صارت بريطانيا تدعم الإخوان المسلمين، وباتت أميركا تدعم تنظيم القاعدة في أفغانستان ضدّ الاتّحاد السوفيتيّ، وصار الشرق ملعباً للتيارَين الاشتراكي والرأسماليّ البعيدَين عن الفكر، وإنّما القريبَين من مصالحهما الدولتية في المنطقة.
لقد تمّ تطبيق نموذج “مونرو” في منطقة الشرق الأوسط في ظلّ إدارة كلينتون عندما أعلنت وزيرة الخارجية السفيرة في الأمم المتّحدة – حينذاك – “مادلين أولبرايت” بكلامها أمامَ مجلس الأمن، مبيّنة الأهمّيّة القصوى للمنطقة بالنسبة للمصالح الأمريكيّة، قائلة: إنّنا سنتصرّف “جماعيّاً عندما نستطيع، وسنتصرف أحاديّاً إذا استلزم الأمر”؛ لأنّنا “نعتبر هذه المنطقة ذات أهمّيّة قصوى للمصالح الأمريكيّة القوميّة”، ومن ثَمَّ لا نعترف بأيّة حدود أو عراقيل، أو حتّى بقانون دوليّ أو أمم متّحدة[2].
كان مبدأ مونرو بياناً أعلنه الرئيس الأمريكي؛ جيمس مونرو في رسالة سلّمها للكونغرس الأمريكي في 2 ديسمبر 1823م. حيث نادى مبدأ مونرو بضمان استقلال كلِّ دول نصف الكرة الغربي ضدَّ التدخُّل الأوروبي بغرض اضطهادهم، أو التّدخُّل في تقرير مصيرهم. ويشير مبدأ مونرو أيضاً إلى أن الأوروبيين الأمريكييّن لا يجوز اعتبارهم رعايا مستعمرات لأي قُوى أوروبية في المستقبل. والقصد من هذا البيان هو أنّ الولايات المتحدة لن تسمَح بتكوين مستعمرات جديدة في الأمريكتين، بالإضافة إلى عدم السماح للمستعمرات التي كانت قائمة بالتوسع في حدودها[3].
بالمقابل كان للاتحاد السوفيتي دورٌ كبير في الشرق الأوسط، وكان لهذا التدخُّل إيجابيات وسلبيات، ومن الإيجابيّات أنّه وقف أمام الهيمنة الليبرالية، وسيطرة الدول الاستعمارية على مقدّرات الشعوب، وسيطرة الرأسمال الذي يجلب معه التفاوت الطبقي والبطالة، وتخريب البيئة وتسليع القيم، وتمييع الأخلاق، لكنّ كانت هناك تداعيات سلبية منها سيطرة الديكتاتوريات في الدول التي كانت تدعمها، والكيل بمكيالين، كما تفعل دول العالم الغربيّ، أو الدول الرأسمالية، فقد كانت تدعماً دولاً على حساب حركات التحرّر العالميّة، وتُحدِث شرخاً ما بين اليساري واليمينيّ المحافظ، وبين الليبرالي والاشتراكيّ.
إنّ كلا المعسكرين لم يخرجا من إطار (مفهوم الدولة) أو النظام الطبقي للدولة، حيث رسّخ كلا المفهومَين ثوابت الدولة، وديمقراطيتها، والابتعاد عن الديمقراطية المجتمعيّة التي كانت هدفاً للاشتراكيين، لكنّ الدولة الاشتراكيّة وقعت في أسر الدولة، وفي أسر الدولة القومية التي تعدّ منتوجاً رأسماليّاً بامتياز.
لقد أضحى التمسّك باليساريّة مثل التمسّك بالدين، فظاهرة التقديس باتت واضحة في الفكر الشرقي في اعتناقه أي فكر، وهذا ما عبّر عنه الأديب والمفكّر بولا ت جان في كتابه؛ (في نقد العقل الشرقيّ) بقوله: “تحوّلت الشيوعيّة إلى دين ماديّ، وماركس إلى إله ولينين إلى نبيّ ورسول، والقادة الشيوعيّون إلى صحابة وحواريين. كما أنّ النقاشات في الشرق ضمن اليساريّين باتت شبيهة تماماً بالنقاشات البيزنطيّة العقيمة مثل المذاهب والطرق الدّينيّة التي اختلفت حول حرف أو كلمة أو تأويل آية من آيات القرآن أو الإنجيل. فاليسار في الشرق أصيب بذات المرض الدّينيّ المعروف. كما أنّ تقديس النصّ الماركسيّ والنقل الحرفيّ والتقليد الأعمى؛ قد حلّ محلّ الإبداع والإنتاج الفكريّ، وتوليف الماركسيّة واليساريّة وفق ظروف الشرق، من حيث الزمان والمكان، والتمايز الاجتماعيّ لشعوب الشرق[4].”
قد تكون هذه المشاكل جزءاً من الصراع، لكنّ الصراع الحقيقيّ كان في نشوء الفكر الراديكالي المتعصّب الذي كان ردّة فعلٍ على الفِكرين الاشتراكيّ والليبرالي، ولا تكمن المشكلة في الفكرين المتناقضَين، إنّما في الدول التي كانت متناقضة في طرح أحد هذين الفكرين، والشخصيات التي كانت تدعو إلى أحد هذَين الفكرين، إذْ كانت تهمل المضمون وتهتمّ بالقشور، وكانت التبعيّة العمياء في الشكل الماركسيّ حاضراً، وتقليد الأنموذجَين الغربيّ (الليبراليّ) والسوفيتيّ (الاشتراكيّ) كشكل مفرّغ من مضمونه.
كان دمج الليبرالية بالدين، ودمج الاشتراكية بالقومية إحدى المصاعب التي أدّت إلى خلق هجين غير طبيعيّ مرافق للتعصّب، فالتعصّبُ بحدّ ذاته خروجٌ عن المنطق، ودمج التعصّب الدينيّ بالليبراليّة أيضاً خروج عن المنطق، وبالتالي خروج فكره مشوّه أدّى إلى خلق بذور الصراعات والتناحرات التي أدّت إلى هذا التشرذم الثقافي وتشظّي الذهنيّة الشرقيّة، فخرجت تيارات هاربة من هذا التطرّف إلى الغلوّ في السلفية والعودة إلى الماضي كــ (داعش) وأيضاً الهروب إلى الكنف الغربيّ والاستئصال من الجذور (الهجرة من الشرق إلى الغرب)، والابتعاد عن الهوية واللجوء إلى العبثيّة.
لكن بعد انهيار الاتّحاد السوفيتي، وسيادة القطب الواحد، انهار سند منظومة التيّار الاشتراكيّ، وساد مفهوم القطب الواحد، ودأب بوتين على نشر الفكر الأوراسيّ كفكر جغرافي توسّعي بعيدٍ عن الفكر الاشتراكيّ، وانساق في منظومة الدول الرأسمالية المهيمنة، بطريقة أو بأخرى.
وبات التدخّل الرأسماليّ بقيادة الولايات المتّحدة واضحاً في الشرق الأوسط، ورأى النظام الرأسماليّ الليبراليّ في نفسه النموذج الأمثل لهذه المفاهيم، ممّا يعطيه حقّ التدخّل لفرض الديمقراطيّة ضدّ النظم الحكوميّة القائمة، ولذلك دعا إلى تدخّل المنظّمات الدوليّة لفرض ذلك بالقوّة لأنّ النظم التي لا تحكم بالديمقراطيّة في نظرهم نظم غير شرعيّة، ممّا يستوجب تغييرها ولو بالقوّة المسلّحة[5].
الديمقراطيّة في الشرق الأوسط
إنّ جملة (لا توجد ديمقراطيّة في الشرق الأوسط) هي جملة فضفاضة تحتاج إلى شرح مفهوم الديمقراطيّة في العالم، وسيطرة النظام المهيمن والأيديولوجية الليبرالية على العالم، فإنّ استخدام ورقة الديمقراطية وحقوق الإنسان لإضفاء الشرعيّة على التدخُّل الدولي يتنافى مع مفهوم الديمقراطيّة بحدّ ذاته، واستخدام القوّة لفرض الديمقراطيّة هو قمّة التناقض، وهو يتّفق مع مفهوم الاستعمار سابقاً والعولمة حالياً، فقد رفض الغرب التجربة الديمقراطيّة التي جرت في الجزائر، وأتت بالجماعة الإسلاميّة فانقلب الغرب على التجربة الديمقراطيّة لأنّها لم تأتِ بمن على هواها، وأيضاً ما حدث في النمسا عام 2000 م حينما فاز في الانتخابات ووصل إلى الحكم حزب الأحرار. فالديمقراطية التي يجب الأخذ بها هي الديمقراطية الغربية أي من وجهة النظر الغربيّة[6].
إذْ ظلّت الديمقراطية كتعريف (حكم الشعب نفسه بنفسه) يوتوبيا خياليّة طوباويّة، فالديمقراطيّة تعني الزيادة التي لا تُقهر للمطالب التي تضغط على الحكومات، وتتسبّب في تدهور السلطة وتجعل الأفراد والجماعات عصيّةً على الانضباط وعلى التضحيات التي يتطلّبها الصالح العام[7].
فقد ظلّت الديمقراطيّة الشعار الذي يطرح في الوطن، وخارج الوطن لا يهمّ في كثير من الأحايين، وقد ظلّت الولايات المتحدة وبريطانيا تدعم الديكتاتوريات والجماعات الإسلاميّة، وكذلك كان الاتّحاد السوفيتي، وروسيا فيما بعد انهيار الدولة الاشتراكيّة، “وظلّت العائلات الديكتاتوريّة في الشرق الأوسط النموذج المفضّل والمحبّب للولايات المتّحدة، وبغضّ النظر عن سلوكياتها الوحشيّة وغير الآدميّة، إلّا أنّها تحظى بشرف واحترام، ما دامت تخدم مصالح الولايات المتّحدة، وإلى شريكها البريطانيّ، وإلى شركات الطاقة التي يمتلكونها، وإلى مشاريع أخرى تمّ الاتّفاق عليها[8].”
أمسى الشرق يعيش في حالة من صراع ما بين مصالح الدول الداعمة للاشتراكية، والدول الداعمة للرأسمالية، وخاصّة الولايات المتّحدة والاتّحاد السوفيتي، وروسيا حالياً، وتكمن المعاناة الكبرى في أنّ التحوّلات العالميّة يتمّ اختبارها على الشرق، كونها التربة الخصبة للتحوّل الفكريّ العالميّ من خلال موقعها وتنوّع أثنيّتها، وأفكارها، وأيضاً لوجود المواد الخام فيها، وتاريخها الروحيّ والريادي للتاريخ.
فالديمقراطيّة الشكليّة التي نشأت في الغرب، كانت احتكاراً عليهم، فمن ناحية تطبّق الديمقراطيّة في الغرب، ومن ناحية تدعم هذه الأنظمة الديمقراطيّة كلّ الأنظمة الديكتاتوريّة في الشرق، بل هي التي خلقت هذه الديكتاتوريات من العدم، وحتّى الديمقراطية الموجودة في الغرب بحاجة إلى مراجعة، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، فكيف لرئيس أميركيّ مثل دونالد ترامب ما زال على سدّة الحكم يشكّك في نزاهة الانتخابات في بلدٍ يحكمه، وفي بلدٍ يعتبر الأوّل في العالم من حيث تطبيق الديمقراطية، والتي يدعونا فوكوياما إلى تقليدها، هنا تكمن الازدواجيّة، ويكمنُ التمعّن في مقولات ترامب التي تعدّ تعبيراً عن نصف الشعب الأميركيّ الذي صوّت له.
لا يمكن النظر إلى الترامبيّة على أنّها حالة طارئة، أو عابرة على الفكر الديمقراطيّ، فقد صعد هذا الرئيس إلى سدّة الحكم عن طريق صناديق الاقتراع، وهو تعبير عن الشكل الحقيقيّ للديمقراطيّة في العالم، فهو يستطيع أن يبيع كلّ شيء، فما يهمُّه هو المال، وهذا ما عبَّر عنه في معظم خطاباته، بأنّه قادر على تحويل الولايات المتحدة إلى شركة تبثّ المال فحسب، من خلال كلّ وسائل الاحتكار، والسرقة والنهب، ويستطيع أن يأمر دولة ما ليهاجم حلفاءه، فالكرد الذين ضحُّوا بأرواحهم في سبيل القضاء على الخطر الداعشي الذي كان يهدّد الكون، كافأه ترامب بأن سمح لعدو الكرد (أردوغان) أن يحتلّ أراضيه، وأردوغان نفسه كان وما زال الداعم الرئيس للإسلاموية في الشرق الأوسط.
خيار الاشتراكيّة أو الرأسماليّة
حاربت فئة من المثقّفين الشرقيّين الرأسماليةَ، واعتبرتها السرطان المجتمعيّ الذي يفسّخ المجتمع، وهيمنةً وتسلّطاً، ونظاماً ظالماً يحوّل المجتمع إلى عبيد أرقّاء، بل عبوديّة طوعيّة لا فكاك منها، واعتبروا الوضعيّة التي فيها دين علمويّ، وبالتالي حورب هذا المثقّف وظلّ مُتّهماً بأنّه شيوعيٌّ ملحدٌ كافر بعيد عن أخلاق المجتمع، مرتدّ، ومن هنا نشأ التكفير الذي حارب التفكير.
بالمقابل رفضت فئةٌ من المثقّفين الاشتراكيّة والشيوعيّةَ، ونظرتْ إليها على أنّها حلّلت الرأسماليّة بنفس أدواتها العلميّة والوضعيّة، وبقيت عاجزة أمامها، بل لم تتطرّق إلى موضوعَي السلطة والدولة، وحلّلت التاريخ بشكل مستقيم فقط، أيّ أنّ التطوّر حتميّ والرأسماليّة حتميّة، وأسقطت الفيزياء الكمّيّة الكوانتوميّة من قواميسها، وجعلت التاريخ مادّة، في حين كانت السلطة تعيد ترتيب بيتها الداخلي لتتناسب مع هذه الحداثة الجديدة، وتسرق العلم المجتمعيّ وتوظّفها في خدمتها، وتستخدم نفس تقنيات المعرفة السلطويّة العائدة إلى النظام الرأسماليّ، وباتت تلك الفئة متّهمة بالمثاليّة المفرطة، وأنها من أذيال الرأسماليّة، وأنّها ضدّ مفهومَي الثوريّة والصراع الطبقيّ.
بات محاربة فكر الدولة القومية كالشرك بالله، وصار العلم مقدّساً، واللغة مقدّسة، مع أنّ الدولة هي الداء الذي ألمّ بالمجتمع منذ خمسة آلاف عام وحتّى الآن، وقد طوّرت الدولة نفسها، واستفادت من الحركات المناهضة لها، وساهمت الحركات الثوريّة بعد تولّيها السلطة في ترسيخ مفهوم الدولة وهيمنتها على المجالات كافّة، إلى أن جاء عصر التنوير الأوربيّ الذي كان في خدمة المجتمع في أوّل الأمر حتّى تحوّل إلى أداة لفرض السلطة، وابتكار أساليب متطوّرة في القمع، من خلال البرمجة اللغويّة العصبيّة في ترويض المجتمع كمثال، فارتكزت الدولة على الصناعويّة والدولة القوميّة وفائض الإنتاج واعتبرتها ديناً حلّ محلّ الأديان السماويّة، واعتمدت على الرأسمال المالي.
لقد باتت المدينة وحشاً يبتلع كلَّ شيء جميل، وصارت تتّسع دائماً وأبداً على حساب المجتمع، وأضحت تقتات على الريف، وهي السبب في الحروب والنكبات، فما من مدينة قديمة إلا ونشأت فيها الحروب، وهي موطن العنف، والحروب، والسلب، والجرائم، وهضم الحقوقِ… ومن يذكر هذا القول يقالون عنه: القرويّ المتخلّف.
لم يكن هناك خيار للمثقّف إلّا الاشتراكيّة أو الرأسماليّة، إمّا اليمين وإمّا اليسار، أو دمجها وتطعيمها بالقومية والدين، لذلك أصبح المكان مرتعاً خصباً للعودة إلى الذاكرة، والتاريخ المجيد، في العودة إلى سيرة حياة الخلفاء والأنبياء والقادة والسلاطين، والعودة إلى السلف الصالح، فكان أرضيّة خصبة لنشوء التيارات الراديكالية المتعصّبة التي وصلت إلى داعش، وبالطبع أثّر كلّ هذا على مناحي الحياة كلّها، وعلى الفنون على وجه الخصوص.
الليبرالية مميّعة العالم والشرق
إنّ المعنى الأوّليّ لليبرالية هو تسخير الدولة لخدمة الاحتكار الاقتصادي كلياً، وتصيير الدولة السياسية دولة اقتصادية، فالليبرالية دون دولة يعني ترك الماشية دون راعٍ، إذْ تسوّقُ الليبراليّةُ وتسلِّعُ كلَّ شيء في خدمة الفرد على حساب الجماعة، وقد باتت الليبرالية أيديولوجيّة اللا انتماء والتفرّد والتبعيّة، والتي تعتبر نفسها الكلمة الفصل في التاريخ، وأنّها أبديّة أزليّة، واعتبر منظّروها أنّها نهاية التاريخ.
وقد بات يتردّد هذا المصطلح في ذهنيّة المشرقيين دون التمعّن جليّاً فيه، فشأن هذا المصطلح هو شأن جميع المصطلحات التي ختمت بالطابع الشرقيّ، فالشرق يبتلع جميع المصطلحات، منذ أن ترجم الفارابي كتب أفلاطون وغيّرها حسب المزاج الشرقيّ حتّى الآن، لكنّ الليبرالية انتصرت في كثير من المجالات، وفي الكثير من الدول الشرقيّة، وما زلت تنتصر، لكنّها لا تصل إلى الليبرالية الغربيّة، وقد تكون هناك ليبرالية شرقيّة، أو ليبرالية ذات طابع شرقيّ.
لقد استفادت الرأسماليّة من التراكمات الفكريّة على مرّ التاريخ مجملها، وصبّتها في خدمتها، وزانت تلك الأفكار واصطفت منها ما يؤمن الربح، والمال، فجعلت العلم سلعة، وحوّلت الأفكار التي تخدم مصالحه إلى فلسفة، بل باتت ديناً جديداً تبثّه عبر وسائل المجتمع في المدارس التي احتكرتها، والكتب التي احتكرتها، فالكتاب الذي يروق لها، تروّج له ويصبح متاحاً أمام الجميع عبر الدعاية المنظّمة الممنهجة، وتقوم بعرضها أمام الملأ على أنّها الليبراليّة أو الوضعية منقذة المجتمع، فالليبرالية والوضعية دين الرأسماليّة، وكتابها المقدّس في أيديولوجيتها.
تقوم الرأسمالية على تقويض العلم في بوتقة الوضعيّة، كما تقوّض الشعب من خلاله، وما مراكز الدراسات الاستراتيجيّة التي تقام في أميركا على سبيل المثال لا الحصر، والتي تنفق عليها أكثر من ثلاثمئة مليار دولار عليها سنويّاً، إلّا لتقويض العلم، بل ترويضه، وتسويق ما يناسب الرأسماليّة، وكأنّها حرب ضدّ المبادئ والقيم والأخلاق من خلال أداتها (الليبراليّة) التي ترى في الدولة القوميّة إلهاً يستشري في الذهنيّة المجتمعيّة التي شوّهتها هذه الحداثة الرأسماليّة، ومجّدت الفرد، وطرحت مفهوم النجاح والفشل من خلال تصعيد الفرديّة التي أدّت إلى ارتكاب المجازر والإبادات التاريخيّة.
وقد أضحى الشرق الأوسط مستنقع الحداثة الرأسماليّة الأوحد في العالم، فتخبّطت وانهزمت كثيراً، على الرغم من صولاتها وجولاتها، وما خلْق حالات الفوضى والدمار والهلاك في العالم الذي ترى أنّها سيّدتها الأولى إلا تعبيرٌ واضح لعجزها، حيث صرفت الكثير الكثير من أموالها التي سرقتها من هذا الشرق الدامي وصرفتها على هذه المنطقة، وقد فشلت الحلول الوضعيّة في هذه البقعة، وبات العقم مسارها، سواء الوضعيّة الرأسماليّة أو الاشتراكية العلميّة الوضعيّة أيضاً.
بالمقابل نشأ التطرّف الرأسماليّ بصعود الرأسمال المالي[9]، وقد انتهجت النيوليبرالية أو الليبرالية الجديدة ديناً لها، إذْ تتّصف الليبرالية الجديدة بالليبرالية العولميّة، أو الليبرالية المتوحّشة (ديكتاتورية الأسواق) و(ديكتاتورية تقنيات الإعلام الجماهيري) بالتوتاليتارية[10]، وتقوم النيوليبرالية على الدعوة المتطرّفة إلى الحرّيّة الاقتصاديّة، وإنكار دور الدولة في ضبط آليات وحركة النظام الرأسمالي والتخفيف من شروره الاجتماعيّة تحديداً في مجال التوزيع والعدالة الاجتماعيّة[11]
ما أدّى إلى ظهور توتاليتارية الليبرالية الجديدة وسطوتها وتنمّرها هو سقوط الاتّحاد السوفيتيّ، وبالتالي ضعف قوى اليسار، فقد بات (البنك العالمي المركزي وصندوق النقد الدولي والبنك المركزيّ الأوروبي والشركات متعدّدة الجنسيات) مراكز القرار في العالم بل صارت تمارس السلطة المطلقة على كبريات المجموعات الإعلاميّة المتخصّصة في إنتاج وتوزيع السلع الثقافيّة والسيطرة على العقول من خلال الإعلام، لترويج ما يتوافق مع مصالحها، والتوافق مع المصالح الاقتصاديّة والماليّة لسادة العالم الجديد،
تقوم النيوليبرالية على المرتكزات التالية: الدعوة المتطرفة إلى الحرية الاقتصادية, وإنكار دور الدولة في ضبط آليات وحركة النظام الرأسمالي والتخفيف من شروره الاجتماعية (تحديدا في مجال التوزيع و العدالة الاجتماعية)، هيمنتها على المنظمات المالية الدولية كما أسلفنا (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي), وتعاملها مع البلدان النامية من منطلق التكيف وضرورته مع السوق الرأسمالي العالمي، وإبعاد الدولة وإضعافها، و ترك آليات السوق لكي تعمل طليقة.
“ومن جهة يؤكد اغناسيو رامونيه في كتابه الذي يحمل عنوان “طغيان الإعلام” إن أجهزة الأعلام في عصر العولمة قد غدت “أفيون الشعوب الجديد”. فتحت ستار “موت الإيديولوجيا” تروّج للإيديولوجيا الوحيدة التي مازالت حية بالفعل، وهي الإيديولوجية الليبرالية المنزوعة عنها صفتها الإيديولوجية، مما يتيح لها أن تتسلل بسهولة أكثر وبلا مقاومة إلى الأذهان لتخدّرها، ولتشلّ طاقتها على التفكير النقدي. وفي نظر رامونيه إن هذه الدعاية الصامتة أشدّ فاعلية بما لا يقاس من الدعاية الصاخبة في عصر الخطابة الإيديولوجية[12].
النزوع الاشتراكيّ في الشرق الأوسط
انخرطت الأحزاب اليسارية في الشرق الأوسط ضمن منظومة اشتراكيّةِ الدولة، واعتبرت الاتّحاد السوفيتي آنذاك الأساس الأيديولوجيّ والسياسيّ لها، وبالمقابل تسلّلت الأفكار اليمينيّة إليها، وانحرفت عن بنية النظام في الكثير من الأحايين، وحافظت على العلاقات مع الحركاتِ الاشتراكيةِ في البلدانِ الأخرى أيضاً، وقد سيطرت الأفكار الاشتراكيّة على حركات التحرّر، ومن ضمنها القضية الكرديّة في تركيا وإيران وسوريا والعراق وإيران، ونشأت العلاقات مع الاتّحاد السوفيتيّ، لكنّ المصالح الدولتية تضاربت فيما بينها، فكيف سيتّخذُ الاتحاد السوفيتي موقفاً متصالحاً مع اشتراكية الدولة في العراق وسوريا على سبيل المثال وبين الحركات المناهضة لها، فقد باتت العلاقات منفعيّة تكتيكية آنية، لم تصل إلى البعد الاستراتيجيّ المأمول، إذْ سيطرت الحرب الباردة فيما بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة على الفكر، لذلك تسلّلت الأفكار القوميّة التطرّفية إلى الطرفين على السواء، ولم تستطع التيارات الاشتراكية سواء المستلمة السلطة أو المناهضة لها من الخروج من بوتقة الهيمنة العالمية الرأسماليّة، لأنّ فكر الدولة القومية هو الذي انتصر، والذي يعتبر دعامة رئيسية من دعامات النظام الرأسماليّ، فكما وقع الاتحاد السوفيتي ذاته في هذا الفخ، وقعت الأحزاب الاشتراكية في هذا الفخ بالضرورة، فطغت القوموية الضيقة على الأممية، فصارت أداة لسيطرة المصالح والهيمنة.
لقد ساد اعتقاد لدى الأحزاب اليسارية والتيارات اليسارية في الشرق الأوسط أنّ التحرّر الطبقيّ والوطنيّ هو الحلّ والترياق لكلّ مشاكل الشرق الأوسط ولكلّ العالم، وهو الحلّ ضدّ الليبرالية والفاشية الشرقية، وطغت على الثورات مفاهيم الشعارتية، الاشتراكية، الوحدة، الحرية، التحرّر العالمي، انهزام الرأسمالية، حقّ الشعوب في تقرير مصيرها… فتطبَّعت الأحزاب الاشتراكيّة بالطابع القوميّ، وتطلّعت إلى الدولة القوميّة أسوة بالاشتراكيّة المشيّدة في الاتّحاد السوفيتي الذي سيطرت عليه دكتاتوريّة البروليتاريا، واعتمد المنهج التنويري الذي سيطر على الماركسيّة في الاعتقاد بتحقّق وبناء المجتمع الجديد (الشيوعيّة) على أرضيّة الرأسماليّة انطلاقاً من تجاوز المجتمع الرأسماليّ، واعتبار هذا المفهوم اشتراكيّة علمية، ويتحدّث المفكّر عبد الله أوجالان في هذه الناحية: “هذا الموقفُ بذاتِ نفسِه أيضاً يحتوي خطأَين رئيسيَّين: أولُهما؛ العجزُ عن رؤيةِ الحقيقةِ التي أُدرِكَت لاحقاً، والتي تنصُّ على عدمِ سَرَيانِ الجزمِ العلميِّ التامِّ والمُطلق، سواءً في العلومِ الفيزيائيةِ أم البيولوجية (من المهمِّ ملاحظة علاقة ذلك مع الثقةِ المكنونةِ لعلومِ ذاك الوقت). بالتالي، سادَ العجزُ عن فهمِ استحالةِ إخضاعِ الطبيعةِ الاجتماعيةِ لمعادلاتٍ علميةٍ قاطعة. فالطبيعةُ الاجتماعيةُ ثقافةٌ بذاتِها. وهي تَطفَحُ كلَّ لحظةٍ بتداعياتِ الذهنيةِ غيرِ القابلةِ للضبط. بناءً عليه، فما يكمنُ وراء الأخطاءِ البارزة، هو مطابَقةُ قوانينِ الطبيعةِ الاجتماعيةِ مع القوانينِ الداروينيةِ الفيزيائيةِ أو البيولوجيةِ تحت اسمِ سلوكِ الموقفِ العلميّ. الخطأُ الثاني متعلقٌ بفلسفةِ التاريخ. حيث لَم يَجرِ الانتباهُ إلى كونِ المجتمعِ بذاتِ نفسِه ظاهرةً تاريخية، ولكنْ مع ضرورةِ تقييمِه كطبيعةٍ ثانيةٍ ومغايرة. بل وحتى لَم يُرَدْ فَهمُ أنّ الحاضرَ الاجتماعيَّ هو بنسبةٍ كبرى تاريخٌ اجتماعيّ. فالفكرُ التنويريُّ لا يفسحُ المجالَ أمام هكذا إدراك. وما يتبقى هو التقييماتُ الرأسمالية التي صاغَتها الآراءُ العالميةُ الوضعيةُ الفظةُ التي أَفرَغَتها الليبراليةُ من جوهرِها. بالتالي، اعتُبِرَت الرأسماليةُ المجتمعَ الوحيدَ المسيطرَ والتقدميَّ حسبَ عصرِه. أي أنّ الأمرَ تَعَدّى النظرَ إلى الرأسماليةِ كشكلٍ من أشكالِ الاستغلال، فطابَقَها مع المجتمعِ الجديدِ وساواها به. هكذا، اعتُبِرَ نظامٌ استغلاليٌّ كالرأسمالية، ينهبُ الكيانَ المجتمعيَّ البشريَّ العالميَّ المُعَمِّرَ ملايين وربما ملياراتِ السنين، ويَسلبُه بأساليبَ لا إنسانية، وبالتالي غير مألوفةٍ عالمياً؛ اعتُبِرَ حقيقةَ المجتمعِ المنتصر! وهنا مربطُ الفرسِ في ضعفِ البراديغما الماركسية. بالتالي، فهذا أيضاً هو العاملُ الأوليُّ الكائنُ خلفَ انهيارِ الاشتراكيةِ المشيدة. وأيُّ حركةِ تتطلعُ إلى تصحيحِ وإعادةِ ترتيبِ الماركسيةِ أو الاشتراكيةِ المشيدة، عليها بالانطلاقِ من هذه الحقيقة[13].”
تعدّ تجربة اشتراكية الدولة نسخة دولتيّة أشدّ رجعيّة من الليبرالية الرأسمالية، وبالمقابل لم تذهب كفاحات الشعوب للبحث عن الحرّيّة والديمقراطيّة والاشتراكيّة أدراج الرياح أمام تصاعد المدن وتغوّلها المرتع الخصب للهيمنة الرأسماليّة، وباتت الأساس للحداثة الديمقراطيّة، فالحداثة الرأسماليّة التي تبدو وهي في أوجها مع تسنّم ترامب سدّة الحكم، إلّا أنّها انهارت مع أنّه استلم الحكم أربع سنوات استطاع فيها أن يميّع حركة التاريخ، ويساهم في تنمية اليمين المتطرّف الوجه الأسوأ للنيوليبراليّة، والتي تعدّ استمراراً للفاشية والحركات المناهضة للديمقراطيّة والإنسانيّة، والتي ساعدت في تمييع كلّ الثورات المجتمعيّة، فقد ساهمت في سيطرة التيارات الإسلاميّة في الشرق الأوسط والعالم بأسره، وقوّت السلفيّة، وحركة الإخوان المسلمين والقاعدة وصولاً إلى داعش، وبالمقابل صعدت التيارات القوميّة المتعصّبة، وسيطرت على الساحة ردحاً من الزمن، وبثّت بعض الحركات الإسلاميّة أفكارها عبر الوسائل الليبرالية، وقد دعم الرأسمال العالميّ هذه التيارات وصارت مدلّلة لديها، فالنظام الرأسمالي لا يكتفي بتدمير المجتمعات وتشطيرها، بل يدمّر الطبيعة.
لقد وقع الاتحاد السوفيتي والصين في فخّ الاقتصاد الرأسمالي، الذي ينكر الاقتصاد ويحلّ محله الاحتكار والسيطرة على السوق من خلال حيتان الشركات، ونسف كلّ ما يمتّ إلى الاقتصاد، فوقع الشرق في هذه الأزمة أيضاً، فهذه التغييرات في المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي قد أثرا على الشرق الأوسط، فتطوّرت الديكتاتوريات وانغلقت وانسابت في أزمات الاقتصاد، وأثّرت على المجتمع، فتطوّرت الحركات المناوئة والتيّارات الدينيّة والقوميّة وحملت التعصّب في طيّاتها، وبالمقابل كانت هناك دول انزلقت إلى الرأسمال المالي ونظام البورصة والاحتكارات، وتطبّع الإخوان المسلمون بالنيوليبرالية، وكذلك الحركات الجهاديّة التي كانت لها ردّة فعل على ناطحات التجارة العالميّة، فكانت بداية القرن الواحد والعشرون هو بداية انهيار برجَي التجارة العالميين، وانهيار الاتحاد السوفيتي، وتصاعد حدّة الخطاب والعنف تجاه الإرهاب، وغزو العراق وأفغانستان، وبداية الصراع الجديد الذي تجاوز مسألة الاشتراكية والرأسمالية والقطبين.
كانت اليوتوبيا الاشتراكية الكلاسيكية في الشرق الأوسط مثل دين جديد ضدّ التفاوت الطبقيّ والتطلّع إلى الحرية والعدالة والمساوة، وكان هذا دأب الثائرين في العالم على مرّ التاريخ، وعلى رأسهم الشرق الأوسط؛ مهبطِ الروحانيين والقديسين والأنبياء والمتصوفة والدراويش.. فكان الدفاع عن المجتمعية هاجس أولئك المتطلّعين إلى الحرية، فحاربوا الفردية الليبرالية، وصارت الرأسمالية نظام الهيمنة والتسلّط ونظام التفاوت الطبقيّ، فباتت صراعات اليمين واليسار صراع الحرية ضدّ التسلّط، وقد تطبّع كلا اليسار واليمين بالأفكار اللاهوتية الدينية، والأثنية العرقية القوميّة، فظهر اليمين القومي واليسار القومي، كذلك اليسار الديني واليمين الديني، إلى أن وصل إلى التطرّف اليميني القومي الديني، والتطرّف اليساري الديني القومي، وهذه حالات لم نشاهدها إلّا في الشرق الأوسط؛ موطن التناقضات.
لقد سيطرت التيارات الدينية على المشهد السياسي مع بداية 2010 مع اندلاع ثورات ربيع الشعوب التي اختصرت في ثورات الربيع العربي، والتي ابتدأت من تونس وانتهت في سوريا، وبات المشهد خالياً من كلمة اليسار والاشتراكيّة، وانهزمت الاشتراكية في هذه الثورات، وتطبّع اليسار بالقومية والدين تارة، وانحصرت في النظام السائد تارة أخرى، وانزوت خارج إطار المشهد السياسيّ تارة، لكن في ثورة روجآفا حافظت الاشتراكية على رونقها، وتصالحت مع الرأسمالية، وطوّرت مفهوم الحداثة الديمقراطيّة التي لا تحارب الرأسمالية بوسائلها، وإنّما بوسائل الدفاع والقدرة على التوافق مع النظام العالميّ المهيمن.
الإسلاموية في الشرق الأوسط
استطاعت الإسلاموية[14] أن تقضي على كلّ المؤسسات الإصلاحيّة الإسلامية فهي مثل الجرّافة التي تمهّد الطريق أمام الحداثة الرأسماليّة، وكلّ محاولات المفكّرين الليبرالين كصموئيل هنتغتون وفوكوياما ونداف سامين… تكمن في دمج الإسلاموية بتيار التحديث العالمي، وكلّ تشبيهاتهم تكمن في تشبيه الإسلاموية بالشيوعيّة والفاشية، وذلك لسهولة استدراجها نحو الحداثة الرأسمالية، كما سيطرت على الشيوعية والفاشية وضمتهما إلى النظام المهيمن، فكذلك تفعل مع الإسلاموية، ففوكوياما يربط ما بين الإسلاموية والفاشية بقوله: “استعار البنا فكر الولاء الكامل الذي لا جدال فيه للزعيم ذي الشخصيّة الكاريزميّة من الفاشيين في إيطاليا، واضعاً شعار منظمته شبه العسكرية (العمل – الإطاعة – الصمت) على نموذج أوامر موسوليني (آمن – أطعْ – حارب)… ويمكن أن يعزى المصدر الأوروبي للإسلاموية مولانا المودودي، الذي أوجد حركة جماعة الإسلام في الباكستان في أوائل الأربعينيّات. وقد أيّد المودودي الصحفي الضليع في الفكر الماركسي، الصراع إلى جانب الطليعة الثوريّة الإسلاميّة ضدّ كلّ من والإسلام التقليدي. وكما لا حظ الأخوان بوروماند، فقد كان المودودي أوّل من ربط صفة الإسلاميّة بمصطلحات غربيّة مميّزة مثل (الثورة) (الدولة) و(الإيديولوجيا[15])
هكذا ربط المفكّر الليبرالي فوكوياما – وهو أهمّ دعامة من دعامات النظام المهيمن، والداعي إلى العولمة وهيمنة الشركات لتكون الجنّة المنتظرة ونهاية التاريخ – ربط بين الإسلاموية والفاشية والاشتراكيّة، مع أنّ الإسلاموية هي العدوّ اللدود للاشتراكيّة والشيوعية، وتعتبرهم كفّاراً يجب قطع رؤوسهم، فهذا هو الاستشراق الذي جلب معه التحليلات المشوّهة للتاريخ؛ لقتل الهويّة وتدميرها، ولسهولة دمجها بالنظام العالمي المهيمن الذي يرفض كلّ الهويّات، ويحصرها في هويّة الدولة القوميّة.
مع نهاية الحرب العالميّة الثانية توجّهت بريطانيا إلى غزو الشرق عن طريق زعزعته، فقد دعم سيّد قطب كي يكون منظّر الأخوان المسلمين الأوَّل، ففي كتابه (معالم في الطريق) دعا إلى إقامة دولة يقودها حزب إسلاميّ؛ أي ربط الدين بالدولة، باستخدام وسائل العنف كافّة للوصول إلى غايته، وقد برر الوسيلة للوصول إلى الغاية، فقد كانت أفكار القرون الوسطى في أوروبا هي المرشد له، واستخدم الطريقة الميكافيلية في كلّ أفكاره السياسيّة، مستفيداً من الأفكار التحرّرية اليسارية الاشتراكية كوسائل لغاياته الدينية الدولتيّة، فدمج اليمين باليسار، الأمر الذي اعتبره بوروماند (لينيّة بثوب إسلاميّ).
اعتبر فوكوياما الإسلاموية الشرق أوسطيّة تكمن في (الإسلام السنّي الراديكالي في الأخوان المسلمين وصولاً إلى بن لادن) وأيضاً (الثورة الإيرانيّة عام 1979 بقيادة الخيمني) يقول: “على الرغم من نشأة الإسلاموية وتطوّرها بين السنّة، إلّا أنّ هذا المزيج الإيديولوجي الخبيث (الفتّاك) وصل كذلك إلى العالم الشيعي… فقد منحت الثورة الإيرانيّة درجة كبيرة من الاحترام الديني للإسلاموية لم تكن تحظى به أبداً من قبل، لكنّ حقيقة أنّ الحركة يمكنها بسهولة مدّ الجسور بين الانقسام السنّي – الشيعي المرير، توحي أيضاً كم هي منفصلة تماماً عن التاريخ والعرف الإسلاميّ[16]”
لقد دعمت الدول الغربية نشوء التيّارات الإسلامويّة، وساعدت في تنميتها وتطوّرها، وقد ساهمت الإسلامويّة في تدمير الشرق الأوسط، ونشأت الصراعات فيما بين هذه التيّارات نفسها؛ (الإسلام الشيعي – الوهابيّة – الأخوان المسلمون – القاعدة – داعش…) فتفسّخ الشرق الأوسط، وبات على شفير الهاوية، فأرسل الغرب المبشَّرين بالحداثة الرأسماليّة أمثال فوكوياما وهنتغتون ليخلّصوا هذا الشرق من الوباء، ويدعوهم إلى الدين الجديد؛ وهو العالم الليبرالي في النظام المهيمن الحالي (المنقذ، أو الحلّ السحريّ)، بالمقابل ضعُفت الدولة الاشتراكية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وانحدار روسيا في هاوية النظام العالمي الجديد، فصارت روسيا تابعاً للولايات المتّحدة بعد أن كانت ندّاً له.
في الختام
قبل خمسة قرون من الآن رأى فرانسيس بيكون[17] أنّ الفلسفة ما عادت نتفع، فنفى الماضي نفياً قاطعاً، وآمن بالعلم وبقدرته إيماناً مطلقاً على تحسين أحوال البشر، فجعل العلم أداة في يد الإنسان، تعينه على فهم الطبيعة، وبالتالي السيطرة عليها، وآمن بسيادة الإنسان على المخلوقات جميعاً، ثم أدّى فساد العلم إلى فقدان هذه السيطرة، ومن هنا كانت غايته مساعدة الإنسان على استعادة سيطرته على العالم، فكانت وسائل العلم والبحث العلميّ هي الأداة الوحيدة للغرب في تحليل أيّة مشكلّة ووضع الأسباب لها، ووضع الحلول قياساً على الاستنتاج الحتميّ لهذه المعادلة الرياضيّة التي تعتمد على وسائل العلم في (الاستنباط، الاستقراء، النظريات والبراهين، الأدلة، العيّنة، التجربة، الاستبيان، الملاحظة، الاختبار…) وكلّ ذلك يعتمد على الإدراك والحواس الخمس، وبات شعار التجربة خيرُ برهان هو الفيصل والحسام الحقيقيّ لكلّ ظاهرة من الظواهر، إذاً أضحى العلم السبيلَ الوحيد للمعرفة، لذلك كان تحليل الأمور ومنها تحليل الشرق الأوسط بهذا المقياس، لذلك ظهرت الأزمة إلى الوجود، ومازالت تلك الأزمة تتجدّد منذ مئة عام على الأقل إلى الآن، لكنّ المجتمع في الشرق الأوسط لم يستسغْ هذه الطريقة الوحيدة للوصول إلى المعرفة، لذلك ظهرت أزمات الشرق الأوسط في الحوار العلمي الروحي أو اللاهوتيّ.
كان الشرق الأوسط مهدَ الأيديولوجيّات سواء المفيدة للمجتمع أو التي أثّرت بشكل سلبيّ عليه، لكن الحداثة الرأسماليّة لم تغذِّ سوى الأيديولوجيّات المتطرّفة السلبيّة على المجتمع التي تفكّكه وتخرّبه، كالأيديولوجيّة السلفيّة الإسلاميّة الأصوليّة الراديكاليّة، وهي تتقاطع مع القومويّة العنفيّة التي لا ترى أمامها سوى صهر الشعوب في بوتقة الأمّة الأكبر عدداً، وبذلك يتحقّق تنميط المجتمع ووضعه في بوتقة واحدة وقالب واحد.
إنّ أنظمة السلطة وأنظمة توزيع الثروة قد اتخذت اليوم طابعاً عالميّاً، وصار مركز النظام المهيمن؛ أميركا، ومركز التجارة العالميّ؛ نيويورك، ومركز المدينة؛ ول ستريت، مقرَّ الرأسمال العالميّ، وكلّ ملفّات الاحتكار العالميّ تُدار من هناك، كما كانت لندن سابقاً وستوكهولم والبندقية وباريس… إنّها المركزيّة التي تقلّد مركزيّة أوروك، أور، بابل، بغداد، دمشق…
وكما قال وارن بافت[18]؛ ثالث أغنى أغنياء العالم حينما سئل: عمّا إذا كان هناك صراع طبقي، قال: (مؤكد، هناك صراع طبقي. طبقتي، طبقة الأثرياء، هي الطبقة التي تخوض هذا الصراع، ونحقق الانتصارات. مهمتنا فيما أرى أن نقلب الآية، ألّا نجعل طبقته تنتصر. ولكي نفعل ذلك علينا أن نتخلص تماماً من الطريقة النيولبرالية الحاكمة لرأسماليتنا المعاصرة.)
مع أنّ وارن بافت قد تبرع ب 99% من أمواله ولم يُبقي سوى على 1% من أمواله لأولاده، وما المعنى من أن يمتلك 1% من أميركا ما يمتلكه 99% من هذا المجتمع، إذاً أدرك بوفيه أنّ الحياة الحرّة هي أن تعيش ضمن 99% من المجتمع، لذلك لم يرتضِ لأولاده أن يعيشوا ضمن مجتمع 1%، لقد كان يدرك أن هذه 1% تكفي أولاده، وبتصريح منه؛ (لئلا يفسدوا كما فسد هو)، وكذلك جاكي شان الذي تبرّع بكامل أمواله ولم يبق شيئاً لأولاده، وكذلك 9 من 10 من أغنى أغنياء العالم فعلوا نفس الفعل، أي كانوا يدركون أنّ المال مفسد للناس.[19]
إنّ صرخات نيتشه لم تسمع في الغرب، وعلينا كشعب الشرق الأوسط أن نستمع إلى حلوله الميتافيزيقيّة والفلسفية والدينيّة والعلميّة، ليس الحلّ العلميّ أحاديّ الجانب الغربيّ الذي فتح مراكز دراسات ضخمة تحلّل الشرق الأوسط بنظرتها الوضعية وتصرف عليها مليارات الدولارات سنويّاً، وما أولئك العلميّون الوضعيّون الذين ارتهنوا للمخفيّ وجعلوه مجهولاً، لا ينظرون إلا وفق ما تمليه عليهم سيطرة الحداثة الرأسماليّة، ومازالوا يستهزئون بالذين يصلون إلى الحقيقة والمعرفة عبر زوايا المعرفة الأربعة (العلم، الميثولوجيا، الفلسفة، الدين) والتي تمكّن من الإحاطة بالموضوع المعروض أكثر من الصورة العملية الإلهيّة أحاديّة الجانب.
يرى إيمانويل والرشتاين أنّ القوة الأميركية تنحو نحو الانحدار، والولايات المتحدة في عالم فوضى؛ ولم يعد يجدي خطاب القوة، وأفول نجم الهيمنة الأمريكية قد خلق مجالاً للصراع على الهيمنة، إذْ يؤكّد والرشتاين أنّ صعود الدمقرطة حتميّ في منطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره، بعد تراجُع النزعة الليبرالية، حيث أنّ الأساس في ولادة الليبرالية هي حصر وضبط الطبقات الاجتماعية الخطيرة برأيه، أولاً في دول المركز التاريخي ثم في داخل منظومة النظام العالميّ كله، وكان الحلّ الليبراليّ في منح هذه الطبقات منفذاً محدوداً إلى السلطة السياسية كما صوّر والرشتاين.
——
المصادر
- أوهام الشرق الأوسط/ناعوم تشومسكي/تعريب شيرين فهمي/مكتبة الشروق الدولية/الطبعة الثانية/القاهرة 2006
- في نقد العقل الشرقيّ/ بولات جان/ مركز غزلنوس للنشر والطباعة/الطبعة الأولى/السليمانيّة 2020
- التدخّل الدولي من أجل الديمقراطيّة/د. عبد الهادي العشري/منتدى سور الأزبكيّة/الطبعة الأولى/القاهرة 2005
- كراهية الديمقراطيّة/جاك رانسيير/ترجمة: أحمد حسان/دار التنوير/الطبعة الأولى/بيروت 2012
- أوهام الشرق الأوسط/ناعوم تشومسكي/تعريب شيرين فهمي/مكتبة الشروق الدولية/الطبعة الثانية/القاهرة 2006
- التوتاليتارية الليبرالية الجديدة والحرب على الإرهاب/توفيق المديني/منشورات اتّحاد الكتاب العرب/دمشق 2003
- مانيفستو الحضارة الديمقراطية – المجلد الخامس: القضيّة الكرديّة وحلّ الأمّة الديمقراطيّة/عبد الله أوجالان/ترجمة: زاخو شيار/الطبعة الأولى/مطبعة آزادي – 2013
- الإسلام والحداثة والربيع العربي/فرنسيس فوكوياما/حاوره: د. رضوان زيادة/المركز الثقافي العربي الطبعة الأولى/المغرب 2015
- المواقع الالكترونية: زيارة 11/11/2020
[1] أوهام الشرق الأوسط / ناعوم تشومسكي / تعريب شيرين فهمي / مكتبة الشروق الدولية / الطبعة الثانية / القاهرة 2006 / ص 22
[2] المصدر السابق/ ص10
[3] https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%A8%D8%AF%D8%A3_%D9%85%D9%88%D9%86%D8%B1%D9%88
[4] في نقد العقل الشرقيّ / بولات جان / مركز غزلنوس للنشر والطباعة / السليمانيّة 2020 / الطبعة الأولى ص 192
[5] التدخّل الدولي من أجل الديمقراطيّة / د. عبد الهادي العشري / منتدى سور الأزبكيّة / القاهرة 2005 / الطبعة الأولى ص 28
[6] المصدر السابق / ص 31
[7] كراهية الديمقراطيّة / جاك رانسيير / ترجمة: أحمد حسان / دار التنوير / الطبعة الأولى / بيروت 2012 / ص 17
[8] أوهام الشرق الأوسط / ناعوم تشومسكي / تعريب شيرين فهمي / مكتبة الشروق الدولية / الطبعة الثانية / القاهرة 2006 / ص17
[9] الرأسمالية المالية هي شكل من أشكال الرأسمالية حيث تصبح وساطة المدخرات إلى الاستثمار هي الوظيفة المهيمنة في الاقتصاد، مع تداعيات أوسع نطاقًا للعملية السياسية والتطور الاجتماعي: ومنذ أواخر القرن العشرين؛ أصبحت القوة المهيمنة في الاقتصاد العالمي، سواء في شكل ليبرالية جديدة أو غيرها من الأشكال.
[10] التوتاليتاريّة هي الشموليّة، وتتميّز بما يلي: الحزب الشمولي الواحد، الدور المركزي للأيديولوجيا، إلغاء الحدود الفاصلة بين الدولة والمجتمع، تقديم دولة السلطة على سلطة الدولة، تضخم أجهزة القمع والإرهاب، وافتراسها المجتمع، نفي مشروعية الصراعات الداخلية، وتقديس مبدأ الانصهارية، ولا تختلف التوتاليتارية الاشتراكية عن التوتاليتارية الرأسمالية. فهي في كلا الحالتين تمثل السلطة المطلقة للدولة التي تريد إلغاء الحدود التي تفصلها عن بقية الشرائح الاجتماعية وحتى عن الافراد.
[11] التوتاليتارية الليبرالية الجديدة والحرب على الإرهاب / توفيق المديني / منشورات اتّحاد الكتاب العرب / دمشق 2003 / ص 6
[12] المصدر السابق / ص 9
[13] مانيفستو الحضارة الديمقراطية – المجلد الخامس: القضيّة الكرديّة وحلّ الأمّة الديمقراطيّة / عبد الله أوجالان / ترجمة: زاخو شيار/ الطبعة الأولى / مطبعة آزادي 2013 / ص 55
[14] هو الإسلام الراديكالي، أو التعصّبي، بدءاً من المودودي وسيّد قطب وصولاً إلى بن لادن والزرقاوي والبغدادي.
[15] الإسلام والحداثة والربيع العربي / فرنسيس فوكوياما / حاوره: د. رضوان زيادة / المركز الثقافي العربي / المغرب – الطبعة الأولى 2015 ص86
[16] المصدر السابق ص 87
[17] فرانسيس بيكون Francis Bacon (1561 – 1626) فيلسوف ورجل دولة وكاتب إنجليزي، معروف بقيادته للثورة العلمية عن طريق فلسفته الجديدة القائمة على ” الملاحظة والتجريب “. من الرواد الذين انتبهوا إلى غياب جدوى المنطق الأرسطي الذي يعتمد على القياس، يعتمد منهجه التجريبيّ على هذه المقولة: (لو بدأ الإنسان من المؤكدات انتهى إلى الشك، لكنّه لو اكتفى بالبدء بالشك، لانتهى إلى المؤكّدات)
[18] وارن بافت Warren Buffett ولد في1930، وهو رجل أعمال وأشهر مستثمر أمريكي في بورصة نيويورك, وهو رئيس مجلس إدارة شركة بيركشير هاثاواي، وهو رابع أغنى أغنياء العالم لسنة 2020 حسب مجلة فوربس الأمريكية بثروة تقدّر بـ 67.5 بليون دولار أمريكي بعد أن كان أغنى رجل بالعالم لعام 2008 بثروة 40 مليار دولار أمريكي.
[19] https://ar.wikinews.org/wiki/%D9%88%D8%A7%D8%B1%D9%86_%D8%A8%D8%A7%D9%81%D9%8A%D8%AA_%D9%8A%D8%AA%D8%A8%D8%B1%D8%B9_%D8%A8%D9%80_99%25_%D9%85%D9%86_%D8%AB%D8%B1%D9%88%D8%AA%D9%87