كلمة العدد 50 (اليوبيل الذهبيّ)
رئيس تحرير المجلة – صلاح الدّين مسلم
أضحى الشرق الأوسط يعيش في أسوأ حالاته من التشرذم والصراعات والتناحرات وعوالم الإجرام والتخبّط، وباتت مراكز الدراسات العالميّة تصبّ جام دراساتها على تحليل الشرق الأوسط من النواحي الاقتصاديّة والمناخيّة والاستراتيجيّة؛ لمعرفة كيف تعولمُ هذه المنطقة وتجرّها إلى النظام العالميّ؛ لتكون المنقذ المستقبلي للدولة التي ستسيطر عليها، أو التحالف الذي سيسيطر عليه.
لقد أضحى الصراع على هذه المنطقة الهاجسَ الأكبر للرأسمال العالميّ، وباتت الطبقات المسحوقة تتكاتف للبحث عن الخلاص من السيطرة الرأسماليّة المتوحّشة، وتفتّشُ عن سُبِل الخلاص للوصول إلى المجتمع الديمقراطيّ، وما غايتنا في هذه المجلة إلّا ترسيخ الديمقراطيّة المجتمعيّة للوصول إلى شرق أوسط ديمقراطيّ يقابل نظريّة الصراع الأوسطيّ الطبقيّ التي تروّج لها مؤسّسات الحداثة الرأسمالية عبر منابرها التي تصفِّق لها، وعلى خلق العصبيات والصراع الطائفي والعنفيّ الإرهابيّ.
لقد بات الترويج لمفهوم الدولة عبر قرن مضى السبب الرئيس لكلّ هذه التناحرات، فمنطقة الشرق الأوسط هي منطقة موزاييك فيها فسيفساء من كلّ الألوان، ومبدأ الديمقراطيّة المجتمعيّة لا ينفي هذه الألوان، بل يطرّزها وشماً جميلاً على جيد الشرق المبهر، فلابدّ من فهم الدولتيّة القوميّة، وعدم الوقوع في فخّها كما وقعت النظريات الثوريّة المعادية للتغوّل الرأسماليّ، من خلال تقديس الدولة القوميّة التي جرّت على شعوب الشرق الأوسط كلّ الويلات، والنكسات، والنكبات، والمجازر، وكلّ أشكال الإبادات والصهر.
بالطبع باتت العودة إلى الديمقراطيّة المجتمعيّة من خلال التخلّص من الذهنيّة التسلّطيّة؛ النتاج الذكوريّ البحت، ومن خلال بثّ الحياة في الفكر العاطفيّ المنقذ للبشريّة عبر العودة إلى الأم، وإنعاش الذهنيّة الأنثويّة المندثرة.
لذلك ركّزنا في هذا العدد على البحث عن الإرهاب، وبنية العصبيات، وأصول الفكر الأصوليّ، والعصبيّة عند ابن خلدون، ودراسة كلّ من سوريا ولبنان واليمن والعراق كنماذج شرقيّة، ودراسة معاهدة سيفر التي مرّ عليها قرن كامل، وما الأثر الذي ستخلّفه؟
لقد شارك كتّاب من اليمن ومصر ولبنان والعراق والمغرب وسوريا في إنجاح هذا العدد، ويعدّ هذا العدد اليوبيل الذهبيّ لمجلة الشرق الأوسط الديمقراطيّ، إذ نشكر كلّ من ساهم في إنجاح هذه المجلة والوصول إلى هذا الشكل، وهي عبارة عن تراكمات جهود مضنية للوصول إلى اليوبيل الذهبيّ، وساهم كتّاب من كلّ إنحاء الشرق الأوسط، سواء عرباً أو تركاً أو فرساً، فإنّنا نثني على جهودهم.
لقد كانت الأعداد الخمسون السابقة مع هذا العدد نقطة الانطلاق لترسيخ أركان هذه المجلة، التي حاولنا ومازلنا نحاول من خلالها أن نكون اللسان الناطق لشعوب منطقة الشرق الأوسط، فجمعت هذه المجلة كلّ الكتّاب الذين يناشدون ترسيخ الديمقراطيّة والتعدّدية، ونبذ التعصّب والطائفيّة والحرب، لِترسيخ السلام والمحبّة، وفضح المستبدين الظالمين والاحتكاريين الانتهازيين، وكانت لسان حال المرأة الحرّة، للوصول إلى حياة حرّة، فالسير في طريق الحرّية هو الحرّيّة بعينها.