العيشُ المشترَك في شمال وشرق سوريا؛ نموذجٌ يتحقق معه وحدة سوريا والحل الديمقراطي فيها
آلدار خليل
آلدار خليل
تُعتبر سوريا من أكثر المناطق في الشرق الأوسط، والتي تتميز بتنوعها الديني والاثني والمجتمعي، هذه الخصوصية أعطتها مكانةً مهمّة في المنطقة؛ ساهم النظامُ الموجود منذ ما يزيد عن أربعة عقود من الزمن بإخفاء هذا التنوّع بشكلٍ مقصود، حيث أخفى كلَّ مظاهر هذا التنوع والتعدد، واختصره بأمور لا تعبّر عن الحالة الحقيقة للمجتمع السوري، لا بل كانت في خدمة النظام وهيمنته، بحيث أنكرَ اللوحةَ السورية المتنوعة في الدستور السوري وعمل على إقصاء مكونات مهمة من المشهد السوري لتكون الأمور في سوريا على خلاف ما هي في التاريخ والحقيقة.
المجتمعُ السوري وبتنوعه عاملٌ مهم من أجل أن يكون هذا المجتمع مثالاً وقدوة، بحيث التعايش فيه بين المكونات المتعددة حالة تاريخية قديمة. وما حدث، ولو كان بشكل بسيط من تصادم أو خلاف ما بين السوريين سواء ما قبل الثورة أو بعدها، هو نتاج أمورٍ لا تعود للخلافات بين الشعب السوري، وإنما هي أمورٌ مفتعلة يحاول البعضُ إظهارها تحت اسم الشعب السوري لتحقيق مكاسبَ وأمورٍ شخصية لا أكثر، والأمثلة هنا واضحة وتتجلى اليوم في الواقع العملي.
في الثورة التي بدأت في شمال وشرق سوريا الاعتمادُ الأساسي كان على العوامل التاريخية التي تربط المكونات السورية ببعضها البعض، بحيث الانطلاقة في مراعاة هذا الجانب كانت هي القوية بحكم أنّ المجتمع الواحد والمتنوع والمتفق على حقائقه التاريخية هو المجتمعُ الذي يستطيع القيامَ بثورة حقيقية وعملية. ومن هنا كانت المكوناتُ في شمال وشرق سوريا هي الأكثرُ سبّاقة في البحث عن الحقائق التاريخية، وانطلقت منها كقاعدة مهمة في التغيير الديمقراطي، على خلاف المناطق الأخرى التي لم تستطع بحكم ظروفها المعينة وممارسات القوى التي سيطرت على تلك المناطق، فقامت بخلق وافتعال أمورٍ من شأنها خلق صدامات أهلية، وقد نجحت في بعض المناطق للأسف.
كان المجتمعُ السوري- ومن خلال وحدته القوية قبل أن يتم تفتيتها- هو الأحوج بأن يتجاوزَ كلَّ الحواجز المصنوعة ما بين القوميات والأديان والمكونات، بحيث كان لابدّ من مشروعٍ يقوم بإحياء هذه الحقائق التاريخية ويقود المجتمع السوري نحو مرحلة جديدة يكون المجتمع هو نفسه المنظم والإداري والساعي نحو الثورة والتغيير، بمعنى تكون الحاجة نابعةً من المجتمع ذاته كونه قوي ويتسم بصفات مهمة هي الأساس للثورة الديمقراطية من جهة، وكذلك الأساس لتشكيل إدارة قوية. وهنا كان مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية هو المشروع الأكثر قدرة على تحقيق تماسك ووحدة هذا المجتمع المتنوّع على وجه الخصوص في ظلّ تبنّي مكوناتُ هذا المشروع الريادي في المنطقة لمشروع أخوة الشعوب كأساس للعمل، ومشروع الأمة الديمقراطية المظلة الجامعة لكلّ المكونات على اختلافاتها.
ما بدا، ومن خلال هذه الرؤى وبعد سنواتٍ من النضال والعمل المشترك، حالةٌ نادرة في ظل الظروف والعوامل التي زرعتها الأطرافُ التي لا تريد لأن يكون هناك مشروع كهذا المشروع في سوريا والشرق الأوسط، الحالة التي تعبّر عن حقيقة المجتمع السوري.
العيشُ المشترك اليوم- في ظل مشروع الشعب مشروع الإدارة الذاتية- ساهمَ في تحقيق نتائجَ مهمة على الصعيد السوري والإقليمي وحتى العالمي، كون هذه المكونات وفي ظل إيمانها بأهدافها المشتركة وحقائقها التاريخية الواحدة صنعت، في ظل الحرب وفي ظل كل المحاولات والمخططات الكبيرة التي استهدفت هذه الوحدة، إنجازات مهمة اليوم تعتبر تاريخية والتي تتجلى أهمها في حالة الواقع المجتمعي والالتقاء على الأهداف الواحدة والنضال من اجل الوصول إلى مجتمع سوري واحد.
كذلك نتجَ عن هذا التعايش المهم انتصاراتٌ كبيرة ومهمة على القوى التي دأبت على تدمير وحدة سوريا المجتمعية والجغرافية، فصمود مكونات شعبنا اليوم وبعد كل هذا السنوات من الجهد والتعب والصمود صنعَ أرضيةً مهمة يمكن اعتبارها الأساس في إحياء روابط المجتمع السوري الأصيل، دون أن تكون هناك أيّ نزعاتٍ أو صدامات.
محاولاتُ الأطراف التي تريدُ استهدافَ حالة الاستقرار في مناطقنا ما هي إلا رغبةٌ حقيقة في ضرب هذا التماسك وهذه الوحدة المجتمعية، كون هذه الوحدة هي السلاحُ الذي لا يمكن التغلب عليه، لذا نرى وبأنه في الآونة الأخيرة قد ظهرت محاولاتٌ رخيصة من قوى معينة لضرب هذه الوحدة في مناطقنا، عبر أمورٍ الهدف منها تشويهُ صورة المجتمع الواحد والمتماسك، كذلك المحاولات التركية وتهديدات أردوغان هي نتيجة فشله في كسر وحدة مجتمعنا، كون هذا المجتمع حقق انتصاراتٍ مهمة على كلّ المخططات التي كان الهدف منها إفشال تجربة مكونات شعبنا في مشروعه الديمقراطية.
حالةُ استهداف هذا المجتمع هو نابعٌ دون شك من أهميته وأهمية دوره في الواقع السوري، هذا التماسك وتبنّي مشروع الأمة الديمقراطية رسالة واضحة بأن هذا المجتمعَ لا يمكن أن يتفكك، لا بل يزداد قوة حال تعرضه لأي حملةٍ الهدف منها ضرب الوحدة، بهذه المبادئ وبهذا التكاتف اليوم ينتصر شعبنا ويحقق إنجازاتٍ مهمة.
اليوم المجتمع الموجود في شمال سوريا- بما يمتلك من تجربة ومشروع ديمقراطي- جزءٌ مهم للحل والحوار في سوريا، إلا أن تجاهلَ إدارة هذا المجتمع والذي يدير مساحة مهمة وكبيرة نسبياً في سوريا لا يمكن أن يكون إلا خطأً بالدرجة الأولى، وكذلك سعيٌ نحو عرقلة الحل لا العمل على تحقيقه كما يحاول البعض إظهار ذلك.
الحرصُ على الحلّ والتوافق والحوار في سوريا ينبغي أن يكون برؤية المجتمع الواحد بمكوناته المختلفة في شمال وشرق سوريا، وبإشراك إرادة هذا المجتمع السياسية في أية جهود أو مساعٍ للحل في سوريا.
سبق وأن تمت محاولاتٌ على مدار سنوات كثيرة ولم يكتب لها، النجاح كونها كانت بعيدة عن تمثيل كافة المكونات السورية بما فيهم الجزء المهم الموجود في شمال وشرق سوريا.
يُعتبر العيش المشترك وحالة التوافق الموجود بين المكونات المختلفة في مناطقنا نموذجاً مهماً يتحقق من خلاله الاستقرارُ والسلام، كما ومن خلال اعتماد شكل ونمط هذا النموذج الموجود بشكل ناجح على الأرض يمكن الوصول بشكل أسهل نحو مجتمع سوري واحد على عموم مساحة سوريا، والوقوف بقوة هذا التماسك أمام كل المخططات التي تريد خلقَ صراعات وتناحرٍ أهلي.
من خلال نموذج المجتمع الموجود في شمال وشرق سوريا يمكنُ تحقيق الحلّ الذي يعبّر عن الحاجة السورية الفعلية كذلك، ومن خلال هذا المجتمع ومشروعه يمكن تحقيق الاستقرار والانتقال إلى سوريا جديدة يقودها السوريين بذاتهم، نموذج مجتمع شمال وشرق سوريا هو نموذج الحفاظ على وحدة سوريا وعامل مهم من أجل قوتها وانتصارها على المعولين على تقسيمها وتطوير الاحتلال فيها.
الانعكاساتُ العملية لمشروع أخوة الشعوب والتعايش المشترك اليومَ واقعٌ في كافة المجالات الحياتية، حيث يمكن ملامسة ذلك في النظام المجتمعي المعتمد سواء من ناحية التنظيم(كومينات، مجالس، بلديات. .الخ) وكذلك في المجال الإداري العام( الهيئات والمكاتب)، يُضاف إلى هذا الجانب عامل مهم أيضاً وهو المرأة؛ ودورها الريادي في هذا النظام والمجالات العامة، بحيث نظرية العيش المشترك موجودة في مجالات عمل المرأة، كذلك ونرى ولأول مرة في تاريخ سوريا بأن المرأةَ من مكونات المنطقة تجتمع في مكان واحد تعمل وتقاوم، هذا هو انتصار للمرأة وكذلك لنموذج العيش المشترك وللإدارة الذاتية.
حينما نتحدث عن التعايش في شمال وشرق سوريا فنحن نتحدث عن شتى المجالات التي لا حصر لها، وهذه النظرية مصدر قوة للمجتمع وعنوان مهمّ للتقدم.
في العالم أجمع هناك بحثٌ عن الشكل أو النمط الذي يمكن من خلاله بناء العلاقات القوية ما بين الانتماءات المتعددة بهدف خلق بيئة مجتمعية خالية من الصراعات العرقية أو الدينية، ومع ذلك لا يوجد نجاح كامل؛ بينما في شمال وشرق سوريا وعيُ مكوناتها وإدراكهم للروابط التاريخية نتج عنه اليوم مشروعٌ مهم لم يتم تنظيمه بالمحاولات التقليدية وفق رؤى مرهونة بمرحلة أو فترة زمنية معينة؛ بهذا النموذج في العيش المشترك وبهذه الأهداف وحالة الإيمان المشترك ما بين مكونات شعبنا سوف يكون هناك تجربة قوية ورائدة ومُلهمة لكل المناطق التي فيها التعدد وتخترقها القوى التي تريد تحقيق مصالحها وتفتت هذه التعددية بالصراع لضمان المصالح الذاتية؛
في ظل ما تتعرض له المنطقة- وكما انتصرت مكونات شعبنا في السنوات الأولى العصيبة من الثورة الديمقراطية- سوف تنتصر هذه المكونات لطالما يعملون ويقاومون ويبنون معاً؛ حيث قوة المجتمع في تماسكه ودفاعه عن ذاته؛
شعبنا أثبت هذه الرؤية عملياً حينما أرادت القوى الحاكمة والمهيمنة في المنطقة خلق الصراع الداخلي فيها سواء في عام 2004 وما تبعتها من محاولات مع بدء تجربة الإدارة الذاتية ومشروع أخوة الشعوب والأمة الديمقراطية.