مصطفى عبدي
خسارة تركية في سورية وفشل مشروعها الكبير في الاستيلاء على السلطة عبر «الإخوان المسلمين» دفعها للمناورة والبحث عن بدائل، فبعدما كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يتوعد نظيره السوري بشار الاسد باسقاط نظامه، ويبشر المعارضة المسلحة التي يدعمها بالصلاة جنبا لجنب في الجامع الأموي بدمشق انحصرت طموحاته الآن لمواجهة الاكراد والعرب المتحالفين معهم بغية تجريدهم من المكاسب التي حصدوها بالكثير من التدبير والسياسة والدم، وعرقلة صعودهم وتحقيق أي نوع من الحكم الذاتي في مناطق شمال وشرق سورية، رفضت انقرة بشتى الوسائل مشاركتهم في لقاءات جنيف الى جانب المعارضة السورية رغم انهم يسيطرون على ثلث مساحة سوريا ولديهم جيش منظم قوامه 30 ألف مقاتل إلى جانب أكثر من 30 ألف من قوات الامن ومكافحة الارهاب، وأثبتوا جدارة قتالية عالية في مواجهة التنظيمات الارهابية، واثبتوا كذلك أنهم الاكثر انضباطا، والتزاما بقوانين حقوق الانسان في مناطق النزاع وأفضل شريك للولايات المتحدة والتحالف الدولي وشكلوا هياكل ادارية صلبة بمشاركة كل مكونات المنطقة واسسوا تحالف سياسي ضم غالب الاحزاب السياسية والعشائر العربية والكتل الثقافية والمجتمعية كما ورفضت كذلك حضورهم لقاءات الاستانة، وظلت تهاجم مناطقهم بشتى الوسائل، وعرقلت مرارا حملات قسد العسكرية ضد تنظيم الدولة الاسلامية في مدينة منبج والرقة ودير الزور.
كان الفيتو التركي حاضرا لمنع الاكراد والعرب الرافضين الانصياع لسياستها، في مختلف المحافل الدولية… الاستهداف التركي لم يقتصر على الجانب الدبلوماسي، وإنما شمل الجانب الاقتصادي من خلال إغلاق المعابر نهائيا، وبناء جدار عازل على طول الحدود وقتل أي لاجئ يتجه صوت الحدود، واستهداف الفلاحين والرعاة الذين تقع أراضيهم وبساتينهم في المناطق الحدودية ومواصلة إطلاق النار عبر القناصات صوب المدنيين في القرى القريبة من الحدود.
وظل التهديد بالاجتياح العسكري قائما، لكنه كان مستبعدا في ظل غياب التوافق الدولي والضوء الأخضر من قبل روسيا وأمريكا، وهو القرار الذي تمكنت تركيا من تحصليه بعد صفقة تضمنت تخليها عن المعارضة السورية المسلحة في «الغوطة الشرقية، القابون، برزة» بريف دمشق واجبارها على الانسحاب منها باتجاه المناطق الخاضعة لسيطرتها شمال سوريا مقابل رفع روسيا غطائها عن منطقة عفرين، لتبدأ تركية في 20 يناير 2018 حملة عسكرية شارك فيها قرابة 30 ألف من مسلحي المعارضة الذين كانوا يقاتلون سابقا نظام حكم الرئيس السوري بشار الاسد، كما وشارك فيها سلاح الجو التركي، والبري وجماعات تركية مثل الذئاب الرمادية غير خاضعة للحكومة، كما واثبتت الفيديوهات وجود مسلحين من تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الاسلامية، وبعد 900 غارة، وآلاف القذائف، وقتل 400 مدني، واتباع تركية لسياسة «الأرض المحروقة» من خلال قصف القرى الآهلة بالسكان بالطائرات، والمدفعية اضطرت وحدات حماية الشعب لاتخاذ قرار الانسحاب في 18 مارس 2018، واستقرت في منطقة تلرفعت القريبة.
حرب تركية على منطقة عفرين تسببت في كارثة انسانية، لم تتوقف تبعاتها حتى اليوم، فرغم نزوح قرابة ثلثي سكان المدينة منذ الايام الاولى للحرب لم تتوقف الانتهاكات التي وصلت لمستوى أن تكون جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية بحق السكان المحليين، حيث قامت تركية برعاية توطين الاف الاسر القادمة من غوطة دمشق وريفها في منازل سكان عفرين، وطردت الكثير من الأسر من بيوتهم و انتزعت اراضيهم وممتلكاتهم، ضمن خطة شاملة للتغير الديمغرافي، فما زال مصير 2 ألف مواطن تم اعتقاله على فترات منذ التوغل التركي في المنطقة مجهولا، وهم من اصل 4 الف تم اعتقالهم، كما وان الفظائع التي تجري في السجون كثيرة، لا سيما وأنه تم الكشف حتى الآن عن قتل 20 مواطن تحت التعذيب في المعتقلات، وظلت مدينة عفرين مغلقة كليا امام وسائل الاعلام والمنظمات الحقوقية، وان كانت تركيا قد سمحت لمرة واحدة فقط لمجموعة من الصحفيين بدخول المدينة في 3 يوليو 2018، وروى مراسل فرانس 24 الأحداث التي شاهدها مؤكدا انهم لم يتمكنوا من التجوال بحرية، وكانت مساحة تحركهم ضمن منطقة أمنية مغلقة، وأجروا لقاءات مع أناس محضرين مسبقا برواية ان الاوضاع مستقرة، وأنهم سعيدون بسيطرة القوات التركية على عفرين… المراسل الصحفي قال لي حرفيا «كل شيء أمامنا كان مزيفا وينافي الحقيقة، عدت إلى تركيا، ولم ارسل شيئا للبث كونه كان تمثيلية قذرة، رفضت المشاركة فيها…»
القوات التركية لم تتحرك طيلة ثلاث سنوات من انتشار مسلحي تنظيم داعش على مساحات واسعة من حدودها التي ظلت مفتوحة لتنظيم الدولة الاسلامية\داعش، بدءا من تل ابيض في ريف الرقة الشمالي وحتى مدينة الراعي بريف حلب، الحملة التي شنتها في مدينة جرابلس جرت بالاتفاق المسبق مع تنظيم داعش القوات التركية، ومسلحي الفصائل سيطروا على المدينة بدون قتال، وتوجه جيشها نحو السيطرة على مدينة الباب وذلك بعد نجاح قوات سورية الديمقراطية من كسر شوكة التنظيم وهزيمته في مدينة منبج فكان هدف تركية إيقاف حملات قسد وغزو مناطقهم ولم يكن بأي حال محاربة التنظيم.
طموحات تركية لم تتوقف في عفرين، والباب بل توعد الرئيس التركي وقتها بالاستمرار في القتال حتى السيطرة على كامل الشريط الحدودي بعمق 30-50 كم وهي مناطق وحدات حماية الشعب وقوات سورية الديمقراطية شمال سوريا، انتعشت الآمال التركية مع قرار الرئيس الامريكي بالانسحاب من سورية، وطرح موضوع المنطقة العازلة التي توقعتها تركية هدية مجانية، يحقق من خلال العدالة والتنمية طموح تدمير الاستقرار والأمن في مناطق شرق الفرات، من خلال إرسال غزاتها الذين كانوا باسم «الجيش الحر» فاصبحوا «جنود الانكشارية» يخدمون أهداف تركية التوسعية في المنطقة.
خططت انقرة للتوغل بجيشها في المنطقة وأن تؤسس فيها قواعد عسكرية، وتنشئ قوات امنية وادارية خاضعة لها وذلك بعد تدمير القوات العسكرية والامنية فيها، وتدمير كافة الهياكل والمؤسسات الادارية المشكلة منذ سنة 2012، وتهجير السكان أو غالبهم.. هذا يضمن لتركية مايلي:
-تأمين نقل آلاف اللاجئين «العرب السوريين» على أراضيها لتوطينهم في اراضي ومنازل « الكرد السوريين» كما فعلت في عفرين، وقرى في ريف الباب وجرابلس وكما فعلت خلال العقود الماضية ضمن حدودها بتهجير الكرد من منطقة اورفا وعينتاب ونصيبين وتوطين الأتراك بدالهم.
– تشكيل مجالس محلية موالية لها وتحت إشرافها المباشر.
– ربط هذه المناطق اداريا مع ولاية نصيبين أو أورفا كما فعلت في عفرين وجرابلس وإعزاز والباب حيث تتم إدارتهم من خلال والي عينتاب وهاتاي.
-فرض الثقافة واللغة التركية ضمن عملية التغيير الديمغرافي والتتريك الممنهجة كما فعلت في منطقة جرابلس وعفرين.
هذا هو مفهوم المنطقة الآمنة التي تسعى لتركية لتأسيسها وأعلنت عن تلك الخطوات في وسائل اعلامها، وتصريحات مسؤولي العدالة والتنمية.
ولتحقيق ذلك كان لابد لتركية من الاستعانة بأطراف كردية وعربية سورية خاضعة لها، والعمل على التروج عن مظلومية الكردي -العربي الواقع تحت حكم «ب ي د» ويكون لهم دور كذلك في دعم رواية أن وحدات حماية الشعب تابعة لحزب العمال الكردستاني. ودعم رواية ومواقف تركية في اعتبارها دولة مهتمة بحقوق الانسان وانها تتمتع باهلية التحدث باسم العرب والكرد والدفاع عن حقوقهم.
اضافة لدعمهم بالظهور الاعلامي وفتح منصات خاصة لهم واستهدافهم بحملات اعلامية، سياسية، ضمن سياسة الحرب الاعلامية التي تقف ورائها المخابرات التركية والغرف الامنية.
هذا الملف تكفلت به المخابرات التركية، التي وسعت مجالات التواصل مع شخصيات، وأحزاب وتكتلات سياسية كردية، عربية ودعم تشكيل المزيد من التجمعات التي تدعي تمثيل الكرد والعرب وهو ما فعلته أيضا في منطقة عفرين، حيث قامت بالاستعانة بشخصيات كردية وفصائل مسلحة وأحزاب سياسية كردية، وقامت بتوظيف إعلامي مكثف لهم…ونفخت فيهم امام الاعلام الاجنبي، العربي والتركي…ومن تلك الجماعات المسلحة نذكر على سبيل المثال «لواء مشعل تمو، الجبهة الكردية، ودرع القامشلي، درع عفرين، لواء أحفاد صلاح الدين، كتيبة آزادي … وايضا نذكر من الأطراف التي اعتمدت عليها تركية للترويج لدعايتها ما يسمى ب «رابطة المستقلين الكرد» تأسست في أوروبا سنة 2015 من قبل المخابرات التركية، وتمولها اضافة الى وسائل اعلام كردية او ناطقة باللغة الكردية وتجنيد شخصيات تعمل لصالحها.
بعض من هؤلاء من شخصيات ومنظمات بعد «احتلال عفرين» تخلصت منهم تركيا تعرضوا للطرد، او الاعتقال، الاختطاف.. فيما قادة الكتائب الكردية التي شاركت تركية عزو مدينة عفرين تم مداهمة مقراتهم ونزع اسلحتهم، وحل كتائبهم.
ابقت تركية على «رابطة المستقلين الكرد» وفتحت لهم مقرات في منطقة عفرين، كما وانها قامت بدعم ممثلي حزب يكيتي الكردي في الائتلاف، وهيئة التفاوض وتمويل مكاتبهم في تركية وسهلت زيارتهم الى منطقة عفرين بعد «الاحتلال» للترويج لخطتها في تقسيم المدينة لقطاعات، وانهم جاهزون لمشاركة تركية في ادارة المدينة، كما وتم تاسيس مجلس محلي لعفرين في مدينة عينتاب عبر عملائها سرعان ما مرته وطرد اعضاءه بعد الاحتلال.
كما وتم توظيف ظهورهم المكثف على وسائل الاعلام العربية، والتركية، والكردية وخاصة قناة ت ر ت كردي، ولعل الوثائق المسربة مؤخرا من قبل موقع «عثمنلي» كشفت النقاب عن تدخل الاستخبارات التركية ومكتب الرئيس رجب إردوغان في إدارة قناة «تي أر تي» الكردية، ووسائل اعلام اخرى تعمل في تركية عن طريق التحكم في اختيار الموظفين، وإخضاعهم للتحقيقات وفرض المحتوى الذي تقدمه القناة، وأسماء الضيوف المسموح بظهورهم على شاشتها، في إطار الحرب على هوية الأقلية الكردية. مكتب إردوغان تدخل في إدارة القناة، وضع قوائم الضيوف الذين يظهرون في المقابلات على شاشة القناة، حيث يقوم العاملون في المكتب بفحص أسماء الضيوف بعناية قبل الموافقة على ظهورهم…هذه الوثائق تكشف أسباب الظهور المكثف لاعضاء «رابطة المستقلين الكرد» على القناة، وان استضافتهم جاءت بترتيب من المخابرات التركية.
واجتهدت تركية خلال الفترة التابية لاحتلال عفرين، للترويج لتوسيع حملتها على طول الحدود لتشمل مناطق شرق الفرات ايضا، القرار المفاجئ الذي اتخذه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من تركيا آثار لعاب الرئيس التركي الذي خرج متوعدا «الأكراد» بدفنهم في الخنادق في كوباني، وخلال تلك الفترة كثفت تركيا من جهودها لترتيب خطة مابعد الانسحاب حيث رسمت استراتيجية تمثلت بـ:
1- تدمير الكيانات العسكرية، الامنية التي انشأتها وحدات حماية الشعب، قسد في المنطقة، بشن حملة عسكرية، وقصف مقراتهم جوا بالمدفعية الثقيلة تمهيدا لتنفيذ توغل بري.
2- تدمير الهياكل الادارية، والتنظيمية، ومختلف المؤسسات الخدمية والاجتماعية والثقافية في المنطقة.
3- هدف تركيا لا يقتصر على السيطرة، الامنية، العسكرية على المنطقة وانما يجب رسم خطة لتهجير سكانها بأكبر نسبة ممكنة، ضمن خطة «التغيير الديمغرافي»، «التتريك».
عقدة تلرفعت:
سعت تركيا بعد فشل مشروعها في شرق الفرات، الذي توقعت تركيا نجاحا كبيرا فيه مع القرار الذي اتخذه الرئيس الأمريكي بالانسحاب من سورية، عقب المكالمة التي جرت بينه والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. بنت تركيا آمالها وتوقعت لوهلة أنها ستكون البديل عن الوجود الأمريكي شرق الفرات، بذريعة الأمن القومي التركي، وذريعة أن كل الأكراد هناك هم إرهابيون.
تراجع البنتاغون، والبيت الأبيض عن خطوة الانسحاب، والتوجه لوجود طويل الأمد في شرقي الفرات، واستمرار دعم قوات سورية الديمقراطية دفع تركيا للعودة وإثارة ملف تلرفعت، ومنبج وتوقعت أنها ستنجح بمقايضة جديدة كما فعلت سابقا في صفقة حلب الشرقية، وصفقة الغوطة الشرقية.
كما ظهر من خلال اللقاءات والزيارات الكثيرة التي أجراها المسؤولون الأتراك الى روسيا، ومنها الزيارة الأكثر أهمية في ديسمبر 2018 حيث زار وفد تركي ضم وزيري الخارجية مولود تشاويش أوغلو، والدفاع خلوصي أكار، ورئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان، ومتحدث الرئاسة إبراهيم قالن، اعقبها زيارات ضمن الفريق السابق والرئيس التركي كلها كانت تتمحور حول صفقة طرحتها تركيا بترك شرق الفرات، ثم ترك مدينة منبج ل تركيا على أن تسحب تركيا يدها نهائيا من ملف ادلب و غربي حلب لصالح قوات الحكومة السورية.
وبعد تصاعد المواقف الامريكية، وتراجعها عن خطوة الانسحاب، وقيام وحدات حماية الشعب بمناورة تزامنت مع زيارة ديسمبر من خلال إعلان الانسحاب من منبج وتسليمها ل مجلسها العسكري، مقابل انتشار لقوات الجيش السوري في المناطق الفاصل بين مدينة منبج والقوات التركية في الباب.. الخطوة شكلت نهاية لأطماع تركيا في التوغل في منبج في ظل بقاء قوات امريكية داخل المدينة، وفي محيطها الشمالي وقوات روسيا في الغرب والجنوب.
تلرفعت ظلت بيضة القبان بالنسبة لتركيا وكانت آخر آمالها لا سيما وان اهم وعد قطعه أردوغان على نفسه بعد استكمال السيطرة على عفرين، بوعد أطلقه للمسلحين السوريين بأن تلرفعت ستكون التالية، وأن الجيش التركي يتجه للسيطرة عليها قريبا.
ما ظهر أن روسيا لم ترفض مقايضة تلرفعت ومناطق مهمة في ريفي حماة وإدلب كما عرضت روسيا، لكن إيران كانت الرافضة لأي نوع من صفقات جديدة في ريف حلب الشرقي، حماية مدينتي نبل والزهراء. إيران لم تقبل أن يتم تكرار نموذج كفريا والفوعة في ريف حلب، لا سيما وأنها مناطق نفوذ قوية بالنسبة لها، وأن اي صفقة جديدة ستمنح تركية ومعارضتها السورية فرصة الانتعاش مجددا والعودة وتهديد حلب هذه المرة.
لكن اللافت أن الصفقات التي رعتها تركيا بالاتفاق مع روسيا وإيران، انطوت على تغيير التركيبة السكانية لتلك المناطق عامة، يؤكد بعض المسؤولين الروس بأن الأوضاع في سوريا تتجه نحو الاستقرار باستثناء بعض المناطق في شمال غربي البلاد، لكن الواقع يجافي ذلك فالمعارك في حماه وادلب وريف حلب شردت خلال الاسابيع القليلة الماضية نحو مئتي الف شخص الى جانب مقتل نحو ألف شخص في مناطق المعارضة بينهم مئات الأطفال والنساء.
كما شهد ريف حلب الشمالي محاولة بعض فصائل المعارضة السورية وبالتعاون مع الجيش التركي السيطرة على بلدة تل رفعت في ريف حلب الشمالي.
وتقع تل رفعت بالقرب من بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين و هاتان البلدتان تحاذي الطريق العام الذي يربط مدينة حلب ببلدة اعزاز الحدودية مع تركيا والتي تسيطر عليها المعارضة.
وتسعى تركيا بالاتفاق مع روسيا إلى فتح الطريق البري بين تركيا حلب بهدف تنشيط حركة التجارة، لكن تواجد إيران ومسلحين موالين لها في البلدتين الشيعيتين وانتشار وحدات حماية الشعب في تل رفعت يحولان دون ذلك.
وهناك عدة أسباب تدفع إيران إلى الإصرار على وجودها العسكري في نبُّل والزهراء فهما بمثابة قاعدة لها ومركز وجودها العسكري في ريف حلب الشمالي.
وتعرضت بلدتا الفوعة وكفريا الشيعيتين في إدلب (عدد سكانها 7000 نسمة في عام 2015) للحصار منذ عام 2015، من قبل جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام حالياً) وفصائل معارضة أخرى، إلى أن تم التوصل إلى اتفاق بين المعارضة والحكومة بوساطة تركية وروسية لفك الحصار عنهما.
بموجب الاتفاق، تم إجلاء سكان البلدتين وبينهم مقاتلون موالون للحكومة السورية، في يوليو/تموز 2018، وجرى نقلهم إلى مناطق سيطرة الحكومة بحلب. وبالمقابل، خرج 1500 شخص من بلدتي مضايا والزبداني بريف دمشق، كانتا تخضعان لحصار خانق من قبل الجيش السوري ومقاتلي حزب الله لسنوات.
وبنهاية عام 2018، لم يبقَ شيعي واحد في إدلب، الأمر الذي يخشى الإيرانيون أن يتكرر في كل من نبُّل والزهراء.
وكانت وسائل إعلام موالية للحكومة السورية تحدثت عن ما يشبه صفقة بين روسيا وتركيا خلال جولة أستانة الحادية عشر، تضمنت تسليم بلدة تل رفعت (تبعد عن نبل 15 كيلو متراً) بريف حلب الشمالي إلى القوات التركية والمعارضة الموالية لها، مقابل تسليم بلدة جسر الشغور في إدلب والخاضعة لسيطرة المعارضة إلى القوات الحكومية.
وتتقاسم السيطرة على تل رفعت حالياً عدة أطراف، قوات الحكومة السورية ووحدات حماية الشعب الكردية والقوات الروسية ومليشيات تابعة لإيران وحزب الله اللبناني.
ويسكن في البلدة وريفها حالياً عشرات آلاف الأكراد المهجّرين من عفرين وقراها منذ مارس/آذار 2018.
ووقعت عدة اشتباكات في مايو/أيار الماضي في محاور تل رفعت بين القوات الكردية والفصائل المعارضة الموالية لتركيا، حيث تسعى تركيا إلى إزالة الوجود الكردي في تلك المنطقة وخاصة بعد نجاحها في السيطرة على عفرين وقراها، مما يسهل فتح طريق حلب- تركيا البري.
وتدرك إيران خطورة سيطرة القوات التركية ومن معها على تل رفعت، إذ يشكل ذلك تهديداً على الوجود الإيراني في البلدتين، إذ تسيطر حالياً الفصائل الموالية لتركيا على براد، أقرب قرية كردية إلى نبل، ولا تبعد عنها سوى 11 كيلو مترأً.
ويرجح خبراء، بأن الصفقة الروسية التركية هي بالدرجة الأولى لإضعاف الأكراد في تل رفعت ولربط مناطق «درع الفرات» و»غصن الزيتون» ببعضها لتشمل مناطق واسعة شمال غربي البلاد.
ويقول خبراء أن لا مصلحة لإيران بهكذا صفقة، وتتمسك بنبل والزهراء دفاعاً عن السكان الشيعة في البلدتين.
فقد أكد كيريل سيمونوف، خبير المجلس الروسي للشؤون الدولية أنه «لا يستبعد اتفاق روسيا وتركيا على تبادل أجزاء من إدلب مع أخرى في محيط تل رفعت حفاظا على الاتفاقات المبرمة بينهما».
وبحسب وسائل إعلام سورية، أعطى الرئيس السوري إيران، الضوء الأخضر لـ «تمركز سفن تابعة للبحرية الإيرانية في الميناء الرئيسي للبلاد، اللاذقية «. ولن تقبل إيران التي لعبت دوراً مهماً في إلحاق الهزيمة بالمعارضة السورية بالخروج من حلب وريفها بعد أن أنفقت الكثير من المال والأرواح في الحرب السورية.
أبرمت روسيا وتركيا عدة اتفاقات (أستانا وسوتشي) بشأن سوريا عامة والمناطق الشمالية خاصة.
ونصَّ اتفاق سوتشي الذي عُقد العام الماضي، على استئناف النقل عبر طريقي حلب – اللاذقية (M4)، وحلب – حماه (M5)، الدوليين قبل نهاية عام 2018، لكن الاتفاق لم يُنفذ إلا جزئياً.
وتسيطر فصائل المعارضة المدعومة الموالية لتركيا وهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) على طريق حلب – اللاذقية من منطقة الراشدين في ريف حلب الغربي، مروراً بمدينتي سراقب وأريحا وجسر الشغور في ريف إدلب، إلى ريف اللاذقية الشمالي عند منطقة الناجية.
ويقول الخبراء إن تنفيذ الاتفاق الروسي التركي بشأن فتح الطرق الدولية، يتوقف على إقناع روسيا إيران بالانسحاب من نبل والزهراء من جهة وإجبار الأكراد على الخروج من تل رفعت من جهة أخرى للوصول إلى قلب العاصمة الاقتصادية، حلب.
وإذا تمكنت تركيا من السيطرة على الطريق العام الذي يربط حلب باعزاز، ودمشق بحلب، تصبح طرق التجارة سالكة أمام تركيا مروراً بحلب وصولاً إلى الأردن.
لكن يبدو أن تنفيذ هذا الاتفاق غير ممكن في الوقت الحالي بسبب الوجود الكثيف للميليشيات الإيرانية في نبل والزهراء وتل رفعت، كما وأن مماطلة تركيا وفشلها في تطبيق اتفاق وقف التصعيد في ادلب دفع روسيا للضغط اكثر من خلال إنشاء 3 نقاط مراقبة في تلرفعت وهو ما فسره مراقبون بضربة لمساعي تركية لتعزيز وجودها في ريف حلب الشرقي.
تعرضت البلدتان في عام 2013 لحصار دام ثلاث سنوات من قبل فصائل المعارضة (أحرار الشام وجبهة النصرة والجبهة الشامية) بعد أن سيطرت على محيط البلدتبن بالكامل باستثناء الجهة الشمالية التي كانت تحت السيطرة الكردية وكانت الإمدادات تصل إلى البلدتين من منطقة عفرين التي كانت خاضعة وقتها لسيطرة وحدات حماية الشعب.
وتمكن مقاتلون من حزب الله اللبناني ومليشيات تابعة لإيران من فك الحصار عن البلدتين في عام 2016 بدعم جوي من الطيران الروسي.