وجه أوروبا الفيدرالي .. نموذج الحل لإشكاليات التنوع الثقافي والسياسي
إبراهيم كابان
إبراهيم كابان
الفيدرالية كمصطلح هو نقيض المركزية، أصلها كلمة مشتقة من اللاتينية ” فيودوس “، وتعني التحالف والتعاقد بين الاشخاص أو الجماعات أو المجتمعات، إلا أنه يشير إلى نظام الدولة ونمط العمل السياسي، إلى جانب أصناف البرامج السياسية، وخاصة نُظم الحكم، وهو تصوّر لنمط الحُـكم من حيث المبدأ، فإن تقاسم الصلاحيات بين الحكومة الفيدرالية والكانتونات على العكس مسألة واقعية ومثار أخذ وردّ مُـستمر.
ولها الكثير من الأنواع المتداولة، وإن كان النظام الفيدرالي بشكله الكلي أكثر تناسباً مع طبيعية الحُكم؛ تكون فيه السلطات مقسمة دستورياً بين الأقاليم “الولايات” والحكومة المركزية، حيث يكون كلا المستويين يعتمدان في إدارة حكومات محلية ” وحدات حكومية مصغرى ضمن الإقليم ” أو الإدارة الشاملة للبلاد بطريقة اعتماد كلا المستويين على بعضهما في تشكيل الحالة المتكاملة.
والفيدراليّة هي واحدة من أهم أشكال الحُكم، إذ إنّ السلطات في الدولة الّتي تتّبع هذا النظام تكون مقسّمة بموجب الدستور إلى حكومة فيدراليّة تتسم بالمركزيّة، إلى حكومات صغيرة لكلّ إقليم من الأقاليم “الولايات” على حدى. كما إنّ كلا هذين القسمين يعتمدان على بعضهما البعض، ويتضافران الجهود ليحيطا بكافّة مفاصل الدولة، وتتقاسمان السيادة في الدولة. وتعتبر وحدات دستورية لكل منها نظامها الأساسي الذي يحدد سلطاتها، ويكون وضع الحكم الذاتي للأقاليم، أو الجهات أو الولايات منصوصاً عليه في دستور الدولة، بحيث لا يمكن تغييره بقرار أحادي من الحكومة المركزية.
وهو نظام حكم واسع الانتشار عالمياً، وثمانية من بين أكبر دول العالم مساحة تحكم بشكل فيدرالي، ومجموع الدول التي تطبق هذا النظام في الحكم 24 دولة حول العالم، وأبرزها: ” الولايات المتحدة الأمريكية، أستراليا، الأرجنتين، البرازيل، كندا، الهند، العراق، ماليزيا، جزر القمر، إثيوبيا، المكسيك، نيجيريا، باكستان، روسيا، ولايات ميكرونيسيا المتحدة، السودان، سانت كيتس ونيفيس، الإمارات المتحدة، فنزويلا”. وعلى مستوى أوروبا تطبق 5 دول هذا النظام المتطور: ” ألمانيا، سويسرا، بلجيكا، النمسا، البوسنا والهرسك “، بينما تحكم أسبانيا الفيدرالية غير المقررة في الدستور.
ولعلَّ أبرز الشروط الّتي يتوجّب أن تكون متوافرةً لتشكيل الدولة الفيدرالية توفير شرطين أساسيين، أولهما وجود العديد من الدول التي ترتبط مع بعضها في العديد من القواسم المشتركة سواءً التاريخيّة أو القواسم العرقيّة أو ربما الدينيّة أو اللغوية، بحيث تعمل هذه الأطراف على زيادة تقبّل الناس لبعضهم البعض؛ ممّا يسهم وبشكل كبير في تشكيل نظام حكم فيدرالي بين هذه الدول الصغيرة. والشرط الثاني هو “الرغبة لدى مكونات الوطن الواحد في العيش معاً داخل اتحاد اختياري مع المحافظة على استقلال كل إقليم في الاتحاد”، وهذا يتم برغبة جامحة للشّعوب بأن تتوحّد مع بعضها البعض ضمن نظام الحكم الفيدرالي، وبالتّالي يحتفظ كلّ إقليم منهم باستقلاله وكيانه وفق الدستور الذي يشارك في وضعه الأطراف المتحدة.
كما أن دستور الدولة الفيدراليّة هو النظام الأساسي فيها، وهو ما يمثّل سلطتها العليا من طرف، ونظامها الأساسي الذي يحدد سلطتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، والدستور في هذا النوع من أنواع الحكم هو دستور صارم، والقوانين التي فيه ثابتة إلى أبعد مدى، بحيث لا يمكن تعديلها أو التغيير عليها بأيّ شكل من الأشكال إلّا عن طريق هيئة تشريعيّة أو سلطة عليا تتولّى هذا الأمر.
” النّظام الدستوري في أنظمة الحكم الفيدراليّة يرتكز على مبدأ الديمقراطيّة، ومن هنا فالنّظام الفيدرالي قد يكون نظاماً مناسباً، بحيث يوفّر المناخ الجيّد لتوفير حقوق الإنسان جميعها، وكفالة حريّة التعبير للمواطنين وصونها من أيّ عبث وبأيّ اسم كان”.
شكل الفيدراليات في الدول الأوروبية:
تشكل العديد من الدول الأوروبية موطناً لمجموعات إثنية – ثقافية، أو قومية متنوعة، في بعض الحالات تتركز ضمن مناطق جغرافية مستقلة، كما هو الحال في إسبانيا، أو يشكلون الغالبية داخل مناطق محددة مع وجود أقلية أخرى، والحالة البلجيكية هنا نموذجاً. بينما تظهر لنا الحالة الثالثة توزيع أقلية داخل مجتمع الأكثرية في جميع المناطق، كما الأقلية السويدية في فنلندا، والأقلية المجرية في سلوفاكيا، والأقلية السلوفاكية في المجر. وتأتي في مقدمة الحالة الثالثة الشعوب الرومانية الموزعة عبر أوروبا، بمجموعاتٍ مركزةٍ إقليمياً.
كما يشهد التوازن السكاني تفاوتاً عظيماً، رغم أنه نادراً ما تكون المجموعات المختلفة متساويةً تماماً ضمن السّكان، ويتضح ذلك في بلجيكا، حيث يبلغ عدد الناطقين بالفلمنكية ضعف الناطقين بالفرنسية. في هذه الحالات المماثلة وغيرها، تتوفر درجة من التوازن بين المجموعات الأساسية التي تشكل بنية المجتمع، مما يؤدّي إلى إنشاء المؤسسات السياسية التي تعكس هذا التوازن. لكن بعض الحالات الأخرى تشمل أكثرية سكانية واحدة، فضلاً على أقليات أثنية أو قومية أصغر عدداً بكثير. في ظل هذه الظروف، تواجه الشعوب الصغيرة أحياناً صعوبة في التأكيد على لغتها، وحقوقها الثقافية والسياسية. وقد كانت هذه الحالة السكانية ” الأصليين ” حتى فترة متأخرة، كالشعب السامي في اسكندنافيا.
- الحالة التعاونية:
يتمحور هذا النوع في إطار التعاون بين المقاطعات الفيدرالية والحكومة المركزية، وذلك بحل جميع المشاكل حسب القدرات والإمكانيات المتوفرة والموجودة على المستوى الحكومي والإقليمي، وتتشارك في سنّ القوانين ذات العلاقة بمصالح الفيدرالية، حيث تحتفظ الدولة الفيدرالية بسلطات هامة، على سبيل المثال في مجال الشؤون الخارجية والدفاع الوطني والعدالة والمالية والضمان الاجتماعي وأجزاء مهمة من الصحة الوطنية والشؤون الداخلية … ومع ذلك، تتمتع المجتمعات المحلية والمناطق أيضاً بسلطة إقامة والحفاظ على العلاقات الخارجية. ونموذج هذا النوع من الفيدراليات بلجيكيا، التي تنقسم إلى 10 مقاطعات و 589 مجالس بلدية.
- الحالة السياسية والجغرافية:
تتمثل بتوزيع السلطة بين الأقاليم والمناطق داخل القطر الواحد، وتملك الحق الكامل في اختيار مجلس محلي يكون جميع أعضاءه منتخبين من مواطني الأقليم، ولهذا النوع من الفيدرالية الصلاحية الكاملة فى وضع ميزانية مستقلة، واتخاذ القرارات الإدارية المتعلقة بأدارة المشروعات والمرافق العامة ضمن حدودها.
تتكون هذه الفيدرالية بالدرجة الأولى بين دول وكيانات سياسية متجاورة؛ تتميز كل واحدة منها بوجود شعب أو قومية عريقة تسكن أصلاً فى وطنها وعلى أراضيها؛ وهذه الكيانات ذات معالم جغرافية محددة، ولكل شعبٍ من شعوبها لغة وتاريخ وثقافة وتراث مشترك كنموذج ” الصربية والبوسنة”.
———————————————————————-
المادة الأولى من الدستور البلجيكي تقول: بلجيكا دولة إتحادية، تتألف من المجتمعات والأقاليم. ولم تعد سلطة اتخاذ القرارات حصرية للحكومة الفيدرالية والبرلمان الفيدرالي، وإنما أصبحت قيادة البلاد الآن في أيدي مختلف الشركاء، الذين يمارسون سلطتهم بشكل مستقل داخل مجالاتهم. بينما تحتفظ الدولة الفيدرالية بسلطات هامة، في مجال الشؤون الخارجية والدفاع الوطني والعدالة والمالية والضمان الاجتماعي، وأجزاء مهمة من الصحة الوطنية والشؤون الداخلية، بينما تتمتع المجتمعات المحلية والمناطق أيضًا بسلطة إقامة، والحفاظ على العلاقات الخارجية.
إن التوفيق بين الهويات الإقليمية والثقافية داخل بنية اتحادية أمر أسهل من فعله. مع ذلك، فإن لها ميزة هي عملية اتخاذ القرار أقرب إلى السكان. والنتيجة هي بنية سياسية محددة بشكل أكثر حدة مع تركيز أكبر على نوعية الحياة. وفي هذا الإطار أفسح هرم الدولة الوحدوية الطريق أمام هيكل أكثر تعقيدًا من ثلاثة مستويات.
على المستوى الأعلى ، نجد الآن الدولة الفيدرالية والمجتمعات والأقاليم ، كل ثلاثة منها متساوية من وجهة النظر القانونية، ” هم على قدم المساواة ولكن لديهم صلاحيات ومسؤوليات لمختلف المجالات “.
بينما المستوى الأوسط من قبل المحافظات، قبل إصلاح الدولة في عام 1993م؛ كانت المحافظات تحت إشراف الدولة المركزية فقط. وهي الآن تحت إشراف جميع السلطات الحكومية العليا، في سياق السلطات الاتحادية أو المجتمعية أو الإقليمية.
فيما أسفل الهرم، نجد الكومينات التي هي مستوى الإدارة الأقرب إلى الناس مثل المحافظات، فهي تحت إشراف السلطات العليا اعتماداً على الصلاحيات التي تمارسها، تشرف عليها الدولة الاتحادية أو المنطق، وبشكل عام يتم تمويلها ومراجعتها من قبل المناطق.
وقد حدثت إعادة توزيع الطاقة على طول خطين، يتعلق الخط الأول باللغة وكل ما يتعلق بالثقافة، كانت النتيجة عدة مجتمعات. يشير مفهوم “المجتمع” إلى الأشخاص الذين يشكلون مجتمعًا والرابطة التي توحدهم، أي لغتهم وثقافتهم.
تقع بلجيكا عبر خط الصدع الذي يفصل بين الثقافتين الألمانية واللاتينية، وهذا ما يفسر سبب وجود اللغات الثلاثة الرسمية في البلاد ” الهولندية والفرنسية والألمانية “، ونتيجة لذلك توجد في بلجيكا اليوم ثلاث مجتمعات محلية ” الفلمندي – الفرنسي – الألماني “، وبذلك تتواجد ثلاث لغات، حيث يتحدث 60% منهم الهولندية، و 40% فرنسية، بينما 1% ألمانيا.
وينقسم البلد أيضا إلى 10 مقاطعات و 589 مجالس بلدية تتوزع بين مناطق النفوذ المكونات الثلاثة.
والهرسك والجبل الأسود وكرواتيا “؛ حيث كان لكل منها جمهورية اتحادية ضمن جمهورية يوغسلافيا قبل تفككها. إذ أن طبيعة هذا النوع من الفيدرالية يكون اتحاداً اختيارياً بين مجموعة الشعوب والمناطق ذات طابع عرقي أو ديني.
3- الحالة الإدارية الجغرافية:
إحدى أشكال الفيدرالية التي تتوزع فيها السلطات والصلاحيات فقط على المستويات الهرمية، وبين الأقسام المتخصصة داخل المنظمة أو الوزارة الواحدة، كما إنها لا تؤثر على وحدة الدولة التشريعية والقضائية والتنفيذية لأنها تبقى موحدة لعدم وجود عرقيات متعددة.
ويمكن شمل هذا النوع من الفيدرالية بالوظيفية؛ باعتبارها تكون في دولة واحدة مركزية ذات معالم وخصوصيات قومية ووطنية وثقافية وتاريخية متجانسة، حيث يتم تقسيم البلاد إلى ولايات وأقاليم فدرالية تتمع بصلاحيات إدارية ومالية في الوقت الذي تشارك جميعها في التشكيلات المركزية، ويتمتع هذا النوع من الفيدرالية بصلاحيات مناسبة في إدارة نفسه، وبنفس الوقت تجعله في شراكة حقيقة مع الأقاليم والفدراليات الأخرى، ومنها جميعاً يتشكل المركز الذي يدير جميع هذه الأقاليم والولايات ضمن نظام إداري ووظيفي متطور.
ومثال هذا النوع ألمانيا الاتحادية التي تتشكل من 16 مقاطعة، ويحكمها نظام ديمقراطي تمثيلي وملكية دستورية، حيث تمتلك المقاطعات حكماً شبه ذاتياً يشار إليها كالدول، ولكل ولاية دستورها الخاص فيما يتعلق بتنظيمها الداخلي.
—————————————————————————
يقول المؤرخ والكاتب الألماني د. رينيه فيلدانغل: ألمانيا بلد فيدرالي ولهذا أكثر أهمية مما تعتقدون. يتم اتخاذ العديد من القرارات على مستوى الولايات الألمانية الستة عشر (الجمهورية الاتحادية)، وهذا منصوص عليه في المادة 20 من القانون الألماني الأساسي، وهو الجانب الأكثر أهمية في النظام السياسي الألماني.
يشير القانون الأساسي الألماني إلى أن هذا هو الطابع الحقيقي للدولة، وهو غير قابل للتغيير. تتحمل كل من الدولة المركزية والولايات الفيدرالية مسؤولية المجالات السياسية المختلفة والقرارات. تصدر الدولة المركزية كل القوانين، بينما توافق الولايات الفيدرالية عليها وتنفذها.
للولايات شرعيتها الخاصة وحقوقها وكفاءاتها. لكل ولاية دستورها الخاص ومؤسساتها السياسية الخاصة كالحكومة والبرلمان والنظام القضائي. عندما يتعلق الأمر على سبيل المثال بالثقافة أو التعليم أو الشرطة تكون السلطة الكاملة على مستوى الدول الاتحادية.
في النظام السياسي وصنع القرار وسن القانون يتدخل كلا المستويين؛ حيث يجب أن تتم المصادقة على كل القوانين في غرفة التشريع الرئيسية والبرلمان (البوندستاغ) وغرفة التشريع الثانية، والمجلس الاتحادي (البوندسرات) الذي يتألف من ممثلين عن جميع حكومات الولايات الألمانية المختلفة. يمكن للمجلس الاتحادي رفض القوانين بأغلبية مطلقة (أكثر من 50%)، وفي هذه الحالة سيكون على البوندستاغ تحقيق أغلبية مطلقة كذلك. وإذا رفض البوندسرات قانونًا بثلثي الأصوات، يجب على البوندستاغ فعل المثل لتشريع قانون ما، وعادة ما يتم إجراء محاولات لإيجاد توافق بين جميع المشرعين.
4- الحالة التوافقية:
يمكن أيضاً تسميتها بالفيدرالية المتباينة التي تحتوي على مؤهلات سياسية وقومية وجغرافية متعددة، ويتم الاتفاق بين الفيدرالية المركزية والمقاطعات والأقاليم على شكل إداري وفق الظروف الموضوعية، واتفاق معين يغلب عليه إمكانيات ومتطلبات كل منطقة لإدارة قضاياها.
وكذلك جمهورية نمسا الاتحادية التي تنقسم إلى 9 ولايات وتتوزع فيها الصلاحيات بين المركز والفيدراليات كما هو الحال في ألمانيا.
وهذا النوع من الفيدرالية يغلب عليه توافقات، واتفاقيات محددة كما هو الحال في إسبانيا التي تتألف من17 منطقة حكم ذاتي ومدينتين ذاتيتي الحكم وبدرجات متفاوتة من الحكم الذاتي، بفضل دستورها الذي رغم ذلك يؤكد صراحة على وحدة تراب البلاد ووحدة الأمة الإسبانية. وأيضاً بشكل قريب في سويسرا.
5- فيدرالية بحكم الواقع:
التمييز بين الدولة الفيدرالية والدولة الأحادية ليس بالأمر البسيط، فالدولة الأحادية قد تشبه الفيدرالية في البنية الإدارية، ورغم أن الحكومة المركزية قد تملك الحق نظرياً في سحب الحكم الذاتي عن إقليم يتمتع به، فإن الأمر قد يكون شديد الصعوبة سياسياً، بل إن بعض الجهات المتمتعة بالحكم الذاتي في دول أحادية كثيراً ما تحصل على صلاحيات أوسع ممّا توفره بعض الفيدراليات. ولهذه الأسباب، يجادل البعض بأن بعض الدول الأحادية المعاصرة هي فيدراليات بحكم الواقع.
———————————————————–
والفيدرالية الألمانية لها مزاية كثيرة فيما يتعلق بالنظام السياسي، كونه نظام أكثر تعددية ويمثل المواطنين على المستوى الإقليمي أيضًا؛ حيث يتم توزيع القوة السياسية وتقسيمها بهذه الطريقة بشكل أكبر. أيضًا، يمكن حل العديد من المشاكل السياسية على مستوى أدنى من مستويات صنع القرار، على مستوى شعبي أو إقليمي. وهناك تنافس سياسي بين الولايات الألمانية المختلفة، ويمكن أن يكون آداؤها سياسيًا أو اقتصاديًا مختلفًا تمامًا.
-تقترح إسبانيا كدولة فيدرالية بحكم الواقع رغم أن قوانينها التأسيسية لا تنص على ذلك، باعتبار كونها تمنح أقاليمها ذاتية الحكم الصلاحيات ذاتها التي تتوفر عليها الأجزاء المكونة للفيدراليات. واحتمال أن يسحب البرلمان الإسباني الحكم الذاتي عن أقاليم مثل غاليثيا، كاتالونيا أو إقليم الباسك أمر شبه مستحيل سياسياً، مع أنه لا شيء يمنع منه قانونياً. إضافة إلى ذلك فإن جهات مثل نافارا وإقليم -الباسك تتمتع بصلاحيات كاملة على الضرائب والإنفاق، وتحول جزء صغير منها إلى الحكومة المركزية مقابل الخدمات العمومية (الجيش والعلاقات الخارجية، والسياسية والاقتصادية ). ويشير فقيه قانوني إلى “الطبيعة الفيدرالية للحكومة الإسبانية (كاتجاه لا يمكن لأي كان إنكاره). لكن بعد استفتاء إقليم كتالونيا في خريف 2017م، قامت إسبانيا بإجراءات أميل لنزع الحكم الفيدرالي من الإقليم مثل فضّ الاستفتاء بالقوة، والقبض على الناخبين تحت تهديد السلاح ونزع عضوية أعضاء إقليم كتالونيا من مجلس النواب وكل إقليم ذاتي الحكم يحكم قانون حكم ذاتي تبعاً لدستور إسبانيا لسنة 1978م.
النظام الفيدرالي، كمبدأ أساسي للتنظيم السياسي، منصوص عليه في الدستور السويسري. فقد ورد في المادة 3 منه: “الكانتونات تُـمارس سيادتها، ما لم تخرج عن الحدود التي وضعها الدستور، وتتمتّـع بكل الصلاحيات التي لم يفوِّضها الدستور للحكومة الفيدرالية”.
لكن كلمة “الفيدرالية”، لا وجود لها أصلاً في الدستور. فمن وِجهة النظر التاريخية، هذا النظام وما تبعه، كان حصيلة الحرب الأهلية، التي تعرف “بساندربانت” والتي قادت إلى نشأة الدولة الفدرالية سنة 1848م، إذ وقفت الكانتونات المتحرّرة من جِـهة مطالِـبة بدولة مركزية قوية، في حين دافعت الكانتونات الكاثوليكية، بالمحافظة من جهة أخرى، على استقلالية الكانتونات.
لقد نجح الدستور، الذي أقرّه الشعب السويسري سنة 1848م، في الحفاظ على التوازن بين المعسكرين وأرضى الدّاعين إلى المركزية والداعين إلى الفيدرالية في نفس الوقت، وهذا التوازن هو الذي يضمَـن اليوم سيادة واستقلالية الكانتونات.
وفق المواد المنصوصة عليها في الدستور السويسري إن الفيدرالية مبدأ في تنظيم الدولة يقضي بمحافظة الدويلات المشكلة للدولة الاتحادية بنِـطاق واسع من الحكم الذاتي. وتحتل الصفة الاتحادية للنظام السياسي في سويسرا موقعاً هاماً داخل الدستور السويسري.
ومن حيث المبدأ في النظام الفيدرالي، لا تقوم الحكومة الاتحادية إلا بالمهام التي تعجِـز عن القيام بها الكانتونات والمجموعات المحلية.
سمح اعتماد النظام الفيدرالي في البداية من تحقيق التوازن بين دُعاة المركزية ودُعاة الاستقلالية، فكان حلاً وسطاً بين المعسكرين، وتوجد في هذا البلد 26 مدوّنة للإجراءات الجنائية مختلفة فيما بينها.
وتحظى سويسرا بنظام فيدرالي تتمتّـع في ظله الكانتونات (الدويلات الأعضاء)، بقدرٍ كبيرٍ من الاستقلالية. هذا النظام الاتحادي يمثل مُـرتكزاً أساسياً للدولة السويسرية الحديثة منذ نشأتها سنة 1848م، ويحتل موقعاً هاماً في الدستور.
ويوجد في سويسرا نظام تعليمي يختلف بتِـعداد الكانتونات المشكّـلة لها، والتي تبلغ 26 كانتوناً، ففي كانتون، نجد “المدرسة الإعدادية” وفي كانتون آخر، نجد “المعهد الثانوي”، وتختلف المراحل التعليمية والسنوات التي تمتد إليها كل مرحلة من منطقة إلى أخرى، وكل كانتون يحتفِـظ بحق اختيار النظام الذي يرتضيه، وما قطاع التعليم إلا مثالاًت من بين أمثلة أخرى تدُل على النِّـطاق الواسع من الاستقلالية، الذي تتمتع به الكانتونات والمجموعات المحلية في هذا البلد.
التّـبايُـن نفسه نجِـده أيضاً على مستوى المؤسسات السياسية، إذ تختلف دلالة الكلمات من منطقة إلى أخرى، فالمجلس المحلي في نوشاتيل، يُـشير إلى الجهاز التنفيذي، وفي كانتون ” فو” إلى الجهاز التشريعي.
كما تتمتع الكانتونات بحُـكم ذاتي واسع النطاق يستند النظام الفيدرالي إلى مُـرتكز أساسي، تحتفِـظ بمقتضاه الكانتونات والمجموعات المحلية بأوسع ما يمكن من الصلاحيات، ولا تفوّض إلى السلطات الفيدرالية إلا ما يتجاوز قُـدراتها وإمكاناتها.
لكن هذا النظام، تسبب في السنوات الأخيرة في العديد من المشكلات وأتاح الفرصة للذين يُـناوئون النظام الفيدرالي لكي يندِّدوا بما يُـسمونه “عقلية الدولة الصغيرة” أو ما يُـمكن أن نطلِـق عليه النزعة الشوفينية.
وأما الكانتونات الحريصة على الدِّفاع عن امتيازاتها واستقلاليتها، فلا تُـفوّت “شاردة أو واردة”، إلا وتذكِّـر بقدسية سيادتها. ومع ذلك فالنظام الفدرالي مكسبٌ هامٌ من الصّعب مهاجمته أو النّـيل منه.
ويقول المؤرخ كريستيان ساندرغير، صاحب أبحاث “سويسرا الحديثة”، أنه منذ المراجعة الجزئية للدستور سنة 1874، بدأت الكانتونات تفقد شيئاً فشيئاً سيادتها وأصبح النظام الفيدرالي نفسه في خطر، وكثُـرت شكاوى الكانتونات، التي وجدت نفسها تتحوّل مع مرور الزمن إلى أجهزة لتنفيذ القرارات، التي تتخذها الحكومة الفيدرالية.
الحدود بين الكانتونات والوِحدة الترابية، من القضايا المُـرتبطة أيضا بالنظام الفيدرالي. فإذا كان المواطنون قد رفضوا إلى حدِّ الآن فِـكرة الاندماج بين الكانتونات، وآخرها مشروع الاندماج بين كانتون فو وكانتون جنيف، فإن العملية تحرِز تقدُّما على مستوى المجموعات المحلية، ولم يطرح إلى حدّ الآن السؤال، ما إذا كان ذلك سيؤدّي في النهاية إلى المساس بالحكم المحلي الذي تتمتّـع به.
المراجع:
- كتاب: المكونات السورية وسبل العيش المشترك (إبراهيم كابان وفادي عاكوم).
- تقرير الصادر عن Forum of Federations ” الكندية “.
- أبحاث ومقالات للمؤرخ الألماني د. رينيه فيلدانغل.
- موقع المعلومات والخدمات البلجيكية (.be).
- موقع هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسري (SWI).
- موسوعة ويكيبيديا.
- أرشيف الفيدرالي الألماني
- دساتير ” ألمانيا – سويسرا – بلجيكا – النمسا – أسبانيا “
- مجموعة من الدراسات والكتب المتعددة حول الفيدرالية ونشأتها في أوروبا والعالم.
- الفدرالية هي نقيض المركزية، أصلها كلمة مشتقة من اللاتينية ” فيودوس “، تعني التحالف والتعاقد بين الاشخاص أو الجماعات أو المجتمعات، إلا أنه يشير إلى نظام الدولة ونمط العمل السياسي، إلى جانب أصناف البرامج السياسية، وخاصة نُظم الحكم
- الفيدراليّة هي واحدة من أهم أشكال الحُكم، إذ إنّ السلطات في الدولة الّتي تتّبع هذا النظام تكون مقسّمة بموجب الدستور إلى حكومة فيدراليّة تتسم بالمركزيّة، إلى حكومات صغيرة لكلّ إقليم من الأقاليم “الولايات” على حدى.
- ” النّظام الدستوري في أنظمة الحكم الفيدراليّة يرتكز على مبدأ الديمقراطيّة، ومن هنا فالنّظام الفيدرالي قد يكون نظاماً مناسباً، بحيث يوفر المناخ الجيّد لتوفير حقوق الإنسان جميعها وكفالة حريّة التعبير للمواطنين وصونها من أيّ عبث وبأيّ اسم كان”.
5-الحالة الإدارية الجغرافية إحدى أشكال الفيدرالية التي تتوزع فيها السلطات والصلاحيات فقط على المستويات الهرمية وبين الاقسام المتخصصة داخل المنظمة أو الوزارة الواحدة، كما إنها لا تؤثر على وحدة الدولة التشريعية والقضائية والتنفيذية لأنها تبقى موحدة لعدم وجود عرقيات متعددة
6-. تتحمل كل من الدولة المركزية والولايات الفيدرالية مسؤولية المجالات السياسية المختلفة والقرارات. تصدر الدولة المركزية كل القوانين، بينما توافق الولايات الفيدرالية عليها وتنفذها.
7- الفيدرالية الألمانية لها مزاية كثيرة فيما يتعلق بالنظام السياسي، كونه نظام أكثر تعددية ويمثل المواطنين على المستوى الإقليمي أيضًا حيث يتم توزيع القوة السياسية وتقسيمها بهذه الطريقة بشكل أكبر