وفاء مطر
نحن النساء كنا نمثل دور الإلهة الأم في فجر التاريخ. بذكائنا العاطفي، ناصرنا العدل والمساواة والسلام. كنا رمزاً للنقاء والجمال والعلم والإبداع الخلاّق وبذلنا جهوداً بلا حدود في سبيل الإنسانية. خلقنا الحياة بكدح أيادينا وعرق جبيننا. كانت تلك الأزمنة الغابرة بمثابة فجرٍ مشرِقٍ للإنسانية، حيث الحياة زاهرة بألوان الربيع ورائعة روعة الأغنية. لأننا كنا نستمتع بحيوية الطبيعة وإبداعها ونتعلم منها كل شيء. الطبيعة المتميزة بشفقة الأم الحنون و رأفتها، كانت تهمس في آذاننا مغازي أسرارها الساحرة وألغازها الغامضة… تلك المعطاءة، وهبتنا الأزهار والورود بأشكالها وألوانها الغنية والنباتات بأنواعها. مقابل جمائلها، قدسناها وقدمنا لها أروع الهدايا وأجملها.
كنا رمزاً لإمرأة الحب في تلك العصورالغابرة. نبادل حباً أبديا مع كائنات الطبيعة التي تمثل لون الحياة الحقيقي. لذا كان الجميع يبدي الحب و الإحترام نحونا دون تقديم أي بديل. فمنذ آلاف السنين وإلى الساعة هذه، نحن مَن دَوّنَ التاريخ للمرة الاولى، ونقشنا فيه كافة الجماليات والقيم الإنسانية.
كيف كان بامكاننا ببراءتنا وصفائنا الطفولي، أن نعلم بأننا سنواجه عتمة شتاءٍ موحشٍ، وأن ظلاما دامساً أبديا بإنتظارنا على عتبة التاريخ. كنا نعيش الشفافية والنقاء، ولم نعرف ما هو الكذب والرياء. وبينما نحن نتقرب بصفائنا وطيبة النية، كان الرجال المسنون والشبان الواثقون من قوة عضلاتهم، يحسدوننا ويحبكون الحيل والأكاذيب ضدنا. ووجدناهم في حالة من الوفاق والإتفاق فيما بينهم. ومن ثم شنوا هجوماً على قيمنا المقدسة لاشباع رغباتهم الأنانية وجوع نفوسهم. راغبين في امتلاك كل شيء. في البداية رفضوا الآلهة الأم واحتجوا عليها. وأرادوا تجفيف منابع الحياة. ولم نستطع قبول تلك الالاعيب فعارضناها وأعلّنا عدم رضانا فتوحدنا حول قيمنا كالبنيان المرصوص. الا ان الماكرين هاجمونا بعنف لا مثيل له ومزقوا أرواحنا وأجسادنا. وأنزلوا علينا اللعنة وأعلنوا للجميع بأننا جنسٌ ملعون، ومن ثم جعلوا من كل إمرأة أمة عبدة، تعبد حكمهم وترضخ لسيطرتهم وظلمهم. ولم يكتفوا بهذا. بل تحولت شَرَه الوصول إلى السلطة في عيونهم لمرض خبيث. فبحكاياتهم وخرافاتهم الكاذبة أعلنوا أنفسهم رهباناً وأرباباً وملوكاً متسلطين. وقاموا باستعباد الإنسانية بالهراء الكاذب والأقنعة المصطنعة. ولطخوا الحياة المتسمة بألوان الربيع، بلون الدماء. وحولوا فجر الإنسانية المشرق إلى ظلام ليلٍ دامس.
إن سرد هذا التاريخ سهل وبسيط… ولكننا خُضِعنا له لمدة خمسة آلاف سنة… خمسة آلاف من شتى المظالم و القهر و العبودية… بعنا في الأسواق، خُنقنا مقموعات بين الجدران، أباحوا موتنا و حللوا هدر دمنا رجماً بالحجارة وحرقاً و بتراً و سلخاً وكافة أشكال الموت. فكم كنا نشعر بأن الموت أفضل من هذه الحياة المذلة و أهون علينا… لذا فضلت الكثيرات منا الموت على هذه الحياة الفظيعة. في الوقت عينه أُغدق علينا المديح والمجاملات الغزلية تحت اسم العشق، وأقرضوا الاشعار باسمنا… وتوجونا بتيجانٍ وقلدونا الجواهر وكسونا فاخر الثياب. و أوضعونا في أقفاصٍ ِذهبية. كل هذا فقط لتأمين ديمومة حكم الظلام والعبودية.
ساهمنا كثيراً كي نكون وجدان الإنسانية وضميرها. فزمن الآلهة الأم ما زال حياً في ذاكرة الإنسانية بشكل مخفي مكبوت. على مدى العصور الطويلة الغابرة لم نرضى ولم نتقبل هذا الشتاء القارس. بل كنا ننتظر في عتمة هذا الظلام الدامس ولادة وإنبعاث الشمس في يوم جديد، كنا في إنتظار اليوم الذي سيعود فيه الربيع الزاهر و يفل الشتاء بزمهريره و عواصفه و ظلمه.
بعد خمسة آلاف سنة، ها نحن اليوم نلتقي -لأول مرة- بزمن المرأة في هذا العصر الجديد. نرى بصيص بريق الأمل يشع بقوة أكثر من الأزمنة والعصور الماضية كافة. سنناضل في سبيل احياء قيم الآلهة الأم… سنحيّ عواطفنا، ونجدد جوهر قلوبنا النقية و المسالمة ونظهر بكل سطوع على وجه الحياة. فقد تسلحنا بالوعي واكتملنا بالنضوج وتفعمنا بالإيمان القوي. خلقنا في داخلنا قوة عظيمة تكفي لرفع وتيرة كفاح حرية المرأة واحراز النجاح و الانتصار. سنجعل من هذا القرن عصر إنتصار المرأة والإنسانية جمعاء، فلابد من تغيير مسار التاريخ بتنظيم أنفسنا.
بدايةً يتحتم علينا التعرف على أزمة نظام الدولة البطرياركية(الأبوية) الذي نسميه بـ “حضارة الرجل المستبد”، ونزيل آثاره وتأثيراته من على ارواحنا وقلوبنا، ونهدف لتجاوز وإنهاء نظامه كلياً.
أزمةالحضارة البطرياركية
إن حضارة الدولة الأبوية (البطرياركية) مارست الظلم والاستبداد بكل بشاعة على المرأة والبشرية وتركتهما عرضة للألم والعذاب، تتخبط في دمائها على مر خمسة ألاف سنة خلت، ونجدها اليوم تواجه مرحلة ترتج بأزمةٍ مزمنة. حيث تحولت الأزمة إلى مرحلة مليئة بالفوضى والمشاكل مستعصية الحل و العقد الكأداء في يومنا الراهن. بسبب النظام الامبريالي -ممثل الحلقة الأخيرة لهذه الحضارة، تفاقمت المشاكل والأزمات في جميع أنحاء العالم وانتشرت بين كافة الشعوب كالنار في الهشيم. ولم تبقَ ساحةٌ لم تنل حصتها من مشاكل هذا العصر.
إلى جانب كل هذا نجد الحروب والصراعات الأثنية الدامية، والأزمات الموجودة في الدول الوطنية لم تفقد من حدة توترها شيءً. وصل مجتمعنا العالمي لدرجة لم يعد قادرا على تحمل مشاكل الجوع والبطالة المتفشية بشكل مخيف. فالإنحلال الخلقي الإجتماعي، والسلوك الفردي والأنانية التي تجاوزت كل حدود، أودت بالبنية الإجتماعية إلى الحضيض وبات يهدد التطور الاجتماعي بشكلٍ رهيب. نلاحظ أن حاجات التعليم والصحة باتت في وضع ٍ معدوم الحل، وإنتشرت أمراض السرطان والإيدز والقلاقل والاضطرابات الدائمة في كافة أرجاء المعمورة. حيث تحولت المؤسسات الفنية والرياضية إلى وسائل خداع ومخدرة تفسد المجتمع. فالعلم والتقنية هما من أكثر الوسائل التي يجب أن يلعبا دورهما في هذه المراحل التي تتسم بالأزمات المزمنة، الا اننا نجد بأنهما قد تحولا إلى وسائل فتّاكة تخدم النظام الأبوي وتديم حكمه، الذي استغلهما في صنع أسلحة التلقيم للحروب النووية.
ألتجأت السلطة لعامل العنف أكثر من أي أمر آخر. ولم يكتفي بوسائل الضغط والعنف الذي يمارسه بحق حقوق وحريات الإنسان. و حسب مبدأ (العنف يولد المقاومة) فقد فسحت هذه الضغوط المجال لتطور حق الدفاع المشروع في المجتمع. و نتيجة العنف و العنف المضاد فقد ازدادت الكوارث التي حلت بالبيئة ووصلت الى درجة خطرة وفظيعة لا تهدد الإنسانية فحسب؛ بل تهدد الوجود (الأحياء والمخلوقات) على سطح الأرض كافة. يدخل الأطفال ضمن حسابات النظام الإمبريالي الهادف إلى تحويلهم لأجيال ٍ نافعة لهم إذ نشؤوا تحت ظلهم وترعرعوا بين أحضانهم. و يُنظر إلى الشيوخ والمسنين على انهم يشكلون عبءً على الإنتاج الإمبريالي وربحه. وكل هذه الظواهر تشكل انكسارا في رغبة التجديد والإنبعاث لدى الفرد، وتسد الطريق في وجهه لتقرير مستقبله بإرادته الذاتية الحرة. الظاهرة التي تشير إلى هذه الحقيقة (بأنه لم يبق أي فرد لم يخضع لتأثير النظام الإمبريالي)، تؤكد وتظهر لنا بأن النظام قد اتم عملية بعث وتوطيد ذهنيته وتمكين طرازه الذكوري، حيث أن الولايات المتحدة الأمريكية (إمبراطورية الأزمة والفوضى) باتت تعكس هذه الحقائق في بنيتها الداخلية بشكل ٍ ظاهر للعيان.
داخل هذا النظام الموجود يسعى كل فرد ويجاهد للوصول إلى السلطة، ونفس الشيء سارٍ بالنسبة لأدنى فئة مضطهدة فيه. فحتى أفقر رجل موجود في المجتمع يرى نفسه بأنه إمبراطور صغير أمام إمرأته. والجدلية ذاته يطبع العلاقة الموجودة بين المرأة الأم والأطفال أيضاً. الا ان مؤسسة العائلة المقدسة التي تشبثت بها النظام السلطوي ببراثنه بدأت بالإنحلال والتشتت. ومؤسسةالعائلة التي تمثل بذرة تأسيس النظام تؤكد لنا بأننا نعيش مرحلة اجتماعية تشبه عملية تجزئة الذرة. حيث أن العلاقات الموجودة بين الأب والأم والأطفال والمسنين أصبحت تفقد معانيها مع مرور الزمن. و توازيا مع تعمق أزمة النظام الامبريالي، تَعمقَ الضغط والاضطهاد الممارس بحق المرأة. كلما تفاقمت المشاكل الاجتماعية كلما وقعت المرأة تحت وابل وثقل أزمة النظام وتحولت إلى حقيقة فعالة تتحمل ثقل هذه المشاكل لوحدها في أجواء النظام الحالي. بدءا من أغلظ أشكال العنف وحتى أرفع وسائل الاستعباد والإحتكار الذي يعتمد تبضيع المرأة وتشويهها، توضح لنا مدى تعمق جدلية هذه العلاقة المرعبة بين النظام وظاهرة انحطاط المرأة. هذا الوضع سبّب في ضياع هوية المرأة وإنزلاقها نحو الهاوية و الحضيض. لهذا كلما تعرفت المرأة على حقيقتها كلما استطاعت أن تتجاوز حالة إنحطاطها. هذا بدوره، يعني تجاوز مشاكل المجتمع، ومع مرور الزمن ستخلق امكانية فك عقدة النظام الكأداء. فهوية المرأة تمثل في الجوهر قيم المشاعية الاجتماعية، وكلما فقدت المرأة تأثيرها في المجتمع، كلما تم الإبتعاد عن ذلك الجوهر. وتخلف علم الإجتماع وعدم ايلائه الاهتمام لهذه المسائل نابع من أزمة الامبريالة المتجذرة.
كل هذه الأمثلة الواردة تثبت عدمية الظروف لإستمرار النظام الحالي بهذا النمط. فالذهنية التي أنجبت الحضارة الأبوية هي العامل الوحيد لتفاقم الأزمات اليومية التي حلت بالنظام الامبريالي ذاته. أزمة نظام المجتمع الحاكم المترعرع على أرضية الدولة الأبوية وعلى عوامل العنف والسلطة أصبحت من المواضيع الأساسية التي تناقش بين الإنسانية بشكل معمق في يومنا الراهن. يجب أن نعلم بأن استحالة إستمرار معادلة الدولة الرأسمالية لا تكفي لوحدها، بل من المعلوم أيضا أن جميع يوتوبيات الأنظمة الاجتماعية التي تطورت ضد المرأة والإنسانية على مر التاريخ، لن تستطيع الإستمرار بهذا الوضع؛ لأنها اوصلت العالم ليكون ديناصوراً متسلطاً لا يعرف حداً لاستبداده و ازماته.
الجنسوية الإجتماعية هي منبع أزمة الشرق الأوسط :
تعد منطقة الشرق الأوسط الجغرافية التي شهدت إنفجار أزمة النظام الإمبريالي، وهي مركز البحث عن سبل التغيير الجذري ايضاً. بسبب التأثيرات المتبقية من الثقافة النيولوثية، نجد بأنها صاحبة قوة عظيمة تمكّنها من تجاوز أزمة النظام الإمبريالي. وبميزتها التاريخية- التي لا يولونها الاهتمام ولا يعتبرون لها اي اعتبار- نجد بأنها منطقة العالم الوحيدة التي لم تُفتَح من قبل الرأسمالية الأمبريالية، وهذه الخصوصية تميزها عن باقي المناطق الأخرى.
بالتالي نلاحظ بأن كافة السياسات التي طورتها الامبريالية خلال القرنين المنصرمين بهدف فتح واستعمار هذه المنطقة، قد تحولت إلى عوامل ومؤثرات أساسية لتعميق أزمة العصر. ويوماً بعد يوم نجد بأن سياسات الرأسمالية الامبريالية، والدول القومية الموجودة في المنطقة تتسبب في تجذر هذه المشاكل. حيث أن التدخل الأخير في المنطقة فتحت السبيل لتكثيف وإثارة التناقضات الموجودة فيها. الحقيقة المعاشة في هذه المرحلة هي السعي لوضع أهداف جديدة تعمل على تفاقم الأزمة التي حلت بالإنسانية والتي تجاوزت حدة الحروب العالمية. وكل هذا يبين لنا مدى وضوح التناقض الموجود بين الشعوب والقوى الدولية الموجودة في المنطقة وقاعدة الأمم والدول الخارجية. نجد بأن حقيقة الشعب والتي هي أصل ديناميكية التغيير تعيش حالة صعبة لا تستطيع فيها التنفس والتحرك بسهولة و السبب هو تأثيرات النظام الأبوي الذي يمتد حكمه إلى خمسة آلاف سنة. العلاقة الموجودة بين المجتمع والدولة تقاوم التغيير بسبب تأثيرات الثقافة البطرياركية والتي لم تتجاوز ظواهر السلطة والحرب مطلقاً.
جميع هذه الظواهر تساهم في تعميق مشاكل المرأة في منطقة الشرق الأوسط. تفاقم المشاكل الأثنية والمذهبية والقومية ترافقاً مع الحقيقة أنعكست إثر تدخل الرأسمالية الامبريالية، جميعها تأسر المرأة و تقيدها ضمن حدود الأزمة. أي أن كافة المشاكل في المنطقة تنعكس على علاقة المرأة والرجل عموماً.
حيث أن كل عائلة تحتضن مشاكل تكافئ مقدار مشاكل دولة بأكملها، بسبب الفوضى والإضرابات الحاصلة. فالشرخ و الهوة الموجودة بين الجنسين تعادل حجم الهوة الموجودة بين الدولة والمجتمع، وتتسبب بنفس الدرجة بمؤثرات قوية لتعمق الأزمة التي بتنا داخلها. فالمجتمع بكافة خصائصه يعد مجتمعاً رجولياً بحق. الفروقات و اللامساواة الجنسية تتفعم في كل نسمة من نسمات الحياة، حيث يقمعون المرأة في مركز المشاكل العالقة دون حل. فالمرأة المقموعة في أدنى بنى المجتمع الأبوي، تُعتبر من أحط المخلوقات السائبة لهجوم الرجل وعنفه بشكل مشروع. لإنها، حسب رؤيتهم، السبب الأساسي للإنحطاط والضعف و الغبن الموجود. نتيجة الاوضاع المذكورة، فقد تَرَدَت مستوى حياة المرأة الإجتماعية وهوت لدرجة الصفر. و إن القينا نظرة خاطفة على الميادين السياسية والمجتمعية والاقتصادية سنجد إنعداماً كلياً لاسم المرأة. وعليها نستنتج بأن وجود المرأة لا يتجاوز حدود العائلة.
بدلاً من خلق الوحدة بين قاعدة المجتمع الأبوي البحت وإنعكاسات الحضارة الغربية المتمدنة، يتم خلق عُقدٍ كأداء! فكثرة الأطفال وتعدد الزوجات يسبب في تفاقم الفقر وتراجع الاقتصاد الذي يساعد على استمرارية وجود العائلة. والعائلة التي تعتمد على النموذج القديم في علاقاتها مع الدولة، ليس بمقدورها توفير إقتصادها ذاتياً؛ بل تقع في حالة متأزمة ومعقدة و تنجرف نحو حالة أكثر تراجيدية. لكن، ورغم روابطها الإجتماعية المنحلة، نجد بأنها ما تزال تحافظ على وجودها، لأن العائلة تمثل الخندق الأساسي بالنسبة للمجتمع الشرقي. وفي حال فقدان الرجل سلطته في هذا الخندق، يبدأ عنده الاحساس بالنهاية وبأنه (لاشيء)، لذا فهو يقاوم التغيير والتجديد. فالرجل والنظام الذي تأسس حوله، يحتلان مكانة مركز الأزمة. الرجل هو إنعكاس إستبداد الدولة في العائلة ويمثل هذه السلطة على المرأة والأطفال ضمن نطاق عائلته. ومن ناحية أخرى نجد بأن الدول الإستبدادية الموجودة في منطقة الشرق الأوسط، والتي انهزمت في كافة مجالات الحياة، منطوية على نفسها ومحافظة ومنغلقة تجاه الخارج و ملقّمة بروحٍ هجومية تجاه الشعوب الأخرى، كما نرى أن الرجل الشرقي المهزوم في كافة مجالات الحياة يطابق الحقيقة ذاتها، مهاجماً المرأة في حدود العائلة. فالرجل الممتلئ بالإنفعالات النابعة من عدمية الحل والحماية لمجتمعه، يقوم بإفراغ إنفعالاته وحقده على المرأة والأطفال القاصرين عن حماية أنفسهم. فكافة الجرائم التي تحصل تحت اسم (العار والشرف) تنبع من هذه الإنفعالات المتولدة عن الضعف الذي يعانيه الرجل ضمن هذه الأزمة الإجتماعية الراهنة. حقيقةً نجد أن الذي يلطخ (الشرف) هو الرجل ذاته، ولأجل التخلص من هذا الحال يفرّغ شحنات انفعالاته على المرأة كي يبرر به ضعفه وانهزاميته في هذا النظام.
في هذه المراحل العصيبة والمتأزمة نلاحظ زديادة حالات الاغتصاب (الجنسي) وكافة أشكال العنف ضد المرأة. فحتى الآن ماتزال الدولة الإيرانية تقتل المرأة رجماً بالحجارة. بعد أحتلال الولايات المتحدة الأمريكية للعراق، فقد وصلت حوادث الاغتصاب (الجنسي) إلى درجة لاتصدق. وفي تركيا لم تنته الجنايات وجرائم القتل المرتكبة بحق المرأة تحت إسم (الشرف والأعراف الاجتماعية)، وإنتحار النساء ظاهرة لايمكن انكارها أوغض النظر عنها. ولاتزال عادة ختان الفتيات مستمرة في أغلب دول الشرق الأوسط.
رغم وجود كل هذه الحقائق، والإنحلال المتولد عن وجود هذه الأزمة، ولجت المرأة الشرق أوسطية ضمن مضمار البحث عن الحرية والمساواة. فهي من أقوى الديناميكات الحيوية التي تمثل دور الطليعة في عملية تجاوز المجتمع الجنسوي وتطوير التحول الديمقراطي. ولها إمكانيات هائلة و طاقات كامنة لاحراز إنطلاقة قوية في المنطقة، والتي بدورها ستخدم مصالح الشعوب والنساء عامة. مع إنطلاق الحركات الإجتماعية واستمرارها، ستصل الى مفترق طريق في الكفاح، وهما: إما أن نساهم كـ (نساء) في سبيل إيجاد الحلول المناسبة لهذه الأزمة، أو أن يكون لنا دورا ذو تأثير لتعميق حدة الأزمة.
فالدمقرطة التي ستحصل على صعيد المنطقة ستسبب في تفعيل مرحلة تقلّص نظام الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة وسيساعد في إنتشار هذه التيارات في كافة أنحاء العالم. وفي نفس الوقت ستحدث تطورات هائلة في عملية التحول الديمقراطي وستضفي عليه السرعة التي يتوجب تطويرها لبناء الحضارة الديمقراطية الكونية.