نعوم تشومسكي
قبل كل شيء أود التطرق إلى نقطة شخصية خاصة بيّ. أعتبر قدومي إلى هنا( دياربكر) ذو أهمية بالغة و تجربة مغايرة ليّ. ففي السنوات العشر المنصرمة حاولتُ قدر المستطاع و بكل الإمكانيات و المصادر التي حصلت عليها أن أتتبع و أتعرف عن كثب على التاريخ المؤلم و التراجيدي للشعب الكردي- في تركيا. لكن إلتقائي وجهاً لوجه مع أبناء هذا الشعب، مع الذين يناضلون و بكل عنفوان لأجل العدالة و الحرية، أمر مختلف جداً… و أمام مشاهداتي لهذه الحملات السلمية التي تخوضونها رغم كل الضغوط و المعوقات للمطالبة بحقوقكم العادلة لا يسعني إلا أن أبارككم على مساعيكم هذه…
سأتطرق إلى شكل وأسلوب النضال والكفاح الذي سيوصلنا إلى ما نصبو إليه من أهداف، والسؤال الأهم في هذا الموضوع هو: ياترى هل سيكون العنف بين هذه السبل أم لا…؟ في هذه النقطة علينا أن نميّز بين مسألتين، ألا وهما السلوك و الإسلوب.
رأي الشخصي حول مسألة السلوك يتلخص كالآتي: كل من يدافع عن العنف أو ينخرط في إستخدامه يتحمل مسؤولية الأتيان بالأدلة على دوافعه! حسب رأي، من النادر قيامهم بتحمل مسؤولية الإتيان بالأدلة. عمليات الإجتماع السلمية ” المنزهة عن العنف ” تكون مناسبة من حيث الإسلوب والسلوك “على الرغم من ذلك يتواجد مبدأ أساسي ما معناه: ” إذ كنتم لستم بطرف مضطهدي الإستبداد، فلا تشورا ولا تعظوا حول الإجتماعات السلمية اللا عنيفة” أي إذا لن تتكاتفوا وتتعاضدوا معهم فلا تقترحوا هذا الأمر عليهم أيضاً.
أنا لست في وضع يؤهلني كي أكون بطرف المضطهدين والمظلومين وهذا يحدد دوري في إبداءي لأفكاري وأرائي ليس إلا! أي لا أستطيع أن أقترح بتاتاً. إن من إحدى الصفات المشخصة للتاريخ هو أن الإضطهاد يولّد ويتسبب في المقاومة، والمقاومة في أغلب الحالات تحتوي العنف. في معظم الحالات عندما يحصل ذلك يتم توسيم المقاومة بالإرهاب وهذه التسمية يطلقها الجميع.
نرى بأن مرتكبي المجازر في فرنسا يعلنون عن أفعالهم تلك كحالة دفاع شعبية ضد إرهاب الأنصار”المقاتلين” .إي حسب رؤية النازيين فإن نشاطاتهم الخارجية المسيّرة ماهي إلا مكافحة الحكومة الفرنسية الشرعية ضد (إرهاب الأنصار). نفس الأمر ينطبق على اليابانيين القاطنين في منشوريا، فهم أيضاً كانوا “حسب زعمهم” يحمون الشعب من إرهاب الصينين.
لكي يتم تصديق الدعاية مهما كانت بعيدة عن الصحة ولا أساس لها إلا أنه يجب أن يكون بين حجج مرتكبي المجازر شيء من الصحة أو الصدق. وبمعنى أخر فإن حججهم تبدو وكأنها مشروعة بالنسبة للكثيرين وبإمكان المرء إبداء نفس الشيء بذريعة حماية الشعب من الإرهاب في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وبعض الدول الأخرى وما يمارسونها تحت هذه الذرائع.
في الحقيقة هناك معطيين متعلقتين بمفهوم أو مصطلح” الإرهاب ” الأول هو مفهوم الإرهاب والثاني هو مفهوم الإرهاب المضاد “. وكمثال: إن ألقيتم نظرة على كتب جيش الولايات المتحدة فإنكم ستلحظون توضيحاً لمفهومي الإرهاب والإرهاب المضاد. حسب تلك التوضيحات، فإن النقطة الأكثر غرابة والتي تثير الإنتباه هي أن كلى المصطلحين متشابهين وهما الشيء ذاته! فإن كل من الإرهاب والإرهاب المضاد ينبعان من نفس المخرج والفرق الرئيس مرتبطة بفعل العنف الإرهابية. فإن كان الفعل أو العملية صادرة من أشخاص أو جهات لا نحبذهم فان عملهم يكون (إرهاباً)، إما أن كنا- نحن الفعلة أو جهات حليفة فإن ذلك يكون مضاداً للإرهاب. خارج نطاق هذا التوضيح، سنرى بأن توضيح العمليات متشابه تقريبا.
ونقطة إختلاف مهمة جداً ما بين الإرهاب والإرهاب المضاد، إن الشيء الذي يسمى الإرهاب المضاد يتم ممارستها من قبل الدول عموما. وهي الإرهاب التي تقوم بها الدول. كون الدولة تمتلك كل الإمكانيات التي تجعل الإرهابية التي تمارسها – الدول أكثر بكثير من إرهاب أية قوة أخرى.
من إحدى الوسائل الجديدة التي لجأت إليها الولايات المتحدة الامريكية-حسب زعم نيلون(Nîlon)هي إنشاء الشرطة المحلية. كما نعلم بأن الشرطة المحلية هي التي تحافظ على أمن الشوارع و الأحياء، و لكن الأمر مختلف في حالتنا هذه، فالشرطة المحلية ما هي إلا دول إصطناعية(متحكمة عن بُعد) و مركزها في واشنطون. و تعد تركيا أول تجربة و ساحة للشرطة المحلية، و المهمة الأولى لتركيا هي حماية جبهة العرب ضد شعوبها! تركيا واحدة من هذه الدول و كذلك فإن نظام الشاه في إيران كانت ساحة أخرى للشرطة المحلية. بعد نجاح إسرائيل في دحض الجبهة القوموية العربية عام 1967 فقد إنضمت هي أيضاً إلى هذا التحالف بين دول- الشرطة المحلية و كذلك فإن باكستان و منذ مدة طويلة واحدة من هذا التحالف. و المغزى الرئيس الكامن خلف هذا التحالف هو إنشاء دول قوية عسكرياً لحماية مصالحها– مصالح الولايات المتحدة الامريكية من المعادين من شعوب المنطقة… فلنقل بإن بعض القوى في المنطقة قامت برفض ذهاب كل خيرات المنطقة إلى الغرب و عملائها المحليين و بدلاً عن ذلك أن تدخل في خدمة شعوب المنطقة. فمثل هذه الأفكار ستوسم من قِبل النظام بإنها افكار قوموية متشددة(راديكالية) و يتوجب القضاء عليها و سحق المدعين بها. و الوظيفة الأولى للسحق تقع على عاتق الشرطة المحلية و إذ ما تقاعست الأخيرة عن لعب الدور المنوط بها فإن كلاب الهجوم التابعين لأمريكا ستتدخل و تصل إلى سدة الحكم بمساندة أمريكية مباشرة.
كثيراً ما نقرأ ونرى الإشارة إلى الإرهاب بأنه كسلاح للمسحوقين والمظلومين وهذا خطأ جملة وتفصيلاً. إن عكس ذلك تماماً يكون الأصح.فمثلها مثل جميع الأسلحة الأخرى فإن الإرهاب يمارس من قبل المستبدين والأقوياء بشكل مؤثر جداً و بالأحرى بأيدي الدول القوية. أي بيد الدول الرائدة للإرهاب في كل أرجاء المعمورة. وكل ذلك تحت ذريعة طارئة يسمونها الإرهاب المضاد.
نسمع كل يوم بأن الدول القوية أعلنت شن حروب ضد الإرهاب. حقيقةً بأن هذه الحرب قد أُعلنت مجدداً؛ ففي عام 1981 أي قبل ربع قرن تقريباً، عندما تبوأت حكومة ريغن سدة الحكم في أمريكا، حينها أعلن عن إنه سيكون ضمن السياسات الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية خطط لدعم الإرهاب العالمي الذي تمارسه الدول” وباء القتل العصري “. حيث كانوا قد صرحوا بأنهم سيقضون على الشيطان من على وجه الأرض. واليوم تم الإعلان عن الحرب من قبل نفس الأشخاص الرواد الأوائل المعاديين للإرهاب، حيث يسيرونها بنفس الطريقة ونفس الحجج و الإحتمال الكبير بإنها ستتمخض عن نفس النتائج.
كانت كل من أمريكا الوسطى والشرق الأوسط ضمن البؤرة المركزية للحرب الأولى على الإرهاب ، ففي عام 1980 باتت كلى المنطقتين ساحة للإرهاب الشامل والكلي. قسم كبير من هذه الإرهابية مورست بيد الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، وقسم آخر بيد دولها الوهمية(الإصطناعية) بتعاون وإتفاق مباشرمع أمريكا. القليل منها ظهر للضوء ولازال قسم كبيرمنها خافي عنا ” أعتقد بأنه ليس لدينا الوقت الكافي للتعمق في أغوار هذا الموضوع، ولكن كمثال على أكبر عملية إرهابية في الشرق الأوسط والتي تمت من قبل إسرائيل بإحتلالها للبنان وهذا الإحتلال دُعم وتم تسليحه وتمويله من قبل الولايات المتحدة الأمريكية مباشرة.
لأجل تحقيق بعض المصالح السياسية قامت بهذا الإحتلال، والتي تسببت في قتل عشرين ألف شخص مع أنعدام وجود أية حجج مقنعة في الوسط بتاتاً. قبلت إسرائيل بشكل علني و صريح بأن هذه الحرب – الإحتلال كانت تهدف إلى تقديم سياسات الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، ومن ضمنها مراقبة والسيطرة المؤثرة والمباشرة على الأراضي التي تحتلها إسرائيل. هذا مثال واحد يوضح بشكل مباشر رابطة الإرهاب في المنطقة وأن شدة إفراطها في الإرهاب تترك في ظلها مخلفة الكثير من الأمثلة الأخرى.
جربت حكومة ريغن في أمريكا الوسطى الوسائل والسبل التي إستخدمتها حكومة جون كندي في شمال الفيتنام وهذا يشير مباشرة إلى إستخدام الأسلحة الكيماوية و النابالم، القذف بالـ”52-B” وإحتلال أمريكا الوسطى بالقوات الأمريكية مباشرة. ولكن إضطروا التراجع عن نواياهم وخططهم تلك. هذا يعود إلى تقدم وأتساع دائرة الحركات الإجتماعية والعمليات الإجتماعية والتنظيمية في العشرين السنة المنصرمة في أمريكا وأخذها بالقوة مما إرغمت حكومة ريغن التراجع عن قرار هجوم المباشر على أمريكا الوسطى كما فعلت في شمال فيتنام. وبديلاً عنه توجهت نحو الإرهاب العالمي. حيث أسست شبكة للإرهاب العالمي ومثل هذه الشبكة لم تكن موجودة ولا مثيل لها في كل أنحاء العالم.
دولة كـ ليبيا إذ أرادت القيام بعملية (إرهابية) فـإنها تلجأ إلى إستئجار قاتل مثل الثعلب كارلوس. ولكن الأمر مختلف مع أمريكا، فهي حينما تريد القيام بعملية إرهابية، تُنفذها من خلال قتلتها المحليين، وهي تشارك بإقتصادها، تدريب وتوجيه تلك الممارسات والنتيجة المتمخضة هي: موت مئات الآلاف من الأشخاص وممارسة أبشع أنواع التعذيب التي يمكن للفنتازيا تخيلها. أنتم تعلمون جيداً ماتم ممارسته في جنوب شرق تركيا (كردستان) خلال العقد المنصرم…
لأمركيا دور ويد في كل ما يجري و يحدث في العالم. فهي بحق تعد أقوى دولة في العالم. دون شك هي تتدخل في المسائل الخاصة بهذا البلد(تركيا) وهي تتدخل في القضية الكردية أيضاً و ليس هنا(كردستان تركيا) فحسب، فنفس الشيء ينطبق على العراق أيضاً. و كمثال على ذلك فإنها(أمريكا) كانت تقدم دعماً محدوداً لثورة الأكراد حتى عام 1970 و لكن بعد تصالح كل من العراق و إيران فإن أمريكا سحبت دعمها عن الأكراد وغدرت بهم( باعتهم ) وتركتهم وجهاً لوجه مع المجازر و الفواجع. نفس الشيء يعاش هنا و لكن بشكلٍ أفظع و مقرف و متواطئ.
الولايات المتحدة الامريكية زعيمة الارهاب!
أطلق على الولايات المتحدة اسم “زعيمة الإرهابيين” ولكنني أجريت دراسات موثقة ومفصلة عن السجل الطويل والرهيب لأعمال الولايات المتحدة وعن دعمها الحاسم للإرهاب الذي تمارسه جهات تابعة لها، وعندما أستعرض هذا السجل فأنا أستخدم التعريف الرسمي للحكومة الأميركية لكلمة “الإرهاب.”… وبما فيه تاريخ الأكراد وحتى الوقت الحاضر، رغم أن التأييد الأميركي الحاسم لإرهاب الدولة ضد الأكراد كان موجودا بالدرجة الأولى في تركيا في التسعينات، عندما أصبحت تركيا تحتل الصدارة بين الدول التي تتلقى المساعدات العسكرية الأميركية (إذا وضعنا جانبا إسرائيل ومصر) بينما كانت تطرد ملايين الأكراد من ريفهم عقب تدميره، وتقتل عشرات الآلاف وتمارس كل الأعمال البربرية التي يمكن تخيلها، وهي من أسوأ جرائم التسعينات، وهي ماثلة هنا بقربكم. وأنا شخصيا شاهدت بعض النتائج في مدن الصفيح في استانبول التي سيق إليها المهجرون، وفي أسوار مدينة ديار بكر حيث حاولوا البقاء على قيد الحياة، وفي أماكن أخرى أيضا. وهذا جزء صغير جدا من القصة، ولا يتطرق إلى الفظائع الإرهابية التي تم ارتكابها، وفي هذا الصدد ثمة سجل طويل شنيع. وفي الحقيقة تنفرد الولايات المتحدة بأنها الوحيدة التي أدانتها المحكمة الدولية وذلك بسبب هجومها على نيكاراغوا وارتكاب أعمال تتساوى مع الإرهاب الدولي، ولقد أمرت المحكمة إدارة ريغان بأن تنهي حربها الإرهابية على نيكاراغوا. وبالطبع لم تقم الولايات المتحدة وزنا لأمر المحكمة، وسارعت إلى تصعيد حربها الإرهابية، كما أنها نقضت قرارات مجلس الأمن المؤيدة لحكم المحكمة. وهذه الممارسات ليست بأي حال من الأحوال حكرا على الولايات المتحدة. وعلى العموم فإن ممارسات كهذه تتوازى نوعا مع درجة القوة والقدرة على ارتكاب الجرائم.
كثيراً ما نسمع عن نشوب (صدام الحضارات) مؤخرا. وهذا مالا اتفق معه: فالولايات المتحدة الأمريكية بوشرت بحرب ضروس ضد الكنيسة الكاثوليكية. فحسب الولايات المتحدة الأمريكية فإن الكنيسة قد أخطأت خطأً كبيراً حينما صرحت عن سياساتها على أساس دعم و مساعدةالفقراء. وهذا يعني ضمن ما تعنيه تحالف الجماهير وهذا لم يكن مقبولاً بتاتاً – من قبل الولايات المتحدة الإمريكية التي شنت حرباً كثيفة ضد الكنيسة. وما إنكشف من العقد الأخير فإن هذه الحرب بدأت بقتل كبيرالأساقفة وأنتهت بإغتيال ستة من المثقفين الدينيين.وبين كلى العمليتين الآنفتين قُتل الكثير من الرهبان والعديد من عاملي الكنيسة. ما عدا ذلك راح عشرات الألوف من القرويين والعمال والأطفال والنساء ضحيةً لهذه الحرب.
قد تمادى هذا الإرهاب إلى درجة أضطرت على أثرها المحكمة الدولية أن تحاكم الولايات المتحدة الأمريكية وصدرت بياناً بذلك. ففي هذا البيان طُلب من الولايات المتحدة الأمريكية إيقاف إرتكاب جرائمها وأن تتحمل وتعترف بكل الخسائر والأضرار التي ألحقتها بالكنيسة. في الوقت نفسه صدر قرار عن مجلس الأمن الدولي في الأمم المتحدة ” والتي نصت على ضرورة عدم غض النظر عن الحقوق والقوانيين الدولية ووجوب حمايتها”. وكما يعلم الجميع بأن هذا القرار كان موجهاً إلى الولايات المتحدة الأمريكية بالذات. لكن الأخيرة رأت بأن قرارات المحكمة الدولية ناقصة وخاطئة، نقضت قرار مجلس الأمن الدولي بصدد حماية الحقوق الدولية ولم تتمثل لها. واتسعت نطاق الحرب وإزدادت ضراوة. حقيقتةًً قد حُذف كل ذلك من صفحات التاريخ. هذا التاريخ ليس بالتاريخ الذي نعرفه.
فبعد الحادي عشر من أيلول ” بدء إعلان الحرب بنفس الشمولية وبيد نفس الأشخاص. حتى الآن كُتب مجلدات عدة حول الحرب ضد الإرهاب. يجب بذل الكثير من المحاولات و الاجتهادات لمعرفة مرجع حرب الإرهاب المسيّرة من قِبل هؤلاء الأشخاص.
مع العلم بأن هذا المرجع مفقود تماماً، ولأتفه الأسباب: فالإرهاب، محدد بممارساتهم علينا فقط. فمهما كانت ممارساتنا واضحة و شفافة بآلاف الدرجات عن أفعالهم، فإنها تضيع تماماً. سيبقى التاريخ على حاله هذا طالما تم تدوينه بيد المستبدين وخدمتهم التابعين لهم.
أعود مجدداً لموضوعنا الأول، أي الحادي عشر من أيلول كثيراً ما نسمع عن التحولات والتغيرات التي طرأت بعد أحداث الحادي عشر من أيلول. نستدرك وجود مبدأ ومقياس فعّال: “إن تكرُّر أمر ما أمام الأنظار مِراراً يزيد نسبة رؤية الأخطاء الواقعة بها أيضا!”
في مثل هذا الوضع، أي بعد أحداث الحادي عشر من أيلول لم يتغير الكثير من الأمور الجذرية. وإن كانت قد حدثت بعض التغيرات فإن سياسة وأهداف وحساسيات ومصالح القوى الحاكمة لم تتغير، وهي على حالها السابقة. قبل كل شي فقد باتت تلك الأحداث مرجعاً لكل الدول التي تتأمل دعماً من واشنطن لحماية نفسها من شعوبها، لتمارس سياساتها بكل عنف وقسوة.
مثل كل الحالات فإن العنف والضغط تولد وتخلق المقاومة، وهذا المبدأ ينطبق على هذه الحالة أيضاً. بعكس إدعاءات الجرائد والمثقفين الأمريكيين؛ فبعد أحداث الحادي عشر من أيلول لم تنخفض نسبة إنخراط الشعب في العمليات الإحتجاجية؛ بل عكس ذلك، فقد ازدادت نسبتهم وهو أكثر وضوحاً في معارضته وتعقبه للمسائل عن قرب أكثر مما مضى. وهو نفس ما يعيشه الشعوب في جميع أنحاء العالم. فقبل مدة أقيم كونفراس للمنتدى الإجتماعي العالمي في البرازيل، تجمع أكثر من ستين ألف شخص من حركات شعبية من الفلاحين والعمال وحماة البيئة واللجان النسوية وكل أصناف الناس. حيث ناقشوا وتداولوا أكثر المواضيع أهميةً ونظموا الكثير من المنتديات الإيجابية والمناسبة التي تخص البشرية. هذه المنتديات تمثل جوهر معارضة الشعوب ضد الأشخاص الذين ينمّون قواهم وغناهم الخاص. بتحقيق البرامج وتقديمها، نفس الشيء مناسب وضروري لمنطقتكم. ففي تركيا فالأتراك و الأكراد يقاومون بكل جرأة ويعملون لأجل خلق مجتمع شفاف، معتدل، حر ومساوي وعادل. فهؤلاء الأشخاص يُطبِقون نموذجا ” موديلاً ” يستحق بحق أن يباركهم عليه مناضلوا حقوق الإنسان وأن يستخلصوا منها الدروس والعِبَر. فهم وعلى الرغم من كل الضغوطات والصعوبات المعاشة، ولأجل خلق مجتمع ذو كرامة وإنسانية وللوقوف بوجه كل ضغوط وإستبداد الدولة، يقومون بضرب مثال يكسبنا إيماناً بما نقوم به. فإن نضالهم وأهدافهم تكون دافعا لرفع وتيرة نضال الأخرين أيضاً.
أريد أن أكرر مرة أخرى بأن بقائي هنا في هذه الأيام الثلاث وقضاء أوقاتي معكم شرف كبير وسموّ لي…