افتتاحية العدد 29: الثورة ولا خيار آخر
هيئة التحرير
الثورة من أكثر المراحل الكونية كثافة في تاريخ الشعوب، لأنها تمثل نهوض مجتمعي لاستعادة ما فقده المجتمع تحت سيادة نظام لم يتلاقى وأهدافه وآماله في الحرية. ان منطقة الشرق الأوسط كانت المهد لأولى الثورات الإنسانية التي شكلت نقطة انطلاقة اجتماعية لتكوين القيم الأخلاقية والاجتماعية والثقافية، بإيجاز كانت أم لثورات مازالت الشعوب تبحث فيها عما فقدته من قيمها الحضارية. ربما لم تنال بعض الثورات ما كانت تصبو اليه من اهداف او لم تستطيع التخلص من ذهنية السلطة من بعد انتصارها، ولكن لم تبخل الشعوب في خلق البديل مهما كان الثمن وشهدت منطقتنا في السنوات الاخيرة هذا الحراك بكل معنى الكلمة رغم جميع انواع السياسات التي تسعى الى اجهاض مكتسباتها وفق ذهنية الحداثة الرأسمالية الجارية كنهر لا يعرف السكون الى اللحظة.
الثورة من اغنى المراحل التاريخية في حال وجود نهج قادر على ضمان اهدافها في تحقيق قيم المجتمع الاخلاقية والسياسة. لتحقيق ثورة ديمقراطية حرة ينبغي الاعتماد على المجتمع واتخاذه اساسا في عملية البناء حتى تستطيع هذه الثورة أحراز منجزات دائميه قادرة على الاستمرارية بالانعطافات التي تخلقها الثورة.
الثورة ليست تغير سلطة بسلطة مثلما كان حال العديد منها في الشرق الأوسط والعالم، لأنها تخلق دوامة أخرى لا تستطيع الشعوب الخروج منها إلا بخسائر مماثلة اخرى او ربما أكثر. كما ان الثورة لا تعني اندفاع او انفجار لاحتقان فحسب بل أيديولوجية لتغيير الذهنية الدولتية وبناء سلطة الشعب من خلال هيكلية نظام اداري ديمقراطي يعبر فيه جميع المكونات والاقليات عن نفسها بحرية، وهذا هو فن الثورة الحقيقي. وآمنت الشعوب بهذه النظرية، لذا فاستطاعت من خلالها تجاوز جميع المحن لتحقيق حياة حرة ومسالمة. وفي حال العكس أي إذا لم تستطع اية ثورة التحلي بهذه المزايا فلا يمكنها تحقيق النجاح في عملية التغيير وستكون شبيهة بمعاديها. تسعى الحداثة الرأسمالية إلى ضمر مفهوم الثورة عبر مفهوم حداثوية لا يخدم سوى ذهنية التسلط والهيمنة، حيث كان ومازالت محاولات قوى الحداثة الرأسمالية مستمرة في هذا الخصوص وذلك لمنع قيام ثورة حقيقية في الشرق الاوسط، لذا نجد بان هناك تقييمات مختلفة بخصوص الحركات الشعبية في جميع البلدان، فهناك البعض ممن يسمونها بالتمرد والاخر بالثورة ولكن مازالت الاحجار لم تأخذ مكانها الصحيح في البناء الثوري.
في هذه المرحلة التاريخية للشرق الاوسط استطاعت ثورة روج افا أن تحقق الكثير عبر وضع نظام بديل عن النظام الدولتي والمتمثل في الإدارة الذاتية الديمقراطية، وذلك عبر مزاياها الأخلاقية والسياسية بريادة المرأة. لثورة الشعب الكردي في روج افا خصائص تحول وتغيير جعل العالم يندهش لهذه الفكرة المتركزة على مفهوم الامة الديمقراطية والتي طرحها قائد الشعب الكردي «عبد الله أوجلان» كبديل للنظام الدولتي، وكانت هذه المزايا سر نجاحها الى اللحظة في التصدي لأشرس القوى ارهابا في العالم.