الحرب الإسرائيلية الفلسطينية ومدى تأثيرها على الحالة السياسية في منطقة الشرق الأوسط
مصطفى شيخ مسلم
مصطفى شيخ مسلم
المقدمة:
لطالما تصدرت الحرب الإسرائيلية الفلسطينية واجهة الأحداث في الشرق الأوسط منذ عقودٍ مضتْ وإلى يومنا هذا، في صراعٍ لا يكاد أن يخمد حتى يتجدّد مرة أخرى بأسبابٍ ظاهرية ربما تكون مختلفة في بعض المرات، إلا أنَّ الأسباب الجوهرية لم تتغير يوماً منذ بداية الحرب فيما بين الطرفين.
لكن تأثير هذه الخلافات التي انتهت بحروبٍ مسلحة، لم تتأطر ضمن الجغرافيا الفلسطينية، بل ونتيجة لموقع فلسطين الجغرافي، على خارطة الشرق الأوسط، ونتيجة لكثير من العوامل الأخرى، امتدّ تأثير الحالة السياسية والعسكرية فيها إلى غالبية دول الشرق الأوسط بشكلٍ أو بآخر.
مشكلة البحث: يتطرق البحث إلى الحرب الدائرة في فلسطين منذ عشرات السنين، والتي امتدت في بعض الأحيان إلى لبنان وغيرها من الدول، فهي بكل تأكيد لها أسبابها ودوافعها لدى طرفي الحرب، لا سيما وأنها باتت شمَّاعة لبعض الدول للتدخل في شؤون المنطقة تحت مسمى دعم المقاومة وما إلى هنالك من هذا الكلام.
أهمية البحث: إن البحث يستهدف قضية تُعدّ من القضايا المعقدة في الشرق الأوسط إن لم تكن الأكثر تقعيداً، من نواحٍ عدة.
أهداف البحث: يهدف البحث إلى تسليط الضوء على نقاطٍ عدة, منها قدِم هذه الحرب وأسبابها، ومدى تأثيرها على الحالة السياسية للشرق الأوسط.
الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تاريخياً
ما إن بدأت الدولة العثمانية بالانهيار الفعلي وقتذاك، حتى سارعت الدول لاقتسام تركة “الرجل المريض” لتسيطر بريطانيا على فلسطين, حيث كانت تسيطر حينها على أجزاء من الشرق الأوسط في حقبة الحرب العالمية الأولى، إذ كان غالبية سكان فلسطين من العرب مع وجود أقلية يهودية، وكنتيجة لإيلاء المجتمع الدولي مهمة خلق كيان يُعرف باسم “الوطن القومي للشعب اليهودي في فلسطين” لكونه وبحسب زعم اليهود أنها أرض أجدادهم، ليتنامى توافد العائلات اليهودية إلى فلسطين من كل دول العالم في النصف الأول من القرن التاسع عشر، حيث كان غالبية القادمين ممن نجا من القمع الديني الذي تعرضوا له في أوروبا، أملاً منهم في إيجاد مأوى يُدَّعى بكونه أرض الأجداد بالنسبة لليهود، حيث كان لمحرقة “الهولوكوست” التي تعرض لها اليهود إبَّان الحرب العالمية الثانية دور كبير في تشجيعهم للذهاب إلى فلسطين.
مطلع العام /1947/ صوّتت الأمم المتحدة على قرارٍ لتقسيم فلسطين إلى دولتين منفصلتين، دولة عربية وأخرى يهودية، على أن تبقى مدينة القدس مدينةً دولية, ليلقى هذا التصويت تأييد الساسة والزعماء اليهود حينها، على عكس الجانب العربي الذي رفضه بشكلٍ قاطع، ليحول هذا الرفض دون تطبيقه، ولكن لم يدم الأمر طويلاً, ففي العام اللاحق للتصويت على تقسيم فلسطين، أي عام /1948/, ومع رحيل البريطانيين عن المنطقة, دون إيجاد حل للمعضلة التي كانت تتفاقم يوماً بعد يوم, أعلن وقتذاك الساسة اليهود عن تأسيس ما يعرف باسم “دولة إسرائيل” ليلقى هذا الإعلان معارضة فلسطينية انتهت باندلاع حربٍ خاضت فيها قوات من بعض الدول العربية حينها.
ونتيجة لهذه الحرب التي عرفت بحرب الـ 48 أو بـ “النكبة”، هُجِّر حينها مئات الآلاف من الفلسطينيين، لكن هذه الحرب لم تدم وقتها أكثر من عام، لتنتهي بسيطرة إسرائيلية على غالبية المنطقة.
عام /1967/ أقدمت إسرائيل على احتلال القدس الشرقية، والضفة الغربية ناهيك عن قطاع غزة ومرتفعات الجولان السورية وشبه جزيرة سيناء المصرية في الحرب التي خاضتها في ذات العام.
قطاع غزة:
إنَّ المنطقة التي تعرف باسم قطاع غزة هي منطقة أشبه بشريط ضيق، بطول /41/ كيلومتر وبعرض /10/ كيلومتر، ويقع بين إسرائيل ومصر والبحر الأبيض المتوسط، يبلغ عدد سكان القطاع بحسب الإحصائيات الأخيرة ما يزيد عن مليوني فلسطيني، إذ يعتبر قطاع غزة أحد أكثر المناطق اكتظاظاً من حيث الكثافة السكانية في العالم.
كثرت محاولات السلام فيما بين طرفي النزاع, ورافق بعضها أعمال عنف, تارةً في النرويج حيث انتهت وقتها بتوقيع معاهدة أوسلو للسلام عام /1993/ فيما بين طرفي النزاع أي (إسرائيل و منظمة التحرير الفلسطينية) برعاية الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون, وكانت هذه الاتفاقية أشبه بمنعطف تاريخي لمسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي, ليعترف الفلسطينيون للمرة الأولى بدولة إسرائيل, وكذا الأمر بالنسبة لإسرائيل حيث اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية على اعتبارها ممثل الشعب الفلسطيني, ليتم الإعلان فيما بعد عن سلطة فلسطينية تتمتع بالحكم الذاتي.
الحرب الإسرائيلية الفلسطينية الحالية:
على اعتبار أن قطاع غزة يُدار من قبل حركة حماس التي تسلَّمت زمام الحكم فعلياً بعد انتخابات عام/2006/ على حساب حركة فتح التي تتخذ من الضفة الغربية مقراً لها، والتي يترأسها محمود عباس، وحركة حماس التي تراها كل من واشنطن والاتحاد الأوربي جماعة إرهابية، لم تتوانَ يوماً عن التهديد بتدمير إسرائيل عن بكرة أبيها، بل انخرطت في حروبٍ عدة مع الجانب الإسرائيلي، لتلجأ إسرائيل إلى فرض حصار على قطاع غزة منذ العام /2007/ تحت مسمّى “أمن القطاع”.
صباح يوم /7/ أكتوبر من العام الماضي 2023، اقتحمت حركة حماس بمئات المقاتلين المناطق المجاورة للقطاع حيث يقطن الإسرائيليون، ليُقُتل على أثرها ما لا يقل عن 4000 إسرائيلي بحسب البيانات الصادرة عن مصادر رسمية إسرائيلية، فضلاً عن الرهائن الذين تم اقتيادهم كرهائن حرب من قبل حركة حماس، أما في الجانب الآخر فقد قُتل آلاف الفلسطينيين داخل القطاع بعد أكثر من أسبوعين على بدء الحرب، نتيجة الغارات المدفعية والجوية من قبل الجيش الإسرائيلي كردّ فعل على اقتحام حركة حماس لمناطق الإسرائيليين.
تداعيات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في الشرق الأوسط
نتج عن هجوم 7 أكتوبر الذي شنّته حركة حماس على المنشآت الإسرائيلية المحيطة بقطاع غزة المحاصر إسرائيلياً، ردود فعل متفاوتة في كل دول العالم بين مؤيدٍ ومعارض لهذه الحرب، ففي غالبية الدول العربية عمَّتْ التظاهرات في كبرى المدن للتعبير عن تضامنهم مع الفلسطينيين في وجه آلة القتل الإسرائيلية، وكذا الأمر في غالبية العواصم الأوربية وحتى في دور التدريس ضمن حرم بعض الجامعات الأمريكية, وفي أوساط المشاهير والشخصيات الفاعلة في الولايات المتحدة.
سوريا
مع تزايد حدة الهجمات داخل قطاع غزة فيما بين حركة حماس والجيش الإسرائيلي، ومع تباين المواقف الدولية الداعمة منها والرافضة لها والمنادية بعضها بوقف أعمال العنف من جانب طرفَي الحرب، ازدادت حدة الهجمات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية في انتهاكٍ صارخ لسيادة الدولة السورية على مرآى ومسمع العالم أجمع, لتستهدف المطارات والبُنى التحتية والبعثات الدبلوماسية، متذرعة بمحاربة النفوذ الإيراني التي ترى إسرائيل في حركة حماس امتداداً لذلك النفوذ في المنطقة، وأن خط الإمداد لحركة حماس يمرّ من سوريا.
على الصعيد الدبلوماسي أدانت الدولة السورية تلك الاستهدافات بشدة، لكونها غير مبررة ولا تستند لأي أسس قانونية, وكذلك الأمر حذّرت روسيا مما قد ينتج من الاستهداف الإسرائيلي للبنى والمنشآت السورية، حيث يأتي كل ذلك في محاولة من إسرائيل لخلط الأوراق وخلق حالة عدم استقرار في المنطقة بشكلٍ عام في رسالة مفادها أن أمن المنطقة من أمن إسرائيل.
لبنان
يمكن اعتبار لبنان من حيث التموضع الجغرافي المتاخم لفلسطين وإسرائيل وكذلك من حيث البعد التاريخي للعداء فيما بين الجانبين، أنَّه يُعدّ أكثر بلد مرجّح لأن تنتقل شرارة الحرب إليه، لاسيما وأنَّه حدث تبادل لإطلاق النار في الآونة الأخيرة ليتصدر المشهد السياسي في الداخل اللبناني الموقف المتفق عليه فيما بين الكتل والأحزاب السياسية في لبنان, والذي تجلى عنه أنَّهم لا يريدون تكراراً للسيناريوهات القديمة, واتباع سياسة النأي بالنفس حيال الصراع الدائر بين الفلسطينيين وإسرائيل, لكن هذا الموقف لا يشمل حزب الله الذي يتفرد بسياسة خارجية شبه مستقلة عن بقية الكتل والتجمعات السياسية في الوسط اللبناني, وحتى أنَّ حزب الله صرّح لأكثر من مرة أنًّه لن ينخرط في هذه الحرب, إلا أنَّ المخاوف في الداخل اللبناني لم تتفنّد لكونه وبحسب مراقبين للشأن اللبناني بأنّه ليس من قوةٍ تستطيع نأي حزب الله عن تحريك ترسانته العسكرية, فضلاً عن التحذيرات التي أطلقها نصر الله، وجدّد توعّده لإسرائيل في حال التصعيد, كل ما سبق يُبقي الشارع اللبناني في حالة قلق مستمر خشية انتقال الحرب إلى الداخل اللبناني, ويعزو البعض ذلك بأنَّ خطاب حزب الله المعتاد والذي يرى نفسه ضمن ” محور المقاومة ” وبالرغم من تطمين الشارع اللبناني بعدم انخراطه في الحرب؛ إلا أنَّ ذلك لا يتوافق مع تحركاته وتصريحاته المتوعدة لإسرائيل, وهو ما يشكل مصدر قلق للشارع اللبناني.
ففي ثاني أيام الحرب، خاض عناصر حزب الله اشتباكات تمحورت في مزارع شبعا المحتلة إسرائيلياً, حيث سبق للطرفين تبادل إطلاق الناس فيها فيما مضى، ويُفهم من هذه الاشتباكات أنَّ حزب الله يعوّل على أن يلقى دعماً واسعاً في حال انخرط في الحرب الدائرة فيما بين الفصائل الفلسطينية والجيش الإسرائيلي، وما يؤكد ذلك إبداء بعض الفصائل السنية المتطرفة داخل لبنان استعدادهم للمشاركة جنباً إلى جنب مع عناصر حزب الله في الحرب ضد إسرائيل.
العراق
كان لهجوم السابع من أكتوبر الذي شنّته حركة حماس، تأثير على الحالة السياسية في العراق كما غيره من دول المنطقة، ففي العراق اتخذت العديد من الفصائل التي تُعتبر امتداداً لنفوذ إيران في العراق، موقفاً يرى أن الهدنة خُرقت من طرفٍ واحد مع الجيش الأميركي, في رسالة مفادها بأنَّ هذا الخرق يعدّ بمثابة رد فعل على ما تتعرض له حركة حماس في قطاع غزة من حربٍ ضروس، حيث قامت باستهداف القواعد الأمريكية بالصواريخ والمسيّرات في مناطق تواجدهم في كل من سوريا والعراق, وهذا ما يتعارض جلياً مع مسعى الحكومة العراقية لإعادة العلاقات العراقية الأمريكية، وذلك بهدف إرساء الاستقرار في العراق وإعادته إلى الواجهة السياسية بعد أن أنهكتها سنوات الحرب التي عصفت بها, ولم تتعافَ منها إلى يومنا هذا, فضلاً عن الملفات الشائكة فيما بين حكومة بغداد وإقليم كردستان العراق, ووسط كل هذه المعطيات برز تأثير الحرب في غزة بشكلٍ جلي على الحالة السياسية العراقية فيما بين الساسة وقادة الفصائل والتحالفات والتجاذبات, من المدعومين إيرانياً ومن المقرّبين للغرب والولايات المتحدة الأمريكية, إلا أنَّه قد لا يمكن للحكومة العراقية ضبط ” فصائل المقاومة الإسلامية” فيما لو انخرطت الفصائل الموالية لإيران في الحرب ضد إسرائيل (حزب الله أو غيره) وذلك لأنها تعتبر امتداداً مباشراً لإيران في المنطقة, بل وتمتثل لأوامرها.
الأردن
كان جلياً الغضب الأردني الناتج عن الهجوم الإسرائيلي على قطَّاع غزَّة، حيثُ فسَّر الساسة الأردنيون شراسة الهجوم الإسرائيلي بأنه ترجمة لنواياهم المتمثلة بترحيل الفلسطينيين عن قطَّاع غزَّة إلى الأردن، وعلى إثر ذلك لم يتوانَ الشعب الأردني بالتجمع والتظاهر وعلى وجه التحديد أمام سفارة الولايات المتحدة وكذلك السفارة الإسرائيلية في العاصمة عمّان بأعداد كبيرة جداً, وما زاد القلق داخل الشارع الأردني، تحذير الملك الأردني حيث حذّر من أنَّ المنطقة كلها مهددة بالسقوط في الهاوية.
لسان حال الأردنيين من ذوي الأصول الفلسطينية كان يقول بأنَّ الولايات المتحدة إضافة إلى القارة العجوز, يتغاضون عن الفظائع التي ترتكبها إسرائيل بحق المدنيين داخل قطَّاع غزَّة وخارجه بشكلٍ يومي، لا بل أكثر من ذلك، فهم وعلى سبيل المجاملة لإسرائيل وشرعنة هجومها على مدن وبلدات فلسطين، يلصقون صفة الإرهاب بكل تجمّع أو فصيل يحاول جاهداً مقاومة هذه التجاوزات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين بشتَّى الوسائل.
كما لا يمكن تفنيد المخاوف الأردنية بتكرار سيناريو النكبة – أي عام /1948/ حيث الهجرة الجماعية الفلسطينية للداخل الأردني، لا سيما وأنَّ غالبية الفلسطينيين الذين هُجِّروا للداخل الأردني، حصلوا فيما بعد على الجنسية الأردنية، ويمكن اعتبار الأردن بأنَّه البلد الوحيد الذي منح جنسيته للاجئين الفلسطينيين وهو ما يزيد من احتمالية إقدام الفلسطينيين المجنّسين غلى ردّ فعل من شأنه تعكير صفو العلاقات الأردنية الإسرائيلية وزعزعة الاستقرار الإقليمي بحسب بعض الساسة الأردنيين.
مصر
تزامناً مع بدء القصف الإسرائيلي لقطاع غزة على خلفية هجمات السابع من أكتوبر؛ فإن القلق المصري هو سيد الموقف خشية تدفق الفلسطينيين من الجهة الساحلية لشبه جزيرة سيناء مروراً بمعبر رفح الحدودي, هرباً من أتون الحرب أو خشية أخذهم كرهائن من قبل الجانب الإسرائيلي, وما عزز هذه المخاوف هو موجات النزوح في الداخل الفلسطيني نتيجة للتحذيرات الإسرائيلية المتكررة للفلسطينيين بضرورة الانتقال والابتعاد عن المناطق الساخنة, فضلاً عن الحصار الخانق الذي فرضه الجانب الإسرائيلي على القطاع, فوسط كل هذه المؤشرات كان الجانب المصري في خشية من موجات نزوح فلسطينية صوب الأراضي المصرية.
وهذا ما عبرت عنه الدولة المصرية مراراً وتكراراً بأنَّها لا تريد أن تكون مركز استقطاب للمهاجرين الفلسطينيين لأسباب كثيرة، حيث يعزو الجانب المصري ذلك إلى عدم سماح إسرائيل بعودة الفلسطينيين الذين أرغِموا على ترك منازلهم خلال عام النكبة أي /1948/ وهو ما يخشاه الجانب المصري أن يتكرر اليوم أيضاً.
ومن جانب آخر تبرر مصر موقفها المتخوف من جرّاء الحرب الدائرة في فلسطين بأن من شأن تلك الحرب أن تعزّز من نشاط الخلايا الجهادية التي تهدد الأمن القومي المصري، بعد أن تقلص نشاطهم طيلة الأشهر الماضية بحسب المسؤولين المصريين, فضلاً عن التخوف المصري من شن هؤلاء المتشددين هجمات على إسرائيل من الداخلي المصري، ما قد ينذر بحرب مصرية إسرائيلية إذا ما صحّت مخاوف الجانب المصري بهذا الصدد.
لم تخفِ مصر رفضها القاطع لأي عملية اجتياح بري يقوم بها الجيش الإسرائيلي داخل قطاع غزة، بل دعت المجتمع الدولي لضرورة تقديم المساعدات الإنسانية للقطاع، نتيجة للخسائر الفادحة التي مُني به سكان القطاع جرّاء هذه الحرب، حيث قام الجانب المصري خلال هذه الحرب, بتجهيز قوافل الإغاثة بهدف إرسالها للداخل الفلسطيني عبر معبر رفح الحدودي، وتحديداً في منطقة العريش, التي تقع شمالي سيناء, ليأتي الردّ الإسرائيلي بقصف مناطق ملاصقة للبوابة الحدودية في رفح, لتعاود مصر عبر مسؤوليها الطلب من الولايات المتحدة أخذ دور الوسيط للسماح بتمرير قوافل الإغاثة, وعلى إثرها سمحت إسرائيل بدخول الماء والإمدادات الطبية بكميات صغيرة إضافة لقليلٍ من المواد الغذائية عبر معبر رفح إلى قطاع غزة.
بصرف النظر عن الوعود التي تلقّتها مصر من الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي والتي تمحورت حول تقديم دعم خارجي لها, إضافة للإعفاء من الديون مقابل قبولها لاستيعاب اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيها، وهو ما رفضته مصر حيث يمكن تبرير ذلك وفق بعض المراقبين بالمخاوف الأوربية من تدفق اللاجئين الفلسطينيين بطرق غير منتظمة إليها عبر مصر نتيجة عدم الاستقرار في المنطقة بشكلٍ عام.
ومع الأخذ بعين الاعتبار القلق الخليجي جرّاء الحرب الدائرة في خاصرة مصر، حيث صرَّح مسؤولون خليجيون بأنَّ مجلس التعاون الخليجي يفكر بزيادة إيداعاته المالية في البنك المركزي المصري وذلك في مساهمةٍ منهم لإنعاش الاقتصاد المصري, الذي من شأنه دفع مصر لإعادة النظر في قرارها الرافض لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين على أراضيها.
دول الخليج العربية
فيما يتعلق بدول مجلس التعاون الخليجي، كان للحرب الدائرة في قطاع غزة تأثيرها على الانقسام الموجود أصلاً فيما بين دول المجلس، حيث تفاوتت ردود الأفعال فيما بين مؤيدٍ للعملية العسكرية الإسرائيلية داخل قطاع غزة، ورافضٍ لها، فالإمارات العربية المتحدة التي كانت من الدول التي أصبغت علاقتها مع إسرائيل صبغة رسمية عُرِفتْ بالتطبيع، أبدت امتعاضها وعبّرت عن ذلك علناً بأن أدانت حركة حماس لإقدامها على قتل مدنيين إسرائيليين بحسب الإعلام الرسمي للإمارات, حيث نعتتْ تلك الهجمات بأنَّها “تصعيد جدَّي وجسيم”, لكن سرعان ما تغيّر موقف الإمارات من مؤيدٍ لإسرائيل إلى ناقدٍ للحملة الإسرائيلية على غزة، بل أكثر من ذلك، حيث عملت على الصعيد الدبلوماسي ومن خلال مقعدها في مجلس الأمن لشجب إسرائيل على المضي قُدماً في حملتها الشرسة ضد الفلسطينيين, ناهيك عن الكثير من الفعاليات المُلغاة على سبيل التضامن مع الشعب الفلسطيني. أمّا السعودية فقد نأت بنفسها عن اتخاذ موقف حيال الحرب، ما يعني بشكلٍ أو بآخر عدم المجازفة بمشروع التطبيع مع إسرائيل، المشروع الذي كان ينصّ على ضرورة التوصّل إلى حلٍّ للقضية الفلسطينية كشرط للمضي قدماً في التطبيع، ما يفهم بأنَّ السعودية لربما تستأنف مشروع التطبيع حال انتهاء الحرب, وعليه لم تبدِ موقفاً حيالها.
اليمن
اليمن كما غيره من الدول، حيث كان للحرب التي تدور رحاها في قطاع غزة تأثير واضح عليها، فهو – أي اليمن – شهد أحداثاً دامية في السنوات القليلة المنصرمة فيما بين حركة الحوثيين التي تعتبر نفسها من ” أنصار الله ” وهي عضو في محور المقاومة التي تقوده إيران، وما بين الحكومة المعترفة دولياً لتنتهي الحرب وقتذاك بإخراج الحكومة من العاصمة صنعاء عام/2014/ , ما عزّز من قوة الحوثيين في اليمن، ودفعهم لمحاولة إظهار نفسهم للعامَّة على أنَّهم قوة ذات تأثير إقليمي، ليبدي الساسة اليمنيون وعلى رأسهم عبد الملك الحوثي زعيم الحركة عن جاهزيتهم للخوض في عمل عسكري فيما لو انخرطت الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل في حربها في فلسطين، إذ اعتبر مراقبون بأنَّها المرة الأولى التي يتجاوز فيها خطاب الحوثيين الجغرافيا اليمنية، ليدلوا فيه بتهديداتٍ لإسرائيل وحلفائها في المنطقة في رسالة مفادها بأنَّ نفوذ إيران حاضر دائماً في المنطقة.
تركيا
كثَّفت تركيا جهودها الدبلوماسية سعياً منها لوقف التصعيد وبالتالي وقف إطلاق النار وتعمَّدت سياسة الكيل بمكيالين, فعلى المنابر الإعلامية كان الساسة الأتراك ومن عباءة الإسلام ينادون بضرورة نصرة غزة والوقوف إلى جانب حماس، لكن الكواليس وما خلفها كانت بشكلٍ آخر، فلم تتوقف قوافل الإمدادات التركية لإسرائيل حتى في ذروة الحرب الدائرة في فلسطين, والتي كانت عبارة عن تبادل تجاري وحتى عسكري بحسب بعض وسائل الإعلام بأرقامٍ فلكية, كل هذا والدولة التركية في جانب آخر ماضية في سياسة الإبادة الجماعية بحق الجوار وعلى وجه التحديد شمال وشرق سوريا, حيث لم توفر المسيّرات التركية هدفاً من ضرباتها التي طالت البُنى التحتية والتجمعات السكنية وسبل الحياة بشكلٍ عام, كل هذا وهي تنادي في منابرها الإعلامية بضرورة وقف إطلاق النار في غزة عملاً بقواعد القانون الدولي ومواثيق حقوق الإنسان التي تنتهكها تركيا بنفسها في عموم الجغرافيا السورية, إما بالوكالة عبر الفصائل المدعومة من قبلها, أو باستخدام مسيّراتها.
الشمال السوري خير دليل على اتّباع تركيا سياسة الكيل بمكيالين، ففي هذه الجغرافيا تستبيح تركيا كلّ شيء حرفياً, فكل شيء قابل للاستهداف، وفي الحرب الفلسطينية الإسرائيلية تتخذ دور الوصي والناصح.
مع توسع جغرافية الحرب في قطاع غزَّة، ازدادت الانتقادات التركية لها، ولعل أبرز الانتقادات كان قول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أحد المنابر الإعلامية ” لقد تجاوزت هجمات إسرائيل على غزة منذ أمد طويل حدود الدفاع عن النفس وتحوّلت إلى قسوة ومجزرة وبربرية صريحة”, وهو ذاته الذي صرّح مراراً وتكراراً بأنَّ ترسانته العسكرية لن تبقى مكتوفة الأيدي، وتتخذ دور المتفرج حيال التجربة الكردية أينما وجدت, وما يترجم صدق هذه التصريحات هو استهداف تركيا المتكرّر للمدنيين والمناطق الآهلة بالمدنيين والمؤسسات الحيوية كالمنشآت النفطية وغيرها من التي تُعتبر الشريان الاقتصادي المغذّي لشمال وشرق سوريا.
إيران
حاولت إيران جاهدة التنصل من كل الاتهامات الموجهة لها بأنَّها الداعم والمحرك الرئيسي لحركة حماس, وبالتالي هي من تسببت بالهجوم الذي شنته الحركة على إسرائيل في السابع من أكتوبر, وما يؤيد ذلك هو القول الأخير للقائد الأعلى علي خامنئي حين قال: “العالم الإسلامي برمّته مجبر على دعم الفلسطينيين، وإن شاء الله سيدعمهم, لكن هذا العمل نفذه الفلسطينيون أنفسهم”.
أما فيما يخص الساسة والمسؤولين الإيرانيين، فكان موقفهم لا يخلو من التهديد بالتصعيد فيما لو استمرت إسرائيل بحملتها العسكرية الشرسة في فلسطين، سعياً منها للإحاطة بالحرب من جانب، ولتفرض نفسها كدولة إقليمية ذات سيادة من جهةٍ أخرى، كل ذلك وسط هشاشة العلاقات الإيرانية الأمريكية، خصوصاً بعد الاستهدافات الإسرائيلية الأخيرة التي طالت قادة إيرانيين من الصف الأول في سوريا, لكنها ورغم ذلك تحاول خلق توازن يرضي حلفاءها المحليين من دعاة التصعيد عسكرياً مع إسرائيل والولايات المتحدة, بين التهديد واتباع سياسة ضبط النفس لتفادي التصعيد الأمريكي الإسرائيلي المحتمل إذا ما أقدمت إيران على التصعيد.
المصادر
– وكالات.
– ويكيبيديا.
– شبكة BBC.