الهجرة، التهجير القسري، هجرة العقول الهجرة غير الشرعية من الشرق الأوسط للغرب
فيان أيوب
تُعرف الهجرة بمدلولها الاصطلاحي على أنَّها تنقّل البشر أفراداً أو جماعات من منطقة إلى أخرى، وقد يكون هذا التنقل ضمن حدود إقليم واحد أو من إقليمٍ إلى آخر، بشكلٍ موسمي مؤقت أو بشكلٍ دائم بهدف الاستقرار ونسج السبل لحياة جديدة في المهجر.
كان الهدف من الهجرة تاريخياً البحث عن حياة أفضل، أو هجراتٍ تجارية بهدف التبضّع والمتاجرة بالحاجيات الحياتية الأساسية، وهذا ما كان يُعرف بالهجرات الشرعية، وللحديث عن الهجرات غير الشرعية والتهجير القسري يمكن القول بأنَّها تصنّف ضمن الهجرات الاضطرارية التي كانت تتضمن المتاجرة بالبشر وتهجير البشر من أماكن إقامتهم لأماكن أخرى, بناءً على سياساتٍ ممنهجة تمارس ضد السكان الأصليين فيما يعرف بعملية “التهجير القسري والتغيير الديمغرافي” ليحل محلهم مستوطنون جدد, وهم أيضاً يكونون في غالب الأحيان مهاجرين من غير سكان المنطقة الأساسيين, يتم استجرارهم وتوطينهم في غير مناطقهم بهدف تغيير معالم المنطقة اجتماعياً.
الهجرة تاريخياً
-1- هجرات ما قبل الحداثة:
عُرِفت أولى هجرات الإنسان المنتصب من أفريقيا عبر أوراسيا منذ نحو 1.75 مليون سنة بحسب بعض المصادر التاريخية، ويبدو أن الإنسان العاقل قد سكن كلاً من أفريقيا منذ حوالي 150.000 سنة، وتحرك خارج أفريقيا قبل حوالي 70.000 سنة، ثم انتشر في جميع أنحاء أستراليا وآسيا وأوروبا قبل 40.000 سنة قبل الميلاد. وبدأت الهجرة إلى الأمريكيتين قبل حوالي 20.000 إلى 15.000 سنة قبل الميلاد، ثم قبل 2000 سنة أصبحت معظم جزر المحيط الهادئ مستعمرة بفعل الهجرات المتعددة، وكانت تحركات السكان اللاحقة تشمل ثورة العصر الحجري الحديث، وتوسع الهندو أوروبي، وأوائل هجرات القرون الوسطى العظمى بما في ذلك التوسع التركي. حدث في بعض الأماكن تحول ثقافي كبير بعد هجرة نُخَب صغيرة نسبياً من السكان، وكمثال على ذلك تركيا وأذربيجان.
خارطة للهجرات البشرية القديمة
كانت أولى قوافل الإنسان المهاجر نتيجة عوامل عدة مثل تغير المناخ والتضاريس وعدم كفاية الإمدادات الغذائية، وتشير الأدلة إلى أن أسلاف الشعوب الأسترونيزية انتشرت من البرّ الصيني الجنوبي لتايوان في وقت ما منذ حوالي 8000 سنة. والأدلة من اللغويات التاريخية تشير إلى أنه هاجرت من هذه الجزيرة مجموعات البحّارة في شكل موجات كبيرة منفصلة عبر آلاف السنين، إلى كل المنطقة التي تشملها اللغات الأسترونيزية، ويعتقد أن هذه الهجرة بدأت منذ حوالي 6000 سنة.
تم افتراض أن الهجرة الهندية الآرية من وادي السند إلى سهل نهر الغانج في شمال الهند، قد اتخذت مكانها في الوسط إلى أواخر العصر البرونزي، حيث عاصرت أواخر مرحلة الهاربان في الهند (حوالي 1700-1300 قبل الميلاد). ثم من عام 180 قبل الميلاد تلتها سلسلة من الغزوات من آسيا الوسطى بما في ذلك تلك التي بقيادة الهندو إغريق، والهندوسكيثيين، والهندوبارثيين والكاشيون في شمال غرب شبه القارة الهندية.
فترة الهجرة من القرن الرابع وحتى القرن السادس
قبل التوسع للغات البانتو والناطقين بها كان يعتقد أن النصف الجنوبي من أفريقيا يسكنه الناطقون بلغة البيجمه والكوزان، واليوم تشغل المناطق الجافة حول صحراء كالاهاري والغابات في أفريقيا الوسطى، وبعد حوالي 1000 سنة ميلادية كانت هجرة البانتو قد وصلت إلى زيمبابوي وجنوب أفريقيا. في العصر الحديث كان بنو هلال وبنو معقل مجموعة من القبائل البدوية العربية من شبه الجزيرة العربية الذين هاجروا غربا عبر مصر بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر، وساهمت هجرتهم بقوة على تعريب وأسلمة المغرب الغربي الذي كانت تسيطر عليه قبائل البربر حتى ذلك الحين. ويعتبر التوسع الألماني الشرقي (Ostsiedlung) هو هجرة الشرق في القرون الوسطى واستيطان الألمان، وكان القرن الثالث عشر وقت الهجرات الكبيرة للمغول والأتراك عبر أوراسيا.
الحروب العالمية وعواقبها
للحربين العالميتين الأولى والثانية، والإبادات الجماعية والأزمات التي ظهرت بسببها، كان لكل ذلك تأثير كبير جداً على الهجرة، حيث هاجر المسلمون من البلقان إلى تركيا، فيما انتقل المسيحيون في الاتجاه المغاير إبَّان تلاشي الإمبراطورية العثمانية. في العام 1915 قامت الدولة العثمانية بالقتل المنظّم لسكانها الأرمنيين المدنيين، وتواصل الاضطهاد بدرجات متفاوتة من الشدة حتى عام 1923 عندما سقطت الإمبراطورية العثمانية وحلت محلها الجمهورية التركية الحديثة، حيث كان عدد السكان الأرمنيين في الدولة العثمانية نحو مليونين في عام 1915.
وفي عام 1918 تم قتل ما يقدر بمليون شخص، في حين أن مئات الآلاف أصبحوا من اللاجئين المشردين بلا وطن. وبحلول عام 1923 اختفى السكان الأرمنيون بالكامل تقريباً من الأناضول التركي. انتقل أربعمائة ألف يهودي لفلسطين أوائل القرن العشرين، والعديد منهم لأمريكا كما سبق ذكره. تسببت الحرب الأهلية الروسية بهجرة نحو ثلاثة ملايين من الروس والبولنديين والألمان من الاتحاد السوفيتي الجديد، وأيضاً تسبب إنهاء الاستعمار بعد الحرب العالمية الثانية بالهجرات.
لقد تشكل المجتمع اليهودي في أوروبا والبحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط من المهاجرين المتطوعين وغير المتطوعين. بعد المحرقة (1938-1945) كانت هناك زيادة في الهجرة إلى فلسطين نتيجة للانتداب البريطاني عليها، ومن ثم قامت الدولة الحديثة “إسرائيل” نتيجة لقرار الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين وتقديمها على طبق من ذهب لليهود.
لقد أدت أحكام اتفاقية بوتسدام عام 1945 التي وقّعها الحلفاء الغربيون المنتصرون والاتحاد السوفيتي، إلى واحدة من أكبر الهجرات الأوروبية والأكبر في القرن العشرين، حيث شملت هجرة وإعادة توطين أكثر من 20 مليون شخص، وكان أكبر الفئات المتضررة هم الألمان (16.5 مليون طردوا من أوروبا الشرقية إلى الغرب). وكانت ثاني أكبر فئة هم البولنديون الذين طُرد منهم الملايين غرباً من منطقة كريسي الشرقية وتوطينهم فيما يسمى بالأراضي المستردّة (انظر الحلفاء يقرون الحدود البولندية على خط أودرنيسي).
تم طرد مئات الآلاف من البولنديين والأوكرانيين (عملية فيستولا)، والليتوانيين، واللاتفيين، والأستونيين وبعض البيلاروس باتجاه الشرق من أوروبا إلى الاتحاد السوفيتي. وأخيراً فإن العديد من مئات الآلاف من اليهود المتبقّين في أوروبا الشرقية بعد المحرقة هاجروا خارج أوروبا إلى إسرائيل والولايات المتحدة.
باكستان – الهند
بعد تقسيم الهند عام 1947 انتقل عدد كبير من السكان من الهند إلى باكستان وبالعكس، بناء على معتقداتهم الدينية., وتم إقرار قانون التقسيم في استقلال الهند في تشرين الأول عام 1947 نتيجة لانحلال الإمبراطورية البريطانية الهندية، وقد أدى قرار التقسيم هذا إلى تشريد ما يصل إلى 17 مليون شخص في عهد الإمبراطورية البريطانية الهندية السابقة، مع تقديرات خسائر في الأرواح تتراوح من مئات الآلاف إلى المليون نسمة. هاجر المسلمون القاطنون في الهند البريطانية السابقة إلى باكستان (بما في ذلك شرق باكستان، بنغلاديش حالياً)، بينما انتقل الهندوس والسيخ المقيمون في باكستان والهندوسية من سكان باكستان الشرقية (بنغلاديش حاليا) في الاتجاه المعاكس.
هجرة العقول
الكفاءات والعقول هي القوى الناعمة والثروة الحقيقية للدول والأوطان، فالعقل البشري هو من يصنع الثروة الحقيقية لأي كيانٍ كان وقتما يتمكن من تطوير منتجات عصر العلم، أو تحقيق قيمة مضافة للثروات الطبيعية وتحويلها لما يخدم كافة مجالات المجتمع.
الشرق الأوسط بشكلٍ عام، وسوريا على وجه التحديد، كانت من أكثر الدول التي عانت ومازالت من هجرة العقول والكفاءات، نتيجة لما عصف بها من أحداث دامية دفعت بغالبية النُخَب والكفاءات للهجرة منها والتغرّب عن الوطن، والاستقرار فيما بعد في بلاد المهجر.
كانت سوريا تملك ثروة ضخمة من العقول المبدعة، التي ذاع صيتها واسمها على مستوى العالم في شتَّى المجالات، لكن الغالبية من هذه النخب خرجت منها اليوم منذ اندلاع الأزمة السورية صوب الغرب، بحثًا عن خياراتٍ أفضل تناسب كفاءاتهم وتحصيلهم العلمي وتوفر لهم الحد الأدنى من مقوّمات المعيشة.
كما تُعرَّف هجرة الأدمغة على أنها انتقال الأفراد ممن يملكون كفاءات عالية، أي أنهم خريجوا الجامعات والكليات وما فوق ذلك، من بلدهم لبلد آخر، بحثاً عن الإقامة الدائمة والعمل.
هجرة العقول السورية إلى الدول الأوربية والولايات المتحدة وكندا، هي حالة فرضتها الظروف الصعبة، منها الافتقار لحياة علمية ذات ظروف سليمة وحوافز مشجّعة، فضلاً عن السنوات الدموية التي عصفت بالبلاد، حيث أدت إلى تدنّي مستوى المعيشة وافتقار الحياة اليومية لأدنى المقومات المعيشية، فضلاً عن التضخم الكبير الذي حلَّ بالعملة الوطنية.
الهجرة غير الشرعية من دول الشرق الأوسط إلى الغرب
الشرق الأوسط الذي يعاني من صراعاتٍ قديمة – حديثة, كان منذ قديم الزمن أحد أكثر المناطق تصديراً للمهاجرين باتجاه القارة العجوز و إلى الأمريكيتين, ففي الوقت الذي تشتد فيه الصراعات في دولةٍ من دول الشرق الأوسط, تَنشط فيه طُرق الهجرة غير الشرعية التي يكون غالبها عن طريق البحر الأبيض المتوسط الذي يشكل حدوداً طبيعية فاصلة بين الشرق الأوسط و دول الاتحاد الأوربي, ومع تزايد حدة العنف في بعض دول المنطقة, ازدادت عمليات الهجرة غير الشرعية براً و بحراً وجوّاً, علاوة على استخدام بعض الدول ورقة اللاجئين كأسلوب ابتزاز وفرض شروط في أي اتفاقياتٍ عُقِدت أو مازالت في طور الانعقاد, غير الامتيازات التي تحصل عليها لقاء احتوائها للاجئين.
تأتي سوريا في المرتبة الأولى من حيث عدد المهاجرين وفق غالبية منظمات رصد حركات الهجرة العالمية، وبالتحديد كان غالبية المهاجرين يقصدون تركيا كمحطة أولى، ومن ثم اليونان، ومنها إلى دول الاتحاد الأوربي.
أعداد المهاجرين كان يخلّفها تباعاً قوائم لضحايا الهجرة الذين كانوا هدفاً سهلاً لأمواج البحر أينما كانوا، سواء في المسافة الفاصلة بين تركيا واليونان، أو في المسافة التي تفصل بين كل من لبنان وليبيا والجزائر والمغرب عن سواحل دول الاتحاد الأوربي.