التكتلات الاقتصادية الإقليمية
إسماعيل خالد
يتجه العالم نحو ترتيبات إقليمية جديدة تسعى إلى تغيير ميزان القوى والعلاقات الدولية والاقتصاد العالمي من خلال انشاء تكتلات دولية فاعلة بين المجموعات الدولية وبما يتناسب مع إمكانات وقدرات الدول الأعضاء فيها.
وتتجه هذه التكتلات إلى أن يكون لها دور رئيسي في ذلك التغيير، من خلال اعتمادها على ما تملكه من مقومات للقوة والنهوض بإمكانياتها الطبيعية والبشرية والمادية الهائلة تجعلها تنحو بمسارات واتجاهات ديناميكية للحصول على المكانة السياسية والاقتصادية الاستراتيجية وتحقيق أهدافها متخذة من التعددية السياسية والاقتصادية مقدمة للتعددية القطبية في ضوء التفرد القطبي بالقرارات الدولية من قبل الولايات المتحدة.
وإن ما يجري بين الشرق والغرب يمكن وصفه بأهم مراحل التغييرات التي عرفها الزمن المعاصر وأعمقها. وقد هدف الحوار الى التوصل إلى إيجاد الحلول أمام الصعوبات والمشاكل التي يواجهها النظامان الرأسمالي والاشتراكي من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والجوانب الدولية المتعلقة بالاستراتيجية السياسية والعسكرية وحدود هيمنة القوى العظمى.
إن أزمة الانظمة الرأسمالية (القومية) تفرز وجهتين سياسيتين لا يمكن التوفيق بينهما. فالإمبريالية تسعى للتغلب على صراع المصالح الاقتصادية والجيوستراتيجية المتأصل في نظام الدولة القومية الرأسمالية عن طريق انتصار قوة عالمية مهيمنة واحدة على جميع منافسيها. وهذا هو هدف الحسابات الإمبريالية الجيوستراتيجية، والنتيجة الحتمية لذلك هي حرب عالمية.
ولمعارضة الجغرافيا السياسية للطبقة الرأسمالية، تعد الطبقة العاملة الدولية القوة الاجتماعية التي تمثل، وبموضوعية، القاعدة الجماهيرية لثورة اشتراكية عالمية تنذر بنهاية نظام الدولة القومية برمته وإقامة اقتصاد عالمي يقوم على المساواة والتخطيط العلمي.
وان ظاهرة التكامل الاقتصادي بين دول رأسمالية هي ظاهرة تسعى من خلالها إلى توفير القاعدة الاقتصادية لتنمية القوى الانتاجية وهنا تلعب الشركات الرأسمالية متعددة القوميات دورها في عملية تدوير الراهنة وأدى ذلك الى تغيير في الأوضاع الاجتماعية والسياسية و أدت إلى ظهور مشاكل جديدة ذات طابع دولي شغلت العالم مثل القضايا البيئية و قضايا تأمين موارد طاقة وغيرها.
وقديماً مع مطلع القرن العشرين، دعا الليبرالي الناقد للإمبريالية، جون أ. هوبسون، بشكل ساخر إلى الانتباه إلى الدور الذي تلعبه “كذبة الروح” في التغطية على الغزو والاحتلال. وكما كتب هوبسون، فإنه وكنتيجة لمثل هذه الأكاذيب “قد تدنست العملة الأخلاقية للأمة”.
يعتبر الباحث الاقتصادي البريطاني “آدم سميث” أول من نبه إلى مخاطر الاحتكار حيث يقول “إن أرباب الصنعة الواحدة قلما يجتمعون إلا وانتهى لقاؤهم إلى مؤامرة ضد الجمهور، أو إلى خطة ماكرة لرفع الأسعار”. وليس “سميث” استثناء في التحذير من الاحتكار، إذ تنبه إلى مخاطره كثير من الاقتصاديين والمفكرين من أرسطو وحتى “جون ستيوارت ميل”.
وواقع الأمر أن المنافسة الكاملة هي حالة مثالية لا تتحقق كثيراً في الاقتصاد الواقعي. المنافسة الكاملة تعني تقاربا كبيراً في السلع المنتجة وتكاليف الإنتاج، وتخفيضاً مستمراً في الأسعار. هو وضع يصب في مصلحة المستهلك من دون شك، إلا أنه لا يحقق ربحا كبيرا للشركات وأرباب الأعمال. الربح فوق المعتاد يحدث مع الأوضاع الاحتكارية، بداية من المنافسة الاحتكارية، ومرورا باحتكار القلة (Oligopoly)، ووصولاً إلى الاحتكار الكامل (Monopoly)، ومعناه أن تسيطر شركة واحدة على النصيب الأكبر من السوق.
وعلى عكس ما يعتقد أغلبنا، فإن الرأسماليين وأصحاب الأعمال هم أشد الناس عداء للرأسمالية في الظاهر يتشدق أرباب الصناعة والمشروعات بإيمانهم المطلق بالنظام الرأسمالي. في حقيقة الأمر، هم يؤيدون جوانب منه تتعلق بحرية النشاط الاقتصادي وقدسية الملكية الخاصة، ويبغضون ركنا رئيسيا فيه: المنافسة المفتوحة .
التكتلات الإقليمية السياسية والاقتصادية
شهد العقد الأخير من القرن العشرين تغيراً حاداً في الشؤون العالمية لقد برزت دول غير أوراسية لا تكون الحكم الرئيسي في علاقات القوة الأوراسية فحسب، بل لتصبح أيضاً القوة الأعظم في العالم, وكانت هزيمة الاتحاد السوفييتي وانهياره قد شكّل الخطوة الأخيرة في صعود قوة من نصف الكرة الغربي، هي الولايات المتحدة، لتصبح القوة الوحيدة والعالمية بحق وحقيق، لأول مرة.
ومهما يكن الأمر فإن أوراسيا ما تزال محتفظة بأهميتها الجيوبوليتية, فهي ليست فقط متمثلة في محيطها الغربي، أي أوروبا، التي لا تزال مركزاً للكثير من القوة السياسية والاقتصادية للعالم، بل وفي منطقتها الشرقية، أي آسيا، التي أصبحت مؤخراً مركزاً حيوياً للنمو الاقتصادي والنفوذ السياسي المتعاظم. وبالتالي فإن مدى نجاح الولايات المتحدة ذات النشاطات أو الأنشطة العالمية في التعامل مع القوة الأوراسية المعقدة، ولا سيما قدرتها على أن تمنع ظهور قوة أوراسية مسيطرة أو معادية يبقى أمراً رئيسياً يحدد قدرتها على ممارسة السيادة العالمية.
لقد نشأ وتطور مفهوم التكتلات الاقتصادية أساساً في البلدان الصناعية وأصبح يُنظر إليها على أنها ضرورة ملحة, خاصة في مرحلة تطور القوى المنتجة التي وصلت إلى مرحلة من التطور بمساعدة العلم والتقنية, فتزايد الإنتاج والتعميق الحاصل في عملية تقسيم العمل الدولي.
من هنا تكتلت دول أوروبا الغربية في شكل سوق مشتركة عام 1957 م حتى أصبحت آنذاك بداية وصورة مثلى يُحتذى بها للعديد من الاقتصاديين والسياسيين بين مجموعات دولية أخرى.
وفقا لذلك، يمكن تعريف التكتلات الاقتصادية بأنها تجّمع عدد من الدول تجمعها روابط خاصة بالجوار الجغرافي أو التشابه الكبير في الظروف الاقتصادية أو الانتماء الحضاري المشترك، يعبّر عن درجة معينة من درجات التكامل الاقتصادي, فقد يكون اتحاداً جمركياً أو منطقة تجارة حرة وغيرها والتي تجمعها مجموعة من المصالح الاقتصادية المشتركة بهدف تعظيمها وزيادة التجارة البينية لتحقيق أكبر العوائد، والوصول إلى أقصى درجة من الرفاهية الاقتصادية لشعوبها.
وتعود نشأة التكتلات الاقتصادية إلى مجموعة من الدوافع الرئيسية، أهمها:
الدوافع الاقتصادية: وتتمثل بـ :
- تحقيق التنمية الاقتصادية من خلال البحث عن النمو الاقتصادي الجماعي والتنمية العادلة لجميع أطراف التكتل.
- توسيع نطاق السوق وزيادة استيعابه بما يحقق زيادة في الإنتاج وتدفق أكبر للسلع والخدمات وتعظيم الأرباح.
- تدفق الاستثمارات من خلال تهيئة بيئة استثمارية مستقرة قائمة على وجود نظم قانونية واقتصادية مشجعة على إقامة المشاريع المربحة، والتي تؤدي إلى زيادة التشغيل وزيادة النمو وهو ما يتيحه التكتل الاقتصادي باعتباره فضاءً حرّاً لانتقال عناصر الإنتاج.
- زيادة الكفاءة الاقتصادية خاصة في القطاع الصناعي الذي يشهد منافسة متزايدة، ومن خلال التنسيق بين السياسات الاقتصادية تزداد قوة التكتل في مواجهة التنافس الخارجي.
تكتل مجموعة دول البريكس BRICS :
يشير المصطلح إلى الحروف الأولى لخمس دول هي البرازيل، روسيا، الهند ، الصين ، وجنوب أفريقيا، كان استخدام هذا المصطلح أول مرة في عام 2001 إشارة إلى الدول الصاعدة، ولكن هذه المجموعة ظلت هشة وغير رسمية حتى عام 2009. وتظهر التنبؤات بأنها سوف تتفوق على اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية في العقد القادم من القرن الحالي، وعلى اقتصاديات الدول السبع الكبرى في منتصف القرن .
عندما اندلعت الأزمة المالية العالمية عام 2008 أكدت ذلك، فقد تغلبت دول المجموعة على الأحداث التي عصفت بالاقتصاد العالمي، فظهرت أصوات تتنبأ بزعامة البريكس للعالم بحلول عام 2030 .
انطلقت مجموعة البريكس من أهداف اقتصادية مشتركة لتكون حافزاً لتماسك هذه المجموعة، متخذين من
الاتحاد الأوروبي نموذجاً في ذلك, لأن دول المجموعة مختلفة عن بعضها في الكثير من الجوانب السياسية والثقافية، لذلك ركزت أهدافها على:
- تشجيع التجارة والاستثمارات البينية لتحقيق تكامل اقتصادي خاصة في مجال النفط والغاز والبنى التحتية.
- إصلاح مؤسسات التمويل الدولية من أجل زيادة دور القوى الاقتصادية الصاعدة في صناعة
القرار داخل مؤسسات النقد الدولية “الصندوق والبنك الدوليين”.
- محاولة تغيير نظام النقد الدولي بتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي في المدفوعات الدولية، حيث
تبلور الدول الخمس اتفاقية تقديم قروض أو منح لبعضها البعض بعملتها المحلية لتدويل تلك العملات، وتأسيس آليات جديدة.
- تهتم المجموعة بشكل خاص بالتعاون التكنولوجي خاصة في مجالات الطاقة المتجددة وتحسين استخدامها لا سيما وأن البرازيل تعدّ الدولة الرائدة في هذا المجال.
- الاتفاق على هوية موحدة وتعاون مؤسسي بما يجعلهم مجموعة جيوسياسية وجيواقتصادية لها وزنها قادرة على الثبات ودرء المخاطر مع خلق نظام للتنسيق الأمني فيما بينهم.
- العمل على تأسيس نظام عالمي جديد بعيد عن الهيمنة الأمريكية مع العمل على إصلاح المنظمات السياسية الدولية وتحديداً الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
- السعي لسحب دول صاعدة وناجحة تشارك هذه المجموعة في تطلعاتها، إذ يمكن الانفتاح على العالم .
دور البريكس في الاقتصاد العالمي
تمثل دول البريكس أكبر الاقتصادات خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهي نادي الأغنياء بالنسبة للاقتصادات الناشئة. وبالرغم من أنها مجموعة لا تتمتع بالتماسك القانوني والتاريخي والجيوسياسي مثل الاتحاد الأوروبي, إلا أنها تملك من المؤشرات الاقتصادية ما يجعل لها دوراً ومكانة في الاقتصاد العالمي، بفضل الوزن الديمغرافي ومستوى تطور التنمية البشرية؛ إذ يقدّر عدد سكان دول البريكس حالياً حوالي /3/
مليار نسمة وهو ما يعادل تقريبا /45%/ من سكان العالم, فهي قوة بشرية هائلة، ويرجع ذلك أساساً إلى
التعداد السكاني الكبير جداً للصين والهند.
منظمة شنغهاي للتعاون (Shanghai Cooperation Organization SCO)
إن الظروف الدولية الخاصة بكل من روسيا والصين كانت لها مساهمة كبيرة في نشوء وقيام منظمة شنعهاي للتعاون ، فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي كان لابدّ لروسيا الاتحادية من استرداد عافيتها والتوسع في مناطق النفوذ خاصة في العالم وبالأخص في قارة آسيا ، وكذلك ونظراً لحاجة الصين الكبيرة إلى موارد مختلفة لتأمين استمرار قوتها الاقتصادية كان لا بدّ من اللجوء إلى إنشاء تكتلات واتفاقيات تضمن لها تحقيق تلك الأهداف فتم تشكيل منظمة شانغهاي للتعاون وهي منظمة إقليمية دولية سياسية واقتصادية وأمنية أوراسية.
هي منظمة دولية تضم الصين، روسيا، كازاخستان، قرغيزستان، طاجيكستان وأوزبكستان ، كانت بداية تأسيسها في مدينة شنغهاي الصينية عام 2001م .
تتميز منظمة شنغهاي للتعاون بأن مساحات الدول الأعضاء فيها تتجاوز مساحات دولها أكثر من 30 مليون كيلو متر مربع, أي ما يساوي ثلاثة أخماس مساحة قارتي أوروبا وآسيا، ويبلغ عدد سكان الدول الأعضاء فيها نحو نصف تعداد سكان العالم. للمنظمة مقرّان دائمان هما مقرّ الأمانة العامة للمنظمة في العاصمة الصينية بيجين ، ومقرّ آخر في العاصمة الأوزبكية طشقند.
من أهم أهداف منظمة شنغهاي للتعاون :
1- تحقيق التنسيق البيني في المجال السياسي والأمني والاقتصادي والتجاري والثقافي وشبكات النقل والطاقة .
2- تبنّيها العديد من الاستراتيجيات لحل مشاكل الحدود ومكافحة الإرهاب والمخدرات، فالمنظمة منذ تأسيسها إلى الوقت الحاضر تضع ضمن سياساتها الحفاظ على السلم والأمن الإقليمي وتعزي الأمن الدولي، حيث حققت إنجازات ملحوظة في استتباب الأمن والتعاون في كافة مجالات الحياة.
3- تعزيز سياسات الثقة المتبادلة وحسن الجوار بين الدول الأعضاء، ومحاربة الإرهاب ودعم الأمن والتعاون في المجالات السياسية والتجارية والاقتصادية والعلمية والتقنية والثقافية، وكذلك النقل والتعليم والطاقة والسياحة وحماية البيئة، وتوفير السلام والأمن والاستقرار في المنطقة.
4- تحقيق التعاون في الشؤون السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية وتنفيذ القانون ، وحماية البيئة والثقافة والعلوم والتكنولوجيا والتعليم والطاقة والمواصلات والمال والمصارف ، والتأمين والقروض وغيرها من المجالات ذات الاهتمام المشترك، وتعزيز التنمية الشاملة في المنطقة، كما بدأت بإنجاز أهدافها عن طريق إجراء النشاطات في كافة المجالات).
في المرحلة الحالية تحتاج المنظمة إلى الاستكمال آلياتها في بعض الجوانب من أجل تحقيق الأهداف الآتية:
1- تعزيز الثقة المتبادلة وعلاقات الصداقة وحسن الجوار بين الدول الأعضاء.
2- تطوير التعاون في كافة المجالات وحماية وتعزيز السلم والأمن.
3- رفع مستوى معيشة مواطني الدول الأعضاء وتحسين ظروف الحياة من خلال الأعمال المشتركة وعلى أساس علاقات المساواة والشراكة.
4- نسيق المواقف عند المشاركة في الاقتصاد العالمي.
5- إيجاد الحلول للمشاكل القائمة في القرن الواحد والعشرين بشكل مشترك.
إن الدول الست في منظمة شنغهاي للتعاون دول مجاورة ترتبط ارتباطاً مهماً فيما بينها، حيث إن هناك العديد من القواسم المشتركة، وحققت المنظمة في مجال التعاون الأمني والاقتصادي وعلاقاتها الخارجية وفي المجالات الأخرى إنجازات مستمرة ومتطورة.
هيمنة جديدة روسية – صينية ، شراكة متعددة الأقطاب:
تدور محاور الشراكة الاستراتيجية الروسية – الصينية، كتوجّه جديد في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، على محاولة هذين البلدين الكبيرين والجارين على الدفع بالعالم إلى التعددية القطبية، وتجاوز مرحلة الأحادية القطبية، أو الأحادية الأمريكية. و قد بات على الدولتين الكبيرتين توحيد رؤيتيهما بتجاوز خلافاتهما والتركيز على الدفع قُدماً بتغيير منطق الأحادية القطبية، وذلك بتغيير ميزان القوى في العلاقات الدولية.
لقد اتخذت الشراكة الروسية الصينية أشكالاً عديدة شملت المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية؛ ففي المجال السياسي نجد أنها اتخذت أشكال التحالفات الإقليمية كمجموعة أو منظمة شنغهاي للتعاون، التي تعدّ من أهم وأقوى التحالفات السياسية بين روسيا والصين خاصة والجمهوريات المستقلة. وإذا كانت مرحلة ما بعد الحرب الباردة تركت فراغاً استراتيجياً في العلاقات الدولية، فإن روسيا والصين مدركتان إدراكاً كبيراً خطورة الفراغ الاستراتيجي والحيوي الذي حصل خاصة في المجال الحيوي لروسيا وريثة الاتحاد السوفياتي السابق.
لقد نصت الاتفاقية المنشئة لــــ “مجموعة شنغهاي” على :
– إقامة منطقة منزوعة السلاح على جانبي الحدود التي تمتد 4000 كلم في أقصى شرق روسيا وعلى المسافة نفسها في آسيا الوسطى أي ما يعادل 8000 كلم.
– مواصلة الجهود بتخفيض متبادل للقوات العسكرية المنتشرة في مناطق الحدود.
– عدم قيام الدول الموقعة على الاتفاق بتحريك قواتها في المناطق الحدودية دون إبلاغ الدول الأخرى.
تأرجحت السياسة الخارجية الروسية بين التوجهين المختلفين؛ فالتوجه الأول سيطر منذ نهاية 1991 حتى نهاية 1995 في فترة وزير الخارجية آنذاك ” كوزيريف”، وانطلق من أهمية اندماج روسيا في الرأسمالية الغربية وبالتحديد في مجموعة دول حلف الأطلنطي، باعتبار أن هذا الاندماج هو وحده الطريق لتمكين روسيا من النهوض اقتصادياً وإنشاء نظام عالمي يقوم على التعددية القطبية، واقترح إنشاء تحالف أوراسي بين روسيا والصين والهند كمثلث استراتيجي يوازن القوة الأمريكية.
و في هذا الإطار ساهمت روسيا في إنشاء منظمة شنغهاي للتعاون وذلك لتدعيم الدور الروسي في القارة الآسيوية للحفاظ على مصالحها التقليدية في آسيا الوسطى ، وكذلك مواجهة التأثيرات الإسلامية والحركات الانفصالية في الدول التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي السابق.
فروسيا تسعى إلى التنسيق الاستراتيجي مع دول آسيا الوسطى لأنها تمثل في الأساس أهم مصادر الطاقة ضمن دائرة احتياطي الغاز والبترول.
أما الموقف الصيـني فكان مدفوعاً بعدة عوامل، فتبحث الصين لدى روسيا عن الإمكانيات التي تزيد من قوتها العسكرية، بعد أن فرض الغرب حظراً على بيع الأسلحة الهجومية للصين عام 1989.
كما تحرص الصين على ضمان مواردها الحيوية، وضمان التعاون في مجال الطاقة ومحاصرة الحركات السياسية الدينية التي تظهر في الدول المجاورة نتيجة ضعف الأنظمة الحاكمة فيها.
إلى جانب رغبة الصين في تحويل المنظمة إلى متراس في مواجهة تأثير النفوذ المتصاعد للولايات المتحدة الأمريكية في آسيا الوسطى.
وفي السياق ذاته يأتي موقف الدول الأربع الأخرى في المنظمة، والسعي للقضاء على المشاكل الحدودية مع الصين، ومحاولة الاستقواء بروسيا لمواجهة مخاطر الحركات السياسية الدينية، ومن ثم اتفقت هذه الدول على التنسيق بينها في مجال مواجهة الإرهاب وكذلك مقاومة الحركات الانفصالية.
خصوصية العلاقات الروسية الصينية في منظمة شنغهاي للتعاون
إن إمكانيات روسيا والصين تسمحان لهما بلعب دور هام في العلاقات الدولية، فإذا كانت روسيا ورثت عن الاتحاد السوفياتي وضعاً حرجاً، فإنها تبحث عن استعادة مكانتها الدولية، وبالمقابل فإن الصين بحجمها ومضامين صعودها أصبحت قوة ترفض لعب دور هامشي كذلك, ومن هذا المنطلق تشكلت توجهات البلدين في صدّ الهيمنة الأمريكية والدفع بميزان القوة في العلاقات الدولية إلى عالم متعدد الأقطاب. ومن بين أهم مظاهر الشراكة الاستراتيجية الروسية الصينية في المجال السياسي نجد ” منظمة شنغهاي للتعاون”.
لقد سارت روسيا و الصين بعقلية جديدة لمواجهة الأخطار المشتركة، و لتحقيق توازن جديد في العلاقات الدولية بالشراكة الاستراتيجية الروسية – الصينية لمواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين.
بناء على ما تفرزه الوقائع لا يمكن للأهداف الجيوسياسية الروسية الصينية أن تصل إلى ما هو أبعد من هدفين: الهدف الأول هو البحث عن شركاء دوليين وإقليميين، وهي مستعدة لتقاسم النصر معهم وإن تعارضت رؤاهم وأساليبهم ، حتى لا تتحمل ثمن الفشل لوحدها في حال حصوله، وحتى لا تغوص في مستنقعات الفشل ولذلك تسعى روسيا والصين جاهدة لترويض التكتلات الناشئة التي تحمل صبغات اقتصادية شكلاً بينما تحمل في مضامينها أهداف أبعد من ذلك .
الهدف الثاني: الترويج لمنظومة أمنية متكاملة من آسيا الوسطى مروراً بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، وصولاً إلى أقصى الغرب بمشاركة بعض الأطراف الإقليمية ذات الأهداف المشتركة ، بديلاً عن المنظومة الأمنية الأميركية المهيمنة منذ عقود.. مقاربة ربما تبدو بسيطة لكنها ستفتح معركة جيوسياسية شاملة، وغير مضمونة النتائج مع الحلفاء والشركاء قبل المنافسين الآخرين .
التكتلات الاقتصادية منافسة غير المتكافئة وصورة غير مشرقة للعالم
بات من المعروف إن الوظيفة السياسية الخاصة لمنظمات اليسار الزائف وشركائهم هي التغطية على أكاذيب الدول الرأسمالية مثل الولايات المتحدة وحلفائها – لتبرير التدخل سواء في البلقان أو ليبيا أو سوريا – من خلال الادعاءات الاحتيالية بـ” الاعتبارات الإنسانية والبيئية وحقوق الإنسان”. فقادة الغرب الرأسمالي الذي تمثل الليبرالية أسلوب ونمط نموهم وتصاعدهم وهم يستنكرون “معاداة الإمبريالية غير المحسوبة” لوقوفها في وجه أي عملية أو أخرى تعد لها قوى الهيمنة العالمية من الغرب .
لم تغب الاعتبارات السياسية الاستراتيجية بالإضافة إلى الأهمية الاقتصادية للتكتلات الاقتصادية والسياسية الناشئة التي تم تأسيسها من قبل روسيا والصين ، فقد حرصت على إظهار وحدة صفها بشأن القضايا الدولية الكبرى وإثبات وزنها المتزايد في العالم, خاصة ما يجري في منطقة الشرق الأوسط, إذ توافق قادة بريكس على ضرورة تفادي استخدام القوة, معربين عن قلقهم الكبير إزاء ما يحدث من اضطرابات وتحديداً في سوريا والعراق واليمن و ليبيا .
– تسعى هذه التكتلات إلى المنافسة وإقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب بعيداً عن الأحادية القطبية التي يعيشها العالم منذ انتهاء الحرب الباردة، حيث تنفرد الولايات المتحدة بعناصر القوة والنفوذ نتيجة التمركز الشديد للموارد والإمكانيات المتاحة على نحو يجعل منها وحدة دولية متفوقة بكل المقاييس على بقية الوحدات الأخرى التي يتألف منها النظام الدولي.
إن لتكتل مجموعة دول البريكس مكانة في ميزان القوى العالمي ومنها :
– إن السياسة تتبع الاقتصاد والتجارة حيثما ذهبت، فعملية ضم جنوب أفريقيا مثلاً قد خضعت لاعتبارات سياسية وجيوبوليتكية أكثر منها اقتصادية أو تجارية, فبعد انضمامها للمجموعة أوائل عام 2011 ، سعت الصين إلى ضرورة ضم دولة أفريقية إلى المجموعة باعتبارها الشريك التجاري الأول لجنوب أفريقيا, ولتكون بريتوريا بوابة بريك إلى قارة أفريقيا في ظل السباق الأمريكي الصيني الكبير على النفوذ والتجارة في القارة. علاوة على أن جنوب أفريقيا تتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة, فهي تشرف على المحيطين الأطلسي غرباً والهندي شرقاً من ناحية الجنوب عبر طريق رأس الرجاء الصالح.
الواقع العولمي الاحتكاري ( الليبرالية ) المتوحشة و المنظمات الإقليمية والدولية
إنّ الذي وصلت إليه قوى الهيمنة الرأسمالية العالمية التي تمثلها الأحادية القطبية الأمريكية بشكلها المعاصر، والذي تضمن في تكوينه المستحدث ليس فقط تحكماً بوسائل وعلاقات الإنتاج والثروة، وإنما أيضاً تحكماً شبه مطلق بكل مصادر الإعلام والسلطة عبر تحوير كيانات الدول البيروقراطية وأدواتها الترويضية للمجتمعات إلى ملكية شبه حصرية ، لذلك النمط المتطفر من الرأسمالية العولمية المتوحشة التي نسميها اليوم بالليبرالية الجديدة، وكيانات عابرة للقارات أصبحت صاحبة الحل والربط على شكل حكومة كونية غير معلنة، يلتقي أباطرتها في لقاءات سنوية كالذي يجري في دافوس بسويسرا وغيرها من مراكز صناعة القرار لاتخاذ القرارات والتوجيهات التي لا بد للعالم وشعوبه من اتباعها، سواء بإرادتهم أو بالقوة والترهيب والتهديد بالحصار، أو حتى الحديد والنار إن اقتضت الحاجة.
ويمكننا الاستشهاد بدور وفعالية ونشاطات الشركات المتعددة الجنسيات أو العابرة للقارات, والتي تستخدم للتغطية على أعمالها الاستغلالية الاشتراك في منتديات وهيئات تنظيمية عالمية ومنظمات العلاقات العامة والإعلام, من أجل إقناع زعماء الدول والحكومات وأيضاً الجماهير والشعوب بسياقات التحرك التي تتأثر فيها حياة الإنسان, وهذا كله أثّر بشكل كبير في ارتفاع أعداد أنظمة الحكم الديكتاتورية المغلّفة بالرأسمالية البرجوازية الحداثية أسوة بأنظمة تلك الشركات.
لم تعد قوى الهيمنة العالمية المتمثلة بالولايات المتحدة الأمريكية مركز المراكز، ولم تعد الموازن للتوظيفات الإنتاجية التي يموّلها، وبدت عليها علامات تدفعها إلى مقدمة المسرح المتناقض المتصاعد بين المركز والأطراف المسمى شمال جنوب، ويلاقي المركز انطواءً على نفسه، تاركاً الأطراف لمصيرها، فالشمال قادر على الاستغناء عن الجنوب والدول النامية باتت من الماضي، اليوم نرى وجود منظمات مثل منظمة التجارة الدولية، وصندوق النقد الدولي، وتدخلات حلف شمال الأطلسي، وفوق ذلك تنكر بذاتها لجوهر البرجوازية لصالح خطاب جديد حداثي.
لقد قدم بريجينسكي شرحاً في كتابة رقعة الشطرنج الكبرى وضح فيها التشـعبات الاسـتراتيجية للحقـائق الجيوبوليتية الجديدة, فهو يشرح على سبيل المثال :
ـ لماذا ليست أميركا القوة العظمى العالمية الأولى فقط بل والأخيرة أيضاً؟ وماذا يترتب عليها إزاء وراثتها لهذا الدور؟.
إن استنتاجات بريجينسكي المدهشة والمبتكرة تقلب غالباً الحكمة التقليدية رأسـاً علـى عقب عندما يرسي هذا الرجل قاعدة لرؤية ملزمة وجديدة للمصالح الحيوية الأميركيـة في العالم, ومسارعة كل من روسيا والصين إلى لعب دور محوري في التكتل عبر التجمعات الإقليمية السياسية والاقتصادية لرسم معالم جديدة في السياسة الدولية وإبعادها عن الهيمنة الأحادية الأمريكية.
التوجهات الجديدة في العلاقات الدولية المعولمة
من الممكن والوارد جداً أن تلعب التكتلات الإقليمية الجديدة إحدى التوجهات المهمة في العلاقات الدولية المعاصرة ، والتي ارتبطت بعدد من المتغيرات على الصعيد العالمي أبرزها زيادة الترابط الاقتصادي بين الدول، وما قابلها من تزايد في الأزمات الاقتصادية والمالية العالمية التي غيرت من اتجاهات التعامل وفق ضوابط جديدة تحكم العلاقات على جميع الصعد, ولتحقيق أكبر قدر من الاستقرار والمنافع السياسية والاقتصادية.
تعدّ التكتلات الآنفة الذكر قوة اقتصادية ذات نمو سريع من قارات متعددة في العالم، استطاعت بأدواتها ومرجعياتها الاقتصادية والسياسية والثقافية المختلفة أن تشكل قوة دولية لا يستهان بها، وتتّجه لأن تكون ذات وزن سياسي في كافة الهيئات الدولية وتقف بإمكانياتها المتوفرة ضد فكرة القطب الواحد في التحكم في القضايا الدولية.
وفي الواقع لا تستطيع الاستراتيجيات المحددة بمصالح رأسمال المسيطر، أن تقدم شيئاً للشعوب التي لا تعترف أصلاً بهذه المصالح. إن مجمل السياسات التي تتبعها قوى السيطرة الرأسمالية لم تنتج إلا البؤس والفقر والموت لملايين البشر، وليست الشعوب وحدها ضحايا هذا النظام، فخضوع المجتمعات لمنطق الربح الأقصى للرأسمال المسيطر ينتج أعداداً غفيرة من العاطلين عن العمل، والمفقَرين والمهمَّشين والمبعَدين حتى في مراكز تلك الدول نفسها.
خلاصة :
في خضم الصراع المخفي والعلني فيما بين الأنظمة الرأسمالية والبرجوازية الجديدة الغربية والأنظمة التي تحكم الأنظمة الشمولية ومنها الاشتراكية الشرقية يتبادر إلى الذهن أن التحولات التاريخية التي طرأت على الساحة الدولية قد أفسح المجال أمام القوة الرأسمالية المتمثلة بالولايات المتحدة الأمريكية والغرب التي تبوأت لوحدها زعامة النسق العالمي الراهن ومن الطبيعي أن يلقي بظلالها على الدول النامية ومنها دول منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا ، وعلى التفاعلات السياسية التي تجري فيها .وإن صعود القوى الاقتصادية التي تتصبغ بالليبرالية ،إلا دليل على إعادة تدوير الأدوار وإعادة صياغة أنماط التفاعلات الاقليمية في هذه المنطقة الحيوية .
وختاماً يمكننا الإجابة عن التساؤل المطروح حول هل تفيد هذه التكتلات الإقليمية الناشئة التكتلات العالمية السياسية ، هل تسعى الى المنافسة لدعم المجتمعات والدول أم إن هدفها الأساسي المحاربة وزيادة الإنتاج ، هل يمكن لهذه التكتلات الناشئة الوقوف في وجه التنامي الوحشي لقوى الهيمنة العالمية أم تكملها ؟ ، و للتأكيد على ما تم ذكره سابقاً يمكننا القول أن أساس السياسة التي تنتهجها هذه التكتلات هي الاحتكار والتوسع وهذا ما أكده المفكر الأممي عبد الله أوجلان بقوله :
أنّ العناصرَ التي نسميها بالرأسمالية والرأسمالي والاقتصاد الرأسمالي، هي التي تراقبُ الاقتصاد بشكلٍ غيرِ مباشر، ولا تأخذ مكانها فيه بصورةٍ أساسية. فبماذا ينشغل هؤلاء أساساً؟ إنهم معنيون باحتكارِ السلطة. أي أنهم يُوَحِّدون احتكاراتِهم الاقتصاديةَ مع احتكاراتِ السلطة. كما أنهم يحاربون، لأنّ قواهم تتضاعف داخلَ البلد عندما ينتصرون في الحرب. وهذا ما معناه مزيداً من فائضِ القيمة. أما حين انتصارهم في حروبهم مع الخارج، فهذا يعني مَكسباً استعمارياً وبسطاً للهيمنة. وهذا ما يعني بدوره النهبَ والسلبَ الاحتكاريّ.
المراجع والمصادر :
- سمير ،أمين ، ما بعد الرأسمالية المتهالكة ، ترجمة د.فهمية شرف الدين ، دار الفارابي للنشر ، بيروت ،2003م
- فؤاد مرسي ، الرأسمالية تجدد نفسها ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، الكويت ، 1990 م
- فرانسوا مورو ،ترجمة كميل داغر ، الأممية الرابعة من تروتسكي مؤسساً، إلى الآن ، دار الفارابي للنشر بيوت 2007م
- . أحمد دياب، البريكس تكتل القوى الصاعدة، مركز الدراسات السياسية الاستراتيجية، مؤسسة
- . جعفر بهلول جابر الحسيناوي، التحديات السياسية والاقتصادية للهيمنة الأمريكية تكتل البريكس وشنغهاي نموذجاً، اطروحة دكتوراه غير منشورة، جامعة النهرين، كلية العلوم السياسية، 2017 م.
- . أليسون غراهام ، حتمية الحرب بين القوى الصاعدة ، والقوة المهيمنة ، دار الكتاب ، بيروت 2018م .
- . سمير أمين ، ما بعد الرأسمالية المتهالكة ، ترجمة فهمية شرف الدين ، دار فارابي ، بيروت 2003م.
- . ريتشارد أتش روبنز ، المشاكل العالمية وثقافة الرأسمالية ، ترجمة فؤاد سروجي ، الأهلية للنشر والتوزيع ، عمان الأردن 2008م.
- . زبغنيو بريجنسكي ، رقعة الشطرنج الكبرى السيطرة الأميركية وما يترتب عليها جيواستراتيجياً الطبعة الثانية مركز الدراسات العسكرية،1999م.
- عبد الله أوجلان ، مانفيستو الحضارة الديمقراطية ، المدنية الرأسمالية ، المجلد الثاني ، مطبعة آزادي ، 2013م