أبحاث ودراساتافتتاحية العددصلاح الدين مسلممانشيتملف العدد 56

الحرب الروسيّة على أوكرانيا… (دروس وعِبر)

صلاح الدين مسلم

صلاح مسلم
صلاح مسلم

صلاح الدين مسلم 

ما الذي يهمّنا من هذا البحث؟ وما علاقة هذه الحرب بقضايا الشرق الأوسط؟ وهل بدأت الحروب المباشرة بعد توقّفها ما بعد الحرب العالميّة الثانيّة؟ وهل عادت روسيا إلى الصراع العالميّ كقطب ثانٍ؟ وهي هذه اللعبة الدولية هي ضدّ أوكرانيا؟ أسئلة كثيرة تعتصر في خلجاتنا في الشروع لكتابة هذا الموضوع المهمّ.

فها هي أوكرانيا أو أُكرايينا الدولة التي تعاني حرباً من دولة جارة قويّة، لِأوكرانيا وروسيا نفس العادات والتقاليد والدين والتاريخ، لكن اختلاف في السيادة والطبقات.

عندما نرى جيشاً كاملاً لدولة قويّة تجتاح جارتها التاريخيّة علينا أن نتساءل؛ كيف؟ ولماذا؟ وماذا يهمّنا؟ وأين نحن؟؟؟ فكلّ أسئلة الاستفهام لا تغادرنا، وكيف يغدر الناتو بدولة قويّة مثل أوكرانيا؟ ولماذا تغدر؟ وما الفائدة المرجوّة من ذلك؟ ولماذا تريد أوكرانيا أصلاً الانضمام إلى الناتو؟ ولماذا كلّ هذا الحقد الروسيّ على هذه الدولة الجارة؟ أو العكس؟

إذا كانت الحروب تخوضها الدول، والشعب وحده يدفع الثمن، والدول إن ربحت أو خسرت فهي رابحة في النهاية، أهي عادة غايات الحروب؟ أهو البحث عن المال والنفوذ والسلطة وتوسيع الإمبراطوريّات؟ فالمبدأ الحربي السائد هو أنّ الدولة القويّة تبتلع الدولة الضعيفة، والدول الأقوى تتفرّج كيف تضعف هذه الدول وتنافسها؟

وهناك من يقول: إنّ اللوم على هذا الطرف، وذاك يقول: اللوم على ذاك الطرف، وهناك من هو مصطفٌّ مع هذا، وهناك من هو متخندق مع ذلك، مع أنّ السبب الرئيس لكلّ هذه الحروب هو {فكرة الدولة} بحدّ ذاتها، فقد جاءت فكرة الحرب مع نشوء الدولة قبل خمسة آلاف عام، وحتّى الآن تعاني الشعوب من تهوّر الدول بكافّة مسمّياتها، فقد يحتوي التاريخ في طيّاته على غزوات في المجتمع الطبيعي، لكنّها كانت غزوات للبحث عن لقمة العيش، وليس البحث عن الرفاهيّة والتعطّش للدماء مثل هذه الحروب.

 

لمحة عن أوكرانيا

إنّها أوكرانيا أو أُوكرايينا، حيث أنّ عاصمتها مدينة كييف، وهي أكبر مدينة في أوكرانيا، وهي الدولة التي تقع في شرق أوروبا، وتحدّها روسيا من الشرق، وبيلاروسيا من الشمال، وبولندا وسلوفاكيا والمجر من الغرب، ورومانيا ومولدوفا إلى الجنوب الغربي، والبحر الأسود وبحر آزوف إلى الجنوب.

تبلغ مساحتها الكلية 603،700 كم2 (233،100 ميل مربع) ممّا يضعها في المرتبة 44 عالمياً من حيث المساحة، وهي خمسة أضعاف مساحة سوريا على وجه التقريب، كما أنّها أكبر دولة تقع بأكملها في أوروبا وثاني أكبر بلد في أوروبا.

انضمت في عام 1923 إلى الاتّحاد السوفيتي وانفصلت عنه في 1991، وشهدت منذ أوائل 2014م أزمة سياسية بعدما قامت القوات المسلحة الروسية ببسط سيطرتها على شبه جزيرة القرم، وأجري استفتاء من بعده ضمت شبه الجزيرة إلى قوام روسيا الاتحادية، والذي اعتبرته أوكرانيا والمجتمع الدولي احتلالاً وتعديّاً على سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها.

بعد ذلك تصاعدت مظاهرات مؤيدة لروسيا من قبل جماعات انفصالية في دونباس شرق البلاد، مما أدى إلى حدوث صراع مسلح بين الحكومة الأوكرانية والجماعات الانفصالية المدعومة من روسيا. في شهر آب أغسطس 2014، عبرت المدرعات الروسية حدود دونيتسك من عدة مواقع، اُعتبرَ توغل الجيش الروسي مسؤولاً عن هزيمة القوات المسلحة الأوكرانية آنذاك.

وفقاً لتعداد عام 2001 يشكل العرق الأوكراني 77.8 ٪ والعرق الروسي (17.3 ٪) والباقي أعراق أخرى؛ فالبيلاروس (0.6 ٪) والمولداف (0.5 ٪) وتتار القرم (0.5 ٪) والبلغار(0.4٪) والمجر (0.3 ٪) والرومانيون (0.3 ٪) والبولنديون (0.3 ٪) واليهود (0.2 ٪) والأرمن (0.2 ٪) واليونان (0.2 ٪) والتتار (0.2 ٪)

تعدّ اللغة الروسيّة اللغة الثانيّة في أوكرانيا، فيتكلّم حوالي 30% من الشعب الأوكرانيّ اللغة الروسيّة كلغة أولى، إذ تُستعمل الأوكرانية والروسية في المدن، لكنّ اللغة الروسية أكثر شيوعاً في كييف، بينما تعدّ اللغة الأوكرانية اللغة السائدة في الريف، دأب الاتحاد السوفيتي على استعادة هيمنة اللغة الأوكرانية من خلال سياسة الأكرنة، من خلال الإعلام والتربية والمعاملات اليوميّة، وذلك لما تحمله الشيوعيّة من أمميّة، وعدم اهتمام بالقوميّات، وتعويضاً عن سياسة التجويع التي اتّبعها ستالين.

بينما كانت اللغة الأوكرانية هي لغة الدولة الوحيدة في جمهورية القرم حسب دستورها، مع أنّ الناطقين بالروسية هم (77 ٪)، بينما يتكلم الأوكرانية 10.1% والمتكلمين بلغة تتار القرم 11.4% لكن في الحياة اليومية لغالبية تتار القرم والأوكرانيين في القرم فتُستخدم اللغة الروسية.

تمّ حظر استخدام اللغة الأوكرانية في الطباعة من قبل الإمبراطورية الروسية هذا الأمر قمع بشدة النشاط الأدبي في المنطقة، وحيث أُجبِر الكتّاب الأوكرانيون على نشر أعمالهم إما باللغة الروسية أو نشرها في غاليسيا الخاضعة للسلطة النمساوية. لم يُرفع الحظر رسمياً أبداً، لكنه ألغي عملياً بعد ثورة البلاشفة ووصولهم إلى السلطة.

إذاً كانت اللغة الأوكرانيّة لغة المجتمع الريفيّ، وهذا المجتمع محافظٌ على لغته التي كانت بين مدّ وجزر، فهذه اللغة تعود بجذورها إلى المجتمع الأصليّ، ووقعت الدولة الشيوعيّة في فخ التنميط، فكان بعض القادة أمثال ستالين راديكاليين متعصّبين للشيوعيّة الديكتاتوريّة، قد حوّلوا الشيوعيّة إلى قوميّة، والمشكلة كانت في تنفيذ الماديّة كواجب مقدّس، فأجبر ستالين الشعب على تحويل المجتمع من الإقطاعيّة إلى الرأسماليّة بالقوّة، وبالتالي كانت ردّة فعل الأوكرانيين على الدولة كإرث تاريخيّ، فاستذكروا أيّام الإمبراطور الروسيّ الذي كان يمنع اللغة الأوكرانيّة.

على الرغم من انتشار اللغة الأوكرانية في الدولة منذ القِدم، إلّا أنّ الإمبراطورية الروسية قد حظرت استخدام تلك اللغة، الأمر الذي أدّى إلى هيمنة اللغة الروسية على العديد من أجزاء البلاد، ممّا دفع الحكومة الأوكرانية إلى الإعلان عام 2012 عن اعتماد بعض اللغات الأخرى كلغات رسمية إلى جانب الأوكرانية وأهمها اللغة الروسية.

 

أوكرانيا اقتصاديّاً

يصنف الناتج المحلي الإجمالي (تعادل القوة الشرائية) لأوكرانيا لعام 2007 وفقاً لوكالة الاستخبارات المركزية، في المرتبة 29 في العالم ويقدر 359.9 مليار دولار أمريكي، فإجمالي الناتج المحلي للفرد في عام 2008 وفقا للوكالة كان 7800 $ (من حيث تعادل القوة الشرائية)، في المرتبة 83 عالمياً.

إجمالي الناتج المحلي الاسمي (بالدولار الأمريكي محسوباً بسعر صرف السوق) 198 مليار دولار، في المرتبة 41 عالمياً.

تنتج أوكرانيا تقريباً جميع أنواع سيارات النقل والمركبات الفضائية. يتم تصدير طائرات أنتونوف وشاحنات كراز لكثير من البلدان. تسوَّق معظم الصادرات الأوكرانية إلى الاتحاد الأوروبي واتحاد الدول المستقلة. منذ الاستقلال تحافظ أوكرانيا على وكالة الفضاء الخاصة بها، وكالة الفضاء الوطنية الأوكرانية. كما تشارك أوكرانيا بنشاط في استكشاف الفضاء والبعثات العلمية وبعثات الاستشعار عن بُعد بين عامي 1991 و2007، أطلقت أوكرانيا ستة أقمار صناعية و101 مركبة إطلاق محلية الصنع، وتستمر في تصميم المركبات الفضائية. وهكذا حتى يومنا هذا، من المسلّم به أن أوكرانيا دولة رائدة في العالم في إنتاج الصواريخ والتكنولوجيا ذات الصلة.

معظم واردات البلاد من إمدادات الطاقة وخاصة النفط والغاز الطبيعي، وتعتمد إلى حد كبير على روسيا كمورد للطاقة. في حين أن 25 في المئة من الغاز الطبيعي في أوكرانيا يأتي من مصادر داخلية، يأتي نحو 35 في المئة من روسيا والباقي 40 في المئة من آسيا الوسطى من خلال الطرق التي تسيطر عليها روسيا. وفي الوقت ذاته، يمر 85 في المئة من الغاز الروسي إلى غرب أوروبا عبر أوكرانيا.

يصنف البنك الدولي أوكرانيا كدولة ذات دخل متوسط. تشمل القضايا الهامة البنية التحتية ونظام النقل المتخلف، والفساد والبيروقراطية. في عام 2007 سجلت سوق الأسهم الأوكرانية ثاني أعلى نمو في العالم من 130%. ووفقاً لوكالة الاستخبارات المركزية، في عام 2006 بلغت القيمة السوقية لسوق الأوراق المالية الأوكرانية 111.8 مليار $. تشمل القطاعات النامية من الاقتصاد الأوكراني سوق تقنية المعلومات والتي تفوقت على جميع دول وسط وشرق أوروبا في عام 2007، حيث نمت بنحو 40 في المئة.

تحتل أوكرانيا المركز الثامن عالمياً من حيث عدد السياح، وفقاً لتصنيف المنظمة العالمية للسياحة. عجائب أوكرانيا السبعة هي المعالم التاريخية والثقافية السبعة في أوكرانيا، إذ يمكن لأوكرانيا تلبية الاحتياجات الغذائية لنحو 600 مليون شخص.

كان الاقتصاد الأوكراني في المرتبة الثانية ضمن الاتحاد السوفيتي، لكونه عنصراً صناعياً وزراعياً هاماً في اقتصاد البلاد المخطط. مع انهيار النظام السوفيتي، انتقلت البلاد من الاقتصاد المخطط إلى اقتصاد السوق. كانت عملية الانتقال ثقيلة بالنسبة لغالبية السكان الذين سقطوا في براثن الفقر. انهار اقتصاد أوكرانيا بشدة في السنوات التالية لانهيار الاتحاد السوفيتي. وأصبحت الحياة اليومية للمواطن الأوكراني صراعاً للبقاء. نجح البعض في المناطق الريفية في التخفيف من وطء الأزمة من خلال زراعة الأغذية الخاصة بهم، والعمل في كثير من الأحيان في وظيفتين أو أكثر، كما نجم اقتصاد المقايضة لشراء الضروريات الأساسية.

في عام 1991، حررت الحكومة معظم الأسعار لمكافحة النقص الواسع في المنتجات، وكان ناجحاً في التغلب على المشكلة. وفي الوقت نفسه، واصلت الحكومة دعم الزراعة والصناعات المملوكة للدولة عن طريق الانبعاث النقدي غير المكشوف. دفعت السياسات النقدية في بداية التسعينيات التضخم إلى مستويات التضخم الجامح. في عام 1993، حملت أوكرانيا الرقم القياسي العالمي للتضخم في السنة التقويمية. أكثر من عانى أولئك الذين يعيشون على دخل ثابت.

لم تستقر الأسعار إلا بعد طرح العملة الجديدة، هريفنيا، في عام 1996. كما كانت البلاد بطيئة في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية. بعد الاستقلال، شكلت الحكومة إطاراً قانونياً للخصخصة، ومع ذلك، ظهرت مقاومة واسعة النطاق للإصلاحات من داخل الحكومة ومن جزء كبير من السكان مما عرقل هذه الجهود. استثنيت أعداد كبيرة من الشركات المملوكة للدولة من عملية الخصخصة.

تعدّ أوكرانيا أكبر دولة ‘أوروبية’، وهي الأولى في أوروبا من حيث الاحتياطيات المؤكدة القابلة للاسترداد من خامات اليورانيوم، والمركز الثاني في أوروبا، والمركز العاشر في العالم من حيث احتياطي خام التيتانيوم، والمركز الثاني في العالم من حيث الاحتياطيات المستكشفة من خامات المنغنيز (2.3 مليار طن ، أو 12٪ من احتياطيات العالم) ثاني أكبر احتياطي لخام الحديد في العالم (30 مليار طن)، والمركز الثاني في أوروبا من حيث احتياطيات خام الزئبق، والمركز الثالث في أوروبا (المركز الثالث عشر في العالم) في احتياطي الغاز الصخري (22 تريليون متر مكعب)، والمرتبة الرابعة في العالم من حيث القيمة الإجمالية للموارد الطبيعية، والمركز السابع عالميّاً في احتياطي الفحم (33.9 مليار طن)، تعدّ الأولى في أوروبا من حيث مساحة الأراضي الصالحة للزراعة، وفي المركز الثالث في العالم من حيث مساحة التربة السوداء (25٪ من حجم العالم)، والمركز الأوّل في العالم في صادرات عباد الشمس و زيت عباد الشمس، والمركز الثاني عالمياً في إنتاج الشعير، و المركز الرابع في صادرات الشعير، وهي ثالث أكبر منتج ورابع أكبر مصدر للذرة في العالم، وخامس منتج لجينة الچاودر (الكاشكابان) ورابع أكبر منتج للبطاطس في العالم، وهي في المركز الخامس عالمياً في إنتاج النحل (75000 طن)، والمركز التاسع في العالم بصادرات القمح، وإنتاج بيض الدجاج، وفي المركز السادس عشر في صادرات الجبن، وهي الأولى في أوروبا في إنتاج الأمونيا، ورابع أكبر نظام لأنابيب الغاز الطبيعي في العالم 142.5 مليار متر مكعب من سعة إنتاج الغاز في الاتحاد الأوروبي، وثالث أكبر شركة في أوروبا والثامن في العالم من حيث القدرة المركبة لمحطات الطاقة النووية، وفي المركز الثالث في أوروبا، والمركز الثالث عشر في العالم من حيث طول شبكة السكك الحديدية (21.700 كم)، والمركز الثالث في العالم (بعد الولايات المتحدة و فرنسا) في إنتاج أجهزة تحديد المواقع ومعدات تحديد المواقع، وثالث أكبر مصدر للحديد في العالم، ورابع أكبر مصدر للتوربينات لمحطات الطاقة النووية في العالم، ورابع أكبر مصنع لقاذفات الصواريخ في العالم، والمركز الرابع في العالم في صادرات الطين، والمركز الرابع في العالم في صادرات التيتانيوم، والمركز الثامن في العالم في صادرات الخامات والمركزات، والمركز التاسع في العالم في صادرات منتجات الصناعات الدفاعية، وعاشر أكبر منتج للصلب في العالم (32.4 مليون طن)

كان التصنيع عبئاً ثقيلاً على الفلاحين الأوكران، الذين كانوا يشكلون العمود الفقري من تعداد سكان الأمة الأوكرانية، تلبية لحاجة الدولة في زيادة الإمدادات الغذائية وتمويل التصنيع. وضع ستالين برنامج التجميع الزراعي حيث جمعت الدولة أراضي وحيوانات الفلاحين في مزارع جماعية، وفرضت سياساتها عن طريق القوات النظامية والشرطة السرية. الذين قاوموا واعتقلوا ورحِّلوا قسراً وفرضت حصص الإنتاج المتزايد على الفلاحين. كان لسياسة التجميع آثار كارثية على الإنتاج الزراعي، حيث لم يسمح للعاملين في المزارع الجماعية بالحصول على أي حبوب حتى يتم تحصيل الحصص التي كانت مستحيلة البلوغ، وحلت المجاعة في الاتحاد السوفيتي على نطاق واسع.

فبين 1932-1933، مات الملايين جوعاً في مجاعة صنعها الإنسان تعرف باسم هولودومور. ينقسم الباحثون في تسمية هذه المجاعة بالإبادة الجماعية، لكن البرلمان الأوكراني، وأكثر من اثني عشر بلدا آخر يسمونها بذلك.

لم نفهم كيف شجّع ستالين الصناعة وقضى على الزراعة في أوكرانيا وكازاخستان، وكأنّه يريد أن يجعل البلاد رأسماليّة ليقضي على الملكيّة والإقطاعيّة. فقد حصدت المجاعة ما يصل إلى 10 ملايين أوكراني حيث صودر مخزون الفلاحين من الغذاء قسراً من قبل الحكومة السوفيتية من خلال NKVD (سلف كي جي بي) والشرطة السرية. كان ستالين يريد القضاء على الثقافة الفلاحيّة، وذلك ليقضي على فكرة التملّك، فالفلّاح لا يستطيع التخلّي عن أرضه وملكه، فكانت سياسته الغريبة في القضاء على فكرة الملكيّة من خلال العنف الثوريّ الديكتاتوريّ، فلم يأخذ ستالين المجاعة على أنها كارثة إنسانية، وإنما كحالة من حالات الصراع الطبقي، فاستخدم التجويع كأداة لإجبار الفلاحين إلى المزارع الجماعية، حيث تنتفي الملكيّة.

واستطاع ستالين القضاء على الكتّاب الأوكرانيين، والفنانين، والمفكّرين، فتخلّص الحزب الشيوعي الأوكراني من نزعته الوطنية.

 

أوكرانيا عسكريّاً

وقعت الدولة الأوكرانيّة في فخ السلام العالمي، فسلّمت كلّ أسلحتها النووية إلى روسيا لتفكيكها 1996، بعد أن كانت ثالث أكبر ترسانة أسلحة نووية في العالم، صارت لا تمتلك سلاحاً نووياً واحداً، وقلّصت الأسلحة التقليدية، وكانت قوّتها العسكريّة 780،000 عسكريّ، فخفّضت قوات جيشها إلى 300,000 عسكريّ، مع ذلك يمثل الجيش الأوكراني ثاني أكبر قوة عسكرية في أوروبا، بعد روسيا.

ففي أعقاب انهيار حكومة يانوكوفيتش، وما نتج عنه من ثورة 2014 الأوكرانية في فبراير شباط عام 2014، بدأت أزمة الانفصال في شبه جزيرة القرم الأوكرانية. بدأت تحمل علامات، الجنود الروس المسلحة التي انتقلت إلى شبه جزيرة القرم في 28 شباط عام 2014.

في 1 مارس عام 2014، طلبَ الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش والنظام المنفيين أن روسيا استخدام القوات العسكرية “لإقامة شرعية والسلام والقانون والاستقرار والدفاع عن شعب أوكرانيا “. وفي نفس اليوم، طلب بوتين وحصل على إذن من البرلمان الروسي لنشر القوات الروسية في أوكرانيا وسيطرت على شبه جزيرة القرم في اليوم التالي. بالإضافة إلى ذلك، كان ينظر حلف شمال الأطلسي من قبل معظم الروس كما التعدي على حدود روسيا. هذا وزنه بشكل كبير على قرار موسكو على اتخاذ تدابير لتأمين منفذ لها على البحر الأسود في شبه جزيرة القرم.

في يوم 6 مارس عام 2014، صوّت برلمان القرم على “الدخول في الاتحاد الروسي مع حقوق موضوعة للاتحاد الروسي” والذي عقد في وقت لاحق استفتاء يسأل أهل هذه المناطق ما إذا كانوا يريدون الانضمام لروسيا كموضوع الفيدرالية، أو إذا أرادوا أن يعيد العمل بدستور القرم عام 1992، والوضع في شبه جزيرة القرم باعتبارها جزءاً من أوكرانيا. على الرغم من أنه مرت بأغلبية ساحقة، لم تتم مراقبة التصويت من قبل أطراف خارجية ولم يتم الطعن في النتائج دوليّاً.

أعلن الاستقلال رسمياً باسم جمهورية القرم وطلبت أن يتم قبولها بوصفها من مكونات الاتحاد الروسي. وفي 18 مارس 2014، وقعت روسيا والقرم معاهدة انضمام جمهورية القرم وسيفاستوبول في الاتحاد الروسي، على الرغم من أنه صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح بيان غير ملزم يعارض الضم الروسي لشبه الجزيرة.

وفي الوقت نفسه، بدأت الاضطرابات في المناطق الشرقية والجنوبية من أوكرانيا في العديد من المدن في دونيتسك وغانسك، وانتشر مسلحون معلنين أنفسهم بأنهم ميليشيا محلية، فضبطت المباني الحكومية ومراكز الشرطة والشرطة الخاصة في عدة مدن من المناطق.

بدأت محادثات في جنيف بين الاتحاد الأوروبي وروسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة الأمريكية أسفرت عن بيان الدبلوماسية المشتركة، ويشار إلى أن ميثاق جنيف 2014 الذي طالب الطرفين وجميع الميليشيات غير القانونية إلقاء السلاح وإخلاء المباني الحكومية المضبوطة، وكذلك إنشاء الحوار السياسي الذي يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الحكم الذاتي لمناطق أوكرانيا. عندما أصبح واضحاً أن بوروشينكو قد فاز في الانتخابات الرئاسية، في ذلك المساء 25 مايو 2014، أعلن بوروشنكو “سيكون لي أول زيارة رئاسية لدونباس”، حيث أعلن المتمردون الموالون لروسيا استقلال الجمهوريات الانفصالية دونيتسك الشعبية الجمهورية وجمهورية لوغانسك الشعبية، وسيطرت على جزء كبير من المنطقة. تعهد بوروشنكو أيضاً بمواصلة العمليات العسكرية من جانب القوات الحكومية الأوكرانية لإنهاء التمرد المسلح الذي تدّعي “عملية مكافحة الإرهاب لا يمكن ولا ينبغي أن تستمر شهرين أو ثلاثة أشهر، ويجب أن تستمر ساعات “.

ردّت روسيا بالقول إنها لا تحتاج إلى وسيط في علاقاتها الثنائية مع أوكرانيا. كما وعدت بوروشنكو بمتابعة عودة شبه جزيرة القرم الأوكرانية لسيادة الرئيس المنتخب.

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ورثت أوكرانيا قوة قوامها 780,000 عسكري على أراضيها، مزودة بثالث أكبر ترسانة أسلحة نووية في العالم.

في أيار / مايو 1992، وقعت أوكرانيا على معاهدة تخفيض الأسلحة الاستراتيجية (ستارت) والتي وافقت فيها البلاد على التخلي عن جميع الأسلحة النووية لصالح روسيا لتفكيكها، والانضمام إلى معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية كدولة غير حائزة على الأسلحة النووية. وصدّقت أوكرانيا على المعاهدة في عام 1994، وبحلول عام 1996 أصبح البلد خالياً من الأسلحة النووية. وقبل الحرب الروسيّة على أوكرانيا مثّل الجيش الأوكراني ثاني أكبر قوة عسكرية في أوروبا، بعد روسيا.

أخذت أوكرانيا خطوات متسقة لتقليص الأسلحة التقليدية. وقعت على معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا، والتي دعت إلى التخفيض من أعداد الدبابات والمدفعية والعربات المدرعة (تم تخفيض قوات الجيش إلى 300,000). وحوّلت البلاد القوة العسكرية القائمة على التجنيد إلى قوة مختصة تطوعية ما بعد عام 2011، وتلعب أوكرانيا دوراً متنامياً في عمليات حفظ السلام، أعلنت أوكرانيا نفسها دولة محايدة.

تشارك وحدات عسكرية من دول أخرى القوات الأوكرانية في مناورات عسكرية متعددة الجنسيات في أوكرانيا بشكل منتظم، بما في ذلك القوات العسكرية الأمريكية. بعد الاستقلال. امتلكت البلاد شراكة عسكرية محدودة مع روسيا، وغيرها من بلدان رابطة الدول المستقلة وشراكة مع حلف شمال الأطلسي منذ عام 1994.

في بداية القرن الحالي، مالت الحكومة إلى منظمة حلف شمال الأطلسي، وإلى تعميق التعاون مع قوات التحالف والتي حدّدتها خطة العمل بين حلف الناتو وأوكرانيا الموقعة عام 2002. كما تم الاتفاق في وقت لاحق على إجراء استفتاء وطني في مرحلة لاحقة حول الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. اعتبر الرئيس السابق فيكتور يانكوفيتش مستوى التعاون الحالي بين أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي كافياً، حيث أن يانوكوفيتش ضد انضمام أوكرانيا إلى الحلف. أعلنت منظمة حلف شمال الأطلسي في قمة بوخارست 2008 أنّ أوكرانيا ستصبح عضواً في منظمة حلف شمال الأطلسي متى تريد ومتى تتوافق مع معايير الانضمام.

 

الحرب الروسيّة على أوكرانيا

لم يمضِ على استقلال أوكرانيا ثلاثون عاماً، وكانت تحت الوصاية الأجنبية على مدّة ستة قرون متواصلة، ولم يتعلّم هذا الرئيس الجديد فنّ المساومة، وهو غرّ أمام هؤلاء العمالقة الروس والأميركيين والبريطانيين الألمان، هو والطاقم الرئاسي، وخاصّة تركيز الدولة الأوكرانيّة على إحياء الدولة القوميّة التي استرجعت أيّام الظلم الروسيّ ما قبل البلاشفة وبعدهم.

هي عادة الدول القوميّة في إزكاء روح العداء، وهذا العداء لم يخدم الشعبين الروسيّ والأوكرانيّ، بالطبع لا يختلف الأمر في روسيا، فقد اعتبر الروسُ الأوكرانَ قوميّةً متدنيّةً، بالإضافة إلى الدينين المتصارعين (الكاثوليكي والأرزوسكسي) في أوكرانيا.

إنّ الدولة الأوكرانيّة فيها موزاييك لا يختلف عن الموزاييك الشرقي، وهذا ما لا يحبّه الغرب بعد أن خطّت هذه الحدود الأوروبيّة بالدماء، وفرضت الدولة القوميّة عليها، وكأنّ على أوكرانيا أن تدفع دماء أخرى لتُقبل في الاتّحاد الأوروبيّ.

هي عادة الاتّحاد الأوروبيّ في إضعاف الدول كما فعلت في يوغسلافيا، حتّى قسّمتها إلى دول صغيرة ضعيفة جدّاً، وقبلت بشراكة بكرواتيا وأيضاً جورجيا ومولدوفا وسلوفينيا وأوكرانيا وجورجيا وأرمينيا أذربيجان، ولم تقبل حتّى الآن بالجبل الأسود والبوسنة والهرسك وكوسوفو وصربيا ومقدونيا بالإضافة إلى تعليق طلب ألبانيا وأيسلندا وتركيا….

كلّ الحروب الأميركيّة في هذا القرن، إمّا تطول وتفشل وتصعب السيطرة عليها كما في العراق وأفغانستان وسوريا، أو يؤول الأمر بالانسحاب، ويبقى الشعب أمام هذا التهوّر الغربيّ.

لقد مهّد الرئيس الأمريكي جو بايدن لحرب روسيا على أوكرانيا وروّج لها قبل أسابيع من بدء الحرب في شباط 2022، واستنفرت السياسة الخارجيّة والإعلام الأميركي من أجل هذه الحرب، وكأنّها لا تصدّق متى تقام هذه الحرب؟ على العكس من الهجوم المفاجئ للجيش التركي لشمال شرق سوريا، عندما كانت قوّات سوريا الديمقراطيّة تتفق مع القوّات الأميركيّة وهي توقع معاهدة مراقبة الحدود ما بين الجيش التركي والجيش الأميركي وقوات سوريا الديمقراطيّة، وهنا يكمن مبدأ اللا مبدأ في التحالفات الجديدة، فلا مبادئ للدول، ولا عقود، فظلّت أوكرانيا تعطي فروض الطاعة لأوروبا وأميركا، وظلّت تحاول الدخول في نظام العالم الأوّل والخروج من العالم الثالث حسب تصوّر الأوكرانيين لكنّ هذا الخنوع لهذا النظام لم ينفع، فلهذا النظام حساباته الخاصّة.

هذه اللعبة التي لعبها الغرب في أوكرانيا في جرّها إلى الحرب، والتصريحات الغربيّة التي تظهر أنّ هذه الدول ستكون مساندة لأوكرانيا، والرئيس الأوكرانيّ الذي لا يمتلك تلك الخدع السياسيّة وقع في الفخّ العالميّ، فالغرب يتمنّى أن تطول هذه الحرب لتُستنفد القوّتان، فروسيا تقوى يوماً بعد يوم، وهي حليف للصين، وأوكرانيا إذا دخلت الاتّحاد الأوروبي ستصبح أقوى دولة من حيث القوّة العسكريّة، وهذا ما لا ترضاه ألمانيا وفرنسا.

عندما دخل هتلر أوكرانيا اصطفّ الكثير من الأوكرانيين مع الجيش الألمانيّ ضدّ ستالين مُدمِّر أوكرانيا، ومُدمِّر الاتّحاد السوفيتي اقتصاديّاً، ومدمّر الاشتراكيّة، وهو تكرار للتاريخ، فأوكرانيا لا تتحالف مع جارتها التاريخيّة وترضى بالغرب الغريب، وذلك ليس عبثاً، فنظام القيصر الروسي قد حارب الشعب الأوكراني واعتبره طبقة متدنيّة من المجتمع، وتابعاً له، وأتمّ نظام الاتحاد السوفيتي أيضاً هذه السياسة وزاد عليها سياسة المجاعة.

الروسي يعتبر الأوكراني طبقة ثانية، وبعد هذا الانفتاح الاقتصادي صار دخل الفرد الأوكراني أفضل بكثير من دخل الفرد الروسي، وما زال شبح النظام الشيوعي ماثلاً حتّى الآن في ذهنيّة الأوكرانيّ، فبعد هذه النقلة النوعية من النظام السابق والنظام الغربيّ الحالي يحدث بلبلة في ذهنية الأوكرانيّ الخائف من عودة التقشّف.

لقد تغيّر القادة السياسيّون، فمعظم القادة ضعفاء لا يمتلكون الخبرة، فمنذ وصول جورج بوش الابن إلى الحكم الذي كان يقوده نائبه ديك تشيني الدموي، تغيّرت هذه المعادلات، فترى شاباً شاذاً وصل الحكم، ومجنوناً متهوّراً، وشاباً لا يمتلك الخبرة، ورجل عصابات، ومتعصّب، ويميني متطرّف، وامرأة بذهنيّة الرجال، ومتخلّف وأمّي وقادة يكذبون دون أي حياء وقادة أغرار أخلاقيين لكنّهم غير خبراء، لقد بات العالم على حافة الجنون لوصول هذه الحداثة الرأسماليّة إلى أقصى درجات التدنّي الأخلاقي، وأقصى درجات الاستهتار والتفكّك.

لا جوهر في الحكم، ولا حكمة، سباب على الهواء وعلى النت، تصريحات لا معنى لها، تلفيقات… فإذا كان القادة هكذا فكيف ستكون مؤسّسات هذا النظام الرأسمالي، فلماذا لا تكذب وسائل الإعلام؟ ولماذا لا يكذب المفكّرون الجدد في عالم الكذب والتلفيق وتزيف الحقيقة، ولماذا لا يختلقون النظريّات التي ستدمّر هذا الكون؟

تبدأ الشعوب المتحرّرة من نير الإمبراطوريات من الخوف على مصيرها، إثر تجدّد مفاهيم الحروب الإمبراطوريّة والحربين العالميتين الأولى والثانيّة، في هذه الحرب الروسيّة على أوكرانيا، فهذا القانون الدولي الذي يعتمد على ازدواجيّة المعايير بات وبالاً على الشعوب، والأمم المتّحدة التي تحكمها خمسة دول متناقضة في العالم، فعلى سبيل المثال كيف سيتبنّى مجلس الأمن قراراً ضدّ روسيا وروسيا تمتلك حقّ الفيتو؟

هل سيثبت التاريخ أنّ الرئيس الأفغاني كان أكثر حكمة من هذا الرئيس الأوكرانيّ زيلينسكي؟ فقد قَبِل الرئيس الأفغاني أشرف غني المنفى، وفضّله على أن يعرّض شعبه لخطر حربٍ لا معنى لها، مع أنّه لم يكن له دور في هذا الخداع الأمريكي.

هل تدفع المقاومة الأوكرانيّة ثمن تهوّر قائد لا يمتلك الحكمة، أو الخطأ في تحليل النظام العالمي المهيمن الذي بات غدّاراً مكّاراً بكلّ صراحة ودون مواراة، أو أنّ الغرب جرّ الشعب إلى هذه الحرب لغايات لديها؟ هل إذا كان زمام الأمور بيد الأوكرانيين لقبلوا شروط بوتين شريطة أن يؤول الحكم إلى الأوكرانيين، هل سيقول الشعب: – لا فرق بين الحكم الأوكراني التابع للروس وبين الحكم الأوكرانيّ التابع للغرب؟ فكلا الحُكمين تابعان للآخر، ولا رأي للشعب في هذا الحكم، وما الفرق بين الاستبداد الروسي وبين الجنون الغربيّ؟ لكنّ الشعب مؤدلج عبر الكراهيّة التي زرعتها الأيديولوجيّة القومويّة، وهذا ما لمسناه في تفريق الجيش بين طوابير الأوكرانيين والمهاجرين.

أم على الشعوب أن تقاوم، لكن مع وضع خطّة مستقبليّة للسياسة والحكم والإدارة، وهذا ما يجب أن يحصل عند أيّ شعب في العالم، وعندما تنتصر الشعوب يحضّر المتسلّقون أنفسهم لقيادة هذه الشعوب.
بالطبع هذا الأمر لا ينطبق على الاحتلال التركي لشمال وشرق سوريا، فالعدوّ التركيّ يريد القضاء على الشعوب الأصيلة في ميزوبوتاميا، كما قضى على الأرمن والسريان وشتّت الكرد وما زال يحاربهم، ويعتبر الكرد العدو الرئيس منذ وصول كمال أتاتورك إلى الحكم وحتّى الآن، لقد دافعت هذه الشعوب الأصليّة في ميزوبوتاميا عن مناطقها، واستمدّت شرعيّتها من العالم بأسره، وحاربت ضدّ أعتى تنظيم في التاريخ؛ وهو داعش، وكان الاحتلال التركي يعتمد على المرتزقة في حربها غير الشرعيّة.

وبالمقابل لا يوجد أمان لهذا النظام العالمي المهيمن، فهو يريد أن يقضي على الشعوب الأصليّة، فهذا النظام قضى على كلّ ما هو أصيل، من الهنود الحمر في القارة الأمريكيّة، وصولاً إلى المحاولات الجاهدة لإبادة الشعب الكرديّ وصهره عبر الوسيط التركيّ.

يعلم الاتّحاد الأوروبي أنّ الهجوم الروسيّ على أوكرانيا هو حرب على هذا الاتّحاد الأوروبيّ الذي يعتمد على الولايات المتّحدة الأمريكيّة، وبات الناتو أيضاً أسير الولايات المتّحدة، أيّ أنّ النظام العالميّ المهيمن هو أسير المزاجيّة الأميركيّة التابعة للرئيس الأمريكي الذي يمتلك كلّ صلاحيات الحرب والسلم، وهذا الرئيس أسير حملته الانتخابيّة، وأسير الحزب التابع له.

لا معنى لكلّ هذه التسميات: (الحرب العالميّة الأولى) (الحرب العالميّة الثانية) (الحرب الباردة) (الحرب السيبرانية)… فلم تتوقف الدول عن الحرب أبداً، وقد ظلّت تقتات على الحروب، وظلّت هذه الحروب منذ نشوء الدولة، والباحث عن السلم في هذه الفوضى هو الباحث عن الاستسلام فحسب، فعلى الشخص أن يكون بيته متنقّلاً ليهرب إلى المكان الذي ليس فيه حرب، ولا أمان في هذه الدول المتوحّشة، فكلّ الأمكنة مؤقّتة، فحتّى أميركا خلقت حرباً في أكثر الأماكن أمناً في العالم.

لا تحبّ الشعوبُ الحربَ، لكنّ الدول تعيش على الحرب، وعندما تروّج الدول التي تمتلك ترسانات السلاح لفكرة نزع السلاح، فهي تغري الدول القريبة من الديمقراطيّة لنزع السلاح، ليسهُل القضاء عليها في النهاية، وعندما تختلق حرباً ما فهي تجبر الدولة المحاربة على بيعها الأسلحة، وبالتالي تبدأ صفقات الأسلحة.

 

انعكاس هذه الحرب على الشرق

ظلّ الاتّحاد الأوروبي يتعامل مع الأقلّيات المناهضة للإمبراطوريات كالأرمن والأوكران والكرد وغيرهم بطرق إقصائيّة وبمماطلات، وآخرها الوعود الخادعة لأوكرانيا.

يبدو أنّ الولايات المتّحدة بحاجة دائمة إلى دوام الصراعات في الشرق الأوسط وفي روسيا والدول المجاورة، والشرق الأقصى، حيث الصين والدول المجاورة، فعندما تزداد التوترات والحروب تبقى تلك الدول ضعيفة ومنشغلة بصراعاتها اللا نهائيّة.

لا شكّ أنّ هذه الحرب الروسيّة على أوكرانيّة قد وضعت تركيا في خانة صعبة، وهذه الازدواجيّة في الانحياز للناتو حيناً، ولروسيا تارّة هو ما أثّر على الحلّ في سوريا، ودفع الشعب السوريّ ثمناً لهذه الازدواجيّة، فكيف ستتخلّى تركيا عن البحر الأسود؟ وستصبح روسيا على حدودها إن ربحت الحرب، وكيف ستتحكّم تركيا بالمضائق البحريّة؟ وهي رئة الاتّحاد الروسيّ، بل كيف ستقبل روسيا بهذه الدولة التي تقف عائقاً أمام طموح الروس في السيطرة على الممرّ بين الشرق والغرب؟ وهل تستطيع تركيا أن تواجه كلّ هذا الغرب؟ فقد وحّدت هذه الحرب ما بين أوروبا وأميركا وكندا واليابان، فلا بدّ أن تنحاز للناتو، فلا مجال لإمساك العصا من المنتصف، فخاصّة أن اقتصادها منهار، وقائدها أردوغان أيضاً على شفير الهاوية، فعام 2022 و2023 هو عام تجديد الخرائط، وتجديد المعاهدات والاتفاقيّات.

لم يستطيع أردوغان أن يصل إلى صورة البطل المشابه لكمال أتاتورك الذي وحّد الأمّة التركيّة، وانتصر في معارك عدّة، وكان له شعبيّة كبيرة بين المجتمع حينها، فلم يتخلَّ عن مبادئه وإن كانت معادية للشعوب غير التركيّة، بالمقابل لم يكن أردوغان على مبدأ واحد، فهو قوميّ عنصريّ أتاتوركيّ تارة، وتارة عثمانيّ من اليهود الدونما، وتارة أصوليّ إسلاميّ داعشيّ، وتارة مع الكرد، وتارة ضدّ الكرد، وقد نجح بفضل الإسلاميين، لكنّه خانهم، إنّه لا يمتلك مبدأ واحداً، وخاصّة في تعامله مع الولايات المتّحدة وروسيا، لكنّه الآن لا خيار له، بعد أن صرّحت الخارجيّة الأميركيّة لا يجب أن يكون هناك حياد في العالم في الحرب الروسيّة على أوكرانيا، فلا مجال إلّا أن ينحاز للناتو، طيّعاً، ذليلاً، خائباً، وهذا الانحياز سيُطيل من عمره قليلاً.

إنّ تطبيق تركيا لاتفاقية مونترو بإغلاق معبري البوسفور والدردنيل أمام السفن الحربيّة الروسيّة إعلان بفكّ شهر العسل ما بين روسيا وتركيا، روسيا التي أهدت تركيا عفرينَ، والآن تدفع روسيا الثمن، وسيدفع أردوغان الثمن أيضاً، بعد انتهاء الحرب الأوكرانيّة.

قد تكون أوكرانيا هدية أمريكيّة لروسيا شريطة أن تتخلّى عن الصين، وتركيا كبيرة على الأتراك كما قالها الغرب سابقاً، وكل الدول الغربيّة تعيد أمجادها، فها هي ألمانيا تتحدّث بقوّة، وتزوّد أوكرانيا بالسلاح، وكذلك اليابان، وهما الدولتان اللتان خسرتا الحرب العالميّة الثانيّة، فألمانيا لا تنسى التاريخ، فعندما عبر هتلر أوكرانيا انضمّ معظم الأوكران للجيش النازي، وتركيا التي خسرت الحرب حينها لن تقف على الحياد هكذا دائماً، فإمّا أن تنضمّ للناتو الذي يقوى إعلاميّاً ويفرض العقوبات على روسيا ويعزلها دوليّاً، وسيعزل تركيا أيضاً إن وقفت مع روسيا وهذا مستعبد حالياً، كون أردوغان بات على شفير الهاوية، وكيف سينضمّ للناتو الذي يدعم قوّات سوريا الديمقراطيّة؟ وكيف سيتنصل من وعوده للائتلاف ومرتزقته من فلول الجيش الحر وجبهة النصرة.

في هذه الحرب الروسيّة على أوكرانيا، نستذكر الحرب التركيّة على الشمال السوريّ، مع اختلاف كبير، لكنّ هذه الحرب لا مبرّر لها سوى النفوذ، والعالم كلّه يتفرّج، فإذا كان رأس هرم النظام العالمي أميركا صامتاً لا يتحرّك، فإنّ العالم كلّه سيصمت، مع أنّ أميركا قد حفرت حفرة هذه الحرب الروسية على تركيا، والاستخبارات البريطانيّة تعمل على إشعال الحرب وعدم إطفائها، من خلال التمهيد والتصفيق لها منذ زمن، والوقوع أمام أي مفاوضات روسيّة أوكرانيّة.

وجه الاختلاف الكبير بين الحرب التركيّة على عفرين على وجه الخصوص وهذه الحرب الروسيّة على أوكرانيا، هو أنّ أوكرانيا دولة لها اعتراف دوليّ، ولها جيش وأسلحة تدمير ومصفّحات ودبّابات وطائرات… فهي الدولة الأولى عسكريّاً في أوروبا، أي أقوى من بريطانيا وفرنسا وغيرها، أمّا المجتمع المقاوم في عفرين وتل أبيض وسرى كانييه لا يمتلك شيئاً سوى الإرادة والتكاتف المجتمعيّ.

ولا تقارن عفرين على سبيل المثال بدولة كبيرة مثل أوكرانيا، لكنّ المقاومة العفرينيّة أثبتت للعالم أنّ الإرادة هي أعظم أدوات المقاومة، والإيمان بالإرادة هو أعظم سلاح يريد أن يحطّمه العدوّ في المجتمعات.

علينا أن نستنبط الدروس من هذه الحرب، فلا نضع بيضنا كلَّه في سلّة واحدة مثلما فعل الرئيس الأوكرانيّ الذي اعتمد على حلف الناتو الذي تخلّى عنه دون خجل.

 

كلمة ختاميّة

كلّ هذا التهريج الإعلاميّ هو تمييع للثورات، كما ميّع الإعلام ثورةَ الربيع العربي، أو ثورةَ ربيع الشعوب، فترى على الإعلام المنتخبَ الأوكرانيَّ وهو في أبهى حلّته مرتديّاً الزيّ العسكريّ، وترى فتاة بيدها كلبٌ وهي تجتاز الحدود مبتسمة، وترى ممثّلةً فاتنةً مرتديةً اللباسَ العسكريّ كأنّها في نزهة، وترى الكلّ يضع بروفايلاً لملكة جمال أوكرانية وهي مرتدية الزي العسكريّ، في دعاية للحرب، بينما يخجل معظمنا من وضع صورة شهدائه على بروفايلاته، إنّه الاغتراب الشرقيّ تجاه الحضارة الغربيّة، فالشرقي الضعيف يرى أنّه لا يمتلك مشرّفاً، ويريد أن ينسلخ عن هذه الحضارة الديمقراطيّة التاريخيّة في المجتمع الزراعيّ الشرقيّ، ليلبس لبوس الغرب الرأسماليّ العيد عن الحضارة.

باتت هذه القنوات الإعلاميّة تعزف سيمفونيّة متجانسة، ومكرّرة، منذ اندلاع الثورات في الشرق عبر بوّابة تونس، وتشجع على المقاومة حتّى تفنى الدولة عن بكرة أبيها دون أن تضع حلولاً نهائيّة، فعلى سبيل المثال الحلّ موجود عند الولايات المتّحدة، فرئيسها قادر على إنهاء هذه الحرب بجملة واحدة وهي (لن نقبل أوكرانيا في حلف الناتو) لكنّه لا ينهي هذه الحرب، وبالمقايل لا يقبل أوكرانيا في حلف الناتو.

ينسى الناس تاريخ الحروب في استقرار بسيط، وكأنّ التّاريخ كلَّه سلام، لكنّ عندما تقلّب صفحات أيّة بقعة في هذا الكون ترى الويلات، والدماء، وحدوداً صنعت بالدماء، وإمبراطوريّات شيدت بالجماجم، ومدناً شيدت بالعبيد.

هو التاريخ الذي يكرِّر نفسه دائماً، لكنّ التطوّر العلمي والتكنولوجيا والاتصالات والقنبلة الذريّة وتدمير البيئة هي عوامل أفول هذه الشعوب، والدول.

لقد قاوم الشعب الكرديّ في عفرين ستين يوماً، ولا تعادل مساحة عفرين مساحة 0.01% من مساحة أوكرانيّة، بين احتلّت روسيا مساحات تقدّر بمساحة سوريا في ثلاثة أيّام فحسب، ليس هذا الكلام انتقاصاً من قدر الشعب الأوكرانيّ، لكنّه انتقاص من هذه الليبرالية التي تضعف الشعوب والمجتمعات وتصبح لقمة سائغة للدول الناهبة.

أهناك فرق إن ربحت أوكرانيا هذه الحرب أو خسرتها؟ بالطبع هي صراعات دولتية، يدفع الشعب ثمناً لها، فإن كانت هناك حروب فهناك دماء الأبرياء تُسال، وإن كان هناك سلام فهناك تسارع فظيع في تضخّم عمالقة المال، ومجاعات في أطراف أخرى في العالم، ووفيّات نتائج تدمير البيئة، واحتكار كلّ شيء من قبل هذا النظام العالميّ المهيمن الذي قاطع الأخلاق مقاطعة نهائيّة.

إذا لم تستطع المجتمعات أن تقي نفسها من هذه الحروب الشعواء من قبل الدول على المجتمعات بكلّ أنواعها؛ الفكريّة والأيديولوجيّة والاقتصاديّة والعسكريّة فستظلّ سلسلة هذه الحروب مستمرة، وتبقى الشعوب أسرى أهواء الدول المتهوّرة.

……….

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى