دراسة تحليلية عن بناء التكتلات الاقتصادية وميل السياسة الدولية نحو تعدد الأقطاب
د.أنمار نزار الدروبي
دراسة تحليلية عن بناء التكتلات الاقتصادية وميل السياسة الدولية نحو تعدد الأقطاب
للكاتب والباحث السياسي : الدكتور أنمار نزار الدروبي
مقدمة
عرف المشهد السياسي العالمي العديد من التغييرات التي أدت إلى تحول اهتمام الدول من المجال العسكري الذي كان سائدا منذ الحرب البادرة إلى التركيز أكثر على المجال الاقتصادي كقوة مرنة تمكن الدولة من زيادة قوتها وفرض مكانتها على الساحة العالمية دون اللجوء إلى العمل العسكري. فالمجال الاقتصادي بات الأنسب لتحقيق المكاسب المرجوة والانتقال من النمط التصارعي التنافسي في العلاقات الدولية إلى النمط التعاوني التكاملي.
يعكف فقهاء وباحثو العلاقات الدولية في الوقت الراهن على دراسة النظام الدولي، ويدور السؤال الأساسي حول إمكانية استمرار نظام الأحادية القطبية في ظل التحولات الكبيرة والمتسارعة على الساحة الدولية. حيث يوجد العديد من المفكرين الذين يعتقدون أن نظام الأحادية القطبية أصبح عاجزا عن قيادة العالم، وقد حان الوقت ليتسلم نظما جديدا زمام الأمور. وعليه جاءت الدارسات بالعديد من الاقتراحات للأنظمة الدولية التي تستطيع أن تحل محل الأحادية القطبية. لقد أتسم النظام الدولي على مدى عدة قرون بوجود عدد من الأنظمة، منها نظام التعددية القطبية الذي أستمر إلى فترة الحرب العالمية الثانية. ثم اتبعه نظام الثنائية القطبية بعد الحرب العالمية الثانية وانهيار العالم القديم، حيث ظهرت قوتان عظمتان هما، الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، استطاعتا بقوتهما العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية، السيطرة على العالم وعلى قسم من أوروبا الشرقية والغربية ليصبح العالم ثنائي القطبية إلى فترة الحرب الباردة. وفي عام 1991، تفكك الاتحاد السوفيتي وغرق في أزماته الكثيرة وكانت أبرزها الأزمة الاقتصادية، فصارت الولايات المتحدة هي القوة العالمية العظمى، بقوتها العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية من دون منافس، ليصبح العالم أحادي القطبية
وعند النظر إلى جميع تلك الأنظمة الدولية، نرى أن تصنيفها كان يعتمد بشكل أساسي على عوامل واضحة ومحددة يُمكن خلالها معرفة ماهية نوعية النظام الدولي، فالمعيار بالحكم على ماهية الأنظمة الدولية فيما سبق ارتكز على القوة العسكرية والاقتصادية، بيد أنه من كان يملك الجزء الأكبر من هاتين القوتين، كانت له الأفضلية في تسلم زمام الأمور وفرض سيطرته على العالم.
أهداف البحث
تهدف هذه الدارسة إلى الخروج برؤية شاملة للنظام الدولي متعدد الأقطاب في محاولة للإسهام في المجال المعرفي حول الموضوع. وكذلك أهمية فهم طبيعة النظام الدولي السائد وتوقع مناحي تغيره بالمستقبل، حيث أن كل دولة أو فاعل دولي يحاول الوصول إلى أفضل الخيارات المتاحة أمامه لتحقيق سياساته التي يرى أنها ستساعده بالاستفادة والبقاء لفترة أطول في حدود هذا النظام. لقد تميزت السياسة العالمية المعاصرة بالنضال الكبير لقوى التعددية القطبية من أجل تحقيق التوازن في العلاقات الدولية، في نفس الوقت الذي تسعى فيه تلك القوة الحالية أحادية القطبية بقوة للمقاومة وتقاتل من أجل الاحتفاظ بهيمنتها. ونتيجة لهذه النزاعات الشرسة في المنافسة حول التعددية القطبية فقد أصبح عدم الاستقرار العالمي سمة لهذا العصر الحديث، وسبب ذلك الدخول في بداية حرب باردة جديدة. وتسعى الولايات المتحدة بكل الوسائل للحفاظ على النظام العالمي الأحادي القطب الذي شيدته منذ نهاية الحرب الباردة القديمة.
مشكلة البحث
مثل انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية فترة الحرب الباردة نقطة تحول محورية في تاريخ العلاقات الدولية والنظام الدولي المعاصر، ومنذ ذلك الوقت وهناك حوار محتدم حول طبيعة النظام العالمي الجديد. كما كثرت بشأنه الأبحاث والدراسات، فهناك من يرى أن النظام الدولي يقوم على قطبية أحادية، ورأي آخر يذهب إلى القول بأنه نظام متعدد الأقطاب، أما الرأي الثالث فيرى أن النظام الدولي مازال في مرحلة مبهمة وتحول لم تتحدد معالمه بعد. وفي هذه الحالة، وجب معرفة ما هو النظام البديل الذي سيتشكل في الساحة الدولية ويكون له اليد العليا في التحكم بسير العلاقات الدولية. ويبدو أن النظر إلى النظام الدولي بالطريقة التقليدية، والتي ترى أن من يمتلك التفوق في شيء يمتلك التفوق والسيطرة في جميع الأشياء لم يعد كافيا، فقد أصبح عدد الفاعلين الدوليين القادرين على إحداث التأثير في سير السياسات في العالم أكثر بكثير من السابق، لاسيما أن كل من هؤلاء الفاعلين له أهدافه وخططه في السعي لتحقيقها من أجل خدمة أهدافه ومصالحه الخاصة.
منهجية البحث
ستكون منهجية البحث الأهمية في موضوع بناء التكتلات الاقتصادية وميل السياسة الدولية نحو تعدد الأقطاب وفق طريقة تحليلية لا تخرج عن المعيار الأكاديمي الذي يفرض على الباحث قيود الالتزام والدقة والحياد واعتماد مصادر موثوقة وتجنب الاقتباس من الدراسات المشابهة أو التي تخوض في مجال بناء التكتلات الاقتصادية ونظام التعددية القطبية ودوره في السياسة الدولية، حيث يجب أن يكون الموضوع جديد ولم يُكتب عنه سابقا أو أن يكون البحث فيه إضافة جديدة لبحث كُتب سابقا، من خلال المقارنة وتحليل البيانات حول الظاهرة التي يتم دراستها، وتسجيل أهم التغييرات عن طريق الكتب ومقالات المجلات والمقابلات ومواقع الإنترنت ومشاركات المدونات والموارد الأخرى.
حدود البحث
سيكون البحث وفق النطاق الموضوعي للدراسة، أو ضمن النطاق الذي تفرضه طبيعة الدراسة، وذلك بعدم تجاوز الحدود أو الحواجز التي تخص عنوان الدراسة حصرا، وهو بناء التكتلات الاقتصادية وميل السياسة الدولية نحو تعدد الأقطاب.
أهمية البحث
تستمد الدراسة أهميتها بصفة عامة من النتائج التي سيتم الوصول إليها والتي ستعزز فكرة بناء التكتلات الاقتصادية وميل السياسة الدولية نحو التعددية القطبية الدولية. حيث تعتبر التكتلات الاقتصادية من الآليات الهامة التي تُسهم في دفع حلقات النمو والتنمية، إضافة إلى أن الجهود والتعاون في بناء كيان اقتصادي متكامل يكون له الدور الهام في ممانعة الأزمات قبل وقوعها. وبذلك يمكن أن تشكل هذه الدراسة إضافة مفيدة في تناول موضوع شائك ومؤثر على النظام السياسي الدولي، بعد أن شهدت الساحة السياسية الإقليمية والدولية تسيد الولايات المتحدة الأمريكية بالقرار السياسي العالمي وتحديدا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي السابق وانهيار المعسكر الاشتراكي.
فروض البحث
استندت الدراسة إلى عدة معطيات واقعية وفكرية ساهمت في فرض القوة الاقتصادية والسعي نحو تشكيل النظام العالمي مستقبلا وفق نظام التعددية القطبية ومنها.
1.قيام الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، مما كان له الأثر الكبير والواضح للهيمنة الأمريكية حتى على مقررات المنظمات الدولية وتحديدا منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
- صعود الصين كقوة اقتصادية وعسكرية في العالم، حيث من المحتمل أن تحتل الصين وتحالفها مع بعض الدول لتشكيل قطب عالمي جديد بمواجهة الولايات المتحدة الأمريكية.
- احتمالية تفكك دول الاتحاد الأوروبي نتيجة للأزمات الاقتصادية التي تعاني منها بعض دول الاتحاد، بالإضافة إلى مشكلة الهجرة غير الشرعية التي غزت أوربا في الفترة الأخيرة.
4.خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
خطة البحث
تم تقسيم البحث إلى فصلين، الفصل الأول التكتلات الاقتصادية في العالم، وتناول ثلاث مباحث، الأول، تعريف التكتل والتكامل الاقتصادي ومفهومه. والمبحث الثاني قد تناولنا فيه رؤية تاريخية عن نشأة التكتلات الاقتصادية في العالم. أما المبحث الثالث فقد تناول دوافع قيام التكتلات الاقتصادية وآثرها على الاقتصاد العالمي. أما الفصل الثاني فقد تناول أربع مباحث، المبحث الأول، عن مراحل تطور النظام السياسي الدولي، والمبحث الثاني، تطرقنا فيه إلى مفهوم نظام التعددية القطبية. أما المبحث الثالث، فكان عن سمات نظام التعددية القطبية. وتناول المبحث الرابع أقطاب نظام التعددية القطبية.
الفصل الأول
التكتلات الاقتصادية في العالم
وسنتناول في هذا الفصل ثلاث مباحث:
المبحث الأول: تعريف التكتل والتكامل الاقتصادي ومفهومه.
المبحث الثاني: نشأة التكتلات الاقتصادية (رؤية تاريخية).
المبحث الثالث: دوافع قيام التكتلات الاقتصادية وآثارها على الاقتصاد العالمي.
المبحث الأول
تعريف التكتلات الاقتصادية
يعتبر الطابع التنظيمي للعلاقات بين الدول من بين أهم الملامح الرئيسية التي تميز بها القرن العشرين على أنه عصر التنظيم الدولي خاصة بعد زيادة عدد الوحدات السياسية بعد الحرب العالمية الثانية، التي تبلورت فيها الإقليمية كظاهرة، إذ أن هناك العديد من التكتلات كالاتحاد الأوروبي التي تطورت فيه فكرة التكتل الإقليمي بشكل بارز، خاصة في أوروبا، إذ برز بعد جدل دار حول ما سمي بالعالمية في مواجهة الإقليمية، حيث يرى أنصار التوجه العالمي، بأن إقامة تنظيم عالمي يشمل جميع الدول يعتبر من أفضل الطرق لتحقيق السلم و الأمن الدوليين، في حين أكد أنصار التوجه الإقليمي على أهمية إنشاء تنظيمات إقليمية لتحقيق ذلك، ومن هنا نشأت نظرية (السلام الإقليمي)، بعد الحرب العالمية الثانية. وما ساعد على بلورة الأفكار الإقليمية هو تطور التفاعلات على المستوى الواقعي بين الدول، وهو ما ساهم في تعجيل الاتجاه نحو التكامل الإقليمي في كل جزء من العالم ([1]).
لقد وجدت التكتلات الاقتصادية تعبيرها الفكري في نظرية التكامل الاقتصادي. وأصبح الاهتمام بها بعد الحرب العالمية الثانية من قبل عدة دول في العالم، حتى بات منتصف القرن العشرين يسمى بعصر التكتلات الاقتصادية. ويُعرف التكتل الاقتصادي” بأنه يعبر عن درجة معينة من درجات التكامل الاقتصادي الذي يقوم بين مجموعة من الدول المتجانسة اقتصاديا وجغرافيا وتاريخيا وثقافيا واجتماعيا. والتي تجمعها مجموعة من المصالح الاقتصادية المشتركة. يهدف تعظيم تلك المصالح وزيادة التجارة الدولية البينية لتحقيق أكبر عائد ممكن. ثم الوصول إلى أقصى درجة من الرفاهية الاقتصادية لشعوب تلك الدول. ويمكن تعريف التكتل الاقتصادي بأنه تجمع عديد من الدول التي تجمعها روابط خاصة بالجوار الجغرافي أو التماثل الكبير في الظروف الاقتصادية أو الانتماء الحضاري المشترك”([2]).
وفي تعريف آخر للتكتل الاقتصادي” بأنه عملية وحالة، فبوصفه عملية لأنه يتضمن التدابير التي يراد منها إلغاء التمييز بين الوحدات الاقتصادية المنتمية إلى دول قومية مختلفة، أما إذا تم النظر إليه على أنه حالة فإنه بالإمكان أن يتمثل في انتفاء مختلف صور التفرقة بين الاقتصاديات القومية. وبذلك فإن التكتل الاقتصادي هو عملية وحالة تستدعي اتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل الحد من الحواجز التي تعيق هذا التكتل المتمثلة في التفرقة بين اقتصاديات مختلف الدول والتمييز بين الدول”([3]).
أما الاقتصادي السويدي (جونار ميردال)، فقد عرف التكتل الاقتصادي على” أنه عبارة عن العملية الاجتماعية والاقتصادية التي بموجبها تزول جميع الحواجز بين الوحدات المختلفة، وتؤدي إلى تحقيق تكافؤ الفرص أمام جميع عناصر الإنتاج على المستوى الإقليمي والعالمي، مع وجوب تحقيق التنسيق والتجانس في السياسات الاقتصادية”([4]).
وفي تعريف آخر “أن التكتل الاقتصادي هو عبارة عن إيجاد أحسن السبل للعلاقات الدولية والسعي لإزالة كافة العقبات والمعوقات أمام هذا التعاون. أي أن التكتل الاقتصادي هو وسيلة تجعل من العلاقات الدولية تتميز بالنمط التعاوني أكثر من النمط التنافسي ألصراعي الذي يميز العلاقات الدولية في فترات الحربين العالميتين”([5]).
وفي نفس السياق عُرف التكتل الاقتصادي” على أنه تجمع عديد من الدول التي تجمعها روابط خاصة بالجوار الجغرافي أو التماثل الكبير في الظروف الاقتصادية أو الانتماء الحضاري المشترك، هذا التجمع يكون في إطار معين كأن يكون اتحاد كمركي أو منطقة تجارة حرة”([6]).
من خلال التعريفات السابقة لمفهوم التكتل الاقتصادي، يمكن استخلاص تعريف إجرائي لهذا المصطلح من خلال القول بأنه” مصطلح عام ويشمل عدة أصناف من الترتيبات والإجراءات التي يتم بمقتضاها اتفاق دولتين أو أكثر على تقريب سياساتهم الاقتصادية لتحقيق أهدافهم ومصالحهم المشتركة، وذلك من خلال إزالة مختلف الحواجز والعقبات التي تحول دون تسهيل النشاطات الاقتصادية (كحركة رؤوس الأموال والأيدي العاملة والاستثمارات والسلع والمنتجات)، وإقامة التكتل الاقتصادي باختلاف أنواعه. كما أنها تسعى من خلال التكتل لزيادة قوة تأثيرها على الاقتصاد العالمي في ظل تزايد الفواعل الدولاتية وغير الدولاتية المؤثرة عليه”([7]).
المبحث الثاني
نشأة التكتلات الاقتصادية (رؤية تاريخية)
ترجع فكرة التكتلات الاقتصادية إلى أكثر من مائة عام، أي في ثلاثينات القرن الماضي، ففي هذه الفترة نشأ أو تكتل من هذا النوع في الولايات الألمانية قبل وحدة ألمانيا، ثم أعقبتها تكتلات أخرى مثل تكتل المستعمرات الإنكليزية مع الدولة الأم التي عُرفت باسم (سياسة التفضيل الإمبراطوري)، وكذلك تكتل فرنسا ومستعمراتها، وغير ذلك من التكتلات الأخرى. غير أن ما يميّز هذه التكتلات أنها كانت محاولة لربط الدول المستعمرة بمستعمراتها من أجل ضمان تواجدها في هذه الدول واستنزاف ثرواتها وضبط السيطرة عليها، وبالتالي فيمكن وصفها بأنها تكتلات إمبريالية أكثر مما هي تكتلات اقتصادية تراعي فيها مصالح جميع الأطراف. وعليه فإن ظاهرة التكتلات الاقتصادية ليست بالظاهرة الجديدة، إلا أن ظهورها كتجربة اقتصادية كانت بعد الحرب العالمية الثانية، حيث اتخذتها مجموعة الدول المتقدمة والنامية، اشتراكية ورأسمالية، لمواجهة التحولات التي شهدها العالم في تلك الفترة، وقد ظهرت التكتلات كنتيجة للقيود المفروضة في العلاقات الدولية وكمحاولة جريئة لتحرير التجارة بين العديد من الدول. والملاحظ أن التكتلات الاقتصادية التي كان تأسيسها بعد الحرب العالمية الثانية حتى نهاية القرن العشرين، أغلبها لم يحالفها النجاح فتعثرت أمام المشاكل والخلافات المتأصلة في العلاقات بين الدول. ولكن لم تقف عند حدها فتميزت بالديمومة والاستمرار في تطورها خاصة بعد اشتداد المنافسة العالمية في العقد الأخير من القرن العشرين، وأصبح من الصعب على الدول أن تدخل المنافسة منفردة فبدأت تتجمع في شكل كيانات اقتصادية، هذه الكيانات أضحت تعبر عن مطلبا دوليا مهما كنتاج لما تفرضه العولمة الاقتصادية وضرورة الاندماج في الاقتصاد العالمي. وبالتالي سعت الدول إلى بناء تكتلات اقتصادية استعدادا للدخول إلى مرحلة جديدة، يحل فيها الصراع بين القوى الاقتصادية الكبرى محل الصراع بين القوى العسكرية على الساحة الدولية، حيث أصبحت هذه التكتلات تشكل خارطة لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية ([8]).
ويمكن أن نذكر بعض التجارب للتكتلات الاقتصادية:
أولا. أوربا:
ﻟﻘد ﺷﻬد اﻟﻧﺻف اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻣن اﻟﻘرن اﻟﻌﺷرﯾن ﺗﺟﺎرب ﻣﺗﻧوﻋﺔ ﻫدﻓﻬﺎ ﺗﺣﻘﯾق اﻟﺗﻛﺎﻣل والاندماج اﻹﻗﻠﯾﻣﻲ ﻓﻲ ﻣﻧﺎطق ﻣﺗﻧوﻋﺔ ﻣن اﻟﻌﺎﻟم، وﻟﻛن اﻟﺗﺟرﺑﺔ الأوربية ﻫﻲ وﺣدﻫﺎ اﻟﺗﻲ اﺳﺗطﺎﻋت أن ﺗﻔرض ﻧﻔﺳﻬﺎ، إذ ﺗﻌﺗﺑر ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻟﺗﻛﺎﻣل ﻓﻲ أوروﺑﺎ واﺣدة ﻣن أهم التطورات التي ميزت النصف الثاني من القرن العشرين، ﺣﯾث أﻋﺎدت ﻫذﻩ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ تركيبة اﻟﻣﻧطﻘﺔ سياسيا واﻗﺗﺻﺎدﯾﺎ، وأﻋﺎدت ﺑﻌﺛﻬﺎ ﻣن ﺟدﯾد ﻟﺗﻛون ﻓﺎعلا ﻣؤﺛر ﻓﻲ العلاقات اﻟدوﻟﯾﺔ، ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن اﻟﺧراب واﻟدﻣﺎر اﻟذي ﻟﺣق ﺑﻬﺎ ﺧﻼل اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ الثانية.
إن وﺻول الاتحاد الأوربي إلى ما هو عليه اليوم، هو نتاج الجهود المبذولة لأكثر من خمسين عاما، واﻟﻣﺗﻣﻌن ﻓﻲ ﺗﺟرﺑﺔ الاتحاد الأوربي ﯾﻛﺗﺷف ﻣﻧذ اﻟوﻫﻠﺔ اﻷوﻟﻰ ﺑﺄن أوروﺑﺎ ﺷﻛﻠت ﻋﻠﻰ ﻣدار التاريخ أﺣد اﻟﻣﻧﺎطق اﻟﻣﻬﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﻋرﻓت أﻋﻧف الحروب. إذ يعتبر الاتحاد الأوربي ﻣن أﻛﺑر التكتلات الاقتصادية اﻟﻘﺎﺋﻣﺔ ﺣﺎﻟﯾﺎ واﻟذي ﺑﻠﻎ ﻓﻲ ﺗﻛﺎﻣﻠﻪ اﻻﻗﻠﯾﻣﻲ ﻣرﺣﻠﺔ ﻣﺗﻘدﻣﺔ، ﻓﻬو ﻧﺗﺎج ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻧدﻣﺎج وﺗﻛﺎﻣل ﺑﯾن دول ﺗﺧﺗﻠف ﺷﻌوﺑﻬﺎ ﻋن ﺑﻌﺿﻬﺎ اﻟﺑﻌض ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ واﻟﺛﻘﺎﻓﺔ والتاريخ القومي. ﻛﻣﺎ ﺗﺣﺗل اﻟﺗﺟرﺑﺔ الأوربية ﻣوﻗﻌﺎ فريدا ومتميزا ﺑﯾن ﺟﻣﯾﻊ ﻫذﻩ اﻟﺗﺟﺎرب، وﯾرﺟﻊ ﻫذا التمييز إﻟﻰ ﻋدة أﺳﺑﺎب، ﻣن أﻫﻣﻬﺎ، ﺣﺟم الانجازات اﻟﺗﻲ ﺣﻘﻘﺗﻬﺎ التجربة الأوربية، وﻛذﻟك ﺧﺻوﺻﯾﺔ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻣﺳﺗﺧدم ﻓﻲ ﺑﻧﺎء اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ اﻟﺗﻛﺎﻣﻠﯾﺔ ذاﺗﻬﺎ. وﯾﻛﺎد ﯾﺟﻣﻊ ﻣﻌظم اﻟﺑﺎﺣﺛﯾن واﻟﻣﺗﺧﺻﺻﯾن، إن ﻟم ﯾﻛن جميعهم، ﻋﻠﻰ أن ﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺗﻛﺎﻣل واﻟوﺣدة ﻓﻲ أوروﺑﺎ ﺗﻌﺗﺑر من أهم وأنجح التكاملات الإقليمية على الإطلاق، وذلك لأن هذه التجربة أكدت بالدليل القاطع المستمد ﻣن اﻟﻣﻣﺎرﺳﺔ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ، ﻋﻠﻰ أن ﻧﻘل نمط العلاقة ﺑﯾن ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟدول اﻟﻣﺗﺟﺎورة إقليميا وغير اﻟﻣﺗﺟﺎﻧﺳﺔ ثقافيا، ﻣن ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺗﺷﺗت واﻟﺻراع إﻟﻰ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺗﻌﺎون واﻟﺗﻛﺎﻣل وصولا إﻟﻰ اﻟوﺣدة، ﻫو أﻣر ﻣﻣﻛن، ﺑﺷرط ﺗواﻓر ظروف وﻋواﻣل دوﻟﯾﺔ وإقليمية وﻣﺣﻠﯾﺔ، خاصة ﺑﻌد أن اﺳﺗطﺎﻋت ﻫذﻩ اﻟﺗﺟرﺑﺔ أن ﺗﺑﺗﻛر ﻣن اﻷدوات والتقنيات والآليات ﻣﺎ ﻣﻛﻧﻬﺎ ﻣن ﻣواﺟﻬﺔ ﻋواﻣل وظروف اﻟﺗﻧﺎﻓر وعدم اﻟﺗﺟﺎﻧس واﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﻗد أﻓﺷﻠت اﻟﻛﺛﯾر من محاولات اﻟﺗﻛﺎﻣل والاندماج اﻹﻗﻠﯾﻣﻲ ﻓﻲ اﻟﻌدﯾد ﻣن ﻣﻧﺎطق اﻟﻌﺎﻟم، ﺳواء ﻣن ﺳﺑﻘت اﻟﺗﺟرﺑﺔ الأوربية أو التي ﺟﺎءت ﺑﻌدﻫا.
ﻟﻘد ﺗطورت ﻫذﻩ اﻟﺗﺟرﺑﺔ الأوربية ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺎون واﻟﺗﻛﺎﻣل اﻹﻗﻠﯾﻣﯾﯾن ﻋﻠﻰ ﻣدى أﻛﺛر ﻣن ﻧﺻف ﻗرن إﻟﻰ أن أﺻﺑﺣت ﻋﻠﻰ ﻣﺷﺎرف وﺣدة سياسية ﺗﺿم ﻏﺎﻟﺑﯾﺔ اﻟدول الأوربية، حيث ﻛﺎﻧت ﻫذﻩ اﻟﺗﺟرﺑﺔ ﻓﻲ ﺧﺗﺎم ﺣرﻛﺎت ﺗوﺣد ﺑﯾن اﻟﻌدﯾد ﻣن الولايات الأوربية ﺳواء ﺑﺎﻟﺗراﺿﻲ أو ﺑﺎﻟﺿم اﻟﻘﻬري اﻟذي ﺗﺳﺑب ﻓﻲ ﺣروب ﻣﺗﺗﺎﻟﯾﺔ. بعد اﺟﺗﻬد ﻋدد ﻣن اﻟﻣﻔﻛرﯾن ﻓﻲ صياغة ما يرونه أﻓﺿل اﻟﺳﺑل إﻟﻰ ﺗﺣﻘﯾق وﺣدة أوربية ([9]).
وعليه” فإن اﻟﺗﻌﺎون ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾن اﻟدول ﻫو اﻟﺳﺑﯾل الوحيد ﻟﺗﺣﻘﯾق غايات ﺟﻣﯾﻊ اﻟدول وﺿﻣﺎن اﻟﺗﻔﺎﻋل اﻻﯾﺟﺎﺑﻲ ﻹﯾﺟﺎد ﺣﻠول ﺣﻘﯾﻘﯾﺔ ﻟﻣﺎ ﯾُﻬدد اﻷﻣن والاستقرار والتمنية اﻟﻣﺷﺗرﻛﺔ”([10]).
ثانيا. أمريكا:
على غرار القارة الأوربية عرفت دول القارة الأمريكية اهتمام كبير بظاهرة التكتلات الاقتصادية، حيث أبرمت العديد من اتفاقيات التعاون بين دول القارة، ويمكن تقسيم أهم تجارب التكتلات الاقتصادية التي عرفتها المنطقة إلى ثلاث أقسام جغرافية وهي، أمريكا الشمالية، أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية. ففي أمريكا الشمالية تعتبر اتفاقيتها للتجارة الحرة ((NAFTA، أهم تكتل اقتصادي بين الولايات المتحدة وكندا، ثم انضمت إلى هذه الاتفاقية المكسيك سنة 1989م. أما في أمريكا الوسطى فقد تم إنشاء السوق المشتركة لأمريكا الوسطى ((CACM، عام 1993م، بالإضافة إلى اتفاقية التجارة الحرة التي وقعت بين(السلفادور، كوستاريكا، غواتيمالا، الهنداروس) مع الولايات المتحدة وجمهورية الدومنيكان في عام 2004م. أما في أمريكا الجنوبية، فقد تم تشكيل السوق المشتركة للجنوب عام 1991م، وكذلك مجموعة الثلاثة (G3)، في عام 1995م والتي ضمت كولومبيا والمكسيك وفنزويلا([11]).
ثالثا. أفريقيا:
تتعدد التجارب الإفريقية في التكامل الاقتصادي على نحو يصعب معه إيجاد دولة افريقية خارج أحد هذه التجمعات بسبب انتماء الكثير من هذه الدول الى أكثر من تجمع. وقد أدى هذا الواقع الى تعقيد عملية التكامل الإفريقية، بسبب تداخل العضوية والالتزامات، والافتقار الى التنسيق الأفقي بين هذه التنظيمات حيث تعمل بشكل منعزل، وهو ما يفسر الى حد كبير تواضع الانجازات التي حققتها التجمعات الإقليمية الإفريقية حتى الآن، سواء فيما يتعلق بالتجارة الإقليمية أو النمو الاقتصادي. وبالرغم من هذا لكن توجد هناك بعض التجارب التي حققت نجاحا ملحوظا، فقد حقق الاتحاد الجمركي لإفريقيا الجنوبية على سبيل المثال تقدما ملحوظا في تحرير حركة عوامل الإنتاج من خلال إزالة الحواجز الجمركية والتجارية بين دول الاتحاد، كما نجح الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا في إنشاء نظام لسياسات الاقتصاد الكلى من خلال وضع هيكل للمحاسبة المشتركة تتم مراجعته بين الدول الأعضاء بانتظام، بالإضافة الى إنشاء سوق للأوراق المالية.
لقد شكل اعتماد خطة عمل لاجوس في عام 1980م، بداية دفعة جديدة نحو تعزيز التعاون في جميع أنحاء القارة، وقد شجعت هذه التجربة على إتباع نهج إقليمي لزيادة التنمية الاقتصادية، وهو ما أدى في فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين الى انتشار منظمات التكامل الاقتصادي الإقليمي في القارة. لقد أيقنت التجمعات الاقتصادية الإقليمية بالقارة، والتي تعد اللبنات الأساسية لفكرة الجماعة الاقتصادية الأفريقية، ضرورة السير في الاتجاه ذاته لتحقيق هدف التكامل الاقتصادي الأفريقي، فسعت إلى بناء علاقات للتفاعل والتعاون مع الجماعة الاقتصادية الإفريقية. في هذا السياق، تم التوقيع على بروتوكول فبراير 1998م، كأداة للتكامل بين الجماعات الاقتصادية الإقليمية، من ناحية، وبين الجماعة الاقتصادية الأفريقية والجماعات الاقتصادية الإقليمية، من ناحية أخرى. ومع الإعلان عن تأسيس الاتحاد الأفريقي في سبتمبر 1999م، أخذ الاتحاد على عاتقه تفعيل الاتفاقية المؤسسة للجماعة الاقتصادية الأفريقية، وفقا لما أشارت إليه اتفاقيته التأسيسية، كآلية رئيسية لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالقارة، والتصدي بصورة أكثر فاعلية للتحديات التي تفرضها العولمة. كما استهدف الاتحاد تسريع عملية دمج وترشيد التجمعات الإقليمية القائمة في عدد أقل، والتي باتت تخلق أعباء على العمل الأفريقي المشترك، وتؤثر سلبا على مستقبل عملية التكامل بين دول القارة ([12]).
رابعا. آسيا:
على غرار باقي القارات، عرفت قارة آسيا العديد من التكتلات الاقتصادية’ فأقيمت في المنطقة تكتلات إقليمية لعل من أبرزها كان رابطة (دول جنوب شرق آسيا)، التي أصبحت فيما بعد من أهم التكتلات الاقتصادية في العالم وأهمها في القارة الآسيوية، والتي كان الهدف منها أن يكون لها من وراء ذلك موقف موحد إزاء القضايا الاقتصادية في المحافل الدولية، ويكون لها صوت مسموع ومؤثر في التكتلات الاقتصادية المنتشرة في أقاليم عدة من العالم والتعامل المتوازن معها. تأسست رابطة دول جنوب شرق آسيان منذ سنة 1967م، من خمس دول (إندونيسيا وماليزيا، وسنغافورة، والفلبين، وتايلاند)، وتضم حاليا عشر دول، وجاء تأسيسها في إطار الحرب الباردة بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك من أجل تقوية النفوذ الرأسمالي في منطقة جنوب شرق آسيا تحت رعاية الولايات المتحدة الأمريكية. وتمثل منطقة التجارة الحرة داخل الرابطة أكبر تجمع اقتصادي في العالم بأسره من زاوية عدد المستهلكين، وهو الأمر الذي يسهم كثيرا في تحقيق وفرات اقتصادية كبرى من خلال تخفيض نفقات النقل والتأمين، مما يسهل حركة انتقال السلع والأشخاص داخل المنطقة، ويزيد من القدرة التنافسية داخل تجمع الآسيان وخارجه ([13]).
خامسا. في المنطقة العربية:
منذ أكثر من نصف قرن كان التكتل الاقتصادي العربي يشغل اهتمام السياسيين والباحثين والمثقفين العرب حتى الشعوب العربية، وكان الدافع وراء إنشاء تكتل اقتصادي عربي موحد هو تعزيز القدرة التفاوضية للمنطقة في عالم الاستقطاب لا متناهي، وتحقيق مستوى معيشي أفضل للشعوب العربية. ومن أبرز التكتلات الاقتصادية في المنطقة العربية هو إنشاء (السوق العربية المشتركة)، عام 1965م. فقد شعرت البلدان العربية منذ حصولها على الاستقلال السياسي أنها غير قادرة على متابعة نموها الاقتصادي وتطورها الاجتماعي ضمن الحدود التي رسمت لها، ولهذا تضمن ميثاق الجامعة العربية نصوصا تؤكد أهمية التكامل الاقتصادي بين الدول العربية المتحررة من الاستعمار. في الوقت عينه، واجهت الدول العربية المستقلة عقبات عديدة في عملية التطوير والتنمية، ومن هذه العقبات، انخفاض معدل نمو الدخل، ضيق السوق عن استيعاب الإنتاج الكبير، المنافسة بين المنتجات المتماثلة في الدول العربية، نزوح الفائض الاقتصادي من الدول العربية باتجاه الدول المتطورة، عدم الانسجام في توزيع الإمكانات والثروات العربية، ففي بعض البلدان تتوافر قوة العمل، وفي بعضها الآخر يتوافر رأس المال، وفي دول أخرى كميات واسعة من الأراضي الخصبة ومن الثروات الباطنية، بحيث أن بلدا واحدا، مهما اتسعت مساحته، لا يمكن أن يشكل وحدة اقتصادية متكاملة قادرة على تحقيق التنمية بمفردها، هذا ما دفع الدول إلى السعي لإنشاء تكتل اقتصادي، كان من نتائجه وكما ذكرنا، السوق العربية المشتركة([14]).
تعقيب
من خلال استعراض نشأة التكتلات الاقتصادية كفكرة وكتطبيق على أرض الواقع، يمكن ملاحظة بأن هذه الظاهرة عرفت انتشارا واسعا في نهاية الحرب العالمية الثانية، كما لقيت هذه الظاهرة الاهتمام من طرف الدول النامية وكذلك الدول المتقدمة. ففي عالمنا اليوم بات من الصعب أن تعمل دولة بمفردها على تحقيق المكاسب المرجوة، وعليه أصبح من الضروري إنشاء مثل هذه التكتلات من أجل زيادة الاعتماد المتبادل وخلق جو من التعاون بين الدول بدلا من الصراع الذي كان قائما.
المبحث الثالث
دوافع قيام التكتلات الاقتصادية وآثارها على الاقتصاد العالمي
إنّ انتشار التكتلات الاقتصادية بشكل متزايد يدفع إلى سؤال عن الدوافع والأسباب التي تؤدي الدول إلى طرح مبادرات الانخراط في مثل هذه التكتلات. وقد تنوعت أسباب قيام التكتلات ما بين أسباب اقتصادية تهدف إلى تجميع الإمكانيات الاقتصادية للدول الأعضاء وإزالة العقبات أمام انسياب حركة رؤوس الأموال والعمالة، لزيادة معدلات عوائد التجارة الخارجية التي تسهم في دفع عملية التنمية الاقتصادية، وأخرى غير اقتصادية تتمثل في نشر السلام والاستقرار وتسوية المنازعات بالطرق السلمية وعدم استخدام القوة العسكرية كما هو الحال في تجمع الآسيان، ومنها ما يجمع الجوانب السياسية والاقتصادية والسياسية والأمنية، كما في نموذج دول مجلس التعاون الخليجي ،وهذا ما سنناقشه في إطار هذا المبحث.
أولا. الدوافع الاقتصادية:
يعد العمل على توسيع الأسواق من أهم الدوافع الاقتصادية للإقامة التكتلات، حيث تؤدي زيادة حجم السوق إلى الاستفادة من مزايا التخصص كما تزيد من فرص الاستثمار. لقد كانت معظم الدوافع التي تم التركيز عليها لدخول الدول تكتلات اقتصادية في بداية الأمر ذات طابع اقتصادي بحت، وذلك من خلال البحث عن المكاسب الاقتصادية التي يمكن أن يحققها التكامل بين اقتصاديات الدول.
فهناك دول ترى أنها ستحصل على العديد من المكاسب المستمدة من نظريات التكامل الاقتصادي، وبعض الدول تركز على مكاسب التجارة العالمية، والبعض الآخر يهتم باتفاقيات السياسة التفضيلية. وقد يؤدي التكتل الاقتصادي إلى خلق مناخ ملائم للتنمية الاقتصادية، حيث يأخذ على عاتقه تهيئة الجو الملائم للتنمية، فهو يضمن التنسيق بين السياسات الاقتصادية واستقرار الأوضاع الاقتصادية للدول الأعضاء، والتنسيق أيضا بين مشروعات التنمية الإقليمية، من خلال استغلال الإمكانيات الاقتصادية للدول الأعضاء مستفيدة بذلك من أتساع السوق ووفرة العمالة وفرص التشغيل.
ومن بين الدوافع الاقتصادية الأخرى للتكتلات يمكن أن تؤخذ كضمانة ضد الأحداث الاقتصادية المستقبلية، فقد تلجأ الدول للانضمام إلى تكتل إقليمي وذلك من أجل مواجهة المخاطر والأحداث التي قد تتعرض لها في المستقبل، فيصبح التكتل بمثابة التأمين أو الضمان ضد الأحداث غير المتوقعة. لهذا يذهب البعض للقول” بأن الدول النامية تتحمس للانضمام إلى تلك التكتلات بغية أن تتجنب أي حرب تجارية مستقبلية يمكن أن تكون تلك الدول الخاسر الأكبر فيها، لذلك نجد اتفاقية (النافتا)، لم تخلو من هذه الدوافع، فإقدام كندا على إبرام ذلك الاتفاق كضمان لصادراتها ضد رسوم الإغراق والرسوم التعويضية التي كانت من المحتمل أن تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية في حالة عدم وجود الاتفاق. وفي المقابل يعتبر ضمان الولايات المتحدة ضد السياسات الكندية في مجال الطاقة والتي كانت تتعارض مع المصالح الأمريكية”([15]).
كما تدفع التكتلات الاقتصادية إلى تحسين مستوى الرفاه الاجتماعي، وكذلك يمكن أن تؤدي هذه التكتلات إلى تغيير وتحسين معدلات التبادل التجاري لصالح دول التكتل، بالإضافة إلى مختلف الدوافع الاقتصادية آنفة الذكر، هناك دوافع اقتصادية أخرى يمكن أن تدفع الدول للانضمام إلى تكتلات اقتصادية مثل تنسيق السياسات الضريبية والمالية، تنسيق السياسات النقدية، تنسيق السياسات الإنتاجية، وبناء اقتصاد قوي يقلل من اعتماد دول التكتل على غيرها، مع استقرار السياسات الاقتصادية وذلك من خلال توافر السلع والعمالة وانخفاض الأسعار([16]).
ثانيا. الدوافع السياسية:
ﻗد ﯾﻛون اﻟــداﻓﻊ وراء إﻗﺎﻣــﺔ اﻟﺗﻛﺗــل هو سياسي ﺑﺎﻟدرﺟــﺔ اﻷوﻟــﻰ، كما حدث عندما أدرك زﻋﻣﺎء أورﺑﺎ ﺧطورة تزايد اﻟوزن النسبي للولايات المتحدة الأمريكية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ومن ﺛم أﺟﻣﻌوا ﻋﻠﻰ ﺿرورة إﻗﺎﻣﺔ ﺗﻛﺗل اﻗﺗﺻﺎدي أورﺑﻲ يستطيع مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية. وﻛﻣــﺎ ﻓﻌﻠﺗــﻪ أيضا الولايات اﻟﻣﺗﺣــدة لضم المكسيك وﻛﻧــدا ﻓــﻲ ﻣﻧطﻘــﺔ ﺗﺟــﺎرة ﺣــرة، وذلك للاستفادة من السوق المكسيكية الواسعة لكي تسد الطريق أمام أوربا واليابان للدخول إلى السوق المكسيكية، وكما هو الحال أيضا لقيام تكتل الآسيان، الذي كان الدافع السياسي من إنشاءه، هو لمواجهة التوسع الشيوعي.
فمن خلال أيضا تشابك العلاقات الاقتصادية التي تساعد على ارتباط الدول الأعضاء وزيادة اﻟﺛﻘﺔ ﺑﯾﻧﻬﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻣﻧطﻘﺔ اﻟﺗﻛﺎﻣﻠﯾﺔ، فإن ﻫذﻩ اﻟدول ﺗﺗﺟﻧب اﻟﺧطر السياسي، وخير مثال على ذلك حل الصراعات التي كانت قائمة بين فرنسا وألمانيا بعد تأسيس المجموعة الأوربية للفحم والصلب عام 19521م، وقد تكون الوحدة السياسية هي الهدف الأسمى الذي تسعى إلى تحقيقه الدول المنظمة إلى تكتل اقتصادي، أي أن هذا الأخير يمثل تمهيدا لإقامة تكامل سياسي إلا أنه في المقابل قد يحدث من وراء التكامل أثر معاكس وبالتالي ترتفع درجة عدم الاستقرار والخلافات بين الدول الأعضاء نتيجة لمشاكل قد يخلقها التكامل الاقتصادي. لهذا تشكل الدول تكتلات لأسباب غير اقتصادية، وذلك لتعزيز الأمن القومي والسلام العالمي، والمساعدة في تطوير المؤسسات السياسية والاجتماعية. ولقد بحث علماء السياسة في استخدام الدبلوماسية التجارية من خلال سياق إقليمي، وتوصلوا إلى أن العلاقات التجارية قد تساعد على إنشاء علاقات سياسية بين الدول الأعضاء بتطوير وسائل التحكم في الصراع بينهما ([17]).
ومن الدوافع السياسية أيضا التي أدت إلى قيام التكتلات الاقتصادية هي، بروز مفهوم الحوكمة العالمية الذي أرسى مبادئ الشفافية في الرقابة والمساءلة والمشاركة السياسية. ومن خلال هذه المبادئ أصبح للدول شركاء يتقاسمون فيما بينهم الأدوار والمسؤوليات لتحقيق الرفاه الاقتصادي للشعوب، ومن بين هذه المبادئ التي أرستها الحوكمة العالمية هي، الانفتاح والشفافية، مما أدى إلى خضوع المؤسسات العامة بأن تكون أكثر انفتاحا على مختلف الفواعل وتقديم معلومات موثوقة ذات صلة بالأنشطة التي تقوم بها في الوقت المناسب والتواصل المستمر مع المواطنين حول أنشطتها وقراراتها. والمبدأ الآخر والمهم في مفهوم الحوكمة هو، المشاركة، إذ ينبغي على المؤسسات العامة تقبل الآراء من المواطنين وباقي الشركاء. ومن الأسباب الأخرى والمهمة في انتشار التكتلات الاقتصادية هي، موجة الديمقراطية التي عرفتها الكثير من الدول، ففي فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي كانت هناك عديد من الأنظمة التسلطية وقليل من الأنظمة الديمقراطية، هذا التنوع بين الأنظمة السياسية منع تحديد أهداف السياسة المشتركة بين الدول، بالرغم من أنه كانت هناك محاولات لتحقيق التكتل الاقتصادي، إلا أن معظمها كان مصيره الفشل. ويرى بعض الباحثون أن الضغوطات التي تمارسها القوى الكبرى على الدول خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، جعلت الدول الأقل قوة خاصة دول الشرق الأوسط تعمل على إقامة تكتلات اقتصادية وإبرام الاتفاقيات من أجل مواجهة الضغوط عن طريق توحيد سياساتها وتعزيز قوتها في المحافل الدولية ([18]).
ثالثا. الدوافع الأمنية:
يمثل الاستقرار اﻷﻣﻧﻲ ﻛﻬدف” ﻗد ﯾدﻓﻊ ﺑﻌض اﻟدول ﻟﻌﻘد اتفاقيات إقليمية ﻟﻬذا ﯾﻛون اﻟداﻓﻊ وراء ﺿم دول معينة ﻟﻠﺗﻛﺗل داﻓﻌﺎ أمنيا ورغبة الحكومات في المحافظة على سيادتها بالتعاون مع دول أخرى. هكذا تم مع مجتمع الفحم والصلب الأوربي والمجتمع الأوربي. فالطريق غير المباشر لتقوية الأمن من خلال تكامل اقتصادي يعتبر خطوة أولية أساسية، وكذلك اتجاه الاتحاد الأوروبي لضم دول جنوب البحر المتوسط في اتفاقات ثنائية واتفاقات شراكة رغبة منه في تأمين الجنوب وتجنب المشكلات التي يمكن يصدرها له”([19]).
الفصل الثاني
نظام التعددية القطبية
سنتناول في هذا الفصل إلى أربع مباحث:
المبحث الأول: مراحل تطور النظام السياسي الدولي.
المبحث الثاني: مفهوم نظام التعددية القطبية.
المبحث الثالث: سمات نظام التعددية القطبية.
المبحث الرابع: أقطاب نظام التعددية القطبية.
المبحث الأول
مراحل تطور النظام السياسي الدولي
قبل أن ندخل في موضوع نظام التعددية القطبية، من المهم أن نتطرق إلى مراحل تطور النظام السياسي الدولي، الذي سنوجزه في هذا المبحث.
مر النظام السياسي الدولي بمرحلتين تاريخيتين هما:
المرحلة الأولى: التي تبدأ منذ عقد معاهدة ويستفاليا عام 1648م، التي أقامت النظام الدولي الحديث المبني على تعدد الدول القومية واستقلالها وتنتهي بقيام الحرب العالمية الأولى.
المرحلة الثانية: وتبدأ منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى ولا تزال مستمرة إلى وقتنا الحاضر.
المرحلة الأولى:
كانت دلائل هذه المرحلة تتمثل في أن حجم التعامل الدولي كان محدودا ولم يكن قد تشعب وتعقد بالصورة التي نراها اليوم. فسياسة الدول كانت معظمها مبنية على اعتبار أن لكل دولة الحق في أن تفعل ما تشاء دفاعا عن وجودها وتحقيق مصالحها، بعيدا عن تدخل الدول الأخرى، بالإضافة إلى هذه الاعتبارات كان مبدأ الولاء القومي قد سيطر على مشاعر المواطنين الذين احتوتهم هذه الدول، بمعنى أن أي تمرد على هذا الولاء كان يُنظر أليه على أنه خيانة وطنية وقومية. وفي هذه المرحلة من تطور النظام الدولي لم تُعرف أسلحة الحرب النفسية والدعائية أو الضغط بأدوات الحرب الاقتصادية أو التغلغل والمعتقدات المذهبية في الدول الأخرى، لاسيما أن الصراعات والتوترات الداخلية لم تكن تتعدى حدود الدول، بمعنى أن تدويل النزاعات الداخلية لم يكن من سمات النظام الدولي. وعلى الرغم من وجود صراعات وخلافات بين الدول، إلا أن هذه الصراعات لم تكن ذات طبيعة إيديولوجية، بل كانت ترجع معظمها إلى الصراع بين العائلات المالكة. وبهذا” فإن عدم وجود اختلافات أيديولوجية وفر للدول درجة عالية من المرونة والانسحاب من التحالفات الدولية حسب ما تقتضيه الظروف والمواقف، ولم يكن ينظر إلى تلك التصرفات على أنها غير أخلاقية. ولهذا يمكن القول إن اختفاء العائق الأيديولوجي من بيئة العلاقات الدولية في هذه المرحلة من تطور النظام السياسي الدولي جعل من عامل المصلحة القومية وحده المؤشر الذي يحدد للدول اتجاه حركتها في المجتمع الدولي كما بررت في إطاره كل أنماط السلوك الخارجي على عكس ما يحدث الآن”([20]).
المرحلة الثانية: أما عن خصائص المرحلة الثانية من تطور النظام السياسي الدولي فيمكن إيجازها على النحو التالي:
1.إن الحدود الجغرافية للنظام السياسي الدولي قد امتدت لتشمل العالم كله.
- ظهور العديد من المنظمات الدولية غير الحكومية التي تؤثر في أوضاع المجتمع الدولي.
- لم تعد الدولة القومية تمثل المصدر الوحيد للسلطة في النظام السياسي الدولي، فالمنظمات الدولية والإقليمية تعتبر مصادر جديدة للسلطة في هذا النظام.
- زيادة عدد دول الأطراف في هذا النظام كنتيجة لتحرر الكثير من المناطق من إطار الهيمنة والسيطرة الاستعمارية.
- التغيير في توزيع القوة على المستوى العالمي.
- التفاوت الضخم في إمكانات القوة وفي القدرة على التأثير التي تتمتع بها بعض الدول دون البعض الآخر.
- إن تأثير الرأي العام على تشكيل السياسة الخارجية أصبح أكبر بكثير مما كان عليه في الماضي.
- التضاعف في أهمية الأيديولوجيات التي استطاعت التأثير في السياسة الدولية بشكل لم يعرفه المجتمع الدولي في المرحلة السابقة.
- أصبحت الصراعات والنزاعات الداخلية لها دلالات دولية أي نطاق التأثير والانفعال بات يتعدى الحدود القومية إلى الدول الخارجية.
- بروز نطاق واسع وشامل من أدوات الصراع الدولي، التي يتراوح مداها بين الحرب التقليدية المحدودة، والحرب التقليدية العامة، والحروب النووية التي تستخدم فيها الأسلحة النووية والاستراتيجية.
- لم يعد النظر إلى القوة على أنها مجرد التفوق في إمكانات العنف المسلح، كما كانت عليه في المراحل السابقة من مراحل تطور النظام السياسي الدولي، وإنما أصبحت القوة بمثابة المحصلة النهائية لعدد كبير من العوام المتداخلة التأثير مثل، القوة الاقتصادية، مستوى التطور الصناعي والتكنولوجي، كفاءة الأجهزة الدبلوماسية، كفاءة التنظيم السياسي والإداري، الجوانب النفسية والمعنوية، الثقافة والتعليم وكمية الموارد الطبيعية المتاحة ([21]).
المبحث الثاني
مفهوم نظام التعددية القطبية
يواجه النظام الدولي الراهن تحديات من بينها وجود مسافة لا تزال طويلة بين القطب الأمريكي والقوى الدولية الأخرى التي تسعى إلى الاقتراب من مستواه وردم الفجوة التي تفصل كلا منها عنه سواء في مجال القوة العسكرية التي لا تزال أطول وأضخم الفجوات القائمة بين الطرف الأمريكي والقوى الكبرى الأخرى باستثناء روسيا الاتحادية، أو في مجال القوة الاقتصادية وذلك من خلال تحقيق أكبر نجاحات القوى الدولية الأخرى في الاقتراب من مستوى القوة الأمريكية، أو في القوة العلمية والتكنولوجية، حيث تتعدد وتتنوع التحديات التي تواجه النظام الدولي في مرحلته الراهنة، لهذا انعكس ذلك الأمر على رؤية الاتجاهات النظرية للتغير، أو التطور في النظام الدولي. فثمة اتجاه معارض لفكرة تأسس نظام دولي جديد، وهو اتجاه يوجد أساسا في بلاد العالم الثالث. أما في الولايات المتحدة فيتجه الفكر إلى الأخذ باتجاه أحادي يضع الولايات المتحدة، بالطبع منفردة، على رأس النظام الدولي. ويرى اتجاه ثالث أن بنية النظام الدولي لم تتغير، لأنه ظل ثنائيا، ولكنه تغير من ثنائية الشرق الاشتراكي والغرب الرأسمالي، إلى ثنائية الشمال المتقدم والجنوب المتخلف. والاتجاه الرابع يرى أن النظام الدولي أصبح متعدد الأقطاب، نتيجة تنافس عدد من القوى الكبرى، الأمر الذي أنهى مرحلة القطبية الأحادية. أما الاتجاه الخامس والأخير، فيرى أن التوجه الرئيسي هو التوجه نحو العالمية، من حيث القضايا (أجندة النظام)، أو الاعتماد المتبادل كأساس لحركة العلاقات الدولية الاقتصادية والثقافية ([22]).
منذ تسعينات القرن العشرين، قامت الولايات المتحدة ومن خلال حرب الخليج والحرب الكوسوفوية والحرب الأفغانية، وعن طريق تطوير اقتصاد المعلومات، بحشد المزيد من الثروات السياسية والعسكرية والاقتصادية وغيرها، وظلت قوتها العظمى الوحيدة في تصاعد مستمر. غير أن الدول التي لا ترغب في إغاظة الولايات المتحدة حفاظا على مصالحها الخاصة، ازدادت شكوكها تجاه التعددية القطبية أكثر فأكثر لعدة أسباب أهمها، تمثل التعددية القطبية توجه استراتيجي موجه ضد عالم القطب الواحد، وكذلك إن التعددية القطبية تؤكد على دور الدول الكبرى والتزاماتها، دون أن تعطي وزنا كافيا لمطالب الدول النامية ومصالحها، والسبب الآخر هو، من الصعب عليها تحديد إي من النمطين، القطب الواحد أم التعددية القطبية، سوف يخدم أكثر مصلحة السلام العالمي واستقراره.
إن مواقف الدول من التعددية القطبية يتلخص بشكل أساسي في عدة محاور أولهما، الدول المعارضة لها بشكل حازم والمتمثلة في الولايات المتحدة وبريطانيا اللتان لا تحملان أي انطباعات حسنة تجاه التعددية القطبية، وتعملان على تزعم الولايات المتحدة للعالم، وترى كلاهما بأن في عالم القطب الواحد فقط يمكن ضمان السلام والحرية والديمقراطية. وثانيا، الدول مثل روسيا وألمانيا وفرنسا قاصرة القوة، على الرغم من أن فرنسا وألمانيا يميلان لاتجاه التعددية القطبية، إلا أنهما تقفا موقف الاعتراف والتأكيد على دور الولايات المتحدة، ولم يحدث لهما وأن أيدتا التعددية القطبية دون أي تحفظ. وأخيرا، الدول التي تقف موقف اللامبالاة أو التذبذب بين اليمين واليسار والمتمثلة في الدول النامية التي تعيش متذبذبة بين التيارين السابقين، فبالنسبة لهذه الدول لا ترى أي علاقة وثيقة لها بالقطب الواحد أو بالتعددية القطبية ([23]).
وتشير التطورات السياسية إلى أن النظام الدولي الحالي يتغير نحو شكل جديد من أشكال النظام الدولي وصفته بأنه نظام متعدد النظم. ويقصد بنظام التعددية القطبية” وجود أكثر من قوتين عظميين في النظام الدولي تمتلك من مصادر القوة الاقتصادية، والعسكرية، والتكنولوجية، والحضارية، ما يؤهلها للمنافسة على الساحة الدولية. ويهيمن كل من التنافس والتعاون بين هذه القوى على السياسات في النظام الدولي وتشير التعددية القطبية، كمرحلة، إلى الحالة التي تتوفر فيها ثلاثة من القوى الدولية العظمى، أو أكثر، حيث يعتبر النظام الدولي في القرن التاسع عشر المثال التقليدي على تلك المرحلة”([24]).
وهناك من يرى أن التعددية القطبية هي” توزيع القوة العالمية حيث تتمتع أكثر من دولتين بمستويات مماثلة من النفوذ. وقد تكون التعددية القطبية أكثر استقرارا من القطبية الثنائية، حيث تكتسب القوى العظمى القوة من خلال التحالفات التي لا تشكل تحدياً مباشرا للقوى الأخرى. ومن جهة أخرى، يمكن أن تعاني الأنظمة المتعددة القطبية من سوء التقدير للدول، وتعريض الأمن للخطر، وتخطئ في حساباتها للاستجابات المطلوبة في مواجهة التهديدات”([25]).
وذهب آخرون إلى تعريف نظام متعددة القطبية على أنه” وجود مجموعة من قوى تمتلك مصادر القوة القومية والنفوذ ما يجعلها تتبوأ مركزا هاما على قمة الهرم الدولي، وبالشكل الذي يجعلها متميزة عن غيرها، ومتكافئة نسبيا، إن لم تكن متعادلة تقريبا مع بعضها البعض، والتاريخ حافل بأمثلة عدة لهذا النموذج القطبي، ففي عام 1700م، كانت القوى العظمى تتمثل بالإمبراطورية العثمانية وهولندا والنمسا وفرنسا وبريطانيا”([26]).
ويعيد نظام التعددية القطبية سياسات توازن القوى إلى الساحة الدولية والتي كانت موجودة في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وتتميز التعددية القطبية” أنها تعتمد على عامل الدبلوماسية بمعنى أن ما يتوجب عليك القيام به معي أهم من ماذا تستطيع عمله لي، لأنه لا يوجد أحد منا سيكون قادرا على القيام بشيء دون الآخر، ويعتبر التعاون في نظام التعددية القطبية أمرا هاما ينطوي على كيفية تصرف القطب الواحد ضمن أقطاب متعددة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن التعددية القطبية لا تسمح لأي قطب بتحدي قطب آخر في المنظومة. فالعلاقات بين الأقطاب تُبنى على الحاجة والفعالية والمصلحة. وتنتج عن التعددية القطبية نظام توازن قوى، وبهذا يسود نمط التوافق والمساومات بحيث لا توجد أيديولوجية واحدة أو أيديولوجية مسيطرة بل توجد مرونة تتسع لتنوع فكري كبير دون جمود إيديولوجي”([27]).
بناء عليه يمكن القول بان الفترة من العام 1945م – 1990م كانت فترة للثنائية القطبية المحكمة، من ثم في الفترة من 1991م – 2000م هي فترة الأحادية القطبية أو المركزية الأميركية، وبناء على العديد من المعطيات والتحولات الجيوسياسة والجيواستراتيجية الدولية تعتبر الفترة من2001م، وحتى العام 2015م، هي الفترة التي سقطت فيها أسطورة النظام القطبي الواحد، ليبرز نظام عالمي قطبي جديد هو مزيج يجمع بين أوهام القطب الواحد الذي لا زالت تشكله الولايات المتحدة الأميركية عبر قوتها الراهنة على الخارطة الجيوسياسة العالمية وخيالات ثنائية القطب بين هذه الأخيرة وروسيا التي لا زالت تحمل فوق كتفها حقيبة الإمبراطورية السوفيتية بكل ما تحتويه من قوة، وتحالفات فضفاضة سرعان ما تتغير بتغير المصالح الجيوسياسة، وبروز قوى دولية نطلق عليها بالمتنمرين الجدد الباحثين عن مكانة لهم على رقعة الشطرنج الجيوسياسة العالمية سواء كانت في الحدود الإقليمية أو القارية أو حتى الدولية([28]).
والمتتبع لحال وواقع المشهد السياسي والجيوسياسي العالمي الراهن يلاحظ أن العالم مقبل على تراجع الهيمنة الأميركية، مع صعود نظام التعددية القطبية الفضفاضة والذي نتوقع استمراره حتى مطلع العقد الثالث من هذا القرن، حيث أن العالم مقبل على تخوم نظام عالمي جديد، وهو ما يطلق عليه بنظام حكم الكثرة أو نظام (البولياركي (والذي سيعيشه العالم وسيرزح تحت وطأته لسنوات طويلة من المحتمل أن تستمر الى نهاية هذا القرن. إذ أن القطبية المركزية أو حتى الثنائية القطبية التي ورثتها كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا لم تعد قادرة على إحكام قبضتها على رقعة الشطرنج الدولية، بل حتى أن العديد من القوى الإقليمية أن صح وصفها في أوربا وآسيا كالاتحاد الأوربي وتركيا وإيران والصين والهند على سبيل المثال لم تعد تملك أي نوع من الجذب القادر على بناء تكتلات محكمة تربطها مصالح مشتركة لوقت طويل، لكن من الممكن التعويل عليها لبناء تحالفات استقرار واتزان في هياكل البناء السياسي العالمي، حيث أن السلطة والقوة في منتصف العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين باتت سلطة متعددة الأبعاد ومبعثرة كثيرا بما لا يسمح بذلك النوع من قوة الجذب التي كانت تمارسها مراكز الاستقطاب القديمة أو الأطراف المهيمنة.
كما أن الحلفاء والأصدقاء في هذا النوع من الأنظمة العالمية وفي وضع ومكان وزمان معين هم أعداء وخصوم في مكان وزمان ووضع آخر، حيث علاقات الخصومة المتشكلة ستغلب على علاقات التحالف في العديد من القضايا من جهة، وذلك بسبب العدد الكبير من اللاعبين ونوعياتهم التي تجعل من النظام العالمي نظام فوضوي ومتناقض التركيب، سريع التقلبات والصداقات والعداوات، في ظل غياب شركاء تحالف يعول عليهم، مما يجعل من تشكيل التحالفات وديمومتها أمر بالغ الصعوبة، وبالتالي وبناء عليه فانه من المفترض أن يكون نظام حكم الكثرة المتوقع أن يبرز على رقعة الشطرنج العالمية مع مطلع العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين سيكون النظام الأشد نزوعا للحرب والصراعات والاقتتال العابر للقارات، إلا انه لن ينطوي على حرب الجميع ضد الجميع نتيجة لوجود صلات التقاطع والتداخل بين الأمم، لذا ستتركز تلك الحروب والصراعات حول جيوب وبقع عداوة مفرطة بين أطراف أحادية أكثر منها عالمية مجتمعة وخصوصا تلك التي تغرق في بحر من ثقافة العنف والطائفية والحزبية والمذهبية والقومية المفرطة، ومن المتوقع أن يبرز ذلك بشكل أكثر وضوح في الشرق الأوسط والبيت السوفيتي القديم([29]).
المبحث الثالث
سمات نظام التعددية القطبية
يشير علماء السياسة الدولية إلى أن نظام التعددية القطبية يوفر نظاما أكثر استقرارا في النظام الدولي وذلك لسببين، الأول، تزداد أنماط التفاعل تعقيدا وتنوعا في عالم التعددية القطبية مما يقلل احتمالية تطوير أية أعمال عدائية من طرف ضد آخر، وثانيا، فإن ازدياد عدد الأقطاب يفرض على كل لاعب في هذا النظام أن يوزع اهتمامه بين جميع هذه الأقطاب. ويعتقد الواقعيون التقليديون أن استقرار النظام الدولي مرهون بتعدد أقطابه، حيث يضمن ذلك توزيع القوة بشكل مرن، مما يؤدي إلى تحالفات ناجحة. في الوقت عينه يرى بعض المفكرين أن تعدد الأقطاب يضمن الاستقرار الدولي، فالتعددية القطبية توفر فرصا أكبر للتفاعل بين الدول، ما يزيد من العلاقات الدولية السلمية. وتتشكل التحالفات بين الدول بما يتناسب وكل قضية على حدة، فتستطيع الدولة أن يكون لها تحالفا عسكريا مع دولة ما، وتحالفا اقتصاديا مع دولة أخرى، مما يؤدي إلى وجود علاقات متبادلة ومتشعبة ومتقاطعة بين الدول، وهذا بدوره يؤدي إلى تحقيق الاستقرار، إضافة إلى أنه يقلل من احتمالات تصاعد أي عداوة لتصل إلى حالة الحرب، وكذلك فإنه يُحجم سباق التسلح، بحيث أي زيادة في تسلح دول ما لن تُأخذ على أنها موجه إلى القطب المضاد، كما يحدث في الثنائية القطبية.
على الرغم من أن التسلح في نظام التعددية القطبية يعتبر أقل خطر من نظام الثنائية القطبية، إلا أن الخطر الذي يهدد استقرار نظام التعددية القطبية يكمن في انتشار الأسلحة النووية بين الدول. فالفكرة تقوم على توازن التحالفات والتنقل فيما بينها للوصول إلى توازن القوى المطلوب الذي يضمن السلم في النظام الدولي. وترى الواقعية التقليدية أن التعددية القطبية هي الحل الأمثل للحد من المنافسة في التسلح من خلال خلق بيئة دولية سلمية أكثر من غيرها من الأنظمة. فمواجهة ازدياد التسلح لدى دولة ما،لا يقتصر على الدولة المعارضة لها بل على جميع أطراف النظام. ويتميز نظام التعددية القطبية، بأنه نظام مرن يوفر العديد من الفرص التفاعلية بين أقطابه، حيث يوجد العديد من العلاقات الديناميكية الممكنة في هذا النظام. ويؤمن الواقعيون التقليديون أنه طالما توجد حرية في تنقل القوى من تحالف إلى آخر، ستفضل هذه القوى سياسات توازن القوى ([30]).
إن من أبرز ملامح النظام الدولي الجديد هو” اتجاهه نحو التعامل (الكتلي)، أي إلى الكتل والمجموعات الكبرى، حيث لم تعد الدولة مرتكزا أساسيا في رسم تصورات المستقبل مهما كان من حجم لهذه الدولة على المستوى السياسي أو العسكري أو الاقتصادي أو السكاني، ولذا فإن أنظمة الدول المستقلة لن تجد لها مكاناً بارزا إلا من خلال تكتلات كبرى بدت ملامحها من المجموعة الأوربية التي تشكل أقوى قوة اقتصادية إلا أن هذه التكتلات لا تتوقف عند نقطة المصالح الاقتصادية بل تمد نظرها إلى أفق بعيدة أرحب وأشمل للتحول بعد ذلك إلى كتل سياسية كبرى. ولعل نموذج الوحدة الأوربية واضح في هذا الأمر فالعصر القادم هو عصر التكتلات أو المجموعات السياسية الكبرى الذي تحتفظ فيه الدول القطرية بشخصيتها القانونية ومكانتها وسيادتها، إلا أنها تدور في فلك واسع هو الكتلة التي تنتمي إليها”([31]).
ويقول مارتن كابلان” إن اللاعبين في نظام التعددية القطبية يحاولون أن يكونوا غير مختلفين عن المجموعة التي يتحالفون معها، حيث تسعى هذه الأطراف إلى ضمن نظام توازن القوى إلى زيادة قدراتها عن طريق عمليات التفاوض مع بعضها”([32]).
هكذا كان لتلك المتغيرات والتحولات العالمية المتلاحقة والسريعة التي تسيدت أيديولوجيا الصراع وفلسفة السياسة وأنظمة الحكم والعلاقات الدولية خلال العقد الأول من هذا القرن، انعكاساتها الاستثنائية على الصورة المتوقعة والمحتملة لبنية النظام العالمي للعقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، ومن أهم تلك التحولات والنتائج المتوقع تسيدها الخارطة الجيوسياسة العالمية بدء نشوء النظام ألتعددي، وتحديدا (التعددية القطبية الفضفاضة)، والتي ستكون السمة السائدة بشكل كامل خلال العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.
ومن هذا المنطلق يؤكد فقهاء السياسة على بدء نشوء إرهاصات هذا النظام العالمي وتشكله مع مطلع العقد الثاني من هذا القرن. ولا ينشأ هذا النظام في اغلب الأحيان سوى في ظل التيارات السياسية العالمية الناتجة عن استراتيجيات القوى الرافضة للهيمنة الإمبراطورية، ويرى) سيوم براون)، أستاذ التعاون الدولي في قسم العلوم السياسية بجامعة (برانديز)، أن نظام التعددية القطبية الفضفاضة ينشأ على شكل تحالفات بدلا من تكتلات، وليس بالضرورة هنا أن تتشكل تلك التحالفات بين الأنظمة الدولية على أسس سياسية فقط، بل ربما تكون وراء ذلك دوافع اقتصادية أو عسكرية أو حتى أيديولوجية وثقافية، ولكن الهدف الرئيسي الذي لا يمكن أن يتغير، يدور حول محور رفض الهيمنة والغطرسة للدول الامبريالية، ويسعى للبحث عن تحالفات مستقلة وقوية تضمن لأعضاء ذلك التحالف المكانة والأمن والاستقرار، وقدرا لا باس به من الهامش السياسي الذي يمكنهم من خلاله متابعة سياساتهم الخارجية الخاصة([33]).
وعلى أثر التحولات التي يشهدها النظام الدولي على مستوى القوة والمكانة والأدوار بالنسبة للقوى الفاعلة فيه، فإن اتجاها جديدا برز في هذا الإطار يطرح تغير نمط التوازنات الدولية ويستند هذا الطرح الى نظرية مفادها” وجود دورة انتقالية منهجية للقوة أو تحول القوة، من شأنها أن تفضي الى مرحلة من التوازن بالتركيز على القوة وتفاعلاتها مع هيكل النظام. وعليه تركز دورة القوة على تطوير معنى الدور في السياسة الخارجية كونه معبرا عنها في التعامل مع بعدها سلوكا. والابتعاد عن الترابط بين السلوك والمعاني التي اكتسبها من الناحية النظرية والمؤسساتية. كما وترفض نظرية دورة القوة القول بان القيادة تستند الى التحكم من قبل الدولة الأقوى ومدى ارتباطه بالهيمنة. وعوضا عن ذلك، تمتاز مفاهيم (القوة والدور)، بالتعددية والشراكة أو توزعها على دول عدة رغم غياب التكافؤ بينها نتيجة لحدوث تغيير في معطيات البيئة الدولية والدور الدولي انطلاقا من قدرة الدولة على توظيف بعض المتغيرات لصالحها استراتيجيا”([34]).
وتطرح نظرية تحول القوة، أن الدولة العظمى بدلا من أن تمارس السيطرة على مسار التفاعلات داخل المنظومة، تؤدي دور القيادة بالشراكة مع دول أخرى قادرة على ممارسة دور مؤثر في الشؤون الدولية أو الدخول في تفاعلات القضايا الدولية بقدراتها أو المشاركة في إدارة القوة والتفاعلات، بيد أنه يتطلب تفاهمات بين هذه القوى على طبيعة القواعد وليس أن يتم فرضها من قبل هذه القوة. وهذا يبدو واضحا في بعض ملامحه في المرحلة المعاصرة بعد دخول روسيا بقوة في تفاعلات الشرق الأوسط الى جانب الدور التركي والإيراني وما يجري من تفاهمات على صعيد الترتيبات الأمنية. وتقوم النظرية على أن استقرار (النسق الدولي)، أو الحروب أو السلام، لا تشير الى نمط معين للنسق ولكن المهم هو التحول نحو نسق أخر. وهنا لابد من الإشارة الى وجود صعوبات في إيجاد حالة من الانفصال بين سلوك دولة ما عن النسق الدولي، معنى ذلك إنه مخرجات لتفاعل بين الدول الكبرى فيما يتعلق بالعدد والقوة النسبية والدور وتوازن القوة. بيد أن لو كانت الدولة الأكثر قوة تعاني من تراجع أو أفول، تستمر في مشاركتها في مسؤوليات حفظ النظام وتيسير مهمة تعديل دور هذه القوة أثناء تحول وفي المرحلة المعاصرة فأن النظام الدولي يمر بمرحلة العودة الى الوضع الدولي من جديد تمهيدا لمرحلة متغيرة ليتشكل على وفق الأحداث والمؤثرات الجارية من صعود قوى دولية ومدى تأثيرها في صياغة العلاقات والتفاعلات الدولية وقدرتها على إدارة القضايا الدولية مثل الدور الذي تمارسه روسيا في الأزمة السورية وتمدد نطاق نفوذها في الشرق الأوسط على سبيل المثال، كذلك الصعود الاقتصادي المضطرد للصين واسيا الصاعدة الى جانب التوجه نحو المشاركة في السياسة الأمريكية لتحمل الأعباء الدولية وشكل التوازنات الإقليمية الجارية في ظل تصاعد سياسات المحاور الاستراتيجية الجاري تأسيسها وفق تغير نمطية الصراع([35]).
ولعل ذلك يبدو واضحا فيما يحدث في الشرق الأوسط من تحولات كبرى التي تقع ضمن العمليات المعقدة للانتقال إلى عالم ما بعد الغرب وأبرزها واقعيا، الانغماس العسكري الروسي في سوريا، وأوكرانيا، والتفاهم الروسي الصيني في الأمم المتحدة، هو جزء أصيل من عملية الانتقال إلى عالم ما بعد الغرب، كذلك الموقف اتجاه إيران من جميع الأطراف سواء الغربية أو من روسيا والصين، ونفس الأمر مع التحركات الصينية والروسية في إفريقيا، كلها تصب في هذا الاتجاه وتعززه.
الجدير بالذكر أن هذه الأحداث لم تكن غائبة عن رؤية مفصلة (لهنري كيسنجر )، في كتاباته للنظام الجديد، حيث يطرح رؤيته في ضوء التطورات الدولية، بالتزامن مع بروز معطيات دولية جديدة مثل الأزمات في بعض الدول العربية كالحرب في ليبيا، وتمدد نفوذ الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق، وانتقال عدوى الإرهاب الى مناطق أخرى مثل مصر، وأوربا التي شهدت عدة دول فيها هجمات إرهابية، وكذلك الحرب الدولية وتحالفاتها ضد الإرهاب، وعودة التنافس والتوتر في علاقات الولايات المتحدة مع روسيا والصين، وتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، كل هذه المعطيات وضعت النظام العالمي في أزمة تستوجب إعادة التفكير في تأسيس نظام جديد يسعى للخروج من مأزق النظام الحالي بتصدعاته المختلفة. وفي إطار الحاجة إلى تشكيل نظام عالمي بصيغة تشاركيه، فان هناك حاجة حقيقية لإعادة النظر في النظام الحالي الذي تعرض لتصدعات متعددة أبرزها، اختراق منظومة الدولة على عدة مستويات، الصراع الاقتصادي السياسي، وعدم وجود آلية فعالية للتشاور بين القوى العظمى ([36]).
المبحث الرابع
أقطاب نظام التعددية القطبية
بعيدا عن مزاعم القوة الأمريكية المنفردة وأوهامها على نحو ما يروج له بعض المفكرين، فما هي يا ترى الأقطاب الدولية التي يتوقع لها أن تحتل مكانتها في النظام العالمي الجديد لتتحول به مستقبلا من الأحادية القطبية إلى التعددية القطبية خلال السنوات القادمة، بيد أن معظم الأدبيات تتفق على وجود عدة أقطاب في نظام التعددية القطبية، وهي (الوليات المتحدة الأمريكية، والصين، وروسيا، والاتحاد الأوروبي، واليابان، والهند). ويتطلب نظام التعددية القطبية من الصين وروسيا والاتحاد الأوربي واليابان والهند، أن تبذل جهودا هائلة من أجل منافسة القدرات الأمريكية، حيث أن طبيعة استقرار نظام التعددية القطبية يعتمد على عدم قدرة أي قوة منفردة من السيطرة على الآخرين. ويتوقع من هذه القوى العمل على تغيير النظام الدولي، حيث أنها تظهر رغبتها في الحصول على مركز مرموق في النظام الدولي، والوصول للقوة التي تمكنها من التأثير في السياسات الدولية.
سيتم فيما يلي إيجاز أقطاب نظام التعددية القطبية من خلال دارسة المجالات الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية والحضارية، وكذلك السياسة الخارجية التي يتبعها كل قطب. وهذه القوى هي:
أولا. روسيا:
تعتبر روسيا أحد أهم الأقطاب في نظام التعددية القطبية حيث تحاول استعادة مكانتها ودورها كقوة عظمى على مختلف الأصعدة، حتى أضحت من الأقطاب الدولية التي تستطيع التأثير في مجريات الأحداث على الساحة الدولية، في محاولة منها لإعادة توزيع القوة في النظام الدولي. شرع صناع القرار في روسيا منذ مطلع الألفية الثالثة في سياسة تشجيع التعددية القطبية العالمية ردا على نظام الأحادية القطبية الذي سيطرت عليه الولايات المتحدة، وقد اتخذت هذه السياسة عدة أشكال، منها، دعم المنظمات الدولية بهدف تقييد الأحادية القطبية الأمريكية، ومحاولة بناء تحالفات مناهضة للهيمنة الأمريكية بين الدول التي تشاركها عدم الرضا على هذه الأحادية القطبية. ففي المجال الاقتصادي تعتبر روسيا دولة غنية بالموارد الطبيعية مثل النفط والغاز، لاسيما أنها تحوز على (35%)، من احتياطات الغاز الطبيعي. وقد اتبعت روسيا في الفترة الأخيرة سياسات اقتصادية تقوم على الليبرالية الاقتصادية واقتصاد السوق، وتبنت عدد من الإصلاحات المالية والإدارية لتتناسب والنفوذ الروسي المتصاعد الذي يتزامن مع نمو الرأسمالية الروسية وزيادة حجم الطبقة الوسطى في المجتمع الروسي. أما في المجال العسكري فتمتلك روسيا قدرات عسكرية هائلة، فقد ورثت الاتحاد السوفيتي المنافس الأكبر للولايات المتحدة على قيادة العالم أثناء الحرب الباردة بما يمتلكه من قدرات وإمكانيات، بالإضافة إلى مكانته الدولية التي تمثلت بمقعده في مجلس الأمن ([37]).
أما من الناحية التكنولوجية، تتقدم روسيا في حقول التكنولوجيا الحيوية بشكل ملحوظ، ومنها مجالات التقنيات الحيوية الزراعية والبيئية، والتقنيات الحيوية الصناعية والغذائية، والتقنيات الحيوية المائية، يضاف إلى ذلك التقدم في مجال الطب والرعاية الصحية. وفي المجال الحضاري تحاول روسيا تحسين صورتها في المجتمع الدولي والانفتاح على الآخرين. فقد شهدت الأعوام الأخيرة تصاعدا كبيرا في استخدام روسيا للقوة الناعمة في سياستها الخارجية. وترى روسيا أن قوتها الناعمة هي، مجموعة من الأدوات الشاملة تقوم باستغلال إمكانات المجتمع المدني، والإعلام، والأنماط الروسية الثقافية، والتقنيات البديلة عن الدبلوماسية التقليدية والتي أصبحت عناصر لا غنى عنها في العلاقات الدولية الحديثة. وفي مجال السياسة الخارجية تهدف روسيا إلى الدفع نحو دور روسي أكبر في عالم متعدد الأقطاب، والعمل على استرجاع دورها في مختلف مناطق العالم. يشير تصور روسيا لسياستها الخارجية إلى أن العلاقات الدولية تتجه نحو تشكيل نظام دولي متعدد الأقطاب، فقد ارتكزت أوليات السياسة الخارجية الروسية على عدة أمور أهمها، اعتراف روسيا بأولوية المبادئ الأساسية للقانون الدولي كإطار تنظيمي للعلاقات بين الشعوب، والسعي نحو أن يكون العالم متعدد الأقطاب مع الرفض الواضح لعالم تسوده الأحادية القطبية، التي تجلب عدم الاستقرار وتهدد بالصراعات، والتأكيد على عدم الدخول في مواجهات مع أي بلد آخر، وإقامة علاقات ودية مع أوروبا، والولايات المتحدة، وأكبر عدد ممكن من البلدان”([38]).
ثانيا. الصين:
يتمحور النقاش حول صعود الصين منذ بدايات التسعينيات حول محورين، الأول، مدى سرعة نمو القدرات الاقتصادية والعسكرية الصينية، والثاني، كيف يتوجب على العالم الرد والتفاعل مع هذا الصعود. لقد طرأت تغيرات أساسية في نظرة الصين للمجتمع الدولي في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينات من القرن الماضي بسبب التطورات الداخلية التي أحدثتها فيما يتعلق في هويتها الوطنية وثقافتها الاستراتيجية، ومصالحها الأمنية، بالإضافة إلى إعطاء الأولوية الأكبر لتنمية اقتصادها الوطني.
فقد قامت الصين بالابتعاد عن موقفها الثوري تجاه المجتمع الدولي من خلال إعادة تعريف اهتماماتها الأمنية، وقد عمل هذا التغير على تركيزها على اهتمامات تعاونية أكثر تحافظ على الاستقرار والمشاركة في الاقتصاد السياسي العالمي من خلال المشاركة في المؤسسات الدولية المختلفة. ففي المجال الاقتصادي تعتبر الصين أكبر قوة اقتصادية في العالم. وتعد من الدول التي تشق طريقها نحو التطور، والثروة، والقوة وتقوم بإحداث تغييرات في الاقتصاد الدولي، وقد سجلت الصين أعلى معدل للنمو الاقتصادي منذ انضمامها لمنظمة التجارة العالمية فوصل ترتيب إجمالي الناتج المحلي الصيني في ذلك الوقت المرتبة الرابعة على مستوى العالم.
ونتيجة للتطور الاقتصادي الكبير، بدأت الصين بتقليل اعتمادها على الدولار الأمريكي، عن طريق اعتمادها على العملات المحلية في التجارة، وهو ما قلل من الرسوم التي تدفعها في عمليات تحويل الدولار. أما في المجال العسكري تحتل الصين المرتبة الثالثة في ترتيب الدول من حيث القوة العسكرية بعد الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، حيث تعطي الصين اهتمام كبيرا لزيادة التسلح والتطوير العسكري ويتزامن هذا مع محاولتها الهيمنة على إقليمها. فعلى سبيل المثال، على الرغم من كون منطقة بحر جنوب الصين منطقة نزاع بين كل من الصين، وفيتنام، والفلبين، وماليزيا، وسلطنة بروناي، إلا أن الصين تعتبر أن لها الأحقية التاريخية فيه. وفي مجال التكنولوجيا تركز الصين على استخدام التكنولوجيا في تطوير نظامها البيئي. وتؤكد السياسات الصينية الأخيرة على ضرورة دفع عملية التنمية وتركيز الجهود على تسوية المشاكل البيئية البارزة، وزيادة قوة حماية النظام التقني والتكنولوجي. وفي مجال السياسة الخارجية تحاول الصين تحقيق نهضة الأمة الصينية عن طريق زيادة احترام المجتمع الدولي لها من ناحية، وتركيز سياستها الخارجية على دول الجوار من ناحية أخرى. لقد اتبعت الصين استراتيجيات تعتمد على تبني تحالفات حقيقية لتنافس الولايات المتحدة، وقد قامت بتأسيس ما يقارب (70)، شراكة إستراتيجية من ضمنها تحالفات مع حلفاء الولايات المتحدة، كبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا وايطاليا والتي اقتصرت على القطاع الاقتصادي. وتعمل الصين على وجود أربعة فئات من العلاقات الثنائية وهي، علاقة التعاون والصداقة مع روسيا ودول أخرى، والعلاقات العادية مع فرنسا وألمانيا، والعلاقة ذات الطابع الجديد بين القوى العظمى والولايات المتحدة، وعلاقة التنافس التي تصف العلاقات الحالية مع اليابان ([39]).
ثالثا. الاتحاد الأوربي:
يعد الاتحاد الأوروبي أحد أهم اللاعبين المؤثرين في النظام الدولي بما يملكه من مقومات اقتصادية، وعسكرية، وتكنولوجية وحضارية وسياسات خارجية تعمل معا من أجل الدفع نحو نظام تعددي على الساحة الدولية. على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي بدأ كاتحاد اقتصادي لكنه ما لبث أن تطور ليشمل المجالات السياسية، والمناخية، والصحية، والعلاقات الخارجية، والأمن. وينظر إلى التكامل الأوربي على أنه واضح لمشروع سلام يهدف إلى التغلب على عداوات الحروب ووضع الأسس لسلام مستقر.
لقد حُظي الجانب الاقتصادي باهتمام كبير في أروقة الاتحاد الأوروبي. وجاءت أولى خطواته لتعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء، إذ أن الدول التي تربطها علاقات اقتصادية مع بعضها البعض تصبح مترابطة وتحاول تفادي حدوث صراع فيما بينهما. وقد تطورت فكرة الاتحاد لتشمل إنشاء قوة أوروبية مشتركة تدافع عن مصالح الأعضاء، وحماية أي عضو من أية تهديدات يتعرض لها بحيث أن قوة التكامل الاقتصادي والتجاري بين دول الاتحاد الأوروبي ستنعكس بشكل إيجابي على قدرته على تشكيل قوة عسكرية مستدامة.
ويقوم الاتحاد الأوروبي بتطوير موارده الضخمة وتوظيفها في مجالات الطاقة والمعرفة والتكنولوجيا المتطورة من أجل بقاءه كقوة حديثة مواكبة للتطورات الحديثة. أما في المجال العسكري، فعلى الرغم من أن أغلب دول الاتحاد الأوربي تنتمي إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وترتبط معها باتفاقيات دفاع مشتركة، إلا أنه يوجد توجهات جدية لدى الاتحاد الأوروبي للعمل على تقوية قوته العسكرية وتشكيل قاعدة عسكرية مشتركة لدول الاتحاد. وفي السياسة الخارجية يعتبر الاتحاد الأوروبي فاعلا رئيسا في الكثير من القضايا الدولية على الصعيدين الإقليمي والعالمي على الرغم من إشكاليته الأساسية والتي تكمن في عدم تشكله من دولة سيادية، ما يجعل تحرك كوحدة واحدة أمرا صعبا. لكن الاتحاد الأوربي يعالج القضايا الدولية بصوت واحد من منطلق سياسته الخارجية والأمنية المشتركة. تسعى السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي إلى الحفاظ على قيم الاتحاد ومصالحه الأساسية والأمنية وتعزيز الأمن والتعاون الدوليين ([40]).
رابعا. اليابان:
تعتبر اليابان كأحد أقطاب نظام التعددية القطبية التي أصبحت قوة قيادية فاعلة في النظام الدولي. وتسعى اليابان لإيجاد مركز دولي مرموق لها من خلال المحافظة على تطور وتقدم اقتصادها، وتشكيل قوة عسكرية قادرة على حمايتها وتنفيذ أهدافها الاستراتيجية والمحافظة على أن تكون دائما للوصول إلى الابتكارات التكنولوجية. تسعى اليابان لكي يكون لديها القدرة على إدارة الشؤون العالمية من خلال مقوماتها التي تعطيها أفضلية على غيرها من الدول ليكون لها دور مؤثر في النظام الدولي. وقد نجحت اليابان في فترة الثمانينات من خلق نوع جديد من القوة العظمى بعيدا عن القوة العسكرية بالاعتماد على الاقتصاد، فقامت اليابان بالعديد من الإصلاحات الهيكلية في القطاع الاقتصادي من أجل تطويره وتقويته المواجهة المخاطر المتوسطة الأجل. وهناك العديد من العوامل التي تفسر قوة التجارة الخارجية اليابانية، ومنها، البنية التحتية المتطور فهي تمتلك أكبر الموانئ على مستوى العالم، وتشجيع الدولة للاستثمار الأجنبي وغيرها. وفي المجال العسكري بدأت اليابان تعكس توجهاتها الجديدة نحو تطوير قوتها العسكرية لتكون قطبا مؤثرا على الساحة الدولية. أما فيما يخص مجال السياسة الخارجية، تعمل اليابان إلى وضع إستراتيجية دبلوماسية تقوم على حماية أمن اليابان ومصالحها الوطنية الاقتصادية، والاستمرار في صيانة وتطوير نظام دولي يتوافق مع المبادئ اليابانية على أساس القيم العالمية، كالحرية والديمقراطية، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان ([41]).
([1]) ما هي التكتلات الإقليمية، الموسوعة الجزائرية للدراسات السياسية، 2019م، https://www.politics-dzcom
([2]) عبد الحميد، عبد المطلب، السوق العربية المشتركة، الواقع والمستقبل في الألفية الثالثة، الناشر، مجموعة النيل العربية، القاهرة، 2002م، ص30
([3]) عمر، حسين، التكامل الاقتصادي أنشودة العالم المعاصر: النظرية والتطبيق، الناشر، دار الفكر العربي، القاهرة، 1998م، ص7
([4]) عبد الرحيم عوض، إكرام، التحديات المستقبلية للتكتل الاقتصادي العربي العولمة والتكتلات الإقليمية البديلة، الناشر، مكتبة مدبولي، القاهرة، 2002م، ص44
([5]) أبو ستيت، فؤاد، التكتلات الاقتصادية في عصر العولمة، الناشر، الدار المصرية اللبنانية، 2004م، ص7
([6]) عبد الرحيم عوض، إكرام، سوق الشرق أوسطية، الناشر، مركز الحضارة العربية، القاهرة، 2000م، ث30
([7]) عمارة، فاتح، دور التكتلات الاقتصادية في الحوكمة الاقتصادية العالمية مجموعة البركس أنموذجا، مذكرة مكمل لمستلزمات نيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية، الناشر، جامعة الحاد خضر، الجزائر، 2014م، ص11
([8]) للمزيد راجع، عوض الله، زينب حسين، الاقتصاد الدولي نظرة على بعض القضايا الاقتصادية المعاصرة، الناشر، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 1999م، ص310 وألجميلي، حميد، دراسات في التطورات الاقتصادية العالمية والإقليمية المعاصرة، الناشر، مجموعة النيل، 1998م، ص20
([9]) للمزيد راجع، عبيد المبيضين، مخلد، الاتحاد الأوربي كظاهرة إقليمية متميزة، الناشر، دار الأكاديميون، الأردن، 2018م، ص65ص66 ولاحقا
([10]) سرور، أحمد فتحي، العالم الجديد بين الاقتصاد والسياسة والقانون، نظرات في عالم متغير، الناشر، دار الشروق، القاهرة، 2005، ص180
([11]) Regional Integration And Development Washington, press 2003, p6 Maurice Schiff
([12]) أبو العز، نهلة أحمد، تقييم مدى التقدم في تحقيق التكامل الإقليمي بالقارة الأفريقية- نحو سوق أفريقية مشتركة، الناشر، معهد البحوث والدراسات الأفريقية، ص2ص3 ولاحقا، https://scholar.cu.edu.eg
([13]) عبد الهادي، هويدا عبد العظيم، تأثير التكتلات الاقتصادية في شرق آسيا على التبادل التجاري الخليجي والتعاون الخليجي الآسيوي، 2016م، www.araa.sa
([14]) مفهوم السوق العربية المشتركة، https://political-encyclopedia.org
([15]) الشافعي، محمد إبراهيم محمود، التكتلات الاقتصادية الإقليمية وآثرها على النظام التجاري العالمي، الناشر، دار النهضة العربية، القاهرة، 2005م، ص16
([16]) للمزيد راجع، عبد الحميد، عبد المطلب، السوق العربية المشتركة الواقع والمستقبل في الألفية الثالثة، مصدر سابق، ص32ص33 والمسماري، أحمد، و، محمد الغول، الشريف محمد، التكتلات الاقتصادية في الدول الأفريقية، بحث، الناشر، الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، جامعة الدول العربية، ص8ص9 ولاحقا
([17]) رميدي، عبد الوهاب، التكتلات الاقتصادية الإقليمية في عصر العولمة وتفعيل التكامل الاقتصادي في الدول النامية، أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم الاقتصادية، الناشر، كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التيسير، جامعة الجزائر، 2006م، ص37ص38
([18]) عمارة، فاتح، دور التكتلات الاقتصادية في الحوكمة الاقتصادية العالمية، مصدر سابق، ص10ص11 ولاحقا
([19]) رميدي، عبد الوهاب، التكتلات الاقتصادية الإقليمية في عصر العولمة وتفعيل التكامل الاقتصادي في الدول النامية، مصدر سابق، ص39
([20]) مقلد، إسماعيل صبري، العلاقات السياسية الدولية دراسة في الأصول والنظريات، الناشر، المكتبة الأكاديمية، القاهرة، 1991م، ص50
([21]) للمزيد راجع، مقلد، إسماعيل صبري، العلاقات السياسية الدولية دراسة في الأصول والنظريات، مصدر سابق، ص41ص42 ولاحقا
([22]) علوي، مصطفى، القطب المنفرد الولايات المتحدة الأمريكية والتغيير في هيكل النظام العالمي، الناشر، المركز العربي للبحوث والدراسات، 2015م، https://www.acrseg.org
([23]) من التعددية القطبية إلى نظرية تعددية الأطراف، 2003م، www.arbsino.com
([24]) شمسانة، أسيل، النظام الدولي منذ الحرب الباردة إلى اليوم دراسة في النظام الدولي الجديد في القرن الحادي والعشرين، رسالة ماجستير، الناشر، جامعة بيرزيت، فلسطين، ص74
([25]) تصور المستقبل القطبية الأحادية أم التعددية، 2014م، www.ndc.ac.ae
([26]) الهزايمة، محمد عوض، قضايا دولية، جامعة العلوم التطبيقية، عمان، 2005م، ص21
([27]) علوي، مصطفى، القطب المنفرد الولايات المتحدة الأمريكية والتغيير في هيكل النظام العالمي، مصدر سابق
([28]) الفطيسي، محمد بن سعيد، التاريخ الموجز للأنظمة القطبية، 2016م، https://www.raialyoum.com
([29]) العالم على تخوم نظام حكم الكثرة (البولياركي)، 2015م، https://annabaa,org
([30]) شمسانة، أسيل، النظام الدولي منذ الحرب الباردة إلى اليوم دراسة في النظام الدولي الجديد في القرن الحادي والعشرين، مصدر سابق، ص77ص78
([31]) موسى، حسين خلف، النظام العالمي الجديد خصائصه وسماته، 2015م، https://democraticac.de
([32])Morton A. Kaplan, System and Process in International Politics, (New York: John Wiley & Sons Ltd,1957, p66
([33]) النظام العالمي القادم من الأحادية القطبية إلى التعددية القطبية، 2010م، www.wata.cc
([34]) حسين، حيدر علي، نحو قطبية جديدة في النظام الدولي، بحث، مركز المستنصرية للدراسات العربية والدولية، ص24، www.mjais.uomustamsiriyan.edu.iq
([35]) للمزيد راجع، كنيدي، بول، القوى العظمى. التغييرات الاقتصادية والصراع العسكري، ترجمة، علوب، عبد الوهاب، الناشر، دار سعاد الصباح، 1993م، س691ص692، وثابت، أحمد، مكانة الولايات المتحدة في النظام العالمي. دور القوة والتوازن الدولي الجديد، الناشر، مجلة السياسة الدولية، 2008م، العدد 171، ص8
([36]) بالخيرات، حسين، مستقبل النظام الدولي: رؤية استشرافية بنائية، الناشر، المعهد العربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية، القاهرة، 2017م، https://www.eipss-eg.org و عارف، نصر، العرب وعالم ما بعد الغرب، https://www.ahram.org.eg
([37]) يوسف، أيمن طلال، روسيا البوتينية بين الاوتقراطية الداخلية والأوليات الجيوبولتيكية الخارجية، 2000م-2008م، الناشر، مجلة المستقبل العربي، 2008م، العدد 358، ص79 وذياب، أحمد، شراكة اقتصادية: محددات الدور الروسي في وسط شرق آسيا، مجلة السياسة الدولية، 2014م، المجلد 50، العدد 195، ص113
([38]) فريدمان، جورج، مبدأ ميدفيدف والاستراتيجية الأمريكية، الناشر، مجلة المستقبل العربي، 2008م، العدد 356، ص123ص124
([39]) للمزيد راجع، ناي، جوزيف، حتمية القيادة الطبيعية المتغيرة للقوة الأمريكية، الناشر، مركز الكتب الأردني، عمان، 1991م، ص126ص127 و ناي، جوزيف، المنازعات الدولية: مقدمة للنظرية والتاريخ، ترجمة، الجمل، أحمد، الناشر، دار الفجر، ص64ص65
([40]) بوب، أدريان، حلف الناتو والاتحاد الأوربي: التعاون والأمن، الناشر/ مجلة حلف الناتو، 2007م، https://goo.gi
([41]) الجازي، هايل، اليابان القوة التجارية الكبرى، 2018م، https://goo.gl