عبدالله الدهمشيمانشيتمقالاتملف العدد 50

المأساة المستمرة وتحول اليمن إلى بلد الأطلال و الأشباح

عبدالله الدهمشي - اليمن

المأساة المستمرة وتحول اليمن إلى بلد الأطلال و الأشباح

لم يكن برنامج الغذاء العالمي مبالِغاً حين حذّر في تقرير الجوع العالمي عام 2018م    من تحوّل اليمن إلى بلد الأشباح الحية، فهذا البلد الذي كان يُسمى بالعربية السعيدة، فقدَ كل مقومات الحياة والتنمية منذ أن عصفت به الأزمة الشاملة في العام 2011م، وأكلته  الحروب الطاحنة منذ العام 2014م.

لا تتوقف المأساة اليمنية عند فصول القتل والتدمير اللذين أحدثتْها حروب الداخل والخارج، بل تمتد إلى المستقبل بما فرضتْه حتى العام 2019م، من تراجع التنمية البشرية إلى عشرين عاماً، وحاجة اليمن إلى عقودٍ لاسترداد ما كان عليه من تنمية حتى العام 2014م وفقاً لتقرير البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة.

فالحالة اليمنية وفقاً لتقارير دولية تُعدّ من أكثر النزاعات تدميراً منذ نهاية الحرب الباردة, إذ لم تتعطل التنمية البشرية بل تراجعت إلى الوراء في ظلّ وضع مأساويّ مفتوح على الاستمرار بسبب استعصائه على الحسم العسكري أو الحلّ السلمي بتسوية سياسية محتملة في آن.

ويمكن تقدير حجم المأساة اليمنية بما ورد في تقارير للأمم المتحدة تتحدث عن أن 75 % من اليمينين بحاجة للمساعدة والإغاثة لمجرد البقاء على قيد الحياة، ومن المثير للأسى أنّ هذه المأساة التي تُعدّ أسوأ مأساة إنسانية لا نظير لها في عالم اليوم, قد ابتدأت من انقلاب العصابة الحوثية المسلحة على الشرعية السياسية التي كانت قائمة في اليمن عام 2014م.

ويمكننا هنا تقديم رؤية تقييمية موجزة للمأساة الإنسانية في اليمن من خلال عرض إيضاحي لبعض مظاهر المأساة وتداعياتها في النقاط المرتبة إجرائياً كما يلي:

أولاًـ الجهات المتورطة في صناعة المأساة:

تتحمل العصابة الحوثية كامل المسؤولية عن صناعة المأساة اليمنية، لأنها فرضت على الدولة والمجتمع مواجهة مسلحة استدعت الخارج, وجعلت اليمن كله مرتهَناً للتجاذبات الإقليمية في المحيط الخارجي, ومع ذلك، فإنّ جهات أخرى تشارك العصابة الحوثية في تحمل المسؤولية عن هذه المأساة واستمرارها وانفتاحها على جحيم لا يتوقف عن خلق الكثير من الويلات التي يصطلي بنيرانها شعب اليمن.

فالحكومة اليمنية المعترَف بها دولياً, تتحمل قسطاً وافراً من هذه المسؤولية عن المأساة اليمنية المفتوحة على الجحيم نظراً لعجزها عن إدارة المناطق المحررة بصورة تعيد للاقتصاد المعيشي عافيته وتتكفل باستثمار الموارد في تحريك مفاتيح التنمية البشرية.

والتحالف الداعم للشرعية اليمنية والذي تقوده السعودية يتحمل جزءاً من هذه المسؤولية، بسبب مسؤوليته عن الحصار الذي يتسبب في جزء من هذه المأساة وعجزه عن توجيه التمويل المالي في مناشط تنفع الناس.

أصبحت الأمم المتحدة بكل منظماتها شريكة في صناعة المأساة اليمنية واستمرارها، نظراً لفشلها المستمر منذ العام 2011م في إدارة الأزمة اليمينية والتحكم بمساراتها وتعقيداتها التي وصلت باليمن إلى الموت والدمار، بل إنّ الأمم المتحدة متورطة الآن في المتاجرة بالمأساة اليمنية، من خلال فساد منظمات المساعدة الإنسانية والمنظمات الإغاثية.

غير أنّ المسؤولية عن المأساة الإنسانية في اليمن تعود إلى الأطراف اليمنية نفسها التي عجزت عن إدارة الأزمة بصورة إيجابية, وقدمت كلّ ما يساهم في تحوّلها إلى مأساة، وفي استمرارها كمأساة إنسانية لا مثيل لها في تاريخ العالم المعاصر.

ثانياًـ تجليات الوضع المأساوي الإنساني:

وفقاً لتقارير دولية، فإن إجمالي الخسائر المقدّرة مادياً تصل إلى 88.8 مليار دولار، بينما يصل عدد القتلى والذين توفّوا بسبب الأوبئة، وانعدام الرعاية الصحية إلى 250 ألف قتيل وحالة وفاة، ومئة ألف جريح بالإضافة إلى 30 ألف أسير ومعتقل.

تتحدث تقارير الأمم المتحدة عن أن 75% من سكان اليمن بحاجة إلى المساعدات والإغاثة للبقاء على قيد الحياة، وقدرت منظمة الأغذية العالمية نسبة الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي بواحد من كل يمنيَين اثنين، وفي تقرير الجوع العالمي كانت اليمن واحدة من أسوأ معدّلات سوء التغذية في العالم, وقد توزع سكان اليمن في المراحل الخمس لمؤشرات الجوع في العالم كالآتي:

3.437  ملايين نسمة في الحدّ الأدنى للأمن الغذائي:

6.323  ملايين من السكان في شدة.

10.239  ملايين من السكان في أزمة.

9.647  ملايين من السكان في حالة طوارئ.

0.238  ألف من السكان في وضع كارثي.

وبلغت تقديرات التقارير الدولية للنازحين في الداخل في فبراير 2019م، حوالي 3.65 ملايين، ولا يُعترف دولياً بوضع اليمنين في حالة لجوء، لذلك فإن الكثيرين نزحوا من اليمن خاصة إلى السعودية التي استقبلت ما يزيد عن المليون يمني, وتستقبل كل من مصر والأردن وتركيا قرابة المليون أيضاً وفق تقديرات غير رسمية.

وقد أدى توقف صرف مرتّبات الموظفين إلى تزايد حدة المأساة الإنسانية، وتدهور الوضع المعيشي لأكثر من 21.7 مليون يمني واجهوا تحدّيّات البقاء أحياء بالمدخرات التي تآكلت مع الاستمرار في الحرب، وفقدان الريال اليمني قيمته في السنوات الأربع الماضية، وكان الأطفال هم الضحايا الذين تأثروا بشدة من الوضع الإنساني المأساوي، حيث بلغ عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحادّ والوخيم قرابة 360 ألفاً في تقرير لليونيسف صدر بإبريل 2019م.

وتواصلُ الميليشيات الحوثية تجنيد الأطفال والزجّ بهم إلى الجبهات، مقابل توفير وجبات الغذاء للمجندين من الأطفال الذين بلغ تقدير عددهم في العام 2018م (4065) حالة تجنيد، بينما بلغت 842 حالة في مكونات تحالف الشرعية.

 

ثالثاًـ فساد المساعدات الإنسانية:

على الرغم من الدور الإيجابي الذي تؤديه منظمات الإغاثة الإنسانية للتخفيف من حدة المأساة الإنسانية في اليمن، إلّا أنّ عمل هذه المنظمات قد وقع تحت طائلة الفجوة التمويلية وآليات الفساد ومحاولات الحوثيين عرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى محتاجيها.

ففي العام 2017م وصل حجم التمويل المالي للمساعدات الإنسانية حوالي 1.5مليار دولار، وفي العام 2018م وصل إلى 2.5 مليار، وفي فبراير عام 2019م، قدّم مؤتمر المانحين 2.6 مليار دولار لم يصل منها حتى يونيو (حزيران) سوى 840 مليون دولار.

وتُقدّر الفجوة التمويلية للمساعدات الإنسانية بـ 1.75 مليار دولار للأمن الغذائي والتغذية, و3.35 مليار لخطة الاستجابة الإنسانيّة، مع ضمان دفع مرتبات الموظفين، وتشغيل المخزون من العائدات النفطية.

هذا وتواجه المساعدات الإنسانية عراقيل شتّى؛ منها محاولات الحوثيين التحكّم بتوزيعها، وتوظيفها لصالح المجهود الحربي، بالإضافة إلى فساد الصفقات التي تنفذّها المنظمات الإغاثية، حيث تم اكتشاف صفقات أدوية منتهية الصلاحية، وصفقات أغذية  فاسدة، وغير ذلك من آليات الفساد التي جعلت من الأوضاع الإنسانية المأساوية في اليمن سوقاً للمتاجرة والاستثمار.

خاتمة ـ المأساة اليمنية استمرار ومضاعفات:

لا يبدو في الأفق القريب أي مؤشرات دالة ولو على وجه الاحتمال على قرب نهاية المأساة الإنسانية في اليمن, حيث يستمر القتال دون حسم وتتعطل مسارات التسوية على كل صعيد.

وحين يفتقر من حوالي 24.3 مليون يمني 90% من إلى الكهرباء، وتتدهور الخدمات  الصحية وخدمات المياه والمجاري في معظم المحافظات اليمنية، فإنّ اليمنيين ينتظرون الموت بالأوبئة والأمراض، والمجاعة، بالإضافة إلى القصف والألغام.

وما يضاعف من حجم المأساة اليمنية؛ هو أن استمرار الحروب لا يعطل فقط التنمية البشرية، بل يهدم منجزات هذه التنمية التي ظفر بها شعب من أفقر البلدان العربية في العقود الماضية، حيث تم تدمير البنى التحتية، والمنشآت الإنتاجية خلال سنوات الحرب والصراعات العنيفة.

ويقول تقرير أعدّه فريق من الباحثين في جامعة ونفر الأمريكية ونُشر في أبريل – نيسان 2019م:

  • إن معدّل التراجع في معدّل التنمية سيبلغ 26 عاماً إذا استمرت الحرب حتى عام 2022م، وإن 71% من سكان اليمن سيعيشون في فقر مدقع، وستزداد الوفيات غير المباشرة الناجمة عن غياب القدرة الشرائية وغياب الرعاية الصحية وخدمات البنية التحتية، حتى تزيد عن خمسة أضعاف الوفيات المباشرة في الحروب.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى