اليمين المتطرف الإسلامي وعلاقته بالشعوب غير المسلمة -2-
سردار هوشو
سردار هوشو
حزب العدالة والتنمية وعلاقته باليمين المتطرف الإسلامي
تأسس حزب العدالة والتنمية التركي ذو الطابع الإسلامي في 14/آب/ 2001م، وكان رجب طيب أردوغان أوّل رئيس للحزب، وقد تمكن من الوصول إلى السلطة في العام 2002 م، ويُعدّ هذا الحزب امتداداً فكريّاً لجماعة الأخوان المسلمين على الرغم من نفي أعضائه أن يكون حزباً إسلاميّاً، حيث امتنع عن رفع الشعارات الدينية في خطاباته، وتبنّى رأسمالية السوق، حيث بنى الحزب مبادئه على أسس الديمقراطية العلمانية، وحقوق المواطنة، والعدالة الاجتماعية في توزيع الثروات، ومبدأ تحقيق الفرص المتكافئة للجميع، وإقامة علاقات حسنة مع دول الجوار والعالم، ورفع أحد رموزه أحمد داوود أوغلو شعار صفر مشاكل، ورأى مؤيّدو الحزب بأنّ الحزب بهذه السياسة التي يتّبعها والشعارات التي نادى بها قادرٌ على حلّ المسألة الأهم والأصعب في تاريخ الجمهورية التركية؛ ألا وهي حل القضية الكردية في تركيا، لكنّ سياسات الحزب بدأت بالتراجع مع اتضاح السياسات الخارجية المرتبطة بأردوغان وطموحاته الشخصية والقومية (الجامعة الطورانية، استعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية والخلافة الإسلامية) فبعد قيام ثورات الربيع العربي وظهور الجماعات الإسلامية على المشهد السياسيّ، ووصولها إلى سدّة الحكم في بعض البلدان العربية، مثل حزب النهضة في تونس، وحزب الأخوان المسلمين في مصر، وحزب التحالف القومي الوطني في ليبيا، والأزمة السورية، ليكشف عن وجهه الحقيقي، ويقدّم نفسه كنموذج للإسلام السياسي المعتدل، وأنّه يمثل الإسلام حول العالم، من حيث أنّه الوارث للخلافة الإسلامية، والإمبراطورية العثمانيّة، لكن استضافة تركيا مؤتمرات الأخوان المسلمين المصنّف لدى الكثير من الدول العربية كمنظمة إرهابية على أراضيها، وبإشراف منها على تورّط حزب العدالة والتنمية في دعمه ومساندته لحركات وجماعات اليمين المتطرف الإسلامي، فضلاً عن مقتل أبي بكر البغدادي؛ زعيم التنظيم الإرهابي الأكثر وحشية وتطرّفاً في المناطق التي تقع ضمن السيطرة التركية، وظهور العديد من عناصر تنظيم الدولة الإسلامية الفارّين في تلك المناطق، وانخراطه في حروب إقليميّة، وعقد التحالفات مع الجماعات المتطرفة الإرهابية ودعمها في كلّ أعمالها الإرهابية مثل (جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية المرتبطين بتنظيم القاعدة، وما لفّ لفيفهم من جماعات ما تسمّى بالجيش السوري الحر، ولاحقاً الجيش الوطني) حيث جعل من تركيا محطّة استقبال وتمويل وتدريب المتطرّفين الإسلاميين من حول العالم، وتسهيل دخولهم إلى سوريا والعراق، وفتح مكاتب للجماعات المتطرفة في كثير من المحافظات التركية، وتمادى في دعمهم حتى أنّه أدخل الجيش التركي في عمليات عسكرية مشتركة مع هذه التنظيمات المصنفة إرهابية على لوائح الإرهاب العالميّ، مثل الدخول إلى شمال سوريا، واحتلال إدلب وعفرين وجرابلس، وأعزاز والباب، ومؤخّراً تل أبيض، ورأس العين، ومحاربة قوّات سوريا الديمقراطية جنباً إلى جنب مع ما تبقّى من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، بعد إجهاز قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب عليها في آخر معاقلها بالباغوز السورية، وفرار عناصرها إلى الحضن التركي (الأم الحنون) بالنسبة لهم.
اليمين المتطرف الإسلامي وتعامله مع شعوب المنطقة
عندما نتحدث عن اليمين المتطرف نحن نقصد الجماعات والأحزاب التي استخدمت الدين بغية الوصول إلى السلطة، وذلك بوسائل القوة والعنف والإرهاب وزجّ الدين بلا هوادة في الصراعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية واستخدام مفاهيم كالحاكمية والخلافة والكفر والجهاد ووضعها في خدمة المشاريع أو الطموحات السياسية لهذه الجماعة أو الحزب أو الشخص. وهذا لمصطلح جديد على الساحة الإسلامية والعربية يمكن أن نرجع بداياته إلى حقبة السلطان العثماني (عبد الحميد الثاني) الذي استخدم دور ومكانة الخليفة روحيّاً وتاريخيّاً بهدف ضرب خصومه في الداخل والخارج، وهذا يظهر في أبشع صوره في المجازر التي ارتكبت بحق الأرمن والآشوريين في أكثر من مرحلة. حيث طرح فكرة إقامة الجامعة الإسلامية بغية لملمة شمل البلدان الإسلامية وربطها بالسياسة العثمانية، من خلال تبعيتها لخليفة المسلمين؛ وهو السلطان العثماني، وفي ظل هذه الفكرة أصبح مسيحيو الدولة العثمانية (من أرمن وآشور) عنصراً غريباً ومخالفاً، وطالبوا بإحداث إصلاحات في مناطقهم، وبدعم روسي بغية الوصول إلى المياه الدافئة، فقام السلطان عبدالحميد الثاني بإنشاء الفرق الحميديّة، وهي فرق مسلّحة قِوامها مقاتلون من العشائر الموالية للسلطان، ومن بينهم عرب و أكراد وتركمان، والمعروف عنهم تعصّبهم الديني، وقام السلطان بتغذية أفكارهم بأنّ الأرمن كفّاراً، ويشكّلون خطراً على الدولة الإسلامية، والجامعة الإسلاميّة، وبدأت أعمال الإبادة بحقّهم سنة 1894 حتى 1896م، وكانت ضحية هذه المذابح ما يتجاوز مئة ألف قتيل، وتهجير الآلاف من قراهم، وبلداتهم، وتكرّرت الحادثة في سنة 1914م، مستغلّة نشوب الحرب العالمية الأولى لفرض سياساتها الشوفينية، والمغطاة بالطابع الديني في إبادة الشعوب غير التركية، حيث كانت سياستهم قائمة على التطهير العرقي الكامل (اقتل، احرق، دمّر) كانت رسالة طلعت باشا وزير الداخلية لجنوده لإبادة الشعوب المسيحية في المنطقة، وعلى نفس الوتيرة لعبت جمعية الاتحاد والترقّي بمشاعر المسلمين، حيث صبغت مشاركتها في الحرب العالمية الأولى بالطابع الديني، فقام السلطان العثمانيّ؛ محمد رشاد عن إعلان الجهاد المقدس، ونشر كتيباً باللغة العربية (على كل مسلم أينما وجد وفي أيّة زاوية كان في العالم أن يقسم قسماً رسميّاً بأنه سيقتل ثلاثة أو أربعة مسيحيين على الأقل، وإن كل من يطيعون هذه الأوامر يتخلّصون من هول الدينونية في اليوم الآخر) وبفتوى من شيخ الإسلام محمد خيري أفندي قال فيها: (جماعة الأرمن كفرة وخونة وقتلهم جهاد وفرض على كل مسلم)، وتشكّلت مليشيات عسكريّة أطلقوا عليها الجيش الخمسيني بإشراف طلعت باشا، وبأمر مباشر من حكومة الاتحاد والترقّي، وكنتيجة لهذه الممارسات الوحشية للأتراك بحقّ الأرمن على وجه الخصوص راح ضحيّتها أكثر من مليون ونصف المليون أرمني، وأريد لمثل هذه الأعمال أن تمارس في الشام والعراق، ولكنها لم تحدث بذلك الحجم الذي حدث مع الأرمن لأسباب ضعف نفوذ العثمانيين هناك، وهذه الأعمال الوحشية للأتراك لم تتوقف على المسيحيين الأرمن والآشوريين، بل تعدّتها إلى الأقوام المسلمة؛ كالأكراد والعرب والتركمان، وهذا إن دل على شيء إنّما يدلّ على وحشيتهم، واستغلالهم الدين الإسلامي؛ بهدف اختراق العالم الإسلامي ونهب خيراته واستعباد سكانه، وبغطاء ديني (تزاوج الأيديولوجية الدينية المتطرفة مع الأيدولوجية الشوفينية).
الأقباط في مصر
يمثّل الأقباط المصريون أكبر تجمّع للمسيحين في الشرق الأوسط، حيث تشير التقديرات إلى أنّ أعدادهم تصل إلى نسبة عشرة بالمئة من إجمالي عدد سكان مصر، ولم يرَ المسيحيون السلام في أرضهم ووطنهم منذ ظهور الحركات اليمينية المتطرّفة الإسلامية في مصر، فكانوا ولا يزالون يتعرّضون للقتل والضرب وسلب الممتلكات وإحراق كنائسهم وتصفية شخصياتهم الوطنية والدينية، ونذكر منها: استعمال النار في جمعية الكتاب المقدسة للخانكية 1972م واعتداءات الجماعات الإسلامية المتطرفة على طلبة مسيحيين في أسيوط بالسيوف والخناجر، والاعتداءات الدموية على المسيحيين في الزاوية الحمراء، والتي راح ضحيتها عشرات القتلى منهم، والاعتداء على مئات المنازل والمحال التجارية وسلبها 1975م ومذبحة أسيوط؛ التي راح ضحيتها مئات من القتلى وذبح فيها ضباط شرطة أقباط 1990م، والهجوم الإرهابي المسلّح على دير العذراء؛ مريم بالمحرق 1994م، وقتل فيها خمسة رهبان، وازدادت حدّة هذه الأحداث والأعمال الإرهابية لجماعة اليمين المتطرف الإسلامي بعد استلام الأخوان المسلمين للسلطة في مصر سنة 2012م وقيام ما يعرف بالثورة المضادة لحكمهم، واستيلاء السيسي على الحكم سنة 2013م، وقّعت العشرات من الهجمات الإرهابية التي تقودها جماعات متطرفة مرتبطة بالأخوان التي طالما ادّعى ممثّلو الأخوان بأنّ الأقباط هم ضدّ الشريعة والإسلام في مصر، حتى إن كان الأخوان يؤكدون علناً بأنهم ليسوا ضد المسيحيين، لكنّ الواقع أثبت غير ذلك من خلال ما قام به الأخوان، والتنظيمات الإرهابية المتطرفة المرتبطة بهم، والمنبثقة عنهم؛ كالدولة الإسلامية وجبهة النصرة، ومن لف لفيفهم من الكتائب المسلحة باسم المعارضة السورية المهيمنة عليها، من قبل الأخوان المسلمين، والمدارين حسب إرادة أردوغان الأخواني، وممّا قاموا به في سورية من أعمال إرهابية ضد المسيحيين: تخريب دير سمعان العامودي، في شمال حلب، ونهب محتوياته، وحرق كنيسة الاستقلال في تل أبيض، والكثير من المضايقات، والتهجير للمسيحيين في الرقة ودير الزور وغيرها، من المناطق وأعمال مماثلة في المناطق التي سيطروا عليها في العراق، ويذكر السيناتور الأمريكي (ريتشارد بلاك) في رسالته إلى بشار الأسد رئيس النظام السوري: “عزيزي السيد الرئيس سررت بالتدخل الروسي ضد الجيوش التي تغزو سوريا، وبدعمهم حقق الجيش السوري خطوات دراماتيكية ضد الإرهابيين، إنه من الواضح أنّ هدف الدولة التركية والسعودية هو فرض ديكتاتورية دينية على الشعب السوري، وإذا تمكّنت من النجاح في هذا الأمر فإنّ المسيحيين والأقليات الأخرى سوف تذبح أو تباع في سوق النخاسة، وسوف يحرق ويغرق ويصلب وتقطع رؤوس كثيرين من السنة والشيعة المسلمين الجيدين شكرا لحماية حياة المسيحيين وكافة الناس الطيبين السوريين .
الطائفة الإيزيدية
وآخر تجليات اليمين المتطرف الإسلامي الأخواني تمثل بالنسخة الداعشية التي تمثل قمة الانحطاط والانحدار نحو الهمجية وانعدام الإنسانية في تعاملها مع الأقلّيات غير المسلمة، وما قام به تنظيم الدولة الإسلامية بحقّ الإيزيديين في جبل سنجار الذي يقع بين مدينة الموصل العراقية والحدود السورية، الذي كان يقطنه أكثر من نصف مليون نسمة من الإيزيديين الأكراد، حيث قام التنظيم الإرهابي بشنّ هجوم وحشيّ على السكّان العزّل، باعتبارهم كفرة أو ملاحدة أو عبدة الشيطان قتلوا فيه ما يقارب عشرة آلاف معظمهم من الرجال والأطفال الذكور إلى ما دون 12 سنة، وسبي أكثر من سبعة آلاف من النساء والأطفال، وما رافق هذه الأعمال من نهب وحرق وتخريب للمنازل ودور العبادة، ثم معاملة النساء الإيزيديات كجَوارٍ وسبايا، فقاموا باغتصابهنّ، وممارسة الجنس الفرديّ، والجماعيّ في حالات متعددة، ووضعهنّ في سوق للنخاسة، وبيع البشر، وكانوا يبيعوهنّ لبعضهم في الأسواق العلنيّة كأسواق بيع الحيوانات، ومن يشترونهنّ كانوا يقومون بذلك لتلبية شهواتهم الجنسية والسلطوية الذكورية، أمّا الإيزيديون والمسيحيون في سوريا، فقد هجروا بيوتهم، وممتلكاتهم في رأس العين وعفرين وإدلب، والمناطق التي على خط تماس هذه المجموعات، قبل أن يقعوا صيداً بين مخالب هؤلاء الوحوش البشرية، وستبقى هذه الجرائم والممارسات اللاإنسانية تجاه الإيزيديين وغير المسلمين شاهداً على وحشية وهمجية الجماعات المتطرفة الإسلامية ووصمة عار على جبين التطرف الإسلامي وداعميه من حكومات ودول وجماعات فكرية مثل (تركيا، قطر، وحركة الأخوان المسلمين، حزب العدالة والتنمية، والتشكيلات الأخرى التي تماشيهم فكريا وعقائديا، ومنها فصائل عسكرية في الجيش السوريّ الحرّ) ووصمة عارٍ أيضاً على جبين الإنسانية ومنظمة الأمم المتحدة وما يندرج فيها من دول ومنظمات إنسانية لحماية الأقليات والمرأة والطفل والآثار.
هذه هي مفرزات النظام العالمي المتمثلة بالرأسمالية العالمية ووسائله المتبعة في فرض هيمنته وسيطرته على بلدان العالم الثالث وتعامله مع الدول على أساس المصالح دون منح أي اعتبار للشعوب في تقرير مصيرها، ليكشف لنا عن وجهه الحقيقي وزيف شعاراته في الديمقراطية والعولمة والحداثة، وحقوق الانسان، وحقّ تقرير المصير للشعوب، ليطرح عن أزمات كبرى (أزمة فكر وأخلاق وسياسة).
المراجع
– موسوعة الفرق والجماعات، عبد المنعم الحفني
– الدكتور جمال سند السويدي، من كتابه السراب
– مارك كورتيس، كتابه التاريخ السري لتآمر بريطانيا مع الأصوليين.
– https.//www.aljazeera.net
– https.//www.aljumhuriya.net/ar/com