رامـان آزاد
روسيا ما بين الإيديوقراطيّة والديمقراطيّة
كتب فلاديسلاف سوركوف أحد منظّري الكرملين السابقين مقالاً استخدم فيه مصطلحَ “البوتينيّة” بوصفها “اختراقاً سياسيّاً عالميّاً، وطريقة فعّالة للحكم”، واخترع سوركوف مصطلحاتِ (الديمقراطيّة السياديّة، ودستوريّة حكم بوتين). ويُقالُ إنّ الفضلَ في الكثيرِ من نجاحاتِ بوتين يعود لسوركوف الذي توجدُ بين أصابعه الكثيرُ من الخيوطِ التي يسيطرُ من خلالها على البنيةِ السياسيّةِ، وهي بنيةٌ معقّدةٌ للغاية، ولا يعرفُ سواه المكانَ الصحيحَ لكلِّ مكوّنٍ (المعارضة، والأحزاب السياسيّة، والنواب، والمحافظون، وإطلاق أو إنهاء حركاتٍ سياسيّةٍ أو منظماِت المجتمعِ المدنيّ، والكنيسة).
ويصفُ سوركوف البوتينيّة بأنّها “إيديولوجيا فاعلةٌ في الحياةِ اليوميّةِ، مع كلِّ إبداعاتها الاجتماعيّةِ وأشكالها المثمرة”. ووفق رؤيته، لا يحتاجُ الروسُ إلى الديمقراطيّةِ على النمطِ الغربيّ، لأنّ بوتين شيّد نظاماً يفهمُ أبناءَ شعبه (احتياجاتهم، ورغباتهم، وأغراضهم) على نحوٍ أفضلَ من فهمهم لأنفسهم. على نحو مماثل، يوافقُ الفيلسوفُ ألكسندر دوغين على أنَّ البوتينيّةَ ناجحةٌ بسببِ أسسها الأيديولوجيّة. والواقعُ أنّ دوغين كثيراً ما يؤكّدُ أنّ الأيديولوجيا تشكّلُ عنصراً أساسيّاً في بقاءِ الدولةِ الروسيّةِ، خاصةً وأنَّ بنيةَ السلطةِ الروسيّةِ الرأسيّةِ تفتقرُ إلى المرونةِ اللازمةِ لتحفيزِ ديناميةٍ اقتصاديّةٍ لا تقلُّ كفاءةً عن نظيرتها في الغربِ.
روسيا في نظر دوغين وسوركوف، مثلها كمثلِ الاتحاد السوفييتيّ، يجب أن تكونَ “إيديوقراطيّة” (نظامَ حكمٍ يقومُ على الأيديولوجيا) تحكمُها أقليّةٌ مقدّسةٌ من ذوي الخلفيّةِ الأمنيّةِ والعسكريّةِ وتقود البلادَ نحو تحقيقِ هدفٍ ما غير معروفٍ بشكلٍ كاملٍ إلا لهم، وفي الواقعِ فإنّ معظمَ أصحابِ المناصبِ الرفيعةِ الذين يعتمدُ عليهم بوتين في قيادةِ البلاد هم أعضاءٌ بالحزبِ الشيوعيّ ومن المؤسسةِ الأمنيّةِ والعسكريّة ويُشار إليهم باسم “طبقة النومنكلاتورا الجديدة”.
وإذا كانتِ الطبقةُ الحاكمةُ وحدها القادرةُ على فهمِ الغايةِ الأعلى لروسيا، فإنّ أعضاءها فقط هم القادرون على تقييمِ أدائهم. وهم يقررّون متى يجب إزالة زملائهم أو استبدالهم؟ وكيف ينبغي استخدام موارد البلاد؟ بما في ذلك العمالة ــ سواء لتعزيز النمو الاقتصاديّ ورفع مستويات المعيشة أو لتوطيد وترسيخ الإيديوقراطيّة. ففي ظلِّ البوتينية، يُفترضُ بالناسِ عدمُ الامتعاضِ من انخفاضِ مستوى الدخلِ، ويمكن اعتبار ذلك تضحيةً ضروريّة وربما بطوليّة. كما يُفترضُ بهم الاعتقادُ دائماً بقصورهم عن إدراك الحكمةٍ البالغة لسياسة الحكومة، فإذا ما صُودرت معاشاتهم التقاعديّة أو التدخل في نتائج الانتخابات، فيجب عليهم أن يفترضوا أنّ ذلك يخدم غاية سامية. ووفق هذا المنطق، فإنّ مطالبة الحكومة باحترامِ حقوقهم الإنسانيّة بمثابة تحريض على الفتنةِ والعصيان. وعلى هذا الأساسِ فالبوتينيّةُ لا تضمنُ استمرارَ هيمنةَ الساسةَ فحسب؛ بل إنّها تحولُ أيضاً دون مساءلتهم.
لم يقدّمُ سوركوف سوى مؤشراتٍ غامضةٍ للمحتوى الإيديولوجيّ للبوتينيّة، ويقول إنّها ستزداد وضوحاً عبر المناقشاتِ الجاريةِ، إلا أنّ المعالمَ الأساسيّةَ اتضحت، وتنطوي على معارضةَ الغربِ، وتركيبةٍ من الانعزاليّةِ المجتمعيّة والتوسّعِ العسكريّ، وتضحياتِ الشعبِ الماديّة، والتضييق على المعارضين، ورغم أنّ الدستور الروسيّ يؤكّد على الطابعِ العلمانيّ للدولةِ فإنّ دورَ الدينِ من تتزايد أهميته.
وعلى هذا يمكن اعتبار البوتينيّة نظاماً سياسيّاً لدولةٍ هجينةٍ تطبقُ الحداثةَ بأساليبَ استبداديّة وصلت إلى أقصى حدودها في السياسة الداخليّة. وقد أراد فلاديمير بوتين عبر تقدّمه مرشحاً مستقلاً في الانتخابات الرئاسيّة في (18/3/ 2018)، النأي بنفسه عن الفساد وعن إخفاقات حزب روسيا المتحدة الحكوميّ. البوتينيّة ستتطور نحو نظامٍ أكثر استبداديّة وقومية يستغلُ الإنجازاتِ العسكريّة والسياسة الخارجيّة ويستثمر مشاعر الشعب الروسيّ المعادية للغرب كقوةٍ دافعةٍ رئيسيّة له. وفي أولى التعليقات على الانتخابات نشر موقع DW الألماني في 19/3/2018 مقالاً بعنوان “صحفٌ ألمانيّة: بوتين يستفيد من كون أوروبا تجرح شعور الفخر لدى الروس”، وأشارت إلى أنّ السياسة الغربيّة ساهمت في فوز بوتين، وأنّ الانتخاب كان تظاهرة استعراضيّة ليس لها علاقة بالديمقراطيّة فهي تصلحُ لتثبيتِ شرعيّةِ الرئيس.
يُوجزُ نيقولاي بيتروف، توصيف البوتينيّة في دراسة صادرة عن المجلس الأوروبيّ للعلاقات الخارجيّة «ECFR»، في19/4/2016 فيقولُ: “إنّ روسيا باتت رهينة النظام، والنظام رهين بوتين، وبوتين رهين أفعاله التي ضيّقت خياراته جذريّاً”
عداوةُ الغربِ محرّكُ السياسةِ الروسيّةِ
عمل الرئيس الروسيّ على استعادةِ الركائزِ الثلاثِ للهويةِ الوطنيّةِ الروسيّةِ النمطيّة (الديانة الأرثوذكسيّة والأوتوقراطيّة والأمة)، والتي تعني بالمقابلِ الانفرادَ بالحكمِ بموجبِ الحقِّ المقدّس. لكنّ الحاجةَ كانت محرّضاً قويّاً يجمعُ شملَ الروسِ ويستأثرُ بمجامعِ نفوسهم ويدفعُهم جميعاً لتأييدِ سياسةِ الحكومةِ، وهنا تأتي أهميةُ وجودِ العدو الذي صِيغَ بصورةٍ هلاميّةٍ على أنّه الغربُ ليس كقوةٍ عسكريّةٍ وسياساتٍ بل على كلّ المستويات بما فيها الاجتماعيّ والثقافيّ والتقانيّ.
أيّاً كانتِ العقيدةُ القوميّةُ في روسيا، تبقى العلاقاتُ مع الغربِ، أساساً تستندُ إليه هذه العقائد، ويعملُ مفكرون روس على التمحيص بها منذ مطلع القرنِ الثامن عشر، لكنّ أجوبةَ المفكّرين الروسِ متناقضة جدّاً تتأرجحُ بين العزلةِ والاشمئزازِ من الغرب، والتوجّه نحوه والتعاون معه، أو البحث عن سبيلٍ آخر والانسلاخ عن أوروبا.
لا يقتصر الأمرُ على روسيا، فعلاقةُ الغربِ بها ليست ثابتةً أيضاً، وتتراوحُ بين العداءِ والتقاربِ، التفهّمِ والنبذِ، وتشكّل روسيا لغزاً بالنسبةِ للغربِ يصعُبُ حلّ رموزه. وقال ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية، وهو من عرف روسيا بأحلك ظروفها أثناء الحربِ الأهليّة ومجاعة الثلاثينيات والحربِ العالميّة الثانية: “لا أستطيعُ التنبؤَ بما تأتيه روسيا من أعمالٍ، فهي لغزٌ يُغلفُهُ التكتمُ وتلفُّه الأحجيةُ”. ولم تتغيّر صورةُ روسيا بالنسبةِ للغرب حتى اليوم، وكتب موقع “دي فيلت Die Welt الألمانيّ” أواخر أيار2015: “تبقى روسيا أحجيةً بالنسبة لنا في كلّ ما تأتيه، وكيف ما نظرنا إليها. فحتى في ظلِّ بطرسِ الأكبر لم تكنِ الإمبراطوريّةُ الروسيّةُ مفهومةً بالنسبةِ للغربِ. ولم يتغير شيءٌ في عهد بوتين”.
بعد اجتيازِ المرحلةِ الأولى التي يُفترضُ أنّها أنهت عواملَ الضعفِ الذاتيّة، باتتِ الحاجةُ ملحّةً لإيجادِ محرٍّض جديدٍ يكونُ مبررَ السياسةِ الروسيّةِ ويعطي الذريعةَ للتدخلِ الخارجيّ ويسوّقها للرأي العام الروسيّ، ذلك لأنّ مهمةَ الرئيس الروسيّ الآن تجاوزت إنقاذَ الناسِ من القلةِ الفاسدةِ (الأوليغارشيين)، إلى ضمانِ الأمنِ القوميّ وحماية الروس جميعاً، بما فيهم الأوليغارشيين أنفسهم، إزاء عدوٍ مشترك، وهو الغرب.
قفزت نسبة مؤيدي الرئيس الروسيّ إلى معدلٍ غير مسبوق بعد ضمِّ شبه جزيرة القرم في شباط 2014، ووصلت إلى 81-83٪. والمفارقة أنّه رغم تدهور الوضع الاقتصادي في روسيا بسبب انخفاض أسعار النفط والعقوبات الاقتصادية. وفيما التزم بوتين مواقعَ الدفاع طيلةَ الفترةِ السابقة، فقد أخذ زمامَ المبادرةِ بالهجومِ، وانتقل من صورةِ المخلّصِ إلى شخصيةِ بوتين “المحارب” الزعيم الذي يناضلُ لاستعادةِ هيبةِ روسيا الدولية من خلال التدخلاِت العسكريّةِ في أوكرانيا ومن بعدها سوريا، وقد شكّل التدخلُ العسكريّ الخارجيّ المرحلةَ الثانيةَ لقيادةِ بوتين.
بعد سلسلة الإصلاحات الهيكليّة العميقة في الاقتصاد لم يعدِ الضعفُ الاقتصاديّ في روسيا يبرّر بوجود الفساد الإداريّ، بل هو نتيجة للعقوبات الاقتصاديّة التي فرضها الغرب، وتمّ استغلال العقوبات لتبرير عملية التطهير التي بدأها الكرملين عام 2017، والتي تتمثّل في التدمير المنهجيّ للبنوك الخاصة بالبلاد لتعزيز القوة الماليّة لمصارف الدولة (التي تأثرت بالعقوبات) وكذلك تعزيز الكرملين، كما أن مواجهة العدو لا تعني الاقتصار على مواقع الدفاع ورد الفعل بل المبادرة لاستخدام القوة العسكريّة وإظهار القوة وخوض حروبٍ استباقيّة لمنع وصول التهديد الأمنيّ إلى الأراضي الروسيّة، ويمكن في هذا السبيل خوض حروبٍ غير متكافئةٍ وحربِ المعلوماتِ لتحقيق أهداف السياسة الخارجيّة الروسيّة باستعادة مناطق النفوذ الروسيّ في فضاءِ ما بعد الاتحاد السوفييتيّ واستعادةِ موقعَها كقوةٍ عظمى على الساحةِ الدوليّةِ.
كانتِ المشاعرُ القوميّةُ والوطنيّةُ والفخرُ القوميُّ التي أثارها نجاحُ ضمِّ شبهِ جزيرة القرم والتدخلُ في سوريا، أدواتِ اللحمةِ الاجتماعيّة والسياسيّة في المرحلةِ الثانيةِ من البوتينيّة. وقد استخدم بوتين مفهومَ الأمةِ المقسّمةِ، في 18/3/2014 في خطابِه بعد ضمّ القرم: “الملايين ذهبوا للنومِ في بلدٍ واستيقظوا في دولٍ أخرى عديدةٍ، ليتحوّلوا بذلك إلى أقلياتٍ عرقيّةٍ في الجمهوريات السوفييتيّة السابقة. وهكذا أصبحت الأمّة الروسيّة واحدة من أكبر الأمم في العالم – إن لم تكن أكبرها على الإطلاق – التي تفصلها الحدود عن بعضها البعض”. وبذلك شكّلتِ الإيحاءات إلى وضع التقسيم والدعوة إلى الوحدة العنصر الأساسيّ في سياسة روسيا تجاه الجوار والجمهوريات السوفيتيّة السابقة، وفي سياسةِ روسيا للعودةِ إلى الطور الإمبراطوريّ.
ويهدف “الأوراسيون الجدد” في روسيا إلى دعمِ اليمينِ المتطرفِ في أوروبا. سياسيّاً وفكريّاً للوصولِ للسلطةِ. ليتمّ تفكيكُ أوروبا بأيدٍ أوروبيّة. وتُرفع الهيمنة الأمريكيّة عنها، وتصبح القارة العجوز لأبنائها الأوروبيين. ويسدل الستار على الاتحاد الأوروبيّ، وسيشكّل ذلك ضربة في الصميم لحلف الناتو والنيل من قوته وربما تفكُّك، الأوراسيّة.
خلافاً لكلّ القياداتِ السابقةِ جعلتِ القيادةُ الروسيّةُ الحاليةُ من العِداءِ للغربِ، سياسة داخليّةً وليس سياسةً خارجيّةً. ويتوقّف كثيرون من الساسةِ الروسِ ورجالاتِ الدولةِ عن الوجودِ كسياسيين ورجالِ دولة، إذا توقفوا عن إلقاءِ خطاباتِهم المعاديةِ للغربِ. فقد تحوّل الصراعُ مع الغرب منذ زمنٍ بعيدٍ إلى مهنةٍ ومعنى حياةٍ بالنسبة لهؤلاء. ويمكن للقيادة الروسيّة الحالية أن تتفقَ مع الغربِ على أيّ شيءٍ يمكنُ تصوّرُهُ، إلا التوقفَ عن الخطابِ المعادي للغربِ وترسيخِ الكراهية لما هو غربيّ، فأضحى ذلك من شروط وجودها.
لم يكن بالإمكان الاقتصارُ على عناوين مثل “الاتحادِ الأوراسيّ” وأبعادِه الأمنيّة، و”العالم الأرثوذكسيّ” لحمايةِ المسيحيين في الشرق والاستغراق في حربٍ دينيّة وتلقّي مضاعفات ذلك في الجغرافيا الروسيّة، لتبريرِ التدخلِ العسكريّ في سوريا التي أضحت ميدانَ النزالِ الدوليّ وتنازعِ الإراداتِ الدوليّة، ولا تقبل موسكو تغييب دورها، بل أرادتها بوابةَ الخروجِ من العزلةِ، فكانت سوريا المنصةَ التي خاطبت منها روسيا الغربَ وانتزعت منه الاعترافَ بها مجدداً دولةً عظمى تشاركه تقرير مصائر شعوبِ المنطقة ودولها ولتأكيد أنّه لا يمكنُ بدونها معالجةُ أيّةِ قضيةٍ في العالم، وقد نجحت لدرجةٍ كبيرةٍ.
قدمتِ الروسيتان السوفييتيّة والقيصريّة نفسيهما بلداً له “رسالةٌ إنسانيّةٌ عميقة” مضمونها تحرير الشعوبِ من ظلمِ واستبدادِ الغربِ الاستعماريّ. واليوم تحرصُ روسيا على الحفاظ على هذه الصورةِ، وألا تُوضعَ على قدمِ المساواةِ مع الدولِ الغربيّة، وتصرُّ على أنّها تحملُ قيماً اجتماعيّة مختلفة كليّاً عن قيمِ المجتمعاتُ الغربيةُ “المنحلّةً أخلاقيّاً”. ولهذا؛ بقي الرئيس الروسيّ بوتين “الرفيق بوتين” لدى الشيوعيين الأحزاب والهيئات والمنظمات القوميّة واليساريّة وهو “القيصر بوتين” لدى المؤمنين المسيحيين الأرثوذكس.
في هذا السياقِ أيضاً فقد جعلت الحكومة الحالية يوم الاحتفال بالنصر على النازيةِ مناسبةً للدعايةِ وحوّلت كلَّ حروبها حتى التدخل العسكريّ في سوريا لامتدادٍ مباشرٍ للحربِ الوطنيّةِ العُظمى، ما قسّم الأمةَ بدلَ أن يرسّخ وحدتها.
صحيحٌ أنّ الصراعَ مع الغرب تاريخيّ أبديّ يعودُ إلى القرونِ الأولى لاعتناقِ روسيا للمسيحيّة. لكن غالبية الروس تؤمن عميقاً برسالةِ روسيا الروحيّة بإنقاذ العالم من الماديّة التي أوصلها إليه الغرب. ولهذا تنفرد روسيا بين دول العالم التي لا تنادي قيادتها الحالية بالحداثةِ والإصلاحِ، بل تدعو إلى الحفاظِ على “قيمِ المجتمعِ الروسيّ الروحيّة” بوجهِ “الانحطاطِ والتفككِ” في المجتمعاتِ الغربيّة. وينتقد مفكرون روس وفنانون القياصرة بطرس الأكبر وكاترين الثانية وألكسندر الأول (الذي هزم نابليون) لسعيهم لربط روسيا بالغرب وعاداته وتقاليده. بل إنّ رئيس المجلس الدستوريّ الروسيّ فاليري زوركين قال: “لا يمكنُ لروسيا أن تأخذَ بقيمِ الغربِ بما فيها الديمقراطيّة”.
ورغم أنَّ سياساتِ بوتين تسببت بعقوباتٍ اقتصاديّة معوقة ردّاً على ضمِّ شبه جزيرة القرم، إلا أنّ 12% من الروس فقط يفكرون بالتظاهر ضدها، فيما ترى الغالبيّة أنّه يكفي وقوفُ بوتين في وجه الغرب، فالروس يؤمنون بأنّ الولايات المتحدة وحلف الناتو يريدان إخضاع روسيا.
إعادةُ هيكلةِ الجيشِ وتجديدُ العقيدةِ العسكريّةِ
عادتِ القيادةُ الحاليةُ الحاكمةُ القهقرى إلى ماضيها السوفييتيّ، لتقدمه وفق تصورٍ جديدٍ يخدمُ سياستها، تصورٌ مؤطرٌ بنظرية المؤامرة التي يحيكها الغربُ ويستخدم مختلف الأدواتِ في الداخل والقوى الإقليميّة لاستهداف الأمن القوميّ الروسيّ وعرقلة عجلةِ التقدمِ والتطورِ في البلادِ.
ورثتِ المؤسسةُ العسكريّةُ الروسيّةُ ميزاتِ وعيوبِ الجيشَ السوفييتيّ، وكانت من أهمّ أهدافِ عمليةِ الإصلاحِ التي قادتها حكومةُ فلاديمير بوتين، وكان الهدفُ جعلَها أداةَ السياسةِ الخارجيّةِ الروسيّة في مرحلةِ ما بعد الاتحادِ السوفيتيّ، ودلّت بعضُ الوقائعُ على ضعفِ أداءِ المؤسسةِ العسكريّةِ منها حرب الشيشان الأولى (1994-1996) والثانية (1999-2009)، وحادثُ تحطمِ الغواصةِ النوويّةِ K-141 كورسك في بحر بارنتس في 12/8/2000، الذي أدّى إلى مقتلِ 118 بحّاراً.
شهدتِ العلاقاتُ الروسيّةُ – الغربيّةً مرحلة توترٍ، بعد الأزمةِ الأوكرانيّةِ، وضمّ شبه جزيرة القرم، ودعمها لمن يُسمّى بالمتمرّدين الأوكرانيين. بالمقابل، فرضتِ الدولُ الغربيّةُ عقوباتٍ اقتصاديّةٍ على موسكو التي هدّدت بوقفِ 60% من صادراتِ الغازِ إلى أوروبا. وقد شكّلت جملةٌ من الوقائعِ في هذا السياقِ مؤشراتِ عودةِ الحربِ الباردةِ بين روسيا والولايات المتّحدة ومعها الدول الغربيّة.
كانت حرب كوسوفو من المحطاتِ المهمّةِ التي لم تستطع موسكو أن تتجاوزها، إذ قامَ حلفُ الناتو بقيادةٍ أمريكيّةٍ في 24/3/1999 وعلى مدى 79 يوماً باستهدافِ مواقعَ صربيّة دعماً لكوسوفو، وهي مرحلة ضعفٍ مؤلمة لروسيا، وقد حذّر الرئيس الروسيّ الأسبق، بوريس يلتسين، الغربَ من احتمالِ انخراطِ موسكو بالحربِ، ولكنه عمليّاً لم يفعل شيئاً، فيما شنّت الولايات المتحدة وحلف الناتو غارات جويّة سمّتها موسكو “حربَ التماس” ودمّرت خلالها القدراتِ العسكريّة الصربيّة، ما حدا ببوريس يلتسين لتقديمِ استقالته بنهاية عام 1999 ووصولِ فلاديمير بوتين إلى السلطةِ.
كانت حربُ يوغسلافيا محطةً مهمةً على مستوى التنظيرِ العسكريّ، والاستعداداتِ الاحتياطيّةِ لمواجهةِ حربٍ يخوضُها حلفُ الناتو ضد روسيا، قريباً من دول حلف وراسو وجمهوريات البلطيق المستقلة. وشمل ذلك تدريباتٍ عسكريّةً موسّعةً لمواجهةِ حربٍ إقليميّةٍ ومشاركةِ الطيران الاستراتيجيّ. ولم تُستبعد التدابيرُ النوويّةُ من الحساباتِ، وإمكانيّةُ المبادرةِ باستخدامها دفاعاً عن الأمنِ القوميّ الروسيّ.
وضع بوتين في أولى حساباته استعادةَ روسيا مكانتها عبر إعادةِ بناءِ القوةِ الروسيّة، وتوسيعِ نطاق نفوذها. وفي دليلٍ لعدم تجاوزِ حرب يوغسلافيا، توقف بيانُ الخارجيّةِ الروسيّة في آذار 2019 أي بعد عقدين، على التدخلِ الأمريكيّ في يوغسلافيا ووصفته بأنه “سيظلُّ وصمةَ عار ولن تمحوها مساعي ضمّ دولِ المنطقةِ للحلفِ وتعميقِ خطوطِ الانقسام والتناقضاتِ الاجتماعيّةِ في البلقان”.
إعادة هيكلة القوات المسلحة الروسيّة بدأت فعليّاً عام 2008 في أعقابِ الحربِ الجورجيّةِ وفقَ الدروسِ المستقاةِ منها، وتمَّ تحديثُ الجيشِ تكنولوجيّاً وتطويرهِ والتركيزُ على الصناعاتِ العسكريّةِ وارتفعت مبيعاتُ السلاحِ من 8.35 مليار عام 2008 إلى 11.6 مليار عام 2009. وأنفقت نحو 72 مليار دولار على التسلح.
وفي تأكيدٍ على توجّهاتِ موسكو السياسيّةِ صدّق الرئيسُ الروسيّ؛ فلاديمير بوتين، في 26/12/2014، على الصيغةِ الجديدةِ للعقيدةِ العسكريّةِ الروسيّة التي اعتبرت تحرّكاتِ حلف الناتو، بقيادةِ الولايات المتحدة الأمريكيّةِ، في الجوارِ الروسيّ من أهم الأخطار الخارجيّة. واتّسمّتِ العقيدة الجديدة بصيغةٍ دفاعيّةٍ متشددة أكّدت على مخاطر وجود قوات الناتو بالقرب من حدود روسيا، وأجازت إمكانية استخدام السلاح النوويّ في حال استخدام أسلحة الدمار الشامل ضدّها أو بأسلحة تقليديّة تهدّد وجود الدولة، كما ركّزت على تطوير القدرات العسكريّة لروسيا.
وإذ فشلتِ القوّاتُ الروسيّةُ وفق نظامِ التجنيدِ التقليديّ في خوضِ حرب الشيشان نهاية عام 1990، فقد كان واضحاً أثرُ الحربِ التي خاضتها روسيا ضد جورجيا عام 2008 في العقيدةِ العسكريّةِ الروسيّة، بالاعتمادِ على “القواتِ دائمةِ الجاهزيّة” وهي قواتٌ بريّةٌ أُعيد تنظيمها وفقَ نظامِ التعاقدِ، ولا تعتمدُ نظامَ التعبئةِ الاحتياطيّةِ، كما بدا الفرق واضحاً في حرب جورجيا ولم يبدِ حلفُ الناتو موقفاً عمليّاً إزاءها.
الحصارُ جزءٌ من المخيلةِ الروسيّة
من المهمِ مراجعةُ مرحلةِ الحربِ الباردةِ حيث وصف دوغين هزيمةَ الاتحاد السوفيتيّ بالحربِ الباردةِ من وجهةِ نظرٍ جيوسياسيّةٍ بأنّها انتصارٌ لحضارةِ البحر “التالاسوكراتيا” على حضارةِ البر “التيلوروكراتيا”.
كان الاتحاد السوفييتيّ يشغل مساحة 24 مليون كم2، إلا أنّه لم يكن يطل مباشرةً على البحار الدوليّة، وهي نقطة ضعفٍ جيويوليتيكيّة خطيرة أسهمت بحصارِه، ما حدث في مواجهة بريطانيا في القرنين 18 و19، ومن بعدها الولايات المتحدة الأمريكيّة في القرن العشرين، فالحربُ الأولى بين إنكلترا وروسيا القيصريّة انتهت بهزيمةِ روسيا القيصريّةِ، وانتهت الحربُ العالميّة الثانية بانتصارِ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيّةِ ومعسكر الناتو، فيما خرج المعسكر الاشتراكيّ مثخنَ الجِراحِ وبخسائرَ كبيرةٍ، وإن لم يُهزم بالنتيجةِ، وفي كلتا الحربين لم يكنِ الصراعُ العالميُّ أيديولوجيّاً صرفاً بين الرأسماليّةِ والاشتراكيّة، بين قوى البر والبحر، بل كان الدافعُ هو الجغرافيّا والمصالحُ التي تترتبُ فوق أرضيّةِ الجغرافيّا. كما كان غزو أفغانستان محاولةً لترميمِ هذا الخللِ، وبعد عشرِ سنوات من الاحتلال مُنِيَ الجيش السوفييتيّ بالهزيمة أدّت إلى تفككه، وقد لعبت واشنطن دوراً مهماً في دعمِ حركةِ طلبان.
وبهذا يُفهمُ عدمُ تردّدِ الكرملين بقرار الدّفاعِ عن المصلحةِ الجيوسياسيّة، ولو اقتضى الأمرُ صراعاً عسكريّاً طويلاً في سوريا. فروسيا بدفاعها عن سوريا تحافظُ على نفوذِها قوةً دوليّةً عظمى، وتدافعُ عن وجودِها على الساحلِ الشرقيّ للبحرِ المتوسطِ، فسوريا جزءٌ مهمٌ جداً من الفضاءِ الأوراسيّ، الذي تتطلع موسكو لقيادته لمواجهة الغربِ، وخسارتها لا تُعوّضُ.
ينطلقُ بوتين من اعتبارِ المنطقةِ الأوراسيّة جزءاً من الأمنِ القوميّ والمصالحِ الوطنيّةِ الروسيّةِ المركزيّةِ، لا يجوزُ التهاونِ فيها، وجاءتِ السياسةُ الروسيّةُ على نسقٍ واحدٍ في الفضاءِ الأوراسيّ، وتعدّدت مواقفُ موسكو فكانت عسكريّةً في الشيشان وجورجيا وتدخّلت شرق أوكرانيا لتكون النتيجة استقلال جمهورتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، وضمَّت شبه جزيرة القرم إليها، وتدخلت بثقل ٍ نوعيّ في سوريا، والتزمت مواقفَ سياسيّة مرنة حيال البرنامج النوويّ الإيرانيّ، فيما واجهت بقوةٍ توسّعَ حلف شمال الأطلسيّ في أوروبا الشرقيّة ونشر الدرع الصاروخيّ الأمريكيّ. فالاستسلامُ للتفردِ الأمريكيّ الأطلسيّ بقيادة العالم موتٌ وفناءُ، ومواجهته تتطلب بلورة تكتل جيويوليتيكيّ مناوئ للأطلسيّة.
في كتابه “أسس الجيوبوليتيك” يقول ألكسندر دوغين عرّاب المشروعُ الأوراسيّ: “من حيثُ المبدأ، أوراسيا ومحيطها، مركزُها روسيا، تبقى منطقةَ انطلاقِ الثوراتِ المناهضةِ للولايات المتحدةِ الأمريكيّة والبرجوازية”. وجاءَ التدخلُ الروسيّ في أوكرانيا وسوريا مطابقاً لهذا القول. وتعتبر موسكو أنّ واشنطن كانتِ المبادرةَ باتخاذ إجراءاتٍ عدائيةٍ لها فنشرتِ صواريخ بولندا والمجر، فردّت عليها بتعزيزات عسكريّة في محيط دول البلطيق. وعندما دعمت واشنطن الانقلاب ضد الرئيس الأوكرانيّ السابق فيتكور يانكوفيتش الذي يحظى بدعم موسكو، إذ عزله البرلمان في 22/2/2014، كان الردُّ الروسيّ بضمّ شبه جزيرةِ القرم في 18/3/2014. فموسكو لا تعارضُ استقلالَ أوكرانيا السياديّ سواءً كانت حليفاً لها أو محايدة، لكنّها لا تقبل بتحولها لنقطة ارتكاز للناتو.
جاءتِ الأزمةُ الأوكرانيّة في سياقِ “الفوضى الخلاقة” الأمريكيّة على حكومة كييف المنتخبة. فكان قرار بوتين في مواجهة الأزمة بقوة الدولة العظمى، كما حدث ذلك في أوسيتيا الجنوبية وفي أبخازيا، وتكرّر في شبه جزيرة القرم عام 2014 فضمتها روسيا إليها، حيث يؤمنُ الضم “قاعدة سيفاستبول” الإطلالة الروسيّة الوحيدة على البحر الأسود، ما يمكّن روسيا لوجستياً من الوصولِ إلى البحر المتوسط والمياه الدافئة. شكّل ضم شبه جزيرة القرم نقطة تحوّل مفصليّة في الاستراتيجيّة الروسيّة، ليس فقط على الصعيدِ الدوليّ والأوروبيّ، بل تجاه الشرق الأوسط أيضاً. ثم عاد التوتر مع أوكرانيا ليتصاعد مع استقلال جمهوريتي “دونتسك و”لوهانسك” شرق أوكرانيا المواليتين لموسكو بعد استفتاء دونباس في 11/5/2014، ويقول دوغين: «لو خسرنا دونباس، فإنّنا سنفقد القرم وبعد ذلك روسيا كلها، هذه الأحداث كانت مؤشراتِ حربٍ باردة جديدة تشبه العلاقات السوفييتية-الأمريكيّة في عقود ما قبل انهيار الاتحاد السوفييتيّ. وفيما بعج الانقسام أصبح “الناتو” على أبواب روسيا حيث انضمّت دولٌ محاذية لروسيا كدول البلطيق الثلاث وبولونيا ورومانيا وبلغاريا إلى الأطلسيّ.
ومن جهة ثانية هناك رغبة روسيا المستاءة من استراتيجيّة التطويق والحصار المفروضة عليها من جانب أمريكا عبر دخول معظم بلدان أوروبا الشرقيّة في منظمة الحلف الأطلسيّ، ما دفعها أخيراً إلى خوضِ حربِ القوقازِ لاستعادةِ مجالها الحيويّ في جورجيا، وعبر إعادةِ تفعيلِ الدور الروسيّ في منطقة الشرق الأوسط، واستعادةِ موقعها على الصعيد الدوليّ، حيث تشكّلُ سوريا بوابة مهمةً إلى المنطقة بالنسبة لموسكو لما لها من دور وتأثير إقليميّ.
وخلال سنوات حكمه الطويلة ركّز بوتين في خطابه السياسيّ الموجه للشعب الروسيّ، على روسيا “القاعدة المحاصرة” لجذب الجمهور إليه، من خلال لعبه على العامل الوطنيّ. فالتأكيد على الطابع الوطنيّ، وتجييشه في نفوس الجماهير الروسيّة، من جانب بوتين، يدخل في سياق الرسالة التي يوجّهها إلى الولايات المتحدة الأمريكيّة، وهي أن ثمة قاعدة جيو-سياسيّة قديمة تقول: “من يسيطر على روسيا يسيطر على أوراسيا”، أي (أوروبا وآسيا). فروسيا ترفض نشر الدرع الصاروخية في بعض بلدان أوروبا الشرقيّة وتركيا، وتعتبر ذلك جزءاً من استراتيجيّة التطويق والحصار لكيانها السياسيّ والجغرافيّ ومجالها الحيويّ الاستراتيجيّ، ويعتقد بوتين أنَّ مشروعَ نشرِ الدرعِ الصاروخيّة يشكّلُ تهديداً مباشراً للترسانة العسكريّة التقليدية والنوويّة لروسيا، ويُفترضُ اتخاذُ كلّ التدابير الوقائيّة والاستعداداتِ لإحباطِ أيّ عمليةِ إطلاقٍ للصواريخِ الأمريكيّة أينما كانت.
يقول غورباتشوف، الذي لا تتركُ السلطةُ الراهنةُ فرصةً إلّا وتكيلُ له فيها الإهاناتِ والاتهاماتِ بالمسؤوليّة المباشرة عن سقوط الاتحادِ السوفيتيّ “إنَّ السلطةَ الراهنةَ بزعامةِ بوتين تفرضُ على روسيا وضع “القلعة المحاصرة” من قبل جميعِ الذين يكرهونها، وفي طليعتهم الغرب”. وتستغل المجموعة الحاكمة مناسبة النصر العظيم على الفاشية، لتمجيدِ فكرةِ الحربِ واستعدادِ روسيا الدائم لها وليس للعملِ من أجلِ السلامِ. والملفت فعلاً، انفرادُ روسيا بالاحتفالِ السنويّ بهذه المناسبة، وإقامة عرضٍ عسكريّ كبيرٍ بمشاركةِ كلِّ صنوفِ الأسلحة بما فيها الطيران الاستراتيجيّ والأسلحةُ النوويّةُ لتبعثَ برسائلِ الاستعدادِ للحربِ. ويُذكرُ أنَّ ستالين كان قد أوقفَ في عام 1948 الاحتفالَ بهذا اليومِ وأصدر قراراً باعتباره يومَ عملٍ عاديّ. ولكن اُحتفل به في عهد ليونيد بريجنيف عام 1965 وعادت السلطة الحالية للاحتفال بهذا اليوم وهي تتعمدُ “العسكرة، وإلى استغلال المناسبةِ وجعلها منصّةً لشحنِ المشاعرِ القوميّة الروسيّة وتنمية الشعور “بالقلعةِ المحاصرةِ” وعداءِ الجميعِ لروسيا، ما حوّل هذا اليوم إلى رسالةٍ تهديدٍ للآخرين. وقد علقت إحدى الصحف الروسيّة بعد الاحتفال في 9 أيار 2016، بالقول: “إنَّ السلطةَ الحالية حوّلت يومَ النصرِ على ألمانيا النازيّةِ إلى عيدٍ للمرحِ، بعدما كان يوماً للخلودِ للذاتِ والتأملِ في فظائعِ الحربِ ونعمةِ السلام وذرفِ الدمعِ وفاءً لذكرى الشهداءِ. وتحوّل هذا اليوم على يدِ السلطة الحالية إلى مهرجانٍ لتجييشِ الشعورِ القوميّ الروسيّ والتطبيلِ للحربِ واستصغار شأنها وجعلها أمراً محبباً للأجيالِ الشابةِ التي تكادُ ترفع شعار: “ومن هو التالي لننتصر عليه”.