أبحاث ودراساتجميل رشيد

الصراع العثمانيّ – الصفويّ وانعكاساته على حركات الإسلام السياسيّ -1-

جميل رشيد

جميل رشيد

جميل رشيد
جميل رشيد

المقدمة:

تتمتّع دراسة الصراع العثمانيّ – الصفويّ في هذه الفترة، بأهميّة بالغة، لجهة فهم الأبعاد التاريخيّة له، وكذلك لمعرفة ماهيّة الأسس التي يستند عليها الصراع الرّاهن بين الدّولتين اللتين ورثتا ميراث الإمبراطوريتين البائدتين، كما أنّ انعكاسات هذا الصراع تلقي بظلالها على شعوب منطقة الشرق الأوسط.

مرّ الصراع بين الإمبراطوريتين بمراحل عديدة، تخلّلتها فترات من الهدوء النسبيّ، توجّت بتوقيع عدد من الاتّفاقيات والمعاهدات التي حفظت نفوذ كلتيهما في المنطقة. لكنّ السّمة الرّئيسيّة للصراع انزلاقه إلى مستنقع التطييف الذي قطباه (السنّيّة والشيعيّة) في الظاهر، فيما كان الجوهر صراع على النّفوذ في المنطقة، متجاهلتين الآلام والمآسي الكبيرة التي خلّفها طيلة أكثر من 200 عام، ومازال الصراع مستمرّاً إلى الآن، ولكن بأشكال وصيغ أخرى.

سنحاول خلال هذه الدّراسة المقتضبة، عرض أن نعرج على أهمّ المراحل التاريخيّة التي مرّ بها هذا الصراع، وتبيان الجوانب التي دفعت كلا الطرفين إلى تأجيج أوّار الصراع، ودور السلاطين والأمراء في استدامته لمطامعهم في الاحتفاظ بحكم المنطقة وبناء أمجادهم الشخصيّة، ومن ثمّ التأكيد أنّ فترة السبات التي مرّت بها المنطقة عموماً جاءت نتيجة منطقيّة لهذا الصراع، حيث التّخلّف عن رُكبِ الحضارة الإنسانيّة، وتَلبُّس طرفي الصراع بِلَبوس الدّين والمذهب والطائفيّة، وتحوّله في مراحله الأخيرة إلى إيديولوجيّة عرقيّة (قوميّة)، وإعلاء شأن مفهوم الانتماء القوميّ للقوميّة الحاكمة.

التدرّج التّاريخيّ للصراع العثمانيّ – الصفويّ:

نكاد نرى تشابهاً كبيراً بين بدايات نشوء الإمبراطوريّتين العثمانيّة والصفويّة، من حيث الأسس والجذور الإيديولوجيّة والفكريّة والنظم العسكريّة المتّبعة لديهما، والظروف التاريخيّة والاقتصاديّة التي مرّت بهما، حيث كانت الفوضى تعمّ مناطق الأناضول وكذلك المناطق الإيرانيّة في بداية نشوئهما وتحوّلهما إلى (إمبراطوريّة).

مثّلت هزيمة السلطان بايزيد الأوّل على يد تيمورلنك في معركة أنقرة، الهزّة العنيفة الأولى التي تعرّضت لها “الدّولة العثمانيّة”، حيث ضعفت سلطتها على مناطق الأناضول، بعد أن كان أرطغرل وابنه عثمان قد وطّدا حكم آل عثمان على آسيا الصغرى، واستطاعا توحيد القبائل والأقوام التركمانيّة التي قَدِمَتْ من أواسط منغوليا ومنشوريا واستوطنت في الأناضول.

انتقلت الدّولة العثمانيّة – الإمبراطوريّة إلى طور القوّة والتمدّد، لتغدو إمبراطوريّة مترامية الأطراف في عهد محمّد الفاتح، بعد أن تمكّن من السيطرة على مدينة القسطنطينيّة (أستانه سابقاً وإسطنبول حاليّاً) عام 1453م، ومن ثمّ في عهد بايزيد الثاني وأبنائه من السّلاطين، بالامتداد شمالاً وجنوباً في السيطرة على دول البلقان وبلاد الشّام ومصر والعراق وبعض الدّول الإفريقيّة.

ويذكر العديد من المؤرّخين والمتابعين للشأن الإيرانيّ، أنّ الصفويّين لم يظهروا على مسرح الأحداث السياسيّة في الهضبة الإيرانيّة والمنطقة، إلا مع مطلع القرن السادس عشر.

تجلّى الطموح الصفويّ للتحوّل إلى إمبراطورية وفرض سيطرتها على المنطقة – حسبما يذكر المؤرّخ عبّاس آشتياني في كتابه “تاريخ إيران بعد الإسلام” – بعد أن تكرّست صفة “الصفويّين”، نسبة إلى الشيخ “صفيّ الدّين إسحق الأردبيلي (توفّي عام 1334)، “وهو شيخ صوفي تركمانيّ الأصل أسّس لطريقة دينيّة، وكان يتبعه عدد من المريدين، وخلفه ابنه صدر الدّين موسى في قيادة الطريقة، فيما تحوّلت “الطريقة الصفويّة” في عهد حفيد الأردبيلي “جنيد” إلى ثورة ذات أبعاد عسكريّة”، مستفيدين من حالة الفوضى في الهضبة الإيرانيّة بين الأقوام التي كانت في إيران (كرد، بلوش، أذريّين، …إلخ).

ويذكر جعفر المهاجر في كتابه “الهجرة العامليّة إلى إيران في العصر الصفويّ” بأنّه “مع مطلع القرن السادس عشر، استطاع إسماعيل، حفيد السلطان جنيد، أن ينتصر على مملكة آق قيونلو، وهي مملكة تركمانيّة حكمت مناطق ممتدّة بين إيران وآسيا الوسطى وأذربيجان منذ وفاة تيمورلنك عام 1405، وأن يؤسّس دولة جديدة، جعل من تبريز عاصمةً لها”.

توسّعت رقعة سيطرة الدّولة الصفويّة في عهد “إسماعيل”، الذي أطلق على نفسه لقب الشاه، وهي كلمة فارسيّة تعني “المَلِكْ”، وامتدّت حدود دولته من جبال تورا بورا في أفغانستان، إلى شرق الأناضول، مروراً بأذربيجان وأرمينيا والهضبة الإيرانيّة.

الطموح التوسّعيّ لدى الإمبراطوريّتين:

تمتدّ جذور هذا الصراع إلى أوائل القرن السادس عشر، وقبل تأسيس الإمبراطوريّة الصفويّة، كشكل متكامل من أنظمة الحكم التي تصارعت مع كافّة الامبراطوريّات والأنظمة التي تعاقبت على منطقة الشرق الأوسط، فيما الإمبراطوريّة العثمانيّة اشتدّ عودها بعد سلسلة من حروب خاضتها في المنطقة ضدّ الدّولة الصفويّة والإمبراطوريّة المملوكيّة.

يعتبر المؤرّخون أنّ الحروب بين الطرفين في القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديّين، هي من أطول الصدامات في المنطقة، ولم تشهد المنطقة الاستقرار والثبات، إلا بعد حروب دامية خلّفت مئات الآلاف من الضحايا وكوارث اجتماعيّة، وتبدّلاً دائماً في خرائط السيطرة والنفوذ، تِبعاً للحالة العسكريّة والجغرافيا التي يحتلّها كلّ طرف، لتغدو المنطقة ساحة صراع مفتوحة بين الطرفين.

ويذهب باحثون في تاريخ هذا الصراع إلى تقسيمه إلى أربع مراحل، مرحلة اعتلاء السلطان سليم ياووز الأوّل العرش في الإمبراطوريّة العثمانيّة، ومرحلة سليمان القانونيّ وطهماسب، ثمّ مرحلة توقيع معاهدة قصر شيرين، وأخيراً انهيار الإمبراطورية العثمانيّة. ولكلّ مرحلة منها سماتها وتفاصيلها، تختلف عن بعضها في رسم وجهة الصراع، كما انطبعت كلّ مرحلة بطابع السلطان والشاه الذي يحكم في تلك الفترة، لتأتي النتائج مغايرة نوعاً ما عمّا سبقتها.

تمكّنت الدّولة الصفويّة في عهد أوّل شاه لها “إسماعيل الأوّل” من اقتطاع أجزاء من المناطق المتاخمة للإمبراطورية العثمانيّة وضمّها إلى دولته، وذلك في عهد السلطان العثمانيّ بايزيد الثاني الذي آثر أن يَجنح إلى الحلول الدِّبلوماسيّة، فأرسل بعض رسائل التهدئة إلى إسماعيل، حسبما يذكر كمال السيّد في كتابه “نشوء وسقوط الدّولة الصفويّة”.

اعتلاء ياووز سليم الأوّل عرش الإمبراطوريّة العثمانيّة واحتدام الصراع في المنطقة:

أزاح الأمير سليم بن بايزيد الثاني عام 1512م، أمير طرابزون، أباه عن عرش (السلطنة – الإمبراطوريّة) العثمانيّة عن طريق القوّة وبالاعتماد على القوّات الإنكشاريّة، وقَتَلَ معظم إخوته بعد اعتلائه العرش؛ خوفاً من طمعهم في السلطة.

اعتمد السلطان ياووز سليم الأول سياسة الحديد والنّار والتصعيد العسكريّ في الدّاخل والخارج، عبر سلسلة من الحروب والغزوات التي خاضها في المنطقة، وتصفية خصومه في أروقة الإمبراطوريّة، حتّى طالت أقرب المقرّبين إليه، وسعى إلى الحرب في تصفية نزاعه مع الدّولة الصفويّة، على عكس أبيه بايزيد الثاني.

اتّجهت أنظار السلطان إلى الدّولة الصفويّة، للحدّ من نفوذها في المنطقة والاستيلاء على العديد من المناطق التي كانت تحت السيطرة الصفويّة. فأعدّ جيشاً ضخماً بلغ تعداده نحو 120 ألف مقاتل مزوّدين بالمدفعيّة الثقيلة، مقابل تجهيز عبّاس الأوّل 60 ألف مقاتل، والتقى الجيشان في 23 آب / أغسطس عام 1514 في صحراء تشالديران، فانتصر السلطان العثمانيّ سليم الأوّل على الشاه الصفويّ، ودخل عاصمتها تبريز، ولتمتدّ سيطرته على العراق وسهول شهرزور في كردستان.

لم يكتفِ السلطان المغمور بكسر شوكة الصفويّين، بل اعتبر أنّه جاء “فاتحاً” للشرق؛ فاتّجهت أنظاره نحو الإمبراطوريّة المملوكيّة، ووجّه رسائل استسلام إلى امبراطورها قانصو الغوري في القاهرة، حيث كانت الإمبراطوريّة المملوكيّة تمتدّ حتّى الحدود الشّماليّة لبلاد الشّام وديلوك (عنتاب) وماردين، إضافة إلى دمشق وحلب.

رفض الغوري طلب سليم الأوّل بالاستسلام، وجهّز جيشاً لملاقاة العثمانيّين عام 1516 في مرج دابق (شمال مدينة حلب)، لكنّ خيانة القادة المملوكيّين، قلبت موازين القوّة لصالح سليم الأوّل، فَقُتِلَ الغوري، وواصل السلطان العثمانيّ زحفه اتّجاه حلب ودمشق، ودخلها دون قتال يذكر، ثمّ اتّجه نحو القاهرة، بعد أن استلم طومان باي عرش الإمبراطوريّة المملوكيّة، واشتبك الجيشان العثمانيّ والمملوكيّ في منطقة “الريدانيّة” قرب القاهرة، ومرّة أخرى تمكّن ياووز سليم من الانتصار عبر شراء ذمم القادة والأمراء المملوكيّين، ودخل القاهرة ونكّل بأهلها وأعدم طومان باي، وفرض عليهم إتاوات وضرائب باهظة أثقلت حياة العوام.

استبدل السلطان العثمانيّ سليم الأول لقب “حامي الحرمين” بلقب “خادم الحرمين الشريفين” وأطلقه على نفسه “خليفة المسلمين”، اللّقب الذي يطلقه على نفسه الإمبراطور المملوكيّ، كما اعتبر نفسه ممثّلاً وزعيماً للعالم “السنّيّ” والتي ستلقي بظلالها إلى يومنا الراهن، حيث تبنّى من بعده جميع السلاطين العثمانيّين هذا اللّقب، لالتفاف الحاضنة الإسلاميّة السنّيّة حوله، واستغلالها في حروبهم المستمرّة.

تحالف السلطان سليم مع الكرد ودور إدريس البدليسيّ:

لعب المؤرّخ الكرديّ إدريس البدليسيّ دوراً كبيراً في اصطفاف الكرد إلى جانب الإمبراطوريّة العثمانيّة، وبفضل الكرد تمكّن العثمانيّون من تحقيق الانتصارات في كلّ معاركهم الخارجيّة. هذا التّحالف كان نقطة الانعطاف الرّئيسيّة في تحديد نوعيّة العلاقة بين الأتراك والكرد، والتي استمرّت مئات السنين وتركت آثارها على مصير الشعبين لاحقاً. ويذكر المؤرّخون أنّ البدليسيّ تمكّن من إقناع الكرد للانضواء تحت راية الإمبراطوريّة العثمانيّة، بناءً على الانتماء المذهبيّ، حيث معظم الكرد تابعون للمذهب السنّيّ على غرار العثمانيّين، فيما اعتنق الصفويّون المذهب الشيعيّ، وهو ما يعتبر السبب الرّئيسيّ في الصراع بين الطرفين والذي سنأتي عليه لاحقاً بشيء من التفصيل.

الحالة السائدة في المنطقة، وخاصّة بين الكرد، تميّزت بالولاء العشائريّ، وبمجرد كسب رؤساء وأمراء العشائر، يمكن كسب العشيرة بأكملها، وهو ما يعتبره بعض المؤرّخين الكرد بأنّه الثغرة التي تمكّن خلالها أعداء الكرد من التغلغل إلى كردستان، بعدما فشلوا عن طريق الحرب، وهذا الأسلوب مارَسه المسلمون عند أوّل دخولهم لكردستان في زمن الخليفة عمر بن الخطّاب، وهو ما عمل عليه إدريس البدليسيّ والسلطان سليم أيضاً، ففي البداية انضمّ 25 أميراً كرديّاً إلى الإمبراطوريّة العثمانيّة. انخراطهم في حروب مع العثمانيّين، مكّن من إعادة سيطرة الأخير على الموصل وكامل أراضي الجزيرة وكذلك ديار بكر وماردين. لكنّ الأكراد اشترطوا مع البدليسيّ استمرارهم في حكم مقاطعاتهم، وخاصّة ديار بكر، ووافق البدليسيّ عليها، وفق شروط معينة؛ تضمن الاحتفاظ بعائديّة تلك الاقطاعيّات واستغلالها، وكذلك يكون الحكم وراثيّاً ينتقل من الاب للابن في حكم الإمارات الكرديّة، مقابل أن تقوم هذه الاقطاعيّات بتقديم المساعدة للعثمانيّين في حروبها، وأن تقوم الدّولة العثمانيّة بالحفاظ على هذه الاقاليم من الاعتداءات الخارجيّة، وأن تدفع هذه الإمارات الضرائب لبيت المال، وقد قَبِلَ السلطان سليم بتلك الشروط وشكر إدريس البدليسيّ على مواقفه.

لم يَدُمْ حكم السلطان سليم سوى 18 عاماً، ليخلفه ابنه سليمان القانونيّ، بالتزامن مع اعتلاء الشاه طهماسب عرش الإمبراطوريّة الصفويّة، بعد وفاة إسماعيل الأوّل في أذربيجان إثر خسارته في تشالديران.

قاد سليمان ثلاث حملات عسكريّة متوالية في أعوام (1534، 1548 و1555) على الدّولة الصفويّة التي تمكّنت من استرجاع سيطرتها على إيران والعراق، غير أنّ جميعها باءت بالفشل، ويرجع المؤرّخون أسباب فشلها إلى انشغال الجيش العثمانيّ بالحرب مع النمساويّين.

اتّخذ الصفويّون وكذلك العثمانيّون، ومنذ بداية صراعهم، أسلوب الدّهاء والخديعة وتغليبهما على المواجهة العسكريّة المباشرة، وهو ما تميّز به أكثر الصفويّون بها، وأصبحت سمة غالبة على سلوك معظم حكّامهم وامتدّت تأثيراتها إلى يومنا هذا، فاستغل طهماسب الخلافات الأُسريّة بين بني عثمان في صراعهم على السلطة، ليكسب بعض الإخوة إلى جانبه، حيث دعم الشاه طهماسب عام 1558 الأمير بايزيد ضدّ أبيه سليمان القانونيّ، وقبله لجأ سليمان إلى دعم القاضي ميرزا في ثورته ضدّ أخيه طهماسب، كما يذكر عبّاس إقبال آشتياني.

استمرّت المعارك بين الطرفين، ولم يتمكّن أيّ منهما تحقيق انتصار يُذكر، ما دفعهما إلى توقيع هدنة أماسيا عام 1555، تضمّنت الاتّفاق على بعض البنود التّجاريّة ووقف المعارك.

لم تَدُم الهدنة طويلاً، وسرعان ما اندلعت الحرب ثانية بين الطرفين بعد وفاة القانونيّ وطهماسب، وتمكّن عبّاس الأوّل من تحقيق الانتصار على العثمانيّين في عدد من المعارك، إلى أن تمّ توقيع معاهدة قصر تشرين عام 1639، وهي النقطة الفاصلة في الصراع بينهما.

معاهدة قصر شيرين أو (زهاب):

هي المعاهدة الأكثر تأثيراً وإيلاماً في تاريخ المنطقة والشعب الكرديّ خاصّة، من حيث أنّها قسمت بالدّرجة الأولى أراضي الكرد بين الصفويّين والعثمانيّين، وهي الجرح النازف إلى الآن في تاريخ الشعب الكرديّ، رغم أنّها واحدة من بين عدّة معاهدات أبرمتها الدّولة العثمانيّة والدّولة الصفويّة خلال تاريخ الحروب والمعارك التي دارت بينهما طيلة مئتي عام، وتُعدُّ هذه المعاهدة من أهمّ المعاهدات بين الدّولتين، حيث يعتبر الطرفين أنّها المعاهدة الأكثر أهميّة في تاريخهما.

وُقِّعَتْ المعاهدة في (17 مايو/ أيّار 1639) بين الدّولة العثمانيّة والدّولة الصفويّة في قصر شيرين. ويقع هذا القصر في الجنوب الشرقيّ من كركوك، وتسمّى أحياناً باتّفاقيّة (زهاب) نظراً لإطلال القصر على وادي زهاب في المنطقة. وأنهت هذه المعاهدة الحرب العثمانيّة الصفويّة التي استمرّت بين الجانبين طيلة قرنين من الزمن، وذلك في عهد السلطان مراد الرّابع العثمانيّ، في نهاية حملته لتحرير بغداد من الاحتلال الصفويّ.

استغرقت المفاوضات 13 يوماً حتّى تمّ توقيعها في 17 مايو / أيّار 1639، وقّعها كلّ من السلطان مراد الرّابع والشاه عبّاس الأوّل الملقب “بالكبير”، وعَيّنَت هذه المعاهدة الحدود بين الجانبين، بطول 2185 كم، على أساس الوضع الرّاهن، آنذاك. فأُعطيت أرمينيا وجورجيا للدّولة الصفويّة والعراق (بغداد والبصرة وشهر‌زور) للدّولة العثمانيّة. وقد ظلّت حدود الدّولتين التي تمّ تثبيتها في المعاهدة معتمدةً حتّى الوقت الحاضر، أي حدود إيران الحاليّة مع كلّ من تركيّا والعراق. وبالرّغم من توقيع المعاهدة؛ إلا أنّ الخلافات الحدوديّة لم تنتهِ، ففي الفترة من 1555 حتّى 1918، وقّعت الدّولتان على ما لا يقلُّ عن 18 معاهدة تتعلّق بالخلافات الحدوديّة.

حافظت المعاهدة على فاعليّتها حتّى الآن، واتّخذت أساساً في المعاهدات التي تمّ توقيعها بين الطرفين لاحقاً، مثل معاهدة “كردن” الموقّعة مع نادر شاه عام 1746، وكذلك معاهدتي أرضروم الأولى عام 1823 والثانية عام 1847، وخاصّة في مسائل ترسيم الحدود بين الطرفين وتثبيت تقسيم مناطق الكرد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى