د. شهاب الدين عباس
نشأت حركة الإخوان المسلمين بطلب من الماسونية العالمية عام 1928 بقيادة حسن البنا، وكان الهدف القريب هو ضرب حركات التحرر في حينها داخل الأقطار المسلمة عن طريق تقسيمها وتفتيتها من الداخل، وأيضاً التغلغل داخل المجتمع عن طريق الجمعيات الخيرية. وكان حينها المجتمع المصري فلاحياً وبسيطاً، وبالتالي استغل الإخوان العوز المادي وأدخلوا شرائح كبيرة منهم في الجماعة.
كانت تصرف قناة السويس على حركة الإخوان المسلمين حينما كان تحت الانتداب البريطاني الفرنسي اللذين يديران أموال القناة عبر بنوكهما المركزيين واللتين تتبعان للصهيونية العالمية.
وفي عام 1949 حضر وفد من الإخوان إلى السودان بقيادة جمال الدين السنهوري ومعه عدد من الطلاب السودانيين الدارسين بالجامعات المصرية، وعقدوا اجتماعات كثيرة وندوات للطلاب الدارسين بالسودان وبدأت تتشكل النواة الأولى للإخوان بالسودان في الأربعينات من القرن الماضي.
وبما أن الشعب السوداني بعضهم من ينتهج الصوفية كنتاج الثورة المهدية، والآخر معتدل في دينه، وبعضهم لا يعرف عن دينه إلا القليل، فوجد الإخوان بيئة خصبه لينشروا دعوتهم وسط هذا الشعب. وبالرغم من ذلك لم يفز أحد من أعضاء الإخوان المسلمين في الانتخابات في أول انتخابات للديمقراطية الأولى، لأن الشعب يعتقد أنهم دعوويون وليسوا سياسيين.
ولا علم للمواطن السوداني بأن للإخوان المسلمين أجندات سرية غير معلنة، وهي ارتباط الحركة بالماسونية العالمية، ولا وطن يحده حدود ينتمون إليه كما هو الحال للماسونية، بل كان همهم الوصول للسلطة وتقسيم المجتمع وتدمير بنيته الاقتصادية وإضعاف الدولة ليكون كل الشعب تابعاً لهم، وحينها يسهل عملهم في تنفيذ المهمة التي من أجلها تم تأسيس هذا الكيان الإخواني.
وفي عام 1954 عقد أول مؤتمر للإخوان في السودان والذي انفصلوا فيه عن مصر باسم الحركة الإسلامية السودانية، وكانت إصلاحية تربوية. ولكن استطاع الترابي أن يخلق تجديداً في جسم الإخوان حتى يأخذ طابعاً سياسيّاً. وكان يهدف الترابي الوصول للسلطة بكل السبل باستخدام الديمقراطية أو استعمال الجيش، وهذا أول تمرد لنهج الإخوان المسلمين ذي الصبغة الدينية البحتة للصبغة السياسية الليبرالية حيناً أو الشمولية حيناً آخر.
وهذا التخبط لعدم بلورة فكرة أو إيديولوجية متكاملة لهم لكيفية إدارة الدولة ومن أي منظور فكري، فانفصل منهم الترابي الذي يحمل رؤية متفتحة نتاج دراسته في السوربون.
وأيضا لها أبعاد ماسونية في الحصول لهذا المقعد الدراسي وهو ابن أسرة فقيره في الجزيرة بالسودان، ليشكل جبهة الميثاق ويخوض بها الانتخابات الديمقراطية الثانية في السودان عام 1968 أما الصادقون في دينهم والذين يعتبرون بأن حركة الإخوان المسلمين حركة دينيه توحيدية تربوية ودعوية تمسكوا بحركتهم كالصادق عبد الماجد والحبر نور الدائم وعلي جاويش، والذي أصبح أمين عام الإخوان المسلمين، وكان هذا الانقسام حاداً جدا لدرجة كفر البعض الترابي وامتنعوا عن الصلاة خلفه.
وفي عام 1979 دخل الإخوان في تحالف مع العسكري جعفر نميري الذي قام بانقلاب عسكري عام 1969 واستطاع الإخوان بقيادة الترابي التغلغل وسط الجيش والأمن والخدمة المدنية، وتمكّنوا من الاقتصاد وفرضوا الشريعة تكتيكاً وليس إيمانا، فقاموا بقطع الرؤوس والأرجل وخلقوا خوفاً وسط الشعب لأن بعض القضايا تكون كيدية والأخرى لتصفية الخصوم وغيرها وغيرها من السلوکيات التي لا تشبه هذا الشعب ذا الطابع الخاص في نسيجه الاجتماعي.
هذا التذمر المجتمعي من فوضى التطبيق الخاطئ للشريعة والتفكك الاجتماعي والتدهور الاقتصادي كان سببا كفيلاً في إسقاط الرئيس نميري الذي تآمر عليه الإخوان المسلمين بقيادة الترابي من الداخل ليمهدوا لانقلاب عسكري إخواني، إلّا أنّ الشعب السوداني كان سباقاً في حراكه عام 1985 ليسقط الرئيس نميري ويأتي بديمقراطية ثالثه 1986
وفي عام 1986 وفي عهد الديمقراطية الثالثة كان اسم حزبه الجبهة الإسلامية القومية حتى يمحو آثار ما فعله في عهد العسكر من أدمغة الشعب، ولكنه أخفق، فذاكرة الشعوب قوية، ولم يحرز حينها إلا أصوات قليلة، وكان في المرتبة الثالثة وهذا لم يرضِ طموح الترابي وأهدافه للوصول للسلطة، فاستخدموا الاقتصاد لنخر عظام الديمقراطية وضيقوا الخناق على الشعب بتجفيف الأسواق لأنهم يملكون الاقتصاد جراء تحالفهم مع العسكر عام 1979 وكان كل ذلك تمهيداً لتنفيذ مخطط الانقلاب على السلطة الذي خطط له منذ 1985 وفعلاً أحدثوا الانقلاب العسكري عام 1989 لتكون بداية الحكم الشمولي للإخوان.
وفي عام 1989 تم تغيير اسم الحزب للإنقاذ، ومن ثم المؤتمر الوطني الذي يضم الإخوان المسلمين جناح الترابي وبعض العسكر والانتهازيين من الحزب الاشتراكي الماوي الذي أسّسه الدكتاتور جعفر نميري، ونجح الانقلاب بعد خداع الشعب الذي أوهم بأنهم مجموعة ضباط أحرار، فقام بتأييده ولكن فوجئ الشعب بأنهم إخوان مسلمون في زي عسكري.
قام المؤتمر الوطني بإبعاد ذوي -الخبرات في الخدمة المدنية وتشريد الموظفين والأسر بحجة التمكين والولاء فقط للإخوان، فقاموا بتهميش الشباب وقتل المعارضين من الضباط في رمضان وخلق حروب أهليه في دارفور وجبال النوبة والأنقسنا وشرق السودان نتاج ضربهم للنسيج الاجتماعي من خلال تعميق القبلية بنظريه فرق تسد وأيضا قاموا بإبادة جماعية في دارفور وجبال النوبة، وأصبحت هوية المؤتمر الوطني محل الهوية الوطنية، وتحولت حقوق المواطن الدستورية بالانتماء للإخوان
أثار فشل دولة الإخوان المسلمين الأولى والأخيرة في السودان:
- انهيار العملة السودانية حتّى أصبحت بلا قيمة أمام العملات الأجنبية.
- انهيار كامل لمؤسسات الدولة بسبب تشريد الخبرات، وسياسة التمكين بالولاء للإخوان.
- فقدان السودان لهويته الوطنية وسيادته بسبب الفكرة الأممية للإخوان.
- تفكيك النسيج الاجتماعي عن طريق تعميق القبلية والانقسامات المذهبية.
- استشراء الفساد المالي والاجتماعي وسط رجال الدولة، وسوء الإدارة أدى إلى انهيار الدولة.
- الحروب الأهلية وضعف الدولة والشعارات التي يرفعها الإخوان للمتاجرة بها، أدّى إلى الانفصال جنوب السودان، وكادت أن تؤدي إلى انفصال أجزاء أخرى في السودان.
- حل الجيش السوداني واستبداله بالمليشيات وقوات نظامية تتبع لها.
- العلاقات الخارجية معدومة، حيث أصبح السودان معزولاً دولياً، وفي حالة خصومة مع الجميع.
- باعتبار الإخوان حركة أممية، كانت ترتبط بالشخصيات الإرهابية كابن لادن والظواهري ومع الحركات الجهادية الأخرى، مما أوقع السودان داخل قائمة الدول الراعية للإرهاب. وغيرها الكثير لا مجال لذكرها هنا.
والجدير بالذكر أن الترابي غيّر اسم حركته للمؤتمر الشعبي بعد الانفصال العضوي وليس الفكري.
من الملاحظ في تاريخ الإخوان في السودان، كثرة الانقسامات نتاج الخلافات الداخلية التي لا تقبل الحوار أو النقد، وأيضاً تغيير الاسم في مرحلة من مراحل ممارسة الحزب لنشاطه السياسي لعدم تقبّل الشارع السوداني لهم في كل تلك المراحل، ممّا يدفعون باسم جديد آملين أن ينسى الشعب الاسم القديم ويتقبل وضعهم الجديد. ولكن ذاكرة الشعوب قوية والتي أحدثت ثورة ديسمبر بعد ثلاثين عاماً من حكم الإخوان مصحوب بالدمار والقتل والتمكين والتهميش والفقر والقهر والاستعلاء.
وفي 19 ديسمبر استطاع الشعب السوداني انتزاع الإخوان نهائياً من ممارسة العمل السياسي وأصبح مكروهاً في أوساط الشعب السوداني الذي قام بثورته التي لم يشهد لها مثيل في تاريخ البشرية من سلميتها وشعارها وأهدافها الوطنية، فأسقطوا ذلك المشروع الفاسد والفاقد للهوية والبرنامج فهاجروا لمصر ليلتحقوا بإخوانهم المصريين ليعيدوا ترتيبهم من جديد وأيضا تركياً الأردوغانية الإخوانية.