أبحاث ودراسات

مفهوم النظم الاقتصادية وتطورها التاريخي

أحمد أبو شكير

 

أحمد أبو شكير

 أحمد أبو شكير
أحمد أبو شكير

منذ القدم وحتى يومنا الحاضر عمل الإنسان على مواجهة المشكلة الاقتصادية حسبما يتماشى وتطوّر البيئة المعيشية ومتطلباتها، وكلّما انتقل الإنسان من مرحلة تاريخية إلى أخرى تتطور معه طبيعة حاجياته وطرق تلبيتها، وتبعاً لذلك أنتجت لنا كل مرحلة تاريخية نظاماً اقتصادياً معيناً يختلف عن النظام الاقتصادي الذي يليه، سنحاول من خلال هذا المحور التطرق إلى الحديث عن المفهوم النظري للنظام الاقتصادي، ونتعرّف بعدها على أهم النظم الاقتصادية التي عرفها الإنسان منذ البدايات الأولى لوجوده على الأرض.

أولاً: تعريف النظام الاقتصادي ومكوناته.

النظام الاقتصادي Economic System هو: مجموعة العلاقات الاقتصادية والقانونية والاجتماعية التي تحكم سير الحياة الاقتصادية في مجتمع ما في زمان بعينِه. ويركّز النظام الاقتصادي على مجموعة العلاقات والقواعد والأسس التي تحكم التفاعل والتأثير المتبادل بين الحاجات البشرية من جهة، والموارد الطبيعية والبشرية والمعرفية والتقنية المتاحة من جهة أخرى.

ويعدّ النظام الاقتصادي جزءاً لا يتجزأ من النظام الاجتماعي العام يتأثّر به ويؤثِّر فيه. وعرّف “أنتونيلي Antonelli “النظام الاقتصادي بأنه: مجموعة من العلاقات والمؤسسات التي تميز الحياة الاقتصادية لجماعة محددة في الزمان والمكان([1]).

و يعرف “صومبارات Sombart ” النظام الاقتصادي بأنه: المظهر الذي يجمع بين العوامل الثلاثة الآتية([2]):

  • الروحية: أي الدوافع البارزة للفعاليات الاقتصادية (كأنْ يكون الاقتصاد في سبيل السيطرة والحرب، أو في سبيل الكسب الآني والسريع، أو في سبيل تطبيق مبدأ من مبادئ المثالية…إلخ).
  • الشكل: وهو مجموعة العوامل الاجتماعية والحقوقية والقانونية التي تحدد إطار الحياة الاقتصادية (نظام الملكية، نظام العمل، علاقات الإنتاج، دور الدولة في الحياة الاقتصادية).
  • الماهية: وهي مجموعة الوسائل والطرق التقنية التي تجري بواسطتها التحولات المادية   في الزراعة والصناعة والتجارة (الآلة اليدوية، الميكانيكية، التكنولوجية الصناعية…)

وتتحدد طبيعة النظام الاقتصادي من التداخل المنطقي بين العناصر الثلاثة المذكورة. ويؤكد “صومبارات” أنّ عنصر الشكل هو المحدد الرئيسي لطبيعة النظام؛ لأنه تعبيرٌ عن الروحية التي تعكس في النهاية بالخلفية الفكرية (العقيدة) التي يقوم عليها النظام. وتتوافق الروحية أيضاً مع مستوى معين من تطور وسائل الإنتاج([3]).

و هناك من يذهب في تحديد معنى النظام الاقتصادي إلى تعريفه من خلال ثلاثة عناصر أساسية: المذهب الفكري، القوى الإنتاجية، العلاقات الإنتاجية، هذه العناصر الثلاثة تشكل في مجموعها  النظام الاقتصادي، و لا بد من اجتماع هذه العناصر الثلاثة لكي يوجد أي نظام اقتصادي أصلاً: فبدون العلاقات الإنتاجية ليس من المتصور إمكانية تطبيق مذهب فكري معين، غير أن وجود مذهب فكري لا يعني بالضرورة توافر القوى الإنتاجية، و العلاقات الإنتاجية الكفيلة بوضعه موضع التنفيذ، كما أنّه لا يعني حتمية أو إمكانية تطبيق المذهب الفكري([4]).

ووفقاً لذلك فإنه يتم داخل كلّ نظام اقتصادي يشتمل هذه العناصر الثلاثة التعامل مع كيفية معالجة المشكلة الاقتصادية على تحديد المسائل الثلاث الآتية:

  • أولاً -ماذا ينتج المجتمع؟
  • ثانياً: كيف ينتج المجتمع؟
  • ثالثاً: على من يتم توزيع ما تم إنتاجه فعلاً؟ وعلى أي أساس؟ (التوزيع).

ثانياً-تصنيف النظم الاقتصادية (حسب تطورها التاريخي).

على ضوء التعاريف السابقة للنظام الاقتصادي، قام الدارسون بتصنيف أنواع النظم الاقتصادية منذ بداية التفاعلات والنشاطات الاقتصادية وحتى يومنا هذا.

وقد سجلت لنا دراسات تاريخ الفعاليات والنشاطات الاقتصادية مختلف أطوار التشكيلات والنظم الاجتماعية الاقتصادية للإنسانية، و المحددة بأسلوب الإنتاج الاجتماعي في كل مرحلة من مراحل التطور التاريخي([5]). بحيث تختلف الكيفية التي بها الإنتاج والتبادل والتوزيع من دولة إلى أخرى، فإذا كانت الغاية النهائية للنشاط الإنساني الاقتصادي هي إشباع حاجات الإنسان عن طريق إنتاج السلع اللازمة لهذا الإشباع، فإن تنظيم الإنتاج وتوجيه أو توزيعه تختلف باختلاف المكان والزمان حسب النظام الاقتصادي الذي يتبناه كل مجتمع([6]).

بالرغم من اختلاف الباحثين في وضع معايير مشتركة في تحديد وتصنيف الأنظمة الاقتصادية، إلّا أنّه يمكننا اعتماد التصنيف الآتي لشموليته، فقد عرف الإنسان منذ القدم، وطبّق العديد من النظم الاقتصادية المختلفة من حيث أسلوب الإنتاج وتوزيعه مكاناً وزماناً، هذه النظم الاقتصادية حسب تطورها التاريخي يمكن تصنيفها إلى:

  • نظم اقتصادية قبل المرحلة الرأسمالية (النظام الاقتصادي البدائي /العبودي/ الإقطاعي).
  • نظم اقتصادية بعد الرأسمالية (النظام الاقتصادي: الرأسمالي / الاشتراكي / المختلط).
  • النظم الاقتصادية قبل المرحلة الرأسمالية:

أ- النظام الاقتصادي البدائي (المشاعية البدائية):

  • تعد المشاعية البدائية أول نظام اقتصادي اجتماعي في التاريخ، وكانت وسائل الإنتاج التي استخدمها الإنسان بسيطة وبدائية، كما كانت مهارات العمل وخبرة الأفراد ومعرفتهم قليلة جدا([7]). فالحياة الاقتصادية في هذه المرحلة كانت تربط الإنسان مباشرة بالطبيعة، بحيث تركز جهد الإنسان و إنتاجه في صيد الحيوانات واقتطاف الثمار والخيرات التي تجود بها الأرض، فلم يكن يملك آلات ورأس مال ليحول إنتاجه([8])، بل مجرد أدوات بسيطة كالعصا أو الحجر لتحصيل قوته اليومي، و بالتدريج بدأ الإنسان يدخل تحـسينات عــلى أدوات إنتاجه الحجرية و الخشبية و العظمية ليحصل بواسطتها على كميات أكبر من المواد اللازمة لتحسين معيشته، و قد تحقق له ذلك من خلال:
  • اكتشاف النار الذي سمح له باكتشاف مصادر جديدة للغذاء، وللوقاية من البرد، وكذلك لصنع بعض الأدوات المنزلية من الطين والخشب.
  • اكتشاف بعض المعادن كالبرونز والحديد.
  • اكتشاف القوس وأدوات الصيد، الأمر الذي زاد من مصادر الغذاء وساعد على تربية الحيوانات بعد اصطيادها.
  • تعلم مبادئ الزراعة والفلاحة.
  • علاقات الإنتاج: لم يكن في مقدور الأفراد مواجهة الطبيعة إلا بتجميع جهودهم وتضافرها، فتجمعوا حينها وشكلوا قبائل وجماعات، وكان اقتصاد القبيلة يدور بصورة مشتركة لتأمين حاجاتهم عن طريق إقامة علاقات إنتاجية قائمة على الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج، فاضطرارهم للتعاون وتوافر أدوات عمل بسيطة متاحة من الطبيعة لم تسمح بتملكها لأشخاص أو مجموعات معينة داخل القبيلة، بل كانت مشاعة ومشتركة بين أفراد القبيلة. أما بالنسبة لتوزيع المنتجات فكان يتم ضمن كميات متساوية و قليلة للحفاظ على البقاء([9]). ولم تكن هناك حاجة للنقود والأسواق للمبادلة، إلى أن تم استخدام المقايضة لاحقًا.
  • والملاحظ على النشاط الاقتصادي للمجتمعات البدائية أنه كان قائما على أساس المساواة ومشاركة الرجل والمرأة في العمل معاً، حيث ظهر أول تقسيم اجتماعي للعمل حسب الجنس والعمل، فتخصص النساء في تربية الأطفال وجني الثمار وأعمال البيت، بينما تخصص الرجال في الصيد والزرع..، كما عرفت المجتمعات البدائية ظهور حرفيين مختصين في إنتاج صناعات معينة كصناعة التعدين والحياكة والحدادة وصنع الأسلحة إلى جانب قسم آخر يختص بالزراعة.
  • القانون الأساسي الذي حكم النظام الاقتصادي البدائي كان قائماً على أساس: إنتاج الخيرات الضرورية لسد الحاجيات القبلية بواسطة الأدوات البسيطة، وعلى أساس العمل الجماعي([10]).

 

ب- النظام الاقتصادي العبودي :

  • يعد نظام الرق Slavery أو العبودية، الذي حلَّ محلَّ النظام المشاعي البدائي، أول نظام  في التاريخ يقوم على الاستغلال و الانقسام الطبقي الإنسان لأخيه الإنسان([11]). و هناك عدة عوامل ساهمت في ظهور هذا النظام الاقتصادي، وأهمها([12]):
  • التقسيم الاجتماعي المستمر للعمل.
  • ظهور إمكانية العمل الفردي نتيجة تطور وسائل وإنتاجية العمل.
  • ظهور الملكية الفردية وما ترتب عنها من علاقات اقتصادية جديدة أخلت بنظام التوزيع المتساوي لمنتوجات العمل.
  • بصفة عامة: أدى التبدل الحاصل في بنية المجتمع إلى حتمية تطور ونـمو قوى الإنتاج وانحلال العلاقات الإنتاجية للقبيلة البدائية، فحل العمل الفردي محل العمل الجماعي، وحلت الملكية الفردية محل الملكية الجماعية، هذا ما أدى بدوره إلى تغير في منـظومة الحقوق              والواجبات.
  • وكانت العبودية في أولى مراحلها تسمى «العبودية الأبوية» أو العبودية البيتية، وكان عدد الأرقاء قليلاً، وكان السيد مالك الرقيق يشتغل في الأرض مع أرقائه.
  • استهل أسلوب الإنتاج في نظام الرق تاريخه حين صار استغلال الرقيق هو السائد في عملية الإنتاج، وحين انقسم المجتمع إلى طبقتين متناحرتين: المُسْتَغِلِّيْنَ «الأسياد» والمُسْتَغَلِّين «الرقيق». ويضمُّ مجتمع الرق إلى هاتين الطبقتين فئة الأحرار كالحِرفيين والفلاحين الصغار والتجار والمرابين. وتكَوَّن في ظل هذا النظام المجتمع الطبقي، وأضحت السيطرة السياسية مقصورة على طبقة الأسياد في المجتمع (علاقات الإنتاج / الشكل).
  • يمكن إجمال خصائص النشاط الاقتصادي في ظل المجتمع العبودي في النقاط الآتية:
  • شكلت طبقة العبيد الأساس الاقتصادي لعملية الإنتاج والوسيلة الأساسية للثروات في المجتمع العبودي، فلم تعد المجموعة القبلية تعمل لسد حاجاتها الاقتصادية، بل أصبحت طبقة من المجتمع تعمل من أجل تحقيق فائض بالنسبة لطبقة الأسياد.
  • عرفت وسائل الإنتاج تطورا ملحوظا في هذه المرحلة، بحيث اكتشف الإنسان الكثير من الآلات و الوسائل البناء و التشييد والزراعة([13]).
  • تقسيم العمل على أساس طبقي اجتماعي إلى: عمل جسدي وآخر ذهني، فالعمل الجسدي: تخصص له الأرقاء للإنتاج المادي، فقد اختصوا في الأعمال البناء والتشييد و المناجم وشق الطرقات…، في حين كان العمل الذهني من نصيب الأسياد الذين اختصوا بالإدارة الحكومية والسياسة والفلسفة والشعر والأدب والفن، إلى جانب العمل الحرفي الذي اختص فيه الحرفيون وكذلك النشاط التجاري للمرابين وصغار الحرفيين.
  • وظهر في ظل نظام الرق تبادل البضائع الذي تحوّل تحولاً متدرجاً إلى تجارة منظمة، ونشأت الأسواق التي تجاوزت حدود الدولة الواحدة، وظهر ما يسمى بالتجارة الخارجية. وقد أدى تزايد كميات الإنتاج من السلع المخصصة للسوق وتوسيع التبادل التجاري إلى تزايد التفاوت  في الملكية والثروة على حساب عمل الرقيق، وظلت الأرض وسيلة الإنتاج الرئيسة. واعتمد النشاط الاقتصادي على الزراعة وتربية الماشية مع ظهور الإنتاج الحرفي. ومع تطور التجارة المنظمة ظهرت النقود التي بدأت تحتل مكانة مهمة في اقتصاديات مجتمع الرق([14]).
  • القانون الأساسي الذي حكم النظام الاقتصادي العبودي: إنّ إنتاج الخيرات المادية موجه لسد مختلف حاجيات الأسياد المتزايدة باستمرار، وكان يتم عن طريق الاستثمار في العبيد الذين شكلوا محور كل إنتاج يؤسس القاعدة التي يقوم عليها التركيب الفوقي للمجتمع، وكان  من العوامل المهمة في تكريس هذا النظام هو مواقف الفلاسفة والمفكرين الذين كانوا يرون في هذا النظام خلود الطبيعة، فأفلاطون عبر عن هذا النظام قائلا:” الــرقيق هو الأداة الحية، في حين أنّ الأداة هي الرقيق الذي لا حياة فيه” ([15]).

 

ج- النظام الاقتصادي الإقطاعي ( نظام الاقتصاد المغلق):

  • هو النظام الاقتصادي الذي كان سائداً في عصر الإقطاع في العصور الوسطى.
  • التنظيمات الاجتماعية في القرون الوسطى: كان لهذه التنظيمات الدور والأثر الرئيسي في شكل النشاط الاقتصادي وجوهره، فبعد انهيار الإمبراطورية الرومانية انقسمت إلى مجموعة من الدويلات والمدن والمقاطعات، وشكلت هذه الأخيرة الإطار العام للنشاط الاقتصادي في هذه المرحلة، فقد سادت وظهرت العديد من المقاطعات المتنافرة التي عرفت بممارسة اقتصاديات مغلقة تعتمد على الزراعة كنشاط أساسي. وعموماً تشكل النـــظام الاجتماعي والسياسي الأوروبي في هذه المرحلة من ثلاثة تنظيمات أساسية طبعت شكل الحياة الاقتصادية وأثرت عليها، هي:
  • الكنيسة: مؤسسة وحيدة كان لها أكبر أثر على هذه المرحلة التاريخية في أوربا، كما أنها شكلت عقيدة واحدة صبغت كافة مجالات الحياة من فكر واقتصاد وفن وسياسة، وطبقة واحدة ممثلة في الرهبان كانت لها الزعامة السياسية والاجتماعية على فئات المجتمع كافّة.
  • الإقطاعية: هي تنظيم سياسي واقتصادي واجتماعي تحكمها طبقة النبلاء أو الطبقة الإقطاعية، تمتلك قطعة أرض تقوم على استثمار أرضها، واستغلال الفلاحين الذين يمارسون النشاط الفلاحي لتلبية حاجيات الإقطاعي وحاجياتهم مقابل حماية الإقطاعي لهم.
  • المنظمات الحرفية: طابعها الأساسـي كان مزاجاً بيــن المــفاهيم الدينية والاجتماعية والمهنية، وهي عبارة عن منظمات عملت على إيجاد قوانين صارمة تتعلق بالتدرج في المهنة وكيفيتها، كما عملت على تحقيق التماسك والتعاون الاجتماعي بين أعضائها، تدعمه تعاليم الديانة المسيحية، كما أنها تخضع في نشاطاتها كلّها لتعاليم الكنيسة.
  • خصائص النظام الاقتصادي الإقطاعي:
  • إنّ الدوافع الاقتصادية (العوامل الروحية) في هذا النظام تتمثل في تحقيق الاكتفاء الذاتي للإقطاعي والفلاحين الذين يعملون ضمن ممتلكاته، فليس الغاية من العمل هو زيادة الرفاهية بل مجرد الحفاظ على ما هو ضروري ومألوف، بمعنى آخر الاقتصاد هنا هو “اقتصاد حاجة”، أي الاقتصاد الذي تتحدد أهدافه بانتهاء أراضي الإقطاعي.
  • من ناحية التنظيم الحقوقي و الاجتماعي (الشكل) في هذا النظام فإنها ترتكز على إعطاء كل صلاحيات اتخاذ القرار في يد الإقطاعي، الذي يملك السلطة السياسية المطلقة على مقاطعته من الناحية البشرية، أو بالنسبة لتوزيع الدخل الاقتصادي([16]).

ويقوم النظام الإقطاعي على ملكية طبقة الإقطاعيين لوسائل الإنتاج “الأرض” واستغلال الفلاحين. وكانت الملكية الإقطاعية على منطقة معينة، تشمل المدن والقرى وما فيها ومَنْ فيها من أقنان وفلاحين. ولم تكن هذه الملكية مجرد شكل حقوقي، وإنما كانت علاقة اقتصادية مضمونها استغلال الإقطاعيين للأرض والسكان المحرومين مما يضمن بقاءَهم وحمايتهم. وقد كان هذا الشكل للملكية يحدد وضع الناس في عملية الإنتاج الاجتماعي ويحدّد البنية الطبقية للمجتمع الإقطاعي كما يحدّد طريقة توزيع المنتجات، إلى جانب ذلك وجدت في النظام الإقطاعي أنواع أخرى للملكية ولكنها محدودة جداً مثل ملكية الفلاحين الصغار والحرفيين، الذين مارسوا الاستثمارات الخاصة التي تعتمد على ملكيتهم لوسائل إنتاج محدودة من الأدوات الصناعية الحرفية، أو وسائل الإنتاج الزراعي.

وفي مرحلة تكوُّن النظام الإقطاعي بدأت تتحدد السمات الرئيسة لأسلوب الإنتاج الإقطاعي، وخاصة ظهور الملكية العقارية الإقطاعية، وظهور أنواع من الريع العقاري الإقطاعي بوصفه نوعاً اقتصادياً مميزاً لعلاقات الإنتاج في هذا النظام([17]).

  • أما من الناحية التقنية (الماهية)، فأدوات الإنتاج ظلت بدائية بسيطة ومحدودة، لا تعرف التطور والاختراع، فالتطور في وسائل الإنتاج يحتاج إلى حافز أساسي عملي يتعلق بزيادة الطلب على المنتجات، وحافر فكري يتعلق بضرورة توفر بيئة فكرية تساعد على التفكير، وهذا ما كان غائبا بشكل مطلق في هذه المرحلة من تاريخ أوربا، بحيث أن الكنيسة احتكرت المعرفة ورفضت أي محاولات للتفكير والتأمل، وسعيًا منها للحفاظ على الوضع القائم لضمان استمرار استفادتها من نتائج هذا التنظيم واستمرار هيمنتها على الحياة بكافة مجالاتها.

 

و عموما يمكن إبراز أهم السمات الأساسية لهذا النظام الاقتصادي في النقاط الآتية([18]):

  • هو نظام اقتصادي مغلق، استمر لفترة يقوم على الاكتفاء الذاتي أو الإنتاج بغرض الاستهلاك.
  • يمثل النشاط الزراعي النشاط الاقتصادي الرئيسي، وإلى جانبه ظهر كذلك النشاط الحرفي  الذي اعتبر من مميزات الحياة الاقتصادية في هذه المرحلة، ومع هذا النشاط أصبح الإنتاج يتم بغرض التبادل، وإن كان على نطاق محدود.
  • تمثلت القوى الإنتاجية أو أدوات الإنتاج الأساسية، والتي تشمل أساساً الأرض والعمل ورأس المال والمهارات التنظيمية، القوى في عاملي الأرض والعمل.
  • بالرغم من تزايد أهمية السوق بمرور السنين، كانت على وجه التحديد جانباً ثانوياً من جوانب الحياة الاقتصادية في العصور الوسطي.

 

  • النظم الاقتصادية بعد المرحلة الرأسمالية:

أ-النظام الاقتصادي الرأسمالي (الرأسمالية /الاقتصاد الحر/ الليبراليّة):

بعد أن استقر النظام الاقتصادي الإقطاعي في فترة العصور الوسطى، ظهرت جملة من العوامل التي غيرت طبيعة البنية الاجتماعية والسياسية في تلك المرحلة، ومهّدت لظهور نظام اقتصادي جديد قام على أنقاض النظام الإقطاعي، عرف هذا النظام بالنظام الاقتصادي الرأسمالي.

أولاً-تعريف نظام الاقتصاد الرأسمالي.

يعرف نظام الاقتصاد الرأسمالي بأنه (الرأسمالية / Capitalisme ) (*):

” نظام اقتصادي يتميز بنمط من الإنتاج يرتكز على تقسيم المجتمع إلى طبقتين أساسيتين: طبقة مالكي وسائل الإنتاج (الأرض، المواد الأولية، آلات وأدوات العمل) – سواء كانت مكونة من أفراد             أو شركات أو مؤسسات – الذين يشترون قوة العمل لتشغيل مشروعاتهم، وطبقــة البروليتاريا ( العمال) المجبرة على بيع قوة عملها، لأن ليس لأفرادها وسائل الإنتاج ولا رأس المال الذي يتيح لهم العمل لحسابهم الخاص”([19]).

فالرأسمالية إذا تعبر في جوهرها على نظام إنتاج اجتماعي يتميز بتمركز أدوات ووسائل الإنتاج ومجموع الثروات بأيدي عدد قليل جدا من الناس يشكلون طبقة الرأسماليين، بينما تصبح الأكثرية من الناس مضطرة للعمل كأجراء لدى الرأسماليين الذين يهدفون إلى تحقيق الربح على حساب الأكثرية من العمال([20]).

 

ثانيا: عوامل نشأة النظام الرأسمالي.

تجمعت عوامل كثيرة، خلال فترة زمنية، أدت إلى تداعى وانهيار النظام الإقطاعي، وفي الوقت نفسه مهدت لظهور نظام الاقتصاد الرأسمالي. ويحدد مؤرخو تاريخ الفكر الاقتصادي هذه الفترة، بتلك الممتدة من منتصف القرن الخامس عشر وحتى منتصف القرن الثامن عشر، تلك الفترة التي شهدت بوضوح ببداية الثورة الصناعية ووقوع الثورة الأمريكية وصدور المؤلف العظيم ” ثروة الأمم Wealth of Nations  ” لآدم سميث(*).

لقد قام النظام الرأسمالي على أنقاض النظام الإقطاعي، فالعوامل التي أدت إلى انهيار النظام الإقطاعي هي ذاتها التي ساهمت في إحداث تغيير في الهيكل الاجتماعي الموجود والقائم وإيجاد نظام جديد هو النظام الرأسمالي. وترجع أسباب نشأة النظام الرأسمالي إلى العوامل الآتية:

  • تراكم رأس المال:

وقد تحقق ذلك نتيجة العوامل الآتية:

  • نتيجة انتعاش التجارة بين المدن واكتشاف الذهب وما حصلت عليه الدول المستغلة من خيرات ومكاسب من مستعمراتها.
  • نتيجة انتشار عمليات الربا والمضاربة التي مارسها الكثير من الأسر في أوروبا مما أدى إلى حصولها على ثروات كبيرة.
  • بالإضافة إلى ما تراكم من أموال لدى بعض الأفراد والنبلاء وأصحاب العقارات وزيادة ثرواتهم نتيجة زيادة الضرائب والسكان ونمو المدن.
  • وبهذا توافرت الأموال اللازمة لتمويل المشروعات ذات الحجم الكبير.
  • وقد أدت حاجة الدول الحديثة إلى الأموال إلى نمو التجارة وإزالة الحواجز والقيود على انتقال الأفراد والسلع بين مختلف المناطق مما أدى بدوره إلى اتساع نطاق السوق المحلي واتساع الأخذ بالتخصص وتقسيم العمل. وهذا التخصص أدى إلى اتساع حجم التجارة الدولية، فكان من نتيجة ذلك أن زادت ثروة الأفراد والدول زيادة لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية(**).
  • زيادة عدد السكان:

كانت الزيادة المستمرة في عدد السكان أحد الأسباب المهمة التي أدت إلى زوال النظام الإقطاعي، حيث زاد عدد سكان أوروبا زيادة كبيرة منذ القرن السادس عشر، وكانت هذه الزيادة في السكان نتيجة لانخفاض معدلات الوفيات بسبب توافر الخدمات الطبية والرعاية الصحية وخاصة في المدن          التي كان سكانها يتزايدون بنسبة كبيرة.

وكان من أهم النتائج التي أدت إليها زيادة السكان زيادة الطلب على المواد الغذائية بكميات كبيرة، وقد أدى هذا بدوره إلى ارتفاع أسعارها، مما عمل تدريجياً على التحول من زراعة الاكتفاء الذاتي      إلى الزراعة الرأسمالية التجارية، فلم يعد الفلاح ينتج لنفسه أو لأسرته أو قريته التي يقيم فيها فحسب، بل كان عليه أن يمد أسواق المدن بما تحتاج إليه من مواد غذائية، وأصبح الريف ينتج للتبادل التجاري.

وقد ساعد استعمال النقود المعدنية على نمو الزراعة الرأسمالية بعد أن كان المجتمع يستعمل النقود السلعية. فاستخدم الذهب والفضة وسيطاً للمبادلة بعد أن كانت المقايضة هي الأساس، مما أدى      إلى سهولة التبادل واتساع التجارة، وزاد من عرض الذهب والفضة في تلك الفترة اكتشاف الأمريكيتين والتوسع في استخراج المعادن النفيسة من مناجمها.

  • التطورات الصناعية والتقنية:

في القرن الثامن عشر بعد قيام الثورة الصناعية واستخدام الآلات بدلاً من الحيوانات والعمل اليدوي، بدأت التجارة تنتشر على نطاق أوسع، وبذلك تغيرت فنون الإنتاج لتسمح بالإنتاج النمطي الكبير. وفي الوقت نفسه كان استخدام السفن التجارية والسكك الحديدية عاملاً مساعداً على زيادة سعة السوق لاستيعاب الإنتاج الكبير للمشروع الصناعي. وبدأت حركة الاختراعات لآلات معقدة بخطى سريعة، تتطلب موارد مالية ضخمة، هذه المتطلبات الجديدة دعت إلى نشأة المشروع الصناعيّ الذي يمثل الوحدة الإنتاجية الرئيسية في النظام الرأسمالي. فقد ارتبط النظام الرأسمالي بالمشروع الصناعي، بما يتصف به من خصائص وهي استخدام الآلات أساساً لأسلوب الإنتاج من أجل تحقيق المزيج من الثروة والتراكم الرأسمالي والربح.

  • التطورات السياسية وظهور الدولة القومية الحديثة:

            بعد أنْ سادت الإقطاعية كوحدة سياسية خاضعة لسلطة الإقطاعي، ظهرت الدولة القومية كوحدة سياسية جديدة حلت محل الإقطاعية، فمع صعود القومية جاءت المصالح المتبادلة والعلاقة الحميمة بين سلطة الدولة ومصلحة التجار البورجوازيون. وقد طرح بعضهم التساؤل الآتي وهو: هل كانت الدولة القومية هي الأداة الضرورية لسلطة التجار؟ أم سعت الدولة نحو التجار في خدمة سلطاتها الأعلى؟

  • الاكتشافات الجغرافية والفتوحات الأوروبية:

            كان الاقتصاد الأوروبي يعتمد على الاكتفاء الذاتي، ولكن ظهرت الحاجة في بعض الدول التي كانت لا تنتج، وكان العرب يتحكمون في التجارة في قسمها الشرقي، أما القسم الغربي فكان من نصيب الإيطاليين أدى ذلك إلى تحقيق كل من العرب والإيطاليين لأرباح وفيرة، ولكن دول أوروبا الأخرى شعرت بشدة سيطرة التجار الإيطاليين وتحكمهم، فبدأت تبحث عن وسائل تحد من تلك السيطرة. فكان أن شجعت كل من إسبانيا والبرتغال على الاكتشافات البحرية.

ثالثا: خصائص النظام الرأسمالي.

  • دوافع الفعاليات الاقتصادية في النظام الرأسمالي:

            إن دافع الحياة الاقتصادية هو دافع فردي مصلحي، يتلخص في البحث عن الربح Profit     إلى أكبر حد تسمح به السوق أو قانون العرض والطلب، ولقد أرجع “سومبارت” الفكرة الرأسمالية إلى مبادئ ثلاث:

  • مبدأ حرية التملك.
  • مبدأ المزاحمة الحرة.
  • مبدأ العقلانــية ( تقـدير الأشــياء يعود دوما إلى نــوع من الحــسابات الدقيقة للكلفة والمردود وإمكانية الربح).

ولا يحد الفرد في مدى بحثه عن منفعته الخاصـة وعن أكبر ربح له إلا مقدرته الخاصة، وقوانين السوق و قوانين الدولة([21]).

فالوحدات الاقتصادية داخل النظام الرأسمالي تسعى دائماً إلى زيادة كمية الربح للمنتج وزيادة المنفعة للمستهلك. فالفرد هنا يقوم بوظيفة مزدوجة في النظام الاقتصادي مرة بصفته منتجاً ومرة بصفته مستهلكاً، ولكنه دائماً مدفوع بالدافع الاقتصادي أي تحقيق مصلحته الشخصية([22]).

  • الجوانب التنظيمية والاجتماعية للاقتصاد الرأسمالي:

            أما بالنسبة للإطار القانوني والاجتماعي في هذا النظام فإنه يرتكز على المقومات التالية:

  • مبدأ الملكية الخاصة:

        يعترف القانون في الدول الرأسمالية بحق الفرد في تملك الأموال ملكية خاصة، سواء كانت هذه الأموال سلعا استهلاكية أو سلعا إنتاجية. وحق الملكية على مال من الأموال يشمل مجموعة من الحقوق الفرعية تتمثل في حق الاستعمال وحق الاستغلال وحق التصرف، كما أنه يتضمن الاعتراف بحق الإرث كسبب من أسباب كسب الملكية.

ولا يعني الاعتراف للأفراد بحق الملكية أن تصبح الأموال الموجودة في المجتمع كلها مملوكة للأفراد ملكية خاصة. فالدولة الرأسمالية تتملك جزءاً من الثروة القومية تتمثل في المباني الحكومية، وأراضي الدولة، والمناجم، والغابات، والهياكل الأساسية للنشاط الاقتصادي كالطرق والمصارف والجسور.

ويمكن للملكية الخاصة في البلاد الرأسمالية أن تحاط ببعض القيود القانونية مراعاة لاعتبارات الصالح العام، كالقيود التي تمنع المالك من استخدام ماله على نحو يضر بمصلحة جيرانه أو رفاهية مجتمعه. ففي بعض البلاد تمنع القوانين الارتفاع بالمباني فوق حد معين، كما تحرم إنشاء المصانع الضارة بالصحة في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية([23]).

  • مبدأ حرية التعاقد والعمل:

        فالعمل من الناحية الحقوقية حر غير مقيد، غير أنه من الناحية الاقتصادية يرتبط -شأنه كشأن أي سلعة -بقانون العرض والطلب، فكل عمل مباع يدفع أجرا عنه يحدده العقد القائم بين البائع والشاري([24]).

فالاقتصاد الرأسماليّ يقوم أساساً على وجود السوق التي تتم فيها مبادلة السلع والخدمات بين البائعين والمشترين على أساس المنافسة والمزاحمة، دون تدخل من جانب الدولة بقصد الحد من قوى العرض والطلب أو توجيهها، فالقانون يكفل حرية التبادل وحرية التعاقد بالنسبة لكل الأموال الاقتصادية، بما فيها عوامل الإنتاج ومن بينها العمل.

ويعتبر العقد – وهو عمل قانوني يقوم على إرادتين أو أكثر – عن أسلوب الأفراد في تصريف شؤونهم الاقتصادية. و يمكن بالعقد أن تقوم إلى جانب الملكية الفردية نوع آخر من الملكية يعرف بالملكية المشتركة وذلك بتأسيس الشركات([25]).

  • الدور المهم للمستحدث أو رب العمل (Entrepreneur):

        فرب العمل هو الذي يقوم بجمع وسائل الإنتاج الثلاثة (الموارد الطبيعية/ رأس المال والعمل)، ضمن الوحدة الاقتصادية (مصنع/ متجر/ مشروعا زراعيا) بواسطة شرائه لها، وهو بذلك يمثل الشخص الأساسي والهام في عملية الإنتاج والتبادل. ويقوم بنتيجة عملية الإنتاج بدفع أجرة العمال وفائدة الرأسمالي وقيمة المواد الأولية، ثم يحتفظ بالباقي الذي يكون الربح الصافي([26]).

  • عدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي للأفراد:

                      عبر آدم سميث عن هذا المبدأ بمقولته المشهورة ” دعه يعمل دعه يمر“، إشارة منه بضرورة عدم وضع أي حواجز أو معوقات من طرف أجهزة الدولة تحول أو تضيق  إمكانية الفرد لممارسة حقه الطبيعي في العمل و التملك، فليس من حق الدولة في النظام الرأسمالي التدخل في تحديد مجالات العمل أو صيغ الملكية المنافية للملكية الفردية، فدورها يتمثل في خلق البيئة المستقرة والآمنة التي تكفل للأفراد وتضمن لهم ممارسة أعمالهم وحماية ممتلكاته، وهذا ما اصطلح عليه بـ”الدولة الحامية“، التي تقوم بسن التشريعات والقوانين المنظمة لعلاقات الأفراد الاقتصادية، كما أنّ آلية السوق القائمة على قانون العرض والطلب هي الكفيلة بتحـقيق التوازن واستقرار الأسعار وعدم ارتفاعها، لأنّ المنافسة داخل السوق تجعل التجار يبيعون منتجاتهم بأسعار تنافسية لترويج منتجاتهم وتحقيق الأرباح وفي الوقت ذاته تتحقق منفعة المواطن المستهلك المستفيد من هذه المنافسة.

غير أنّ القول بعدم تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية لا يؤخذ بمطلقه، لأنّ التطورات الاقتصادية التي عرفتها الكثير من الدول الرأسمالية منذ بدايات ظهور هذا النظام وحتى يومنا الحاضر تؤكد بأنّ الدولة لا تكتفي فقط بملاحظة النشاطات والتفاعلات الاقتصادية، بل قد يكون لها في الكثير             من الأحيان الدور الفعال في تنظيم الحياة الاقتصادية و تحديد معالمها بما لا يتنافى و المبادئ السابقة الذكر، خاصة في حالة الأزمات المالية التي قد تصيب النظم الرأسمالية، أو في حالات ضبط الأسعار حفاظا على التوازن بين مختلف فئات وطبقات المجتمع، أو تأميم ملكية بعض القطاعات الحساسة على الاقتصاد الأمن القومي (غاز بروم في روسيا، سوناطراك في الجزائر).

 

  • مبدأ المنافسة الحرة:

       يتنافس البائعون والمشترون في سوق السلع الاستهلاكية وسوق عوامل الإنتاج من أجل الحصول على أفضل الشروط للسلع والخدمات محل التعاقد، فالبائع يحاول بيع أكبر قدر ممكن من السلع سعياً وراء الربح، منافساً بذلك غيره من منتجي السلع المماثلة، محاولاً تخفيض ثمن سلعته أو تحسين           من جودتها ليكسب السوق لنفسه.

وباستمرار تنافس البائعين يسود سوق السلعة ثمن واحد. ومهما أختلف حجم الكمية المباعة         من ذات السلعة فإنها تباع بالثمن نفسه، وفي ذلك مصلحة للمستهلك. وهذا التنافس نفسه يحصل بين المشترين الذين يرغب كل منهم الفوز بشراء السلعة سواء أكانت استهلاكية أم إنتاجية([27]).

   

الجوانب التقنية والفنية للاقتصاد الرأسمالي:

                  قام النظام الرأسمالي في ظل الثورة الصناعية، فارتكز على التقدم التكنولوجي الذي أدت إليه هذه الثورة، وطبقت الفنون الإنتاجية المتقدمة نتيجة لمبدأ المنافسة. ففي ظل المنافسة يسعى المنتجون إلى تحسين وسائل إنتاجهم حتى يتمكنوا من تخفيض نفقات الإنتاج، وتحقيق أكبر قدر من الأرباح. فنجاح أي منتج في استخدام وسائل جديدة من شأنها تخفيض التكاليف، يدفع المنتجين الآخرين         إلى تطبيق مثل هذه الوسائل الحديثة حتى يتمكنوا من البقاء في مجال الإنتاج([28]).

فالتقدم الذي حققت البشرية منذ عصر الثورة الصناعية وحتى يومنا الحاضر مرده إلى طبيعة هذا النظام الاقتصادي التنافسي، الذي فرض استخدام الآلة وتطويرها عبر الاختراعات المتجددة لوسائل الإنتاج للاستجابة إلى كمية الزيادة الهائلة على طلب مختلف المنتجات، والمطردة مع زيادة عدد سكان العالم و طلباتهم.

 

ب- النظام الاقتصاد الاشتراكي ( نظام الإنتاج الجماعي):

أدى تطبيق النظام الاقتصادي الرأسمالي في العديد من الدول الأوربية منذ منصف القرن الثامن عشر إلى ظهور العديد من المشاكل التي صاحبت تطبيق هذا النظام على أرض الواقع، أوجبت التفكير في ضرورة تغيير الأوضاع وتقديم نظام اقتصادي بديل عنه، قادر على تجـاوز الاخــتلالات التي عرفتها المجتمــعات الأوربيـة على الصــعيد الاجتماعي والاقــتصادي. ومع بداية القرن التاسع عشر، ظهرت الفكرة الاشتراكية، كرد فعل للدمار والاختلال الذي نتج عن استتباب الأمر للرأسمالية الصاعدة.

 

أولا: مفهوم النظام الاقتصادي الاشتراكي وظروف نشأته.

 

أ-تعريف النظام الاقتصادي الاشتراكي:

 

يطلق لفظ الاشتراكية Socialism للتعبير عن الكثير من المعاني المختلفة، فأحياناً يطلق         على مجرد تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، وبذلك تكون الاشتراكية نقيضاً لسياسة الحرية الاقتصادية. كما يطلق، أحياناً، للتعبير عن تدخل الدولة في حياة العمال، والطبقات الفقيرة، بهدف سن التشريعات الاجتماعية، والاقتصادية، التي تخفف معاناتهم، وتمنحهم بعض المزايا.

إلّا أنّ الاشتراكية، من الناحية العلمية، تعني النظام الذي تؤول فيه ملكية مواد الإنتاج، والأراضي، والآلات، والمصانع للدولة. بمعنى آخر، فإن الاشتراكية، على خلاف ما تقتضيه الرأسمالية، تقوم على الملكية الجماعية لعناصر الإنتاج المختلفة([29]).

الاشتراكية نظام اجتماعي قائم على الملكية العامة لوسائل الإنتاج، والاشتراكية تظهر إلى حيز الوجود، نتيجة إلغاء النمط الرأسمالي للإنتاج وإقامة دكتاتورية البروليتاريا. وتُبنى الاشتراكية على شكلين      من الملكية: ملكية الدولة (العامة) والملكية التعاونية والجماعية. وتقتضي الملكية العامة انعدام وجود الطبقات المستغلة واستغلال الإنسان للإنسان، وتقتضي وجود علاقات التعاون الرفاقية، والمساعدة المتبادلة بين العمال المشتركين في الإنتاج.

( الاشتراكية / Socialism / Socialisme/

نقلاً عن موقع: http://www.marxists.org/arabic/glossary/terms/01.htm)

أما بالنسبة للنظام الشيوعي (الشيوعية)، فهو يشير إلى آخر مرحلة بعد بناء الدولة الاشتراكية التي يتم خلالها القضاء على كل بقايا النظام الرأسمالي ثم الإعداد لمرحلة بناء الدولة الاشتراكية ثم تأتي            من بعدها الشيوعية بعد أن يتم ترسيخ قيم الحياة الجماعية داخل المجتمع. ويعرف النظام الشيوعي بأنه:

” النظام الذي تنتفي فيه بتاتا الملكية الخاصة، سواء كانت ملكية وسائل الإنتاج (الأرض، المصانع، الآلات)، أو ملكية السلع الاستهلاكية (الغذاء، الملبس، المسكن)، و الشرط الضروري لتحقق هذا النظام هو وجود البضائع بكثرة هائلة تنتفي معها رغبة التملك، لذلك تشكل الاشتراكية الخطوة الأولى لتطبيق الهدف البعيد: الشيوعية([30]).

 

ب- الظروف والعوامل التي مهدت لظهور الاشتراكية كبديل للنظام الرأسمالي:

ظهرت في مراحل ميلاد الرأسمالية الصناعية ملامح تراكم رأس المال التقني وتشييد المعامل وانتشار صناعة النسيج والصلب والفولاذ واستغلال مناجم الفحم والحديد، ولقد صاحبت هذه الثورة الصناعية الليبرالية تعاسة كبيرة للطبقة العاملة و بؤس مدقع في أوساطها واستغلال كبير للأطفال والنساء الذين كانوا يعملون في المناجم المظلمة والمعامل الضيقة، ولقد ساعد المستوى المنخفض للأجور، أصحاب الأموال             على تكديسها واستثمارها الشيء الذي أدى على تقدم اقتصادي كبير على حساب تضحيات اجتماعية قاسية للطبقات العمالية الكادحة([31]).

إذاً فالاشتراكية جاءت أساسًا لكي تعبر عن وجهة نظر رافضة للأوضاع القائمة منتقدة في ذلك أداء النظام الرأسمالي، وكذلك العمل للقيام بثورة تقلب هذه الأوضاع لصالح طبقات العمال المحرومة، لذلك يمكن القول بأن الاشتراكية منظور نقدي للرأسمالية تقوم على أساس:

  • انتقاد لاذع للرأسمالية وأسسها القانونية والفلسفية، واعتبارها نظاما يساعد على استغلال طبقات اجتماعية لطبقات أخرى.
  • اعتقاد بإمكانية تغير البنيات الاجتماعية من طرف كل أعضاء المجتمع فقط على أساس وعيهم لأخطار النظام الرأسمالي.
  • تقديم اقتراحات ونماذج لمجتمعات جديدة يكون الأفراد فيها متساوون ولا تعرف الاستغلال.

 

        ويمكن إجمال الانتقادات التي وجهت للرأسمالية، وشكلت في الوقت ذاته دافع للضرورة التغيير نحو الاشتراكية، في النقاط التالية:

  • نشر الأنانية التي تهدد التماسك الاجتماعي: الناجمة عن تكريس مبدأ الملكية الخاصة، حيث يتحكم فرد أو أفراد قلائـــل بالأسواق تحقيقاً لمصالحهم الذاتية دون تقدير لحاجة المجتمع أو احترام للمصلحة العامة.
  • انتشار اللامساواة الاجتماعية وسوء التوزيع العادل للمداخيل والثروات: يرتكز النظام الرأسمالي على عدد من الدعائم أهمها الملكية الخاصة لعناصر الإنتاج. ونظراً لندرة عناصر الإنتاج بالنسبة لعدد السكان في كل دولة وتبقى جمهرة الأفراد معدمة. وبعبارة أخرى فإن أصحاب عناصر الإنتاج يحصلون على دخلهم من عناصر الإنتاج فقط كما هو الحال بالنسبة لأصحاب الأراضي الذين يحصلون على الريع أو الإيجار، وبالنسبة لأصحاب رؤوس الأموال الذين يحصلون على الفوائد. و قد يحصل بعض أصحاب عناصر الإنتاج على دخلهم من عناصر الإنتاج ومجهودهم الشخصي كما هو الحال مثلاً بالنسبة للمنظمين الذين يحصلون على الأرباح([32]).
  • ابتزاز الأيدي العاملة: ذلك أنّ الرأسمالية تجعل الأيدي العاملة سلعة خاضعة لمفهومي العرض والطلب مما يجــعل العامل معرضاً في كل لحظة لأن يُستبَدل به غيره ممن يأخذ أجراً أقل أو يؤدي عملاً أكثر أو خدمة أفضل.
  • انتشار البطالة: وهي ظاهرة مألوفة في المجتمع الرأسمالي، وتكون شديدة البروز إذا كان الإِنتاج أكثر من الاستهلاك مما يدفع بصاحب العمل إلى الاستغناء عن الزيادة في هذه الأيدي التي تثقل كاهله.
  • الاحتكار: إذ يقوم الشخص الرأسمالي باحتكار البضائع وتخزينها حتى إذا ما فقدت من الأسواق نزل بها ليبيعها بسعر مضاعف يبتز فيه المستهلكين الضعفاء.
  • الرأسمالية تنظر إلى الإِنسان على أنه كائن مادي وتتعامل معه بعيداً عن ميوله الروحية والأخلاقية، داعية إلى الفصل بين الاقتصاد وبين الأخلاق، تعمد الرأسمالية إلى حرق البضائع الفائضة، أو تقذفها في البحر خوفاً من أن تتدنى الأسعار لكثرة العرض، وبينما هي تقدم على هذا الأمر تكون كثير من الشعوب في حالة شكوى من المجاعات التي تجتاحها.
  • المزاحمة والمنافسة: إن بنية الرأسمالية تجعل الحياة ميدان سباق مسعور إذ يتنافس الجميع  في سبيل إحراز الغلبة، وتتحول الحياة عندها إلى غابة يأكل القوي فيها الضعيف، وكثيراً ما يؤدي ذلك إلى إفلاس المصانع والشركات الصغيرة والمتوسطة. لعدم قدرتها على منافسة الشركات الكبرى الاحتكارية.
  • خلق حالة صراع مستمر داخل المجتمع: بين طبقتين إحداهما مبتزة يهمها جمع المال من كل السبل وأخرى محرومة تبحث عن المقومات الأساسية لحياتها.
  • الاستعمار: ذلك أن الرأسمالية بدافع البحث عن المواد الأولية، وبدافع البحث عن أسواق جديدة لتسويق المنتجات تدخل في غمار استعمار الشعوب والأمم استعماراً اقتصادياً أولاً وفكرياً وسياسياً وثقافياً عامة، وذلك فضلاً عن استرقاق الشعوب وتسخير الأيدي العاملة فيها لمصلحتها.

 

قبل أن يكتمل بناء النظام والدولة الاشتراكية يسبق ذلك قيام ثورة اشتراكية، تمثل المرحلة الانتقالية بين نظام الإنتاج الرأسمالي ونظام الإنتاج الاشتراكي.

     إنّ مرحلة الانتقال من الرأسمالـية إلى الاشتــراكية هي مرحلة إعادة بناء المجتمع الرأسماليّ وتحويله ثورياً إلى مجتمع اشتراكي عن طريق تحويل نظام علاقات الإنتاج القائم حتى لحظة قيام الثورة عن طريق بناء القاعدة المادية والتكنيكية الجديرة بالاشتراكية.[33]

الطبقة العاملة أو البروليتاريا العمالية هي من يقوم بالثورة ضد الوضع القائم، إذا ما هي مهام الطبقة العاملة خلال هذه المرحلة الانتقالية؟

خلال مرحلة الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية عبر الثورة التي يقوم بها الطبقة العمالية، تقوم هذه الأخيرة بتولي المهام الآتية[34]:

  • تزيح الأساس الاقتصادي الرأسمالي الذي ولى عهده وتنشأ الأساس الاشتراكي والبناء الفوقي الذي يتطلبه. وتصفي الطبقات الاستغلالية وكافة أشكال الاستثمار الإنسان للإنسان.
  • تجري التحويل الاشتراكي للإنتاج البضاعي الصغير لدى الفلاحين والحرفيين عن طريق إشاعة التعاونيات الطوعية.
  • تبني القاعدة المادية التكنيكية (التقنية) للاشـتراكية بشكل إنتاج آلي كبير يؤمن التقدم التكنيكي (التقني) في كافة فروع الاقتصاد الوطني.
  • تنجز الثورة الثقافية (بمعناها الحقيقي) وتحل مهمة إعادة تربية الفئات البورجوازية الصغيرة، الغفيرة في أغلبية البلدان.

نتائج انتصار الثورة الاشتراكية:

ظهور الدولة الاشتراكية / Socialist State / Etat Socialiste

وهي الدولة التي يشكلها مجتمع اشتراكي، وهي الجزء السياسي من البناء الفوقي الذي ينمو على قاعدة اقتصادية من الاشتراكية. والدولة الاشتراكية نمط جديد من الدولة يعقب الدولة البورجوازية نتيجة ثورة اشتراكية. ويشمل خلق البناء الفوقي الاشتراكي فترة الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية. وفي هذه الفترة تأخذ الدولة شكل دكتاتورية البروليتاريا، وهي اشتراكية في أهدافها ومهامها، لأنها تقوم بدور إدارة بناء الاشتراكية وتتغير وظائف الدولة الاشتراكية تبعا لتقدم المجتمع الاشتراكي، ومع إلغاء الطبقات المستغلة، تختفي وظيفة قهر مقاومتها، بينما تمارس إلى مدى بعيد الوظائف الأساسية للدولة الاشتراكية – التنظيم الاقتصادي والتعليم والتطور الثقافي.

يعتبر ظهور نظام حكم دكتاتورية الطبقة العاملة (البروليتاريا) أهم و أبرز نتيجة وهدف رئيسي للثورة الاشتراكية ، ودكتاتورية البروليتاريا هي الأداة الرئيسية في بناء الاشتراكية والشرط اللازم لانتصارها. والمبدأ الأساسي والأعلى لدكتاتورية البروليتاريا هو تحالف الطبقة العاملة والفلاحية تحت قيادة الأولى. ويتسع الأساس الاجتماعي لدكتاتورية البروليتاريا، ويكتسب استمراره، خلال عملية البناء الاشتراكي، مما يفضي إلى تكون الوحدة السياسية الاجتماعية والإيديولوجية للأمة. والحزب الشيوعي – باعتباره طليعة الطبقة العاملة – هو القوة الأساسية القائدة والموجهة في نظام دكتاتورية البروليتاريا. ويضم نظام دكتاتورية البروليتاريا منظمات جماهيرية عديدة: هيئات الشعب التمثيلية، ونقابات العمال، والتعاونيات، وروابط الشباب، وغيرها، وهي تقوم بدور الرابط بين الدولة الاشتراكية والجماهير. وقد كانت كومونة باريس (1871) أول دكتاتورية للبروليتاريا في التاريخ. وأسهمت بخبرة بالغة القيمة للماركسية، ومكنت ماركس من أن يحدس شكل الدولة في المجتمع الاشتراكي المقبل. والسوفييتات شكل جديد من دكتاتورية البروليتاريا، اكتشفه لينين عن طريق دراسته للثورتين الديمقراطيتين البورجوازيتين في روسيا، ثورة أعوام 1905-1907 وثورة فبراير عام 1917. وفي النهاية أدت التجربة الثورية الأخيرة إلى شكل آخر لدكتاتورية البروليتاريا، هو الديمقراطية الشعبية. ودكتاتورية البروليتاريا ليست هدفا في ذاتها، إنما هي الأسلوب الوحيد الممكن والذي تحتمه الضرورة التاريخية للتحول إلى مجتمع بدون دكتاتورية وبدون طبقات[35].

خلاصة:

إذن فمرحلة الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية تبدأ من استلام البروليتاريا للسلطة تحت قيادة الحزب الماركسي اللينيني و تنتهي بانتصار علاقات الإنتاج الاشتراكية و بناء القاعدة المادية و التكنيكية للاشتراكية و توطيد البناء الفوقي الاجتماعي الاشتراكي الجديد (الدولة الاشتراكية) [36]

ثانياً- خصائص النظام الاقتصادي الاشتراكيّ.

  • دوافع الفعاليات الاقتصادية في النظام الاشتراكي: (إشباع الحاجات العامة وإلغاء حافز الربح).

يسعى الأفراد داخل النظام الاشتراكي إلى العمل على إزالة كل الفوارق الطبقية ( اقتصادية كانت أو اجتماعية) التي سادت المجتمع الرأسمالي، و ذلك عبر إلغاء نظام حافز الربح، فلا يصبح الهدف من النشاط الاقتصادي هو تحقيق الربح؛ لأنّ الربح عندهم وسيلة من وسائل سوء الاستغلال يؤدي إلى سوء التوزيع في الدخل       والثروة، وبالتالي يحل محل الربح كحافز اقتصادي الشعور القومي والشعور الوطني، والإحساس بالمسؤولية والمشاركة في إشباع حــاجات المجتمع، و نظير عدم وجود ربح يقوم النظام الاشتراكي بتغطية حاجات المجتمع مجانًا؛ فالتعليم مجاني ورعاية الصحة مجانية والترفيه مجاني وهكذا([37]).

ويتلخص الدافع الـروحي في هذا النظام في الوصول إلى إشبـاع كل الحاجات المادية والفكرية العامة لكل الأفراد بطريقة جماعية تكفل العدالة والمساواة في إنتاج وتوزيع الثروة، وذلك من خلال تعميم ملكية وسائل الإنتاج ومنع تملكها الشخصي([38]).

  • التنظيم الحقوقي والاجتماعي في النظام الاشتراكي:

أما بالنسبة للإطار القانوني والاجتماعي في هذا النظام فإنه يرتكز على المقومات الآتية:

أ-الملكية الجماعية (العامة) لوسائل الإنتاج:

يقوم النظام على مبدأ عام هو إلغاء الملكية الفردية للموارد الاقتصادية       وأدوات الإنتاج، حيث يجب أن تتملك الدولة هذه الموارد و الأدوات، فالملكية العامة تشمل ملكية الدولة لمصادر الثروة الطبيعية و للمشروعات الصناعية والتجارية        ولمشروعات النقل و المصارف و للمشروعات الزراعية([39]).

ولا يعني هذا أن الملكية الخاصة محرمة تحريما مطلقا، بل تبقى منحصرة في بعض الجوانب، فالملكية الخاصة نظام طبيعي بالنسبة لأموال وسلع الاستهلاك، فالأفراد يملكون ما يحصلون عليه من دخول، ويملكون ما يحصلونه من مدخرات، ولهم حرية التصرف فيما يملكونه، بالإضافة إلى ملكية السكن والسيارة والملبس والمأكل، في الحدود التي لا تخل بالمبدأ العام.

ويؤدي إلغاء الملكية الخاصة إلى تقريب الفوارق بين الطبقات واختفاء طبقة الرأسماليين وملاك الزراعيين أو الصناعيين، وفي هذا النظام يتقاضى الفرد أجره نظير ما يقدمه من الجهد، ويصبح الجهد المبذول في الإنتاج هو أساس التفرقة في مستوى المعيشة بين الأفراد، و تختفي بذلك الطبقة التي تحصل على دخل دون أن تساهم في الإنتاج بالعمل([40]).

ويمكن التفريق بين نوعين من الملكية بالنسبة للنظم الاشتراكية:

  • النظام الجماعي المنهج (المخطط): بحيث تلعب الدور الأكبر في الحياة الاقتصادية بواسطة إدارتها العامة الإنتاج والتوزيع، بطريقة إجبارية ونهائية بين الأفراد، وتعتبر التجربة الاشتراكية للاتحاد السوفييتي أقرب نموذج إلى هذا النوع من الملكية.
  • النظام الجماعي اللامركزي: طبقته يوغوسلافيا بعد 1951، بحيث قامت بإدخال تغييرات جذرية على النظام السوفييتي بحجة أنّه يستبدل رأسمالية الأفراد برأسمالية الدولة.

فبالرغم من أنّ ملكية وسائل الإنتاج تعود مبدئياً إلى الدولة فإنّ الإدارات العامة المختلفة انفصلت تماماً عن مركز التخطيط، وعادت إليها             وعلى القائمين على إدارتها المبادرة الفردية وحرية العمل لتلبية حاجات السوق، وتكتفي الدولة بأن توجه القطاعات المختلفة عن طريق نشر معدلات ونسب للإنتاج والتسويق والاستهلاك على المسؤولين أنْ يراعوها، ويبقوا ضمن حدودها.

ب-التخطيط المركزي للاقتصاد القومي:

يتم تنظيم الحياة الاقتصادية وتوزيع موارد الإنتاج على القطاعات المختلفة طبقا لخطة خاصة تضعها السلطة المركزية وتلتزم بتنفيذها كافة الوحدات الإنتاجية (جهاز التخطيط داخل الدولة)، ويساعد السلطة المركزية في وضع الخطة العامة عدد من الإدارات تختص كلّ إدارة منها بدراسة مشكلة معينة واقتراح القرارات المناسبة لحلها.

فجهاز التخطيط يأخذ شكلا هرميا تمثل قمته هيئة التخطيط العليا التي تضع الخطة الاقتصادية والاجتماعية، وتقوم بالتنسيق بين هيئات التخطيط، وتشمل الخطة العامة جانبي الإنتاج والاستهلاك.

ولا تستهدف الخطة تحقيق الربح وإنّما تسعى إلى تحقيق المصلحة العامة، وبذلك تكون الإنتاجية عبارة عن العائد الاجتماعي، ولا تنحصر في مجرد الأرباح النقدية.

كما إن المحرك لكافة القرارات الاقتصادية لا يرتكز على السوق أو الأسعار، بل على أساس الخطة الاقتصادية. ويرجع غياب السوق في النظام الاشتراكي إلى غياب الحريات على مختلف المستويات([41]).[42]

[1] ) الموسوعة العربية ( النسخة الإلكترونية) ، “الأنظمة الاقتصادية“،  نقلا عن الموقع:

http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=149845

[2] ) أنطوان أيوب، مرجع سبق ذكره، ص 53.

[3] ) الموسوعة العربية ( النسخة الإلكترونية)، “الأنظمة الاقتصادية“،  مرجع سبق ذكره.

 

[4] ) مختار عبد الحكيم طلبة، مقدمة في المشكلة الاقتصادية، كلية الحقوق، جامعة القاهرة،2007، ص 25.

[5] ) عبد الله ساقور،مرجع سبق ذكره، ص 40.

[6] ) مختار عبد الحكيم طلبة، مقدمة في المشكلة الاقتصادية، مرجع سبق ذكره، ص 23.

[7] ) الموسوعة العربية ( النسخة الإلكترونية)، “الأنظمة الاقتصادية“،  مرجع سبق ذكره.

 

[8] ) فتح الله ولعلو، مرجع سبق ذكره، ص 45.

[9] ) عبد الله ساقور، مرجع سبق ذكره، ص 42.

[10] ) المرجع نفسه، ص 43-44.

[11] ) الموسوعة العربية (النسخة الإلكترونية)، “الأنظمة الاقتصادية“، مرجع سبق ذكره.

[12] ) عبد الله ساقور، مرجع سبق ذكره، ص 44-45.

[13] ) عبد الله ساقور، مرجع سبق ذكره، ص 45-46.

[14] ) الموسوعة العربية (النسخة الإلكترونية)، “الأنظمة الاقتصادية“، مرجع سبق ذكره.

[15] ) عبد الله ساقور، مرجع سبق ذكره، ص 46.

[16] ) أنطوان أيوب، مرجع سبق ذكره، ص 54-55.

[17] ) الموسوعة العربية (النسخة الإلكترونية)، “الأنظمة الاقتصادية“، مرجع سبق ذكره.

[18] ) مختار عبد الحكيم طلبة، مقدمة في المشكلة الاقتصادية، مرجع سبق ذكره، ص 31.

* ) لتعريف النظام الاقتصادي الرأسمالي يجب مراعاة عدة عناصر أساسية هي: الفرد أو الأفراد الرأسماليين، ثم الجمع بين عوامل الإنتاج من أرض وعمل ورأس مال ومواد خام، ثم استخدام الآلات والتقدم الفني، كل ذلك بهدف الربح وتراكم الثروة.

وبالتالي يمكن النظر للرأسمالية، كنظام، على أنها ذلك النظام، الذي يقوم على مبدأ الإتاحة للأفراد العاديين حق تملك وسائل الإنتاج المختلفة، والتنافس مع نظرائهم، بهدف تحقيق الكسب المادي، مع التأكيد على عدم التدخل الخارجي في طبيعة عمل القوانين الطبيعية، التي تحكم تعامل الأفراد بعضهم مع بعض، والدول بعضها مع بعض.

[19] ) عبد الوهاب الكيالي، موسوعة السياسة (الرأسمالية)، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط3، ج 2، بيروت، 1990، ص 789.

[20] ) عبد الله ساقور، مرجع سبق ذكره، ص 57.

*) ويشار إلى هذه المرحلة، أحيانا، والتي امتدت نحو ثلاثون قرون، الرأسمالية التجارية، وأحيانا لمذهب التجاريين أو المركنتيلية.

**) كانت المشكلة الاقتصادية التي واجهت العالم، قبل ظهور النظام الاقتصادي الرأسمالي، هي مشكلة الإنتاج: أي قصور الإنتاج عن الوفاء بحاجات الاستهلاك، أما بعد ظهور النظام الاقتصادي الرأسمالي فان المشكلة الأولى التي واجهت الدول الصناعية هي مشكلة الاستهلاك التي نشأت بسبب وفرة الإنتاج.

[21] ) أنطوان أيوب، مرجع سبق ذكره، ص 56.

[22] ) الموسوعة العربية (النسخة الإلكترونية)، “الأنظمة الاقتصادية“، مرجع سبق ذكره.

[23] ) مختار عبد الحكيم طلبة، مقدمة في المشكلة الاقتصادية، مرجع سبق ذكره، ص 43.

[24] ) أنطوان أيوب، مرجع سبق ذكره، ص 57.

[25] ) مختار عبد الحكيم طلبة، مقدمة في المشكلة الاقتصادية، مرجع سبق ذكره، ص 44.

[26] ) أنطوان أيوب، مرجع سبق ذكره، ص 57.

[27] ) موسوعة مقاتل من الصحراء، “تاريخ النظم الاقتصادية“، مرجع سبق ذكره.

[28] ) مختار عبد الحكيم طلبة، مقدمة في المشكلة الاقتصادية، مرجع سبق ذكره، ص 43.

[29] ) موسوعة مقاتل من الصحراء، “تاريخ النظم الاقتصادية“، مرجع سبق ذكره.

[30] ) موسوعة مقاتل من الصحراء، “تاريخ النظم الاقتصادية“، مرجع سبق ذكره.

[31] ) أنطوان أيوب، مرجع شبق ذكره، ص 59.

[32] ) موسوعة مقاتل من الصحراء، “تاريخ النظم الاقتصادية“، مرجع سبق ذكره.

[33] ) خيري الضامن، مترجما، الاقتصاد السياسي للاشتراكية (موسكو: دار التقدم ، بدون سنة الطبع)، ص.5.

[34] ) خيري الضامن، مرجع سبق ذكره، ص.6.

[35] ) مفاهيم ومصطلحات، مرجع سبق ذكره.

[36] ) كيف نشأ النظام الاشتراكي ؟وكيف يعمل ؟: http://www.islammemo.cc/article1.aspx?id=4360

[37] ) أنطوان أيوب، مرجع شبق ذكره ، ص 59.

[38] ) أنطوان أيوب، مرجع شبق ذكره ، ص 59.

[39] ) مختار طلبة، مرجع شبق ذكره ، ص 66.

[40] ) مختار طلبة، مرجع شبق ذكره، ص 66-67.

[41] ) مختار طلبة، مرجع شبق ذكره، ص 68-70.

[42]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى