رائد عزالدين الورّاق
عند ذكرِ النساء تحتَ حكم داعش تحضرُ تلكَ الصورة عن فتيات مسبيات ومعنَّفات ومغتصبات ومذبوحات, لكن في مدينة الرقة عندما كانت تحت حكم التنظيم الإرهابي, ثمة امرأة أخرى هي تلك المعنِّفة القاهرة الذابحة.
داعش التنظيمُ الإرهابي الذي استقطبَ أكبرَ عدد من النساء من جميع أنحاء العالم وجندهن في صفوفه، ويعد وجود المرأة قوة مقارنة بغيره من التنظيمات الإرهابية.
تتدجّج هذه المرأة بالسواد التام, تمتشق السلاحَ، تمتطي مع زميلاتها من “كتيبة الخنساء” (الهيئة النسائية لضمان تطبيق الشريعة التي ينتهجها التنظيم) أحدثَ أنواع السيارات, ويتجولن في شوارع وأزقة مدينة الرقة بحثاً عن الفريسة والتي يصفونها ب(العاهرة الكافرة المرتدة الجاسوسة ) وتكون قد خالفت أصولَ اللباس الشرعي الذي قيّد التنظيمُ النساءَ به أو اخطأتِ التصرّف مع الرجال المارة فينقضن عليها وينكلن بها ب “أسلوب نسائي خلاق” فيه الكثير من العض والجلد حتى اقتلاع اللحم.
ظهرت كتيبةُ الخنساء التابعة لتنظيم داعش إلى العلن عام 2014 بعد حدوث عملياتٍ من الاغتيالات ينفذها إما عناصر من المعارضة السورية التي كانت تسيطر على الرقة السورية أو من بعض المنتقمين من التنظيم وهم من أهالي مدينة الرقة متنكرين بزي النساء.
وتتميزُ عناصرُ “الحسبة النسائية” بالكثير من الأمور المحظورة على غيرهن من فتيات الرقة، منها ركوب السيارة والتجول دون محرم والتكلم مع الرجال في الشارع, والدخول غلى المتاجر التي يعمل بها الرجال وحدهن, ويصل راتب المنتسبة للتنظيم من 1500 دولار أمريكي إلى 3000 دولار.
ومن أّهم المهام التي يقومون بها بعض نساء التنظيم هي التدرّب على السلاح ودخول جبهات القتال, القيام بعمليات انتحارية عن طريق لبس أحزمة ناسفة, تولي مناصب حساسة داخل التنظيم على غرار سجون النساء ومضافات السباية والجوسسة في الدول المجاورة, تعملن أيضاً على مراقبة سلوك النساء وتطبيق الشريعة الإسلامية التي ينتهجها التنظيم على المخالفات, تأمين زوجات لعناصر التنظيم يكونون من سكان الرقة، وتجنيد الفتيات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
التجنيدُ الإلكتروني استقطبَ تنظيمُ داعش معظمَ النساء وحتى الشباب عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي, وهناك مئاتُ الحسابات التي تديرها شبكة تابعة لتنظيم داعش مهمتها التواصل مع الفتيات الصغيرات في العمر أو التي تواجه مشاكل مع أسرتها، وكل حساب يشرف عليه من 4 إلى 6 داعشيات يتكلمن فيه مع الضحية لكي يجندونها في صفوفهم، ومهلة التجنيد وغسل الدماغ تتراوح من ثلاثة إلى أربعة أشهر وعبر شبكة أخرى من المهربين وتجار الحدود يتم جلبهم إلى داخل سوريا عبر الحدود التركية, وبحسب بعض التحقيقات والتقارير التي أجرتها أجهزة الأمن العراقية بأن المنتسبين للتنظيم من جميع أنحاء العالم يأتون إلى تركيا ومن ثم إلى المناطق الحدودية مع سوريا ويتوجهون إلى معاقل التنظيم في كل من سوريا والعراق.
لا تقتصرُ العمليات الانتحارية فقط على رجال التنظيم، إنما نساء داعش أيضاً يوجد بينهم قرعة لاختيار الفتاة التي سوف تنفذ العملية للذهاب إلى الجنة وأكل الغداء مع الرسول, وبعض الفيديوهات التي نشرتها وسائل إعلام عراقية خلال معركة الموصل ظهرت فيه داعشية تحمل ابنها وتباغت الجيش العراقي وتقوم بتفجير نفسها.
أربعون من الحور العين ينتظرون الشبان الانتحارين، أما الفتيات فتنتظرهن جنة فيها كل ما يتمنوه ورؤية جميع الأنبياء، هذا ما يوعد التنظيم به النساء المنتسبات له, وتلقب تلك النساء المتزوجات بحسب لقب زوجها مثال على ذلك (يكون الزوج أبو محمد الأنباري وبهذا تصبح الزوجة أم محمد الأنبارية) وغير المتزوجات جميعهم يلقبون بي “أم عائشة” والكنية تكون حسب الدولة التي قدمت منها “أم عائشة السنغالية”.
من خلال مراقبة عامل النساء في الرقة وغيرها من المناطق يوجد مهمة أخرى تسند لعناصر “الحسبة النسائية” وهي البحث عن زوجات لعناصر التنظيم, تعرضت “أماني الحاج” للكثير من المضايقات من قبل نساء داعش عند خروجها من المنزل وآخرها عرض عليها الزواج من “أخ مهاجر يقدم لها السعادة في الحياة وضمان الجنة في الآخرة” هذا ما أكدته الفتاة التي تبلغ من العمر 18 عاماً، بعد هذه الحادثة منعها والداها من الخروج من المنزل خشية من التنظيم عليها.
مضافات السبايا تشرف على تنظيمها أيضا نساءٌ من داعش عبر تقسيم المختطفات من قرى مدينة الموصل في العراق وسنجار أيضاً في العراق ونساء زوجات من يقاتل التنظيم في سوريا, وتبدأ عملية التقسيم بفرز الفتيات الصغار في العمر من سن 16وصولاً إلى 24عاماً عن باقي النساء في مضافات خاصة وعزل المتزوجات عن الفتيات. وجميع الأقسام تقسم إلى قسمين، جميلات وغير جميلات. بعض هذه الفتيات بقين في الموصل والبعض تم ترحيلهن إلى الرقة السورية, وخلال عملية البحث التي يقوم بها فريقنا الصحفي لكشف بعض أسرار التنظيم الخاصة بالعمل النسائي تواصل مع إحدى المختطفات من العراق وقد اقتادها التنظيم إلى سوريا.
“مرفين” اسم حركي، فتاة تبلغ من العمر عشرين عاماً، رفضت إظهار اسمها الحقيقي خشية من التنظيم الإرهابي الذي تجرعت المر منه ومن نسائه, بدأت حديثها عن مضافات السبايا عبر التقسيمات التي حدثت معهم وقد رحّل التنظيم الفتيات السوريات الغير جميلات إلى الرقة ودير الزور ليقوم بتوزيعهن بشكل غنائم حرب على عناصره “المهاجرين”.
كانت هي وأختها التي تكبرها بالسن متواجدات في المضافة، وهي عبارة عن منزل تشرف عليه سجانات متوحشات, أجبرونا على اعتناق الإسلام الذي ينتهجونه, أجبرونا على التعري أمامهن, وقد تم ترحيل شقيقتها إلى سوريا بحيث يعتبرها التنظيم غير جميلة.
تضيف “مرفين” على كلامها: الأمراء في التنظيم يدخلون علينا ويقومون باختيار الفتيات بأنفسهم، ويحق لأمير التنظيم اختيار أكثر من فتاة, كانت هي من بينهم، قادها إلى منزله بسيارة ذات اللون الفضي بشوارع مدينة الموصل التي لا تعرفها, وعند وصولهم إلى منزله قامت زوجته بصفعها على وجهها وإخبارها بأنها لا تستطيع سرقته منها, أجابتها “مرفين” أنا لست قادمة لخطف زوجك، أنتم من قمتم باختطافنا, 35 يوماً تمنت الموت ولا تلقاه حتى حان موعد الخلاص عن طريق بعض الأجهزة الأمنية والتنسيق السري. أجبر “أبو مصعب العراقي” على بيعها لعنصر من التنظيم والذي بدوره قام بإخراجها خارج مناطق داعش في العراق, توجهنا بسؤال للفتاة: من هو المسؤول عن عملية خطف الفتيات؟ لا أعرف عنه سوى أنه يطلق عليه “أبو جعفر حربي عبد الكريم”.
وقد أعلن الجيش العراقي مقتل مسؤول خطف الفتيات الإيزيديات من قرى الموصل وسنجار في العراق المدعو “حربي عبد الكريم” وذالك عن طريق صاروخ حراري استهدف سيارته قرب منطقة تلعفر.
وبعد كل صلاة جمعة في مناطق سيطرة التنظيم الممتدة من الرقة السورية وصولاً إلى الموصل العراقية يفتتح التنظيم سوقاً خاصة للسبايا التي كانت لدى عناصر داعش ويضع قائمة من الأسعار تبدأ ب 300 دولار وصولا إلى 8000 دولار، واستفادت بعض الأجهزة الأمنية من هذه الأسواق بحيث تقوم بشراء الفتيات بمبالغ مالية لتخرجهم من جحيم داعش, وقد أثبتت قوات سوريا الديمقراطية وهي القوى التي تحارب التنظيم في سوريا إحراز العديد من التقدمات بهذا المجال عبر شراء السبايا وإخراجهن من الرقة وغيرها من المناطق وبعدها يتم ترحيلهن إلى مناطقهن أو أوطانهن مما دفع التنظيم إلى منع بيع السبايا لغير عناصره لكي لا يتم إخراجهن من هذا الجحيم.
يعتبر التنظيم مدينة الرقة عاصمة لدولته المزعومة، ووجدنا فيها نسخاً عن جميع الوثائق التي تصدر عن التنظيم في كل من العراق وسوريا وحتى ليبيا، ومن خلال الوثائق فهمنا أن عناصر التنظيم تحصل على مبالغ مالية مصاريف على السبايا الذين يمتلكونها.
“أبو سعد السوداني” يستلم من بيت المال التابع للتنظيم في مدينة طرابلس الليبية مبلغ قدره 300 دينار لأنه يمتلك ثلاث سبايا، أي كل واحدة يقبض عليها 100 دينار. عثرنا على هذه الوثائق في مبنى الأحوال الشخصية في مدينة الرقة السورية.
وقد أصدروا العديد من القوانين على نساء مدينة الرقة، أولها ما يسمونه اللباس الشرعي، وهو عبارة عن قطعة قماش سوداء فوق العباءة ونقاب يغطي كامل الوجه، وعدم التجول دون “محرم” أي الزوج أو الابن أو الشقيق أو الأب فقط, يمنع سواقة السيارات من قبل النساء العوام, ووصل الحال إلى التحكم بالعمل ويجب على الفتاة أن لا تعمل سوى برفقة “محرمه” ومن أهم الأعمال التي يتم تقييدها بالنساء هي صالات الإنترنت التي تقسم إلى قسمين واحد للرجال وآخر للنساء، ويجب توفير أخوة اثنين للعمل بالمحل، ويجب أن يتعاملوا مع التنظيم بشكل مباش, أما في باصات النقل الداخلي أيضا تم قسمها إلى اثنين عن طريق وضع ستارة بمنتصف الباص، ويجب على السائق أن تعمل زوجته في قسم النساء, وأضافت فتاة من الرقة “هند العيسى” بأنه حتى علب السبغة التي تحمل صورة فتاة يتم طلاؤها باللون الأسود كي لا يظهر وجهها، ومنع التنظيم مالكو نات عرض الملابس بحجة أنها أصنام, وحتى محال الألبسة منعت من عرض الملابس النسائية على واجهات المحال بحجة أنها إغراء.
أما عن العقوبات التي تصدر من قبل جهاز الحسبة النسائية، روت لنا ابنة الرقة (نور المصطفى) عن بعضها، وهي المخالفة للباس الشرعي الذي فرض من قبل التنظيم، تسجن ويتم استدعاء زوجها أو أحد من أهلها لكي يدفع غرامة تتراوح من 8000 ليرة سورية إلى 20000 الف ليرة ويجلد زوجها أو شقيقه وحتى والدها 40 جلدة داخل سجون “الحسبة” أما إذا أظهرت عينها أو يديها يتم جلدها 15 جلدة داخل السجن ووضعها في قفص بشوارع المدينة لجعلها عبرة لغيرها وذلك على يد “الحسبة النسائية”.
حسام الخلف من أهالي مدينة الرقة، ويملك محلاً تجارية لبيع الأقمشة وسط مدينة الرقة، جلد أمام محله في شارع 23 شباط 50 جلدة وشمع المحل وخضع لدورة شرعية لدى التنظيم مدتها 15 يوماً، فقط لأن فتاة دخلت عليه لشراء الأقمشة ولم يكن مرافق لها محرم، وأجبره التنظيم على تسليم المحل لفتاة لكي تعمل به.
لا يمكن للمرأة الرقاوية الركوب بسيارات الأجرة أو المشي في شوارع مدينتهم وحتى الدخول إلى المحال بدون محرم لأنها سوف تسجن وتجلد.
الرجم قانون صادر عن تنظيم أبي بكر البغدادي، ويطبق على الزانية والزاني, ويتم أمام جمع من “راعية أمير المؤمنين” بعد شهادة أربع من عناصر التنظيم على أنهم رؤوا الفتاة تزني، ويضعونها في حفرة وتبدأ عملية الرجم بالحجارة. لا يمكن للفتاة أن تهرب لأن المكان محاط بعناصر التنظيم.
لم يتوقف الأمر فقط على النساء من البشر، بل حتى على صور علب “صبغة الشعر” وجميع المنتجات التي توجد في الأسواق وعليها صورة لفتاة يتم طليها باللون الأسود من قبل مالك المحل، لكي يتجنب مصادرة البضائع وتشميع المحل والقيام بدورة شرعية.
استبدل التنظيمُ عقودَ الزواج بعقود “نكاح شرعية” تصدر عن محاكم التنظيم وموحدة في جميع المناطق التي كان يسيطر عليها لعناصره وسكان المناطق، ومن لا يتزوج عن طريق هذه العقود فهو زانٍ حتى إذا كان أمام مرأى الأهالي والأهل فيعتبره التنظيم زانياً.
أحد عقود “النكاح” تم على الشكل التالي بين أبي منصور التونسي و مريم النيجيرية، واختارت أبا إسلام ليكون ولياً لأمرها خلال مراسم الزواج، والشهود عليه هم “أبو عبير السوداني” و”أبو سعد المالي” وذلك بمهر قدره “حزام ناسف” لتصبح بذلك مشروع انتحارية, ويوجد في مخيم عين عيسى شمال مدينة الرقة قسماً خاصاً بنساء التنظيم من مختلف الجنسيات.