حقي رشيد
داعشُ والنصرة، الاسمان اللذان حملا للشعبين العراقي والسوري الكثيرَ من الآهات والأحزان، وذلك من خلال عمليات الخطف والابتزاز التي قاموا بها خلال مراحل التشكّل والقوة والنزاع والاحتضار التي مرّ بهما هذان التنظيمان.
لكن مهما اختلفَ هذان التنظيمان في التشكّل والتحوّل من طورٍ إلى آخر، فهما يتوحّدان في الإجرام والتطرّف والسوداوية.
يُعتبر أبو مصعب الزرقاوي المؤسّس لتنظيم داعش، الذي يعتبر الابن البكر لجماعة التوحيد والجهاد, التي تشكلت عام 2003 لمواجهة القوات الأمريكية التي تدخلت في العراق لإسقاط نظام الطاغية صدام حسين.
مع تسارع الأحداث إبان التواجد الأمريكي في العراق، فقد استغلّ أبو مصعب الزرقاوي إحساسَ العشائر السنية بفقدهم لعرشهم الذي كان يبسط سيطرته على كامل العراق، ومع تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة ومع تقدم المذهب الشيعي تجاه أراضي السنة فقد شكل هذا بوابة سهلة الدخول لجماعة الجهاد والتوحيد ليستغلوا المذهب السني تحت راية الجهاد.
فبحلول عام 2006 تم تأسيس مجلس شورى المجاهدين تحتَ راية ( الزرقاوي). والهدف الرئيسي منه هو توحيد كافة الفصائل السنية في العراق ( الحاملة للسلاح ) إلا إن مقتله على يد القوات الأمريكية حوّل قيادة التنظيم إلى أبي عمر البغدادي، الذي بدوره حوّل الاسمَ من مجلس شورى المجاهدين إلى دولة العراق الإسلامية .
وفيما يخصّ سياسةَ البغدادي، فقد كان أكثرَ دموية من سلفه حيث قام بالقصاص من كافة العشائر السنية التي لم تعطه الولاء؛ وعلاوة على ذلك فقد كان هذا التنظيم الهجين شديد الانتقام من كل من ينتسب للجيش والشرطة العراقية وقوات البيشمركة وكافة الفصائل المسلحة التي لا تبايعه أو حتى لا تعترف به.
ومما زاد من بشاعة هذا التنظيم هو استهدافه لكافة مكونات الشعب العراقي من الكرد والعرب والإيزيدين والمسيحيين وغيرهم من مكونات الشعب العراقي, وذلك من خلال العمليات الانتحارية وعمليات التصفية للسياسيين ورجال الدين.
في العام 2010 تولى أبو بكر البغدادي مكان أبو عمر البغدادي, بعد مقتل الأخير على يد الولايات المتحدة الأمريكية, حيث لم يوفر الزعيم الجديد جهداً في ممارسة جميع أنواع الأعمال الإرهابية من سلبٍ ونهب وقتل وتشريد .
في غضون ذلك، ومع حصول ثورات الربيع العربي في المنطقة وحلوله في سوريا الذي تحول فيما بعد من ثورة إلى أزمة ومن بعدها إلى حرب أهلية, قام أحد عناصر الدولة الإسلامية في العراق بالانشقاق عن أبي بكر البغدادي، وهذا العنصر كان معروفاً باسم أبو محمد الجولاني ( سوري الجنسية) مع مجموعة من السوريين. حيث قاموا بتأسيس تنظيم يدعى جبهة النصرة تحت زعامة أبو محمد الجولاني. وقد أعلنت الجماعة المذكورة ( جبهة النصرة ) انطلاقَ أعمالها داخل الأراضي السورية ضد قوات النظام وذلك بسبب ممارساته المسيئة للشعب السوري وبسبب استبداده و…..( حسب زعم التنظيم ). وقد تمكن أبو محمد الجولاني من تحقيق انتصارات عسكرية على الأرض وتزايد أعداد المناصرين له وازداد نفوذه كثيرا.
يعتبر أبو محمد الجولاني صلةَ الوصل بين تنظيم داعش الإرهابي في العراق وجبهة النصرة الإرهابية في سوريا، بكون الجولاني أحد تلامذة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق سابقاً فقد شجع هذا البغدادي على إعلان الدولة الإسلامية في العراق والشام من طرف واحد وذلك لاستمالة عناصر جبهة النصرة وزعيمهم لطرف التنظيم. وقد دعا البغدادي الجولاني وأتباعه إلى مبايعته ( الدولة الإسلامية في العراق والشام ) ونتيجة لهذا الإعلان فقد انفصلت مجموعة من جبهة النصرة لتنضم إلى صفوف التنظيم. مما أعطى داعش زخماً متزايداً ليس فقط في العراق بل في سوريا أيضا.
أكملَ داعشُ مسيرته الدموية التي بدأها بالعراق ليستمر بها في سوريا، فقد بدأ بالسيطرة على مناطق في الشمال السوري ودخل في قتال عنيف مع جبهة النصرة خصوصاً بعد اغتياله لأبي خالد السوري في شباط 2014, الذي كان موكلاً من قبل أيمن الظواهري ( زعيم تنظيم القاعدة ) لفكّ الخلاف بين الطرفين.
بعد عملية الاغتيال هذه اشتدّ الصراع بين داعش من طرف وجبهة النصرة وبقية الفصائل المسلحة من طرف آخر، فقد قام داعش بالعديد من عمليات الاغتيال بحق العديد من قادة الفصائل المسلحة الفاعلة على الأراضي السورية. كذلك قام داعش بالإعدامات الميدانية لرجال الدين المسيحيين وخطف المدنيين من الكرد وخاصة الطلاب منهم بغية ابتزاز ذويهم للحصول على مبالغ مالية، أو حتى اللجوء إلى قتل الكرد على الهوية وذلك بغية ترويعهم وإجبارهم على الهجرة وهذا كان واضحاً في مناطق الشهباء وكوباني والرقة ومناطق ريف الحسكة ( في منطقة تل حميس خاصة ). مما سبق نجد بأن ممارساتِ تنظيم داعش في سوريا كانت نسخة طبق الأصل عن ممارساتها في العراق .
أمّا جبهةُ النصرة وممارساتها على الأراضي السورية عامة وعلى المنطقة الكردية خاصة، فقد كان الابن ( جبهة النصرة ) مثالاً حياً عن أبيه ( داعش )؛ فقد لجأت النصرة إلى القتل والسلب والنهب والاعتداء على الممتلكات العامة منها والخاصة.
أمّا تجاوزاتُ هذا الفصيل الإرهابي بحقّ الكرد، فقد كان الهجوم الغوغائي على المدن والنواحي والقرى ذات الغالبية الكردية وذلك بغية تعذيب وقتل وتشريد المدنيين من الكرد وممن يسكن مناطقهم. والغاية الأساسية من ذلك الهجوم كان التغيير الديموغرافي للمنطقة بأسرها، وهذا كان واضحاً جداً من خلال هجوم النصرة والعديد من الفصائل الإسلامية على المدن الكردية في الشمال السوري كمدينة سري كانيه ( رأس العين ) وغيرها من المدن الكردية.
ختاماً يمكن الملاحظة بأنّ السمةَ المشتركة بين داعش والنصرة هو استخدام الدّين كستار لجميع الأعمال الإرهابية التي قاموا بها, حيث إن لهم دور كبير في زيادة الهوة بين جميع مكونات المجتمع السوري منها والعراقي، وذلك من خلال بثّ الأفكار السوداوية التي ألصقوها بالإسلام، والإسلام منها براء.