كلمة العدد 39
لقد أدّى الفراغ الفكري والأيديولوجيّ بعد سقوط المعقل الكبير للقوميّة العربيّة والإسلاميّة عبر العروبة والإسلاميّة التي كان صدّام حسين ينتهجهما كمبدأ لقيادة الدفّة العربيّة كآخر حصن مدافع عن القومويّة، عبر كلمات الله أكبر وألوان العروبة على علمه، إلى تهيئة المناخ الملائم لظهور داعش في العراق، وكذلك الفراغ الإنسانيّ الذي افتقر إليه الجيش الحرّ في سوريا إلى تهيئة المناخ والجوّ المناسب لظهور تنظيم الدولة الإسلاميّة في العراق والشام.
فقد تحالف الإسلاميّ الأصوليّ مع القوميّ المتطرّف والسلطة والشهوة والدول المصدّرة للثورات والإسلام السياسيّ معاً في مؤسّسة الاحتكار، وإن تضاربت ألوان تلك الدول وتوجّهاتها، لكنّها اتّحدت من حيث المبدأ في ملف السلطة والنهب.
وقد كانت انتصارات داعش المتلاحقة، والسقوط السهل للمدن الكبيرة كما أسلفنا والضيع والحكومات والدول والحدود أمام هذا التنظيم الوليد عبارة عن دعاية عظيمة له، ليرسّخ كيانه، وتنظيمه الإداري والقضائي البعيد كلّ البعد عن روح العصر، ليعيد لنا الصورة الماضويّة التي ظلّ أولئك الماضويون يتأملونها حلمًا وتحقّق، وكأنّ العصر الذهبيّ يعود مرّة أخرى، لكن هذه المرة بطريقة أكثر وحشيّة.
وقد كان هناك مستفيدون كثر من هذه النشأة المشبوهة لداعش عبر سلالة القاعدة، لكنّ الخطأ الأكبر الذي وقع فيه هذا التنظيم هو توجيه دفّة الحرب نحو الكرد بعد السقوط المسرحيّ لأكبر مديتنتين في العراق والشام (الموصل والرقّة)، وكأنّما الموصل هي مكّة والرقّة هي المدينة المنوّرة، وكأنّ الفتح الإسلاميّ يجب أن يتّجه نحو الشمال عبر شنكال وكوباني.
وبعد هزيمة كوباني، بدأ داعش بالتقهقر، بعد أن طرح شعار (باقية وتتمدّد)، وحل محلّه شعار (زائلة وتتقلّص)، حتّى وصلت إلى مرحلة خسرت فيها 95% من الأراضي التي استولت عليها بعد سنتين من هزيمة كوباني.
وبات النقاش حول (تأثير ظهور داعش على المناطق التي سيطر عليها، وما العلاقة بين داعش والإسلام؟ والفرق بين الذهنيّة الذكوريّة الداعشيّة والذهنيّة الأنثويّة الكرديّة، وماذا بعد داعش دينيّا سياسيّا اجتماعيا ثقافيا؟ والآثار النفسية والفكرية على المجتمع الذي رزح تحت سيطرة داعش، وطرق التعامل على المجتمع ما بعد داعش، وهل يمكن أن نحكم على مجتمع بأسره؟ والتطرّف والتعصّب والدمويّة ما بعد داعش، والصراع ما بين الفكر التعصّبي الحربيّ وبين الفكر السلميّ، والحشد الشعبيّ وداعش والنصرة والتشابه والاختلاف والنشأة المشوّهة لكلّ منها وتأثيرها المشابه على المنطقة….)
وأسئلة ومحاور عدّة سنتناولها في هذا العدد التاسع والثلاثين، عبر مناقشة تنظيمُ داعش الفكري، المالي، القضائي، والإداري وقوّته العسكريّة، مشاهيره، ومراحله، وأيضًا الأسباب الكامنة خلف ظهوره، وداعش والنصرة، وأسبابُ ظهور تنظيم داعش، وأهدافه، وتوجّهه الفكري والعقائدي، وبالطبع القسم الأهمّ في الموضوع هو مناقشة الذكوريّة الداعشيّة وطمس كلّ ما يمتّ بصلة إلى فكر الأنوثة الذي قضى على هذه الذهنيّة السلطويّة الغاشمة العمياء.
مواضيع عدّة يتناولها هذا الملف عن داعش، وهناك مواضيع أخرى خارج إطار هذا الملف.