افتتاحية العدد 34: الفيدرالية في سوريا
هيئة التحرير
عبر بوّابة الشرق الأوسط والمدخل السوريّ، وأزمات الدولة القوميّة التي أصيبت بفشل ذريع ابتداءً بالعراق وانتهاءً بسوريا، ومشروع الشرق الأوسط الجديد، وربيع الشعوب الذي اختصر في جملة الربيع العربيّ، ووأد هذا الربيع، نجد أنّ الأزمة السوريّة صارت الساحة لفرض الأيديولوجيّة الغربيّة ذاتها، واختبار الأيديولوجيات القومويّة والدينويّة في الشرق الأوسط، من خلال افتتاح الصراع ما بين القومويّة والإسلامويّة والإرهاب والثورة والثورة المضادّة، ومن خلال أطروحات الفوضى وقلب الأوراق الذي يتصاعد يوماً بعد يوم، حتّى أضحت سوريا ساحة التقاء السيناريوهات، وانتقالها من مرحلة إلى مرحلة أخرى.
وقد أمسى الشرق الأوسط الخليةَ النواة لجميع التغييرات الأيديولوجيّة في العالم، ويبدو جليّاً أنّ هذا النظام العالميّ لم يستطع بسط أيديولوجيته في منطقة الشرق الأوسط. فالحقيقة البادية للعيان، عبر هذه السنوات الخمس التي صعّدت من وتيرة الأزمة في الشرق الأوسط هي حقيقة الحرب فحسب، وعلى وجه الخصوص سوريا التي أضحت المرتعَ الرئيس والساحة الرئيس للتغيير في الشرق الأوسط، ففي كل شهر بل في كلّ يوم يتأزّم الموقف أكثر فأكثر، وما هذه المعاهدات والاتفاقيات الدوليّة كمؤتمرات جنيف أو إسطنبول أو لوزان الجديدة، أو الاتفاقيات الروسيّة التركية… حتى يمكن القول: صعود ترامب إلى سدّة الحكم في أميركا ليتناسب مع حالة الفوضى في الشرق الأوسط، إ مساراً نحو انسداد الأفق أمام الحلول الدولتيّة غير المجدية، وأصبح اللاحلّ هو الحلّ الوحيد.
لقد ازدادت الأزمة بعد الاحتلال التركيّ لسوريا عبر بوّابة جرابلس، وتأزّم الموقف أكثر، ونحا نحو العقم والفوضى، وازدادت وتيرة الحرب، وباتت سوريا والمنطقة تشهد حرباً عالميّة ثالثة؛ حرباً لها خاصّيّة تختلف عن سابقتها من الحربين العالميتين الأولى والثانيّة على الصُعد عامّة، إنّها الحرب الأكثر فوضويّة وعشوائيّة ولاإنسانيّة على مرّ التاريخ. فالقول السائد: إنّ العصور الوسطى من أكثر العصور ظلمة في التاريخ، ما هو إ محض افتراء، وتزوير قدّمه التنويريون على أنّ هذا العصر الحديث هو عصر الخلاص الأزليّ، ونهاية التاريخ كما صوّره فوكوياما في كتابه؛) نهاية التاريخ (. وعبر وتيرة اللاحلّ والفوضى من خلال التيارات المتصارعة؛ فمعظمها يسعى نحو الدولة القوميّة أو دولة الأمة بطريقة أو أخرى. ومن ضمن كلّ هذه التيارات عقيمة الحلّ باتت الأنظار كلّها تتّجه جدّيّاً إلى الكرد في سوريا حيث يطرحون الحلّ الديمقراطيّ الاجتماعيّ عبر أطروحة الفيدراليّة الديمقراطيّة،) مشروع فيدراليّة روج آفا – الشمال السوريّ (فبات من الضروري التمعّن في هذا المشروع، وبات التعمّق في الفيدراليّة والبحث في هذا المشروع ضروريّاً؛ لمعرفة مدى مقدرة هذا المشروع على أن يكون بوّابة الوصول إلى الاتفاق الاجتماعي، ولماذا هي الحلّ الديمقراطيّ الوحيد كما يطرح مؤيّدو هذا المشروع؟ وكيف ستستطيع إقناع القوى المتصارعة في سوريا على أنها باب النجاة؟ وهل هذه الفيدراليّة تقسيم كما يدّعي البعض؟ أهي حلّ وحيد أم هي حلّ من ضمن الحلول المقترحة؟ كلّ هذا سنطرحه في هذا العدد الخاصّ من مجلّتنا بأطروحة “الفيدراليّة في سوريا”.