عبدالله اوجلانكتاب الموقع

الأخوة والسلام وتجاوز الشوفينية القومية والدينية جوهر المسلمين وأحفاد العمّوريين

عبد الله أوجلان

عبد الله أوجلان

عبدالله أوجلان
عبدالله أوجلان

إنّ منطقة السومريين هي منطقة تقاطع لمنطقتين أساسيتين تلعبان دوراً كبيراً في التاريخ، ومن الواضح أنّ مملكة السومريين التي كانت تقع في أخصب منطقة ما بين الصحراء العربية وسلسلة جبال طوروس ـ زاغروس ستتعرض للاعتداءات والغزوات الدائمة كلما تطورت حضارتها، إذ كانت الحضارة السومرية تفتح الشهية وتبهر العيون بغناها كالإمبراطورية الإغريقية والرومانية، والأكثر من ذلك كانت تتّبع سياسة توسعية دائماً.

وقد لعبت موجات القبائل السامية دوراً مهمّة في مراحل كبرى، وإن إسهاماتها في تشكّل حضارتَي مصر وسومر واضحة جداً، وغالباً ما كان مرتبطاً بالقيادات النبوية، ويشكل العموريون الذين خرجوا ضد السومريين في الشرق والكنعانيون والعبريون الذين قاوموا مصر أحياناً وشنّوا هجوماً عليها أحياناً أخرى في الغرب، المرحلة الثانية، أمّا المرحلة الأخيرة؛ فهي مرحلة انتشار العرب الساميين في العصر الإسلامي الإقطاعي، ومازال العرب يواصلون انتشارهم.

لقد بدأ التصلب الحقيقي باستيلاء العموريين ذوي الأصول السامية على المدن السومرية، حيث جلب المسار الأكادي البابلي الآشوري معه التوحيد في المفهوم الديني والإلهي مع تحقيقه القوة الاقتصادية والسياسية على قاعدة من العنف المتطرف، أي جلب مفهوم الإله الحاكم الذي يعاقب، واقتضت التجارة التي ازدادت أهميتها، إيجاد قوانين قاسية، كما أنّ لاتحاد القبائل إسهاماً مهمّاً في هذا التطور، إذ أنّ الاعتقاد بالإله (إيل) الذي يعتبر الإله المشترك للقبائل ذات الأصول السامية يظهر تطوراً يبتدئ مع النبي إبراهيم وينتهي مع النبي محمد الذي وصل إلى مصطلح “الله” القوي المتّصف بـ 99 صفة، حقاً إنّ الله هو انعكاس فكري لمركزية القبائل التي استمرت عشرة آلاف عام على الأقل في شبه الجزيرة العربية التي مرّ فيها هذا المصطلح بالعديد من المراحل حتى تحول إلى رمز قوي للقبائل السامية بشكل عام، ووصل إلى الذروة مع النبي محمد، حيث أخذ شكله النهائي باعتباره هوية إيديولوجية لمجتمع التجار، وهو إله يتميز بجانب قومي يعد أعلى انعكاس إيديولوجي للقوة الاجتماعية للساميين والعرب.

وعندما أنشأ السومريون والمصريون المراكز الحضارية كانت القبائل ذات الجذور السامية والتي يقال لها؛ العموريون عند السومريين والعبرانيين، والعموريتAmorit ، وقبائل الصحراء الغربية و Abiru القبائل المغبرة الشرقية عند المصريين  تنتقل بين المركزين بشكل مستمر، وكانوا ينضمون إلى النظام كقوة عمل متجددة، أو أحياناً يقومون بغزوات وبأعمال السلب والسرقة، يبدأ هذا المسار مع نشوء الحضارة منذ 3000 ق.م، حيث تظهر باعتبارها مصدراً للتناقضات التاريخية الهامة. في شمال شبه الجزيرة العربية، إذْ لم تكن تمتلك قدرة المنافسة مع النظام، ولكنها كانت تمتلك إمكانيات الدفاع الجيد في عمق الصحراء، إذ كانت مؤسسة شيوخ القبائل التي تمثل زعامة القبيلة، قد تجاوزت دور الساحر والشامان.

وفي هذا السياق تَعدّ أورفا وما حولها التي تتشرف بأنها مدينة الأنبياء المنطقةَ التي انتشرت فيها المستوطنات السومرية حوالي عام2000 ق.م، وفي الوقت ذاته تعدّ المنطقة التي تشكل مصدراً للتاريخ لوقوف ثقافتين تاريخيتين في تلك المرحلة وجهاً لوجه والاشتباك فيما بينهما، وهما مجموعة العموريين الرعاة المتنقلين ذَوِي الأصول السامية المتدفقين بشكل مستمر من الصحراء العربية نحو الشمال وباتجاه ميزوبوتاميا، وبين الهوريين Hurri الزراعيين الشماليين ذوي الأصول الآرية، وأكثر من ذلك فهي شهدت انشغال هؤلاء بالتجارة في المستوطنات السومرية.

 

حملة سيدنا محمد العظيمة

 

إنّ تحليل مصطلح “الله” الذي قام به سيدنا محمد كان أكبر حملة تاريخية عظيمة باسمه، حيث أنّ هذه المشكلة كانت بمثابة القفل، ورغم أن تحديد الأرضية المادية يتمتع بأهمية كبيرة إلّا أن الأصعب في ذلك هو تحليل المصطلح الإيديولوجي الأساسي أي “الله “، ولا توجد قيمة علمية كبيرة لمحاولات تعريف الله من قبل التيارات اللاهوتية والفلسفية، ولم يتم إجراء التحليل الاجتماعي للمصطلح بعد.

إن ” أل” = الروح هو إله تعود جذوره إلى السامية، وهو مصطلح الإله، رغم المعطيات المحدودة الموجودة بين أيدينا، وأعتقد أنه تصورٌ بمعنى “إله السماء العالي” وقد طورته القبائل بعد مرحلة الدين الطوطمي وتحت تأثير الحضارة على الأغلب، ويلفظ ذلك في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية بشكل مختلف وبلهجات مختلفة، ويمكن أن يكون قد تمّ تحويله إلى مصطلح كهوية إيديولوجية أساسية بشكل يوازي “القبيلة = الشيخ” و “الطبيعة = أل”، وإنّ التفكير به كمالك شامل للنظام الطبيعي يتزامن مع تطور القبائل، وكما هو الشيخ صاحب القبيلة فإنّ صاحب الطبيعة هو أل “الله”. إنّ الشيخ هو في موقع الزعيم السياسي والمعنوي للقبيلة في الوقت نفسه، إذْ تكمن قوة القبيلة وتعاظمها في مسؤوليات وقوة الشيخ، إنه شكل بدائي من الملكية، والتفكير الناجم عن هذا الوضع لدى الشيخ أسفر عن تنصيب نفسه على رأس القبيلة، أي أنّه صاحبها، وهكذا يكون الله فوق الطبيعة كلها وصاحبها، وقد تطوّرَ كلا المفهومين وأُوليا بالأهمية، وبذلك فقد تم وضع “أل” مقابل ” العالي”، وفي المرحلة التي تحررت فيها القبيلة من الخنوع والارتباط الكلي بشروط الطبيعة، وحصلت على مقومات العيش الحر والآمن، ومع حدوث التمايز تشكلت العلاقات الفوقية والتحتية، ومثلما لعب الصاحب العالي دور المهيمن  فإنّه في نفس المرحلة ضعفت العقائد الطوطمية، وبتشابه مماثل حدث الانفصال في الطبيعة إلى أرض وسماء، مع تصورهم أن “أل” هو حاكم السموات والأرض “كما يحكم شيخ القبيلة قبيلته ورعاياه”، وبذلك تم وضع مصطلح الإله. فمصطلح الله يعبر عن الملكية إلى جانب السمو، وهذه صفة مهمة كمالك وحاكم، إن المالك والملك مشتقة من مصدر “الملك”، وتتفاعل علاقة الملكية في جميع اللغات السامية وتكتسب معنًى عند القبيلة يصل فيها إلى الملك، وتتقي الملكية والسمو في القبيلة مقابلها على شكل حاكم السموات والأرض أي الله، في علاقة الأرض والطبيعة والسماء.

 

قوة الدفاع الطبيعية للصحراء

إنّ وجود تلك المدن بجوار الإمبراطوريات الثلاثة يعدّ ميّزة بارزة  لها. ولم تتمكن أيّة إمبراطورية ضمّ المدن المذكورة إلى حدودها بشكل كامل، وكأنّ الصحراء كانت تلعب دور بحر من الدفاع الطبيعي. ولم تستطع أيّة قوة مقاومةَ القبائل العربية التي كانت تمتلك الحديد وقوة السيف والخيول، التي تلعب دوراً إستراتيجياً هنا، ونضجت الظروف الأساسية لمرحلة تاريخية إستراتيجية عند توحّد الدور الذي تلعبُه الجمال (سفن الصحراء) في التجارة مع السيف والخيول التي توحدت مع قوة الدفاع الطبيعية للصحراء. ولم تتخلص جيوش الإمبراطوريات الثلاثة من تكبّد الخسائر والانسحاب رغم قيامها بعدة حملات على مكة، إذ ليس هناك ما تقوم به الجيوش النظامية في هذه الظروف، فقصة تشتّت الجيش الحبشي من خلال الحجارة التي أمطرتها طيور الأبابيل “آية في القرآن” هي الشرح الديني لمحاربة الفُرَق القبلية بواسطة السيف والخيول، وفي الوقت الذي أدّت فيه التجارة بين الإمبراطوريات الثلاثة إلى غنى غير طبيعي وظهرت قوة الخيول والسيف، وحرب الكريلا حسب ظروف الصحراء جلبت معها إمكانيات نجاح كبيرة، ولكن يصعب الاعتماد على حرب الكريلا الصحراوية في كل مرحلة تاريخية، وكلّ حرب بما فيها تلك التي قامت ضد الأنظمة في الصحراء الغربية والمغرب والجزائر والسودان، وهناك قيام كريلا مشابه لكريلا الصحراء من صحاري منغوليا وتركمانستان، أدّت إلى أقوى حملات توسع في التاريخ. وكذلك كانت طرق الكر والفر عند الآريين تعتمد على أنظمة جبال زاغروس ـ طوروس، بينما اعتمد الألمان والسلاف على غابات وسهوب الشمال ضد المراكز الحضارية في ظروف مشابهة، وبنفس المنطق. ومن المعروف أيضاً أنه قد تشكلت ظروف مشابهة في المراكز الحضارية التي تطوّرت في وديان النيل ودجلة والفرات ابتداءً من الألفية الثالثة قبل الميلاد في شبه الجزيرة العربية. لقد أدى وجود القرى ذات الإنتاج الغزير في العصر النيوليتي، والظروف التجارية التي ظهرت مبكراً بين مراكز مدن النيل والفرات ودجلة إلى تحول للقبائل السامية، وهذا ما جعلها قوة دفاعية وهجومية في آن معاً، وكانت تقوم بالنهب بشكل متتابع، وتعيش حياة مستقرة عندما تحصل على القوة، وتهرب إلى أعماق الصحراء عندما لا تتمكن من امتلاك القوة.

 

الهوية الايديولوجية للإسلام

إنّ وصف النبي محمد كشخصية ثورية تليق بالعصور هي مسألة لا تقبل النقاش، وعند مقارنته بالأنبياء الثلاثة الهامين إبراهيم، موسى، عيسى. نرى أنّه استطاع عرض منطقه وإرادته بشكل أقوى وطبّقهما ونظمهما على أرض الواقع، وهو الشخصية التي استطاعت تنظيم مسارها بشكل ناجح وتحوّلت بجهودها الكبيرة إلى وضع القوة الحاكمة في الجزيرة العربية وهي على قيد الحياة، وعلى هذا الصعيد يمكن مقارنته بشخصيات نادرة في التاريخ مثل الاسكندر ولينين، وعند مقارنتنا للمفهوم التاريخي والاجتماعي سنرى النبيّ محمّداً علمياً ليس بطريقة الدوغمائية الدينية، وإنّما كمعلم إيديولوجي ورجل سياسة وعملياتي ولا حاجة للنظر إلى النبي محمّد وتقييمه من خلال إكسائه درعاً من القدسية، لأنّ العلم سيعطيه حقه لأنه من الشخصيات التي تأتي في المقدمة تاريخياً، فالتطور العقائدي للإسلام لم يسمُ بمحمد كما يعتقد، بل تم إظهاره بهوية شخص منهمك بالعقيدة الدينية وهو لا يستحق ذلك.

وفي الوقت الذي نعرّف هذا التطور التاريخي الكبير بهذا الشكل، فإنّ رؤية خصائص ومساهمة النبي محمد عن كثب ينطوي على أهمية كبيرة. كما تشير المصادر فإنّ الظروف التي ولد ونشأ فيها النبي محمد هي ظروف مثلث مكة والمدينة والطائف والتي تعتبر المناطق الداخلية لشبه الجزيرة العربية الموجودة في نقطة تقاطع الإمبراطوريات الثلاث التي تشكل القوى الأساسية لذلك العصر، وهي الإمبراطوريات البيزنطية والساسانية والحبشية، فقد تمّ إنشاء هذه المدن اعتماداً على التجارة التي شهدت تطوراً كبيراً بين الإمبراطوريات الثلاث، فالتمدّن يعني التطوّرَ والغِنى والازدهار بالنسبة للنظام القبلي الصحرواي، فالتمدن في اللغة العربية يعني التحوّل إلى المدينة ويعني التحضّر، واسم المدينة مأخوذ من هذا الفعل، وهذه المدن التي بناها العرب الأثرياء الساميّون على الطرق التجارية مكّنتهم من التحضر.

إنّ هذا التقييم القصير يُظهر علاقة الإسلام بمفهوم التجارة من ناحية الهوية الإيديولوجية والتمأسس العسكري والسياسي أيضاً، فظهور الإسلام وصعوده يمثل قوّةً وهيبةَ للتاجر وذكاءه والتزامه بالقواعد، وتعتبر أوّلَ عملية للأسرة التجارية التي تخلق قوة ضاربة كبيرة، ودولةً وحضارةً جديدتين بهوية إيديولوجية مستقلة، وهي انفجار كالبركان لتراكم تجاري تحقق عبر آلاف السنين في شبه الجزيرة العربية، وأدّى إلى التأثير على جميع أنحاء العالم بعد التجربة الملكية للقبائل العبرية في القدس، وذلك  يمثل حملة دينية وعسكرية وسياسية واقتصادية كبيرة مستندة إلى تجارة القبائل العربية لتحوِّلها إلى دولة أساسية وقوة حضارية، وتظهر سنة محمد وعدة آيات قرآنية المديح للتجارة وتقديسها كقيمة إلهية، بينما نرى أنّ الغذاء النباتي والفواكهة والحيوانات الأليفة كانت مقدسة في العصر النيوليتي وفي المجتمع السومري الذي كان يعتمد على الزراعة، والمصري الذي كان يعتمد على العبودية، فكلمة مقدس “كاووتا” بالسومرية تعني الغذاء، وإن طبقة التجار هي القوة الاجتماعية الكبيرة الثانية التي اعتمدت عليها الحضارة بعد الطبقة الزراعية القروية، وانتشرت العبودية بين تلك الطبقتين، ويأتي الحرفيون المرتبطون بالتجارة بعد التجار على الأغلب، ويطلق على هذه الطبقة اسم طبقة التجار المرابين في الشرق الأوسط، وهؤلاء روّاد تطور الفائدة والربا، كمؤسّسةٍ تتصدّر التجارةُ الدورَ الأوّلَ في تطوّرِ النقد والعمليات الحسابية والرياضيات، ويظهر التفكير المجرّد وتحميل الكلمات معانيَ مختلفة تطوراً يعبّر عن انعكاسٍ لتغيير الحياة الاقتصادية والتجارة.

يمكننا القول: إنّه كما كانت الحضارة المصرية والسومرية مدينتين لهبة النيل ودجلة والفرات، فإنّ الإسلام كان هبة التجارة التي كان مركزها مكة في شبه الجزيرة العربية. والإرث العبري هو ثمار تجارة تطوّرت بين المراكز الحضارية في الأساس، وعندما نأخذ بعين الاعتبار الهيمنة اليهودية على التجارة والتمويل العالمي يمكننا فهمُ دورِ التجارة العظيم في التطور الحضاري بشكل أفضل.

 

العثمانيون حراس القبور

إذا قيّمنا المرحلة الواقعة بين القرن العاشر والخامس عشر نراها مرحلة الرعشة الكبيرة والأخيرة، حيث تم صب الأسمنت على القيم الثقافية التي يزيد عمرها عن 15000 سنة، بعد القرن الخامس عشر، وقام المغول بدفن ما تبقى بسرعة وبعنف، ولم يقم العثمانيون بأيّ دور سوى دور “حراس القبر”، أمّا السلطان محمد الفاتح فقد أدى الدعاء على المقابر فقط بعد عدة رعشات، وما تبقى يشبه قيام العرب البدو بإهمال آثار الحضارة المصرية، أو كان يتم الرقص بغباء مثل الرقصات الإفريقية البدائية، إنّ نظام القصر العثماني كان مثل سكون القبر، وذلك واضح إلى درجة كان يتم قتل الأطفال فيه من أجل سلامة السلطة، ولا يمكن أن يكون لذلك علاقة بالإسلام، فقد كان مفهوم أهل البيت هو المحافظة على حب كل أفراد العائلة إلى درجة التقديس، وكانت الأنماط المتردية التي استلمت الحكم، تعتمد على تطوير الموت وليس الحياة على هذا الشكل دائماً، فكان نيرون الروماني رمزاً لسلطان الموت الذي تم تنفيذه على عيسى عند ظهور المسيحية، وتم الالتزام بذلك عند البيزنطيين بظلام دامس، وقام العثمانيون المتبرجين بالإسلام مظهراً بلعب آخر المشهد الثالث والأخير من مسرحية الموت، إن كل أنواع موسيقى وشعر القصر العثماني كانت تعبر عن ازدواجية غير مشروعة للبكاء واللذة الرخيصة، وما أريد أن أقوله: أنه في الوقت الذي كانت تبكى فيه القيم الحضارية الكبيرة المفقودة، كانت الحياة السفيهة تمارس فوق قبورها الرقصة البدائية على الأموات، إن القهر الذي لا يحتمل للحياة في الشرق الأوسط، ليس نابعاً عن حرارته أو بطالة العمل أو التناقضات التي لا معنى لها، أو الجهل، بل ينبع من انتقام الماضي الذي تعرض للخيانة والذي لا يعفو.

 

 

تشتت العبريون

وبالنسبة لليهود فقد جرّوا على أنفسهم أكبر الكوارث، ففي الوقت الذي كانوا يحضرون فيه لانهيار روما بفتحهم الطريق أمام عيسى، تشتتوا في كافة أنحاء الأرض، وفي الوقت الذي كانوا يسعون فيه لتعليم العالم في كل مكان كانوا يعرضون أنفسهم للمجازر بسبب شوفينية الشعب المتفوق، وبينما كانوا يلعبون دوراً ثقافياً أساسياً أثناء ولادة الإسلام ومحمد في الجزيرة العربية، تلقوا الضربة القاسية من الإسلام ذاته، وبينما كانوا من القوى الخلاقة في العصور الوسطى؛ أوقعوا أنفسهم في موقع تعرضوا فيه لكل أنواع المجازر، وبينما كانوا يأخذون مواقعهم على رأس القوى الطبقية والمثقفة التي لعبت دوراً أساسياً في فكر وقوة رأس المال الأساسي الذي وضع الأسس لعصر الرأسمالية لم يستطيعوا أن ينقذوا أنفسهم من المجازر والضربات التي تلقوها من الرأسمالية ومن الماركسية فيما بعد، هؤلاء هم العبريون أصل القوة والقومية والثقافة.

تجديد دين النبي إبراهيم

لقد ظهر العرب كآخر جيل للقبائل الصحراوية على ساحة التاريخ بعد أن قاموا بانفجار كبير مع قيام النبي محمد بتجديد دين النبي إبراهيم، ويشكل الإسلام والله والقومية العربية هوية ونسيجاً إيديولوجياً مترابطاً بإحكام، وفي الواقع وكما يتضح من الناحيتين العرقية والدينية، فإنهم أقرباء لليهود، ويأتي ازدياد التناقض فيما بينهم من التمايز الطبقي. وتقدم الصراع خطوة إلى الأمام بين اليهود الذين أصبحوا أثرياء من التجارة، والعرب الذين يعبّرون عن آخر اتحاد للقبائل الصحراوية مع ظهور الإسلام. في الحقيقة لقد بدأت هذه المرحلة مع النبيّ إبراهيم الذي قام بإنطلاقات ضد ملوك المدن السومرية الأغنى من العبريين، كما وجه موسى نفس القبائل العبرية الفقيرة ضد الملكية المصرية. ويتواصل هذا النوع من الصراعات في إسرائيل الحالية، ولم يكن هذا الصراع أقل من صراع الهلينيين مع الرومانيين، والبابليين مع الآشوريين. إذ تعود الخبرة اليهودية الكبيرة في التاريخ إلى الدروس التي تلقوها من هذا الصراع وقوة التجارة. لقد تعرض اليهود إلى أكبر تهجير من قبل الرومانيين بعد الذي تعرضوا له على يد البابليين، وانتشروا في جميع أنحاء العالم بعد عام 70 م.

إنّ امتلاك اليهود الذهن التجاري الأكثر مكراً في العالم، قد حرّض المجتمعات التي أقاموا فيها وهذا ما أدّى إلى تعرّضهم إلى الإبادة بشكل متكرر. وأصبح ظهور الدولة الإسرائيلية أمراً لابدّ منه مع الفاشية الألمانية الهتلرية، إنّ إسرائيل هي تسدّد الأوساط المحيطة وفي مقدمتها العرب فاتورة الإبادة التي مارستها الفاشية الألمانية بحق اليهود. ويأتي اليهود في مقدمة قائمة المجموعات المؤثرة في تطور وانتشار الرأسمالية ولا سيما في الحضارة الأوروبية وأمريكا. ولهم تأثير في التجارة والمال والعلم والفن وحتى في الأماكن الحسّاسة في السياسة في جميع أنحاء العالم، حيث تقف وراءها الرأسمالية، وقد ازدادت تناقضاتهم مع العرب حول موضوع الأرض، ولا يمكن إزالة إسرائيل لكن تحول شكلها الموجود يمكن أن ينتج وسائلاً للحل، كما أنّ تحوّل القومية العربية أيضاً شرط. وفي حال العكس فإنّ وجود قوميتين قد يؤدي حتى إلى استخدام قنبلة ذرية جديدة. ولإسرائيل تفوّق إستراتيجي في هذا النمط من الحرب، لكن ذلك لن يفيد في المجريات العملية.

وفي القدس تم تعقيد المشكلة لتتحول الى ظلم كبير، والذي أدى الى ذلك هو التشبث بالقومية التي وصلت إلى طريق مسدود في جميع أنحاء العالم، وكأنّ هذه المدينة المقدسة تحمل لعنة القومية والقبائلية السابقة، إلّا أن اسمها يعني القدسية وديار السلام. فكما لعب اليهود دوراً في ظهور أبوية الأديان التوحيدية، كذلك لعبوا نفس الدور في ظهور القومية، مع أنّهم يعتبرون من أكثر الذين تضرروا وأصبحوا ضحية لهذين المفهومين. بالإضافة الى ذلك أدّت التجارب التي عاشها اليهود بين الحضارات إلى نشأتهم على قيم قوية في مجالات العلم والفن والاقتصاد، وابتداءً من كتابة الكتب المقدسة والكثير من المؤلفات لرجال العلم والفنون، فقد وصلوا إلى قوّة كبيرة من الناحية المادية والمعنوية، حتى كأنّهم يحركون كل الإيديولوجيات والمؤسسات الأساسية على أصابعهم.

أمّا بالنسبة للعرب، فقد ظلوا متخلفين باعتبارهم آخر المجموعات الصحراوية السامية. لكن انتشارهم في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية وأفريقيا الشمالية، أدى إلى وصولهم إلى ثروة وقوة نوعية من الناحية الجغرافية على الأقل، بذلك وقعت مجموعتان ساميتان في وضع المواجهة على الصعيد العالمي، فغدَوا ضحايا ما خلقوه من دين وقومية، وبدأت تبتلعهم الوحوش التي خلقوها بأيديهم، ولذلك فإنّ تجاوز مواقفهما المعتمدة على الدين والقومية هو الحل الوحيد. إذ يجب على هاتين المجموعتين اللتين يمكن أن تلعبا دوراً مهمّاً في الشرق الأوسط أن تتفقا في إطار مقاييس الحضارة الديمقراطية، وهكذا فإنّ المخرج الوحيد هو الفيدرالية المرنة بدلاً من الانقسام القومي والديني، ويجب برمجة فيدرالية عربية إسرائيلية تحت نظام اقتصاد السوق الحر مع حرية الكيانات الثقافية ولأمد طويل، علماً بأنّ الفيدرالية ضرورية أيضاً من أجل العرب المنقسمين إلى ثلاثة وعشرين دويلة. فليس للاتحاد العربي الموجود “الجامعة العربية” دورٌ وظيفيٌّ كما يجب، بل إنّ فيدرالية ديمقراطية عربية ـ إسرائيلية ترغم العرب على التوحد تحت سقف واحد، ومن الواضح أنّ الشرق الأوسط برمّته سيستفيد من هذه الفيدرالية عدا بعض الأطراف الرجعية، ويظهر أنّه لا مفر من سير العلاقات العربية الإسرائيلية نحو الحل تحت ظل فيدرالية في القرن الواحد والعشرين، ويمكن للتجربة الديمقراطية لإسرائيل في العالم أن تلعب دوراً تاريخياً في دمقرطة العرب.

 

أهمية الوفاق العربي – الإسرائيلي

سيكون الوفاق العربي ـ الإسرائيلي خطوة كبيرة على طريق السلام والوحدة الديمقراطية في الشرق الأوسط، وستكتسب الأطروحة المضادة لأطروحة الحضارة الديمقراطية الأوروبية التي تستمد غذائها من الشرق الأوسط، قوة كبيرة من خلال الوفاق المذكور، وسيكون لها تأثير تسلسلي في العالم اجمع، كما ستساهم المرحلة الجديدة التي تُبنى على أساس الفيدرالية الديمقراطية في أن يسير الشرق الأوسط نحو تركيب الحضارة الديمقراطية وإلى مرحلة حضارية تليق بتاريخه. حقاً إنّ النتائج التاريخية للاتفاق العربي ـ الإسرائيلي مهمة جداً، لأنّ ذلك سيسرّع من حلّ التناقضات الأخرى في المنطقة وسيضغط من أجل الحل الديمقراطي، فالتطور في هذا الاتجاه والذي نرى تأثيره منذ الآن سيكتسب طابعاً سائداً، ولا يمكن انتظار استمرار مرحلة الصراع في جوّ من عدم الوفاق مطوّلاً، لأنّ الظروف المحلية والإقليمية والدولية لن تتحمل هذا الوضع طويلاً، وسنرى أنّه لا مفرّ من السلام المستند إلى التحول الديمقراطيّ بين العرب أنفسهم، وبين العرب وإسرائيل وكل المنطقة في القرن الواحد والعشرين وتصاعده عبر حملة اقتصادية وفنية متطورة، هكذا سيكون للشرق الأوسط الذي سيكتسب قوّة على هذا الأساس، إمكانية خلق تطوّرات تليق بتاريخه في كل العالم وتطوير الحضارة الديمقراطية نحو تركيبات جديدة.

 

مصطلح الأرية

ومن ذلك نرى أنّ علم المصطلحات يرى وجود علاقة قريبة بين ” AR ” و“ARD”  والتي تعني المحراث. وبعد ذلك استخدم العرب كلمة أرض، ويستخدم الكرد في أيامنا هذه كلمة “أرد” بمعنى الأرض أو الحقل. وبذلك نرى أن مصطلح آري “ARYEN” يعني التجمّع والشعب الذي يملك الأرض والتراب ويحرثها. وبالتالي نستطيع أن نستنتج أنه أطلق مصطلح آري على كل تجمعات الشعوب التي شهدت الثورة الزراعية، ويتبين لنا من هذا أنّ وجهات النظر المتأخرة والتي ترى أنّ “ARI” العظمة و“AR” تعني النار، هي وجهات نظر غير واقعية كثيراً. ولأنّ هذه التجمعات كانت أكثر تقدماً حسب مرحلتها، فإنّه من غير الصحيح استنتاج نتائج عرقية من تقييمها على أنّها آرية وعظيمة. وقيام الفاشية الألمانية بتحريف هذا المصطلح لا يمت إلى العلمية بصلة ويستهدف من ذلك الدعاية الإيديولوجية. وعندما نستخدم هذا المصطلح من الآن فصاعداً، فإنني أشعر بوجوب إظهار أهمية ضرورة فهمه بهذا المحتوى.

لقد  تعرض الكرد وبلادهم لجميع غزوات العصر العبودي، وإذا بدأنا من كلكامش السومري نرى أن البابليين والآشوريين والبارسيين والهلينيين والرومان والساسانيين والبيزنطيين والعرب والأتراك والمغول قد قاموا باحتلال المنطقة تسلسلياً، لكن النظام الأساسي هو النظام العشائري، وواصلوا هذا الميراث حتى يومنا هذا بالصراع فيما بينهم والتوحد في بعض الأحيان.

إنّ القضية الكردية هي من أشد القضايا تعقيداً في الشرق الأوسط، تتخذ طابعها من نمط تكوّن الواقع الذي تستند إليه، ولا مفر من أن تشابك القضية الكردية بشكل أكثر في المستقبل ـ مثلما كان في التاريخ وحتى يومنا هذا ـ سيؤدي إلى كثير من المشاكل الجديدة إذا لم يجر تناولها بطريقة صحيحة، وتمتلك القضية الكردية صفة أكثر شمولية من قضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي التي تشغل العالم كثيراً، كما أنها وجدت في موقع أكثر عمقاً منها من حيث الشكل، ويؤدي عدم ظهور هذه المشكلة كلياً إلى تقييمات ناقصة وخاطئة، نظراً لوجودها في أكثر المناطق إستراتيجية من زاوية تعداد السكان والجغرافيا والظروف الاجتماعية والسياسية، وتأتي في المقدمة من حيث نوعية القضايا وثقلها. ويؤدي تقسيمها بين الفرس والعرب والأتراك كقوميات أساسية في المنطقة، إلى تأثير واسع لها على مستوى المنطقة بأكملها، وحل هذه المشكلة في جزء من الأجزاء يسفر عن الضغوط على الدول لحلها في الأجزاء الأخرى، مثلها مثل الأواني المستطرقة، ويكون التأثير مشابهاً في حال حدوث عكس ذلك. إنّ الظروف الجغرافية الوعرة جعلت عامل الكفاح المسلح مندرجاً على جدول الأعمال دائماً، فقد خلق الاحتلال الذي حدث في جميع مراحل التاريخ مقاومة بشكل أو بآخر، وكأنّ الحياة تسير مع حالة نفسية التمرد الطبيعية، وقد وصل تعداد السكان إلى أربعين مليون نسمة لوجود الإمكانيات الطبيعية المتطورة، ويشكل هذا الرقم كمّاً كبيراً من أجل إقامة الحسابات الإستراتيجية عليه.

وفي هذا الوضع فإنّ تعريف الظاهرة الكردية يحظى بأهمية كبيرة، وأكبر خلاف يتمركز حول كيفية تعريف هذه الظاهرة، هو بقاء العرب تسمية الكرد بـ “عرب اليمن”، والأتراك يسمونهم بـ ” أتراك الجبل”، والفرس يعتبرونهم من أنفسهم، أو أن يرى الكرد أنفسهم أصفى الشعوب وأنقاها. لا يمكن أن تكون هذه المواقف السياسية الناتجة عن ذلك مختلفة عن غيرها، ولا مفر من أن تجلب المواقف السياسية المميزة معها ممارسات مميزة، إذ لا يؤمل سوى أن تجلب معها صراع العميان ومآسي ومآزق لا يمكن الخروج منها.

إنّ المساعي تبذل في يومنا الراهن لإبقاء الشعب الكردي في موقعه المسحوق في الشرق الأوسط، ويعتبر تمزقهم ووجود النظام الإقطاعي والعشائري أكبر سبب لبقائهم متخلفين، ولم يستطيعوا التخلص من كماشة الضغط الداخلي والخارجي، ولم تلعب الإيديولوجية الدينية والقومية دوراً إيجابياً في تطورهم السياسي كما حدث عند الشعوب المجاورة، ففي الوقت الذي حول الدين ومفهوم القومية كل من العرب والفرس والأتراك الى دول بتقويتهم كقومية ووطن، أما بالنسبة للكرد، فإنها لعبت دوراً أساسياً في اضطهادهم وتذويبهم، ولم يستطع الكرد جعل الدين الإسلامي الإقطاعي أو الإيديولوجية القومية الرأسمالية دليلاً قومياً لهم، كما لم تسفر محاولاتهم سوى لترويضهم. ويعيش الكرد كشعب فقير تعرض لخيانة الحضارات أكثر من غيره، وتتم تغذية الضعف القومي والاجتماعي بالقيم الإقطاعية والعشائرية دائماً، حيث لم يستطيعوا الارتقاء إلى مواقع قومية واجتماعية أكثر سمواً.

ندخل في مرحلة تتطلب تناولاً أكثر واقعية للظاهرة الكردية والقضية الكردية في ظل هذه الانتقادات المتعلقة بالمنهج، ويجب على جميع الأطراف والأوساط العالمية المعنية بالمشكلة تحديد مواقفها وجعلها قادرة على عدم خلق بوسنة أو كوسوفو أو شيشان جديدة كي لا تستمر حالة التعقيد كحل قائم، ويجب على هذه الأطراف أن تقوم بتطوير الحلول على أساس الوقائع وتطلعات الكرد التي لا يمكن تأجيلها، والتي تأتي من عمق التاريخ، كما يجب أن ترى أن مصالحها السياسية والاقتصادية تمرّ عبر حل هذه القضية حتى وإن لم تكن تدرك أنّ ذلك كان يناسب مصالحهم في الماضي، فتحقيق سلام كردي مشرف في القرن الحادي والعشرين يحظى بأهمية كبيرة لجميع الأطراف، إن مناهج تعفين المسألة وتأجيل الحل لفترة طويلة سيشغل المنطقة بكاملها أكثر من انشغالها بالصراع العربي الإسرائيلي والحرب العراقية الإيرانية، كما أن وضع وقف إطلاق النار الحالي القائم يرتبط بتوازنات غير موثوق بها، يمكن أن تنهار في أية لحظة، كما أن الجغرافيا والتضخم السكاني والأزمة الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة تقدم كل الخامات للتمرد والحروب الشاملة، وأي انفجار جديد يعني خسارة ربع قرن والعودة بالنتيجة إلى نفس النقطة،ان إنعدام الثقة الموجود في جذور المشكلة والمواقف الجبانة والدوغمائية المفرطة، جعلت التناول المعاصر للقضية بعيداً عن الساحة طوال القرن العشرين وحتى في القرن التاسع عشر، وبات واضحاً الآن أنه لا يمكن أن يستمر القرن الحادي والعشرين على هذه الوتيرة، حيث لا يمكن للعصر أن يقبل هذا الوضع القائم، و كل من يحاول أن يجرب  ذلك لن يستطيع تخليص نفسه من العزلة التي يعيشها النظام  العراقي.

 

الشرق الأوسط، جغرافية حب الحقيقة

هناك سؤال هام يجب طرحه وهو: ألا تستطيع الأنظمة الحضارية ذات الجذور الشرق أوسطية إحداث هذه الانطلاقة من ذاتها؟، هذا هو السؤال الذي يبحث عن جواب في يومنا الراهن، ونجد بأنّ كلاً من الكندي والفارابي وابن سينا والسهروردي ومنصور الحلاج قد بذلوا جهوداً وتضحيات كبيرة من أجل تنوير الشرق الأوسط، منذ القرن العاشر إلى القرن الثاني عشر. وكان الحب الشديد لديهم هو البحث عن الحقيقة، ومن المعروف أنّ ذلك يتفوق من حيث القيمة على المصالح الاقتصادية والسياسية، وتعالى صوت حب الحقيقة في جغرافية الشرق الأوسط أكثر من أيّ وقت مضى، وظهر المرشدون الكبار أمثال مولانا جلال الدين الرومي، ومحيي الدين ابن العربي كمرشدين للحقيقة، وكان هناك تقدم في العلم أيضاً، حيث تمّ إحراز تقدم في الرياضيات والطب وعلم الفلك والأبحاث النباتية والحيوانية، وكان الشرق الأوسط يتفوّق على أوروبا في كل ذلك، وكان التفوق في مجال الآداب مذهلاً، فقد أثبت أدب الملاحم نفسه في القرون الوسطى من خلال الشاهنامة ومجنون ليلى، أمّا الفلسفة التاريخية لابن خلدون، فقد كانت قريبةً إلى المادية الجدلية، ورغم ذلك لم تتطوّر حركة التنوير في الشرق الأوسط. إنّ سبب عدم تطور حركة التنوير ـ التي تعتبر حجر الأساس للهوية الأوروبية الجديدة ـ في الشرق الأوسط على الرغم من جميع الإمكانيات الملائمة أمر مهم جداً. فقد نتحدث في هذا الصدد عن غزوات المغول ولكنها لم تكن السبب الأساسي، وإنّ البحث عن السبب الأساسي يكمن في تحكّم الإيديولوجية المتخلفة والدوغمائية التي كانت تشكل ثقلاً كالأسمنت على العقل وفي عمق التمأسس السياسي، ويكون ذلك هو التناول الأصح من غيره.

دور الإسلام في تكوين الأمة

 

سيكون دور الإسلام إيجابياً في التحول القومي للعصور الوسطى إلى حين توحيده للقبائل، لقد لعب الإسلام دوراً مهمّاً في تكوين الأمة والقوم، مثلما أدّت الرأسمالية إلى تشكل القومية والأمة. وقد لعب الأشخاص الموجودون في السلطة والذين كانوا من أقوام مختلفة دوراً ناجحاً في تطوير أقوامهم. وإنّ أكثر الذين بقَوا في السلطة هم من القومية العربية والفارسية والتركية، ولهذا حصة كبيرة في أن يكون العرب والفرس والأتراك هم القوميات الإسلامية البارزة في يومنا هذا، حتى إن لم يتم ذلك عن معرفة، ومن الواضح أنّ مصيرها كان سيصبح مختلفاً لولا وجود الإسلام. ومن المفيد تحليل العلاقة الموجودة بين الوطنية والطبقية بعمق، إذا لم يجرِ التركيز على هذه المسألة كما يجب. إنّ الوصول إلى الأممية والإسلامية المنفتحة على الأخوة والسلام وتجاوز الشوفينية القومية والدينية بهذا الصدد، سيلعبان دوراً بنّاءً في تجاوز كثير من القضايا. إنّ في جوهر الإسلام كما المسيحية مفاهيماً إنسانية تتيح إمكانية كبيرة للعدالة والسلام، وهناك وظائف مهمّة يجب أن يقوم بها كالتوجه للأممية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى