هيئة التحرير
مازالت رعود الانتفاضة تشق عباب الشوارع في بلدان الشرق الاوسط من بعد دخولها العام الثاني، نيلاَ لطغيان كبحت جماح شعوب عانت الويلات تحت نير أنظمة دولتية سلطوية ديكتاتورية، وطلباً في انشاء نظام ديمقراطي طالما كان كابوسا في حلم قوى الحداثة الرأسمالية. تتوجه مشاريع هذه القوى صوب منحدر الفشل من بعد تجارب أليمة في صياغة نظام اسلامي سياسي معتدل في العديد من بلدان الشرق الاوسط عبر تدخلات مباشرة وغير مباشرة وبمساندة قوى اقليمية وعلى رأسها تركيا كما حصل في ليبيا ومصر، وقد بدى ذلك واضحاً من العصيان الجاري ضد الحكومات المتشكلة جديداً كما في مثال مصر. حيث تسعى القوى التي تزعم التغيير والديمقراطية الى تغيير الادرايين وليس النظام المتربص على رقاب شعوبها. ولكن الشعوب لم تتأخر في ادراك ذلك، لذا نرى وبالرغم من مساعي هذه القوى الى تشتيت صفوف قوى التغيير الرئيسية في الشرق الاوسط والمتمثلة اليوم في نضال الشعبيين العربي والكردي وزرع الفتنة بحروب أهلية وطائفية كما يبدو من محاولتها في سوريا اليوم، والقوى المناهضة للنظام الدولتي تجادل من دون هوادة.
أدى طريق الدولة القومية بالامم السائرة على دربها الى احلك النهايات كما نشاهده اليوم في عموم بلداننا الاوسطية، لأنها كانت من دعائم الحداثة الراسمالية ولا تبت بصلة الى حقيقة العصرانية الديمقراطية ولا الى قيم وثقافة هذه الجغرافية التي كانت مهد العيش المشترك لجميع شعوبها من دون تفرقة، ليدفع ضريبتها باهظاً من بعد معاناة آلام لا توصف على مر قرون طوال. لقد اثبتت الامم وعلى رأسها الشعب العربي والكردي فقدان شرعية هذا النظام وجميع المشاريع التي نادت بها القوى الراسمالية وعلى رأسها مشروع الشرق الاوسط الكبير والتي تحاول هذه القوى بقيادة امريكا تطبيقها عبر استخدام نظام اسلامي سياسي معتدل، ولكن لا يساور أحد الشك في خيبة أملها كما حصل في العراق وليبيا ومصر واما سوريا فمازال الحبل على الجرار.
لا يمكن لذاكرة شعوب الشرق الاوسط الحصينة ان تنسى العيش المشترك الحر لجميع تعددياتها واقوامها وفئاتها وشرائحها تحت ظل امة ديمقراطية، لانها والى الامس القريب لم تكن غريبة هذا الدار ونهضت بثورات فكرية وفلسفية واجتماعية ودينية حتى تحمي قيمها في مواجهة تيارات الحداثة الراسمالية التي كانت وعلى الدوام عنوان التشتت والتجزئة والفتن والنعرات. لذا ففي هذه المرحلة التي تتوجه فيها شعوب الشرق الاوسط الى انشاء نظامها فمن الاهمية البالغة انشاء هذا النظام بمفهوم الامة الديمقراطية التي تعني شكل مجتمع اخلاقي وسياسي بمستطاع الكل التعبير عن نفسه بحرية تحت ظل نظام كونفدرالي، لانه وبدون الامة الديمقراطية لا يمكننا تحقيق حياة اخوية حرة ديمقراطية.