المرأة بين الصراع وإثبات الوجود !
غالية الكجوان
غالية الكجوان
إن الحالة الجدلية الأزلية بين الرجل والمرأة وأيهما الأكثر تأثيراً وحضوراً! أدّت إلى إشراك المرأة في الصراع الطبقي والقومي والتحرّري الذي نسميه بالصراع العنيد من أجل بناء نموذج المرأة الحرة, أو إحياء الجوهر الحقيقي للحياة الحرة، وبهذه المقارنة العميقة نستطيع استنتاج الكثير من المعاني السامية حولها، حيث تعيش المرأة في المجتمعات الشرقية أوضاعاً متفاوتة, بين الحصول على شيء من الحقوق وبين هدرها جميعها، ومع تصاعد حالة الاستبداد السياسي للدولة القومية في المحيط الإقليمي تصاعدت درجة استبداد الرجل الشرقي، فعُدّت المرأة أوّل المتضررين وآخرهم، وهنا تبقى المرأة تدور في فكرة النهوض في الشرق الأوسط.
علماً لم تأتِ هذه الوضعية من فراغ, وإنما كانت نتاج نضال وسعي كبيرَين، ومعارك وحروب ضارية لتُثبت المرأة نضالها ضد الاستبداد والدكتاتورية ومقاومة القمع أو الاضطهاد أياً كان نوعه وشكله، سلطوياً أم اجتماعياً أم سياسياً, حيث أثبتت لنا الثورات التحررية الوطنية التي شهدها القرنان التاسع عشر والعشرون, أن أيَّة فلسفة أو تيار أو ثورة لا تقوم بمعالجة قضية المرأة بصورة جذرية وحتمية، محكوم عليها في نهاية المطاف بالفشل أو الانهيار أو بالانحراف عن أهدافها النبيلة والسامية.
هنا ملف وباء العنف الممنهج ضد المرأة يحتاج إلى قراءة صحيحة لجذور التاريخ, ولمعالجة حاسمة وسريعة تشريعياً وثقافياً وقانونياً ًوتعليمياً من أجل الانتقال إلى مجتمع ديمقراطي سليم, فالعنف مشكلة لا تتصل بانتمائنا أو عقائدنا أو ديننا أو وجودنا, بل تتصل بالمعنى والمبنى عليه الأساس.. مثلاً لا يمكن أن نتوقع من رجل مناصر للديمقراطية وحقوق الإنسان وقيم المساواة والعدالة والحرية.. أن يعنِّف المرأة نفسياً وفكرياً وحتى جسدياً, لكن يفعل كلّ ذلك بل أكثر.. لأنه حقيقة لا يؤمن, ولا يعترف بدور المرأة وحريتها.
هنا تكمن المشكلة الحقيقية بالذهنية الذكورية السائدة, والقائمة على استعباد وانتهاك وسلب المرأة حقوقها، وبهذا الشكل يبدأ العنف الممارس بحق المرأة, ويساهم فيه كامل المجتمع وبكل أفراده وفئاته, دون أي إدانة أو استنكار, بل ربما تكون الإدانة إن وجدت, فهي للضحية “المرأة”, من جهة ومن جهة أخرى لأن المجتمع لا يسمح لها عبر قوانينه وإسقاطاته الظلامية أو عبر العادات والتقاليد والأعراف غير العادلة والأمراض المجتمعية… والتي تعطي للعنف المسيء بكل أشكاله والممارس بحق المرأة المبرر, ليستمدّ شرعنته من الأنظمة القوموية النابعة من العقلية والمفاهيم الذكورية, والتي تسعى وتعمل منذ العصر السومري للتحكم والسيطرة على الأنثى منذ لحظة ولادتها حتى موتها, وبهذا يعود التكوين الذهني والوجداني لكل من المرأة والرجل إلى الإرث التاريخي والثقافي والاجتماعي والتعليمي الذي يساهم في تكوين الصورة النمطية والجنسوية للرجل والمرأة بشكل خاص, بحيث يحصرها في إطار تقليدي من الوظائف والأدوار والمكانة الاجتماعية في الحياة العامة, فلذلك يبدأ البناء الاجتماعي بالتراكم العديد من الضغوطات والعوائق الناتجة عن أحداث وعوامل الحياة اليومية والدافعة إلى العنف المباشر، فيتحول العنف من نتيجة إلى سبب, فيولد يومياً مزيداً من العنف والشراسة التي تخلق زاوية مفرغة تتكاثر فيها السلوكيات والأساليب العنيفة, إلى أن تتحوّل إلى أسلوب الحياة بين الرجل والمرأة.
فعند كل مشكلة أو أزمة أو نكبة اجتماعية أو سياسية وحتى اقتصادية نرى دائماً بأن الضحية الأولى والخاسرة الأكبر هي المرأة دون شك, يعود هذا كله للمعايير الاجتماعية السلبية التي أدت إلى عدم المساواة بين الرجل والمرأة، وأيضاً لقبول المفاهيم الذكورية المرتبطة بهيمنة الرجال ومنحهم حق السيطرة وأساليب العنف التي تستهدف المرأة, سواءً كانت من الناحية الجسدية أم النفسية والعقلية والعاطفية, باستخدام كل وسائل وأدوات القهر والظلم والاستغلال من الألفاظ والكلمات، فبالصرخة الواحدة يستطيع أن يسيطر على كل الأجواء الموجودة ليصل إلى حد القتل والاغتصاب مروراً بالضرب والإهانة، وبالتالي تحبس بين أربعة جدران كأسيرة لا يحق لها إبراز هويتها الأنثوية المستقلة.
لذلك إنّ نضال المرأة في ظل تسارع الأحداث, والظروف المعقدة والأليمة التي عاشتها، كانت من أجل تحرير ذاتها ومجتمعها, بحيث لا يمكن أن تتحقق حرية المجتمع ما لم تتحقق حرية المرأة، ومن أجل تحقيق ذلك كله لابد على المرأة أن توحد صفوفها وطاقاتها وجهودها أكثر وتنزع القيود التي تكبل حريتها, وتمنعها من السير قُدما لتحقيق أحلامها, وطموحاتها في الحياة الحرة, وتكون صانعةً للسلام والعدالة اللتين تناضل وتكافح لتحقيقهما خطوة بخطوة, من خلال المبادئ الأخلاقية.
رؤية مجلس المرأة في حزب سوريا المستقبل الذي يعد إنجازاً عظيماً في مسيرة تاريخ حرية المرأة، وكما له دور ًبارزٌ في تخفيف معاناة وحالات العنف التي تتعرّض لها المرأة, واتخاذه من قدسية الدفاع عن النفس والتوعية الفكرية والحياة التشاركية بين الجنسين أساساً ًفي نضاله, ليزيد من إيمان وعزيمة المرأة بذاتها وبأهدافها, ولإبراز الهوية النسائية المتعددة الثقافات.
إلى جانب ذلك لا ننسى الدور القذر الذي لعبته الحركات الإرهابية المضللة باسم الدين، والجرائم البشعة التي ارتكبتها بحق الشعوب, وخاصة بحق النساء اللواتي خرجن من عباءات التقاليد البالية, والأعراف الزاجرة والقامعة لتحقيق وجودها الحر الفاعل والمتفاعل، ليس فقط على مستوى المساهمة في الإنتاج والحياة الاجتماعية, بل في كافة الميادين دفاعاً عن أسرتها وأمن عائلتها ومجتمعها جنباً إلى جنب الرجل، وفي الوقت ذاته على المرأة أن تحافظ على إرثها التاريخي العريق المتجذر بالأرض والوطن منذ آلاف السنين لتكون الشخصية الطليعيّة والرائدة في صنع الحياة من الموت, وتكون على قدر المسؤولية والوعي، وتتمثل هذه المسؤولية بإعداد جيل واعٍ قادر على إيجاد مساحة للتعبير عن ذاته، ويؤمن بحقّ المرأة قبل الرجل، وبالحرية والمشاركة الفاعلة في الحياة، ومن هذا المنطلق تتحد جميع النساء, لتتحد جميع الثقافات والمعتقدات والألوان والأصوات لتصل إلى حالة الانتفاضة التي تعود إلى حادثة اغتيال الأخوات ميرابال, اللواتي قدن كفاحاً فريداً, وقاتلن ضد الطغاة والفاشية من أجل تحقيق الحرية الديمقراطية, حتى أصبحن أملاً لجميع نساء العالم.