الذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الخامسة وملامحها
مصطفى السيد قنصوة
في البداية يحضرني ما كتبه الدكتور أحمد بهاء الخبير المتخصص في الشؤون التقنية حول معالم الثورة الصناعية الخامسة، وتأثير ذلك على سوق العمل، حيث ستشهد الأعوام القادمة تحكم الروبوتات بنحو ٤٠٪ من مجموع القوى العاملة في العالم، وذلك قبل قدوم العام ٢٠٣٠، وأيضاً حديثه حول ما سوف يحدث في العالم خلال السنوات القليلة القادمة من تطورات ستمسّ جوانب حياتنا بمختلف توجهاتها، وكذلك ما قد يحصل على الساحة الدولية من قضايا ستغيّر وجه العالم.
إن ما يميز العالم المعاصر حالياً هو التطور التكنولوجي بجميع مجالاته في الحياة، حيث أنها ـالحياةـ متوقفة
على ما تقدمه التكنولوجيا للإنسان من خدمات وفوائد، ولعل هذه الطفرة التكنولوجية المتطورة قد مرت
بمراحل تاريخية عديدة، حتى وصلت بها الحال إلى ما نحن عليه في يومنا هذا، وربما ستتطور إلى نماذج
أكثر تطوراً لاحقاً لدرجة لا يدركها عقلنا البشري.
ما هي الثورة الصناعية الخامسة وما هي معالمها، وما المراحل التي سبقتها وكيف بدأت وإلى أين وصلت،
وإلى أين تمضي وما شكل المستقبل القريب، وأين منطقة الشرق الأوسط من هذه الثورات المعرفية والتقنية،
وكيف ستؤثر على الحياة السياسية والجيوسياسية والاقتصادية للدول وتغير من وجه العالم؟،
سنسلط الضوء في بحثنا على هذه التساؤلات:
الثورة الصناعية:
الثورة الصناعية هي بتعريفها البسيط انتشار وإحلال الآلة أو المكننة محلّ العمل اليدوي البسيط، حيث شهدت بدايةً القارة الأوروبية ظهور بوادر أول هذه الثورات، وذلك خلال القرن الثامن عشر حيث شهدت نهضة علمية شاملة، فتنوعت الأبحاث والتجارب لتشمل مختلف فروع العلم، ولتؤدي إلى اختراعات واكتشافات مهمة كانت السبب المباشر في قيام الثورات الصناعية اللاحقة.
أولاً: مراحل الثورات الصناعية:
١- الثورة الصناعية الأولى:
يمكننا ربط بداية الثورة الصناعية الأولى باكتشاف الآلة البخارية سنة ١٧٨٤ حيث مثلت الثورة الصناعية
نقطة تحول رئيسية في التاريخ، تقريباً فإن كل جانب من جوانب الحياة اليومية تأثر بها بطريقة ما، وبالذات
بدأت مستويات الحياة تنمو وتتطور، والسكان أخذوا يُظهرون نموّاً مستداماً غير مسبوق.
لقد أورد بعض الاقتصاديين الغربيين في آرائهم أن أهم تأثير للثورة الصناعية، هو أن مستوى المعيشة لجميع
السكان في الغرب بدأ في الارتفاع باستمرار لأول مرة في التاريخ، على الرغم من أن آخرين قالوا إنه لم يبدأ
في التحسن بشكل ملموس حتى أواخر القرن التاسع عشر وبداية العشرين.
٢– الثورة الصناعية الثانية:
غالباً ما تتعلق هذه الثورة بالحديد والصلب باعتباره المصدر الأول للإنتاج الصناعي الضخم في عدة مجالات
جديدة، والتي يقال إنها ميزت الثورة الصناعية الثانية التي بدأت حوالي ١٨٤٧ م، على الرغم من أن طريقة
التصنيع الشامل للصلب لم يتم اختراعها حتى عقد ١٨٦٠م، عندما اخترع هنري بسمر الفرن الذي يصهر
المعادن، بحيث يمكنه تحويل الحديد المصهور إلى صلب، وأصبح ذلك الفرن متاحاً على نطاق واسع فقط في
عقد ١٨٧٠م بعد تعديل العملية لإنتاج جودة أكثر تنظيماً.
لقد نمت الثورة الصناعية الثانية تدريجياً لتشمل المواد الكيميائية، مثل الصناعات الكيميائية والنفط، ثم ظهر
في القرن العشرين صناعة السيارات، فأدت الوفرة المتزايدة للمنتجات البترولية الاقتصادية إلى تقليل أهمية
الفحم وزيادة إمكانية التصنيع.
وتميزت تلك الثورة بانتقال القيادة التكنولوجية من بريطانيا إلى الولايات المتحدة وألمانيا، وبدأت كذلك
تطورات جديدة في عالم الصناعة والإنتاج مع اختراع وتوليد الكهرباء بدايات عام ١٨٧٢م وإدخالها في
الصناعات، حيث أدى إدخال توليد الطاقة الكهرومائية من جبال الألب إلى تمكين التصنيع السريع لشمال
إيطاليا المحرومة من الفحم، بدءاً من تسعينيات القرن التاسع عشر.
وبحلول تلك الفترة أدى التصنيع في تلك المناطق إلى ظهور شركات صناعية عملاقة ذات مصالح عالمية
مزدهرة، فانضمت شركات مثل شركة فولاذ الولايات المتحدة وجنرال إلكتريك وستاندرد أويل وباير، إلى
شركات السكك الحديدية والسفن في أسواق الأسهم العالمية.
٣– الثورة الصناعية الثالثة:
وتسمى الثورة الرقمية، حيث تشير الثورة الصناعية الثالثة أو الثورة الرقمية، إلى تقدم التكنولوجيا من
الأجهزة الإلكترونية والميكانيكية التناظرية إلى التكنولوجيا الرقمية المتاحة اليوم، بدأت هذه الحقبة خلال
الثمانينات من القرن العشرين وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا، وتشمل التطورات التي حدثت خلال الثورة
الصناعية الثالثة الكمبيوتر الشخصي والأنترنت وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات ومصادر الطاقة
المتجددة.
وتبدأ هذه الثورة بداية استخدام الكمبيوتر في الصناعات والتي ظهرت بدايات عام ١٩٦٠م
٤– الثورة الصناعية الرابعة:
تتميز هذه الثورة بالتقنيات الحديثة المتقدمة وهي التي تم التلميح لها مراراً في مؤتمر دافوس الاقتصادي في
سويسرا، والتي ترتبط بها كجزء فعّال ومخطط من استراتيجيات عمل المنظمات، مثل تبني الأنظمة الذكية
سعياً لتحقيق التميز في الأداء ودعم التحول الرقمي، وكذلك تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي، وأنترنت
الأشياء، والطباعة ثلاثية الأبعاد وغيرها.
وتشير الدراسات إلى أن نحو 65٪ من الأطفال الذين بدؤوا تعليمهم الآن في المدرسة الابتدائية، سينتهي بهم
الأمر بمهن ووظائف غير موجودة بعد، وبالإضافة إلى ذلك فإن أكثر من نصف الوظائف الحالية سيكون لديها
إمكانية التشغيل الآلي بدون عمالة بشرية مستقبلاً، وحينها ستبدأ الثورة الصناعية الخامسة.
وتسمى الثورة الرابعة كذلك بثورة الروبوتات والتي تصبح فيها جزءاً لا يتجزأ من المجتمعات وحتى جسم
الإنسان، وتتميز هذه الثورة باختراق التكنولوجيا الناشئة في عدد من المجالات، بما في ذلك الروبوتات،
والذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا النانو، والحوسبة الكمومية، والتكنولوجيا الحيوية، وأنترنت الأشياء (IoT)،
والطباعة ثلاثية الأبعاد، والمركبات المستقلة.
في كتابه «الثورة الصناعية الرابعة»، يصف كلاوس شواب، المؤسس والرئيس التنفيذي لـ «المنتدى
الاقتصادي العالمي»، كيف أن هذه الثورة الرابعة تختلف اختلافاً جوهرياً عن الثلاثة السابقة، التي تميزت
بشكل رئيسي بالتقدم التكنولوجي.
تتمتع هذه التقنيات بإمكانات كبيرة للاستمرار في توصيل مليارات الأشخاص إلى الويب، وتحسين كفاءة
الأعمال والمؤسسات بشكل جذري، والمساعدة في تجديد البيئة الطبيعية من خلال إدارة أفضل للأصول.
كان «إتقان الثورة الصناعية الرابعة» موضوع الاجتماع السنوي لـ «المنتدى الاقتصادي العالمي» لعام
2016 في اجتماع دافوس، في سويسرا.
٥– الثورة الصناعية الخامسة:
وتعريفاً تعني القوة المدفوعة بالروبوتات القادرة على التعايش مع البشر، ومن المحتمل أن تظهر هذه الثورة
بدايات ٢٠٤٠م.
لقد أشارت الثورة الصناعية الخامسة بأنها عصر الاضطرابات الذهنية.
لقد تم الحديث من قبل أشخاص مثل إيلون ماسك الرئيس التنفيذي لشركة تسلا (Tesla)، و”سام ألتمان”
المدير التنفيذي لشركة “أوبن إيه آي” (OpenAI) حول احتمالية أن يكتسب الذكاء الاصطناعي “الوعي”
في لحظة ما، لا سيما مع الجهود الكبيرة المبذولة من قبل كبرى شركات التكنولوجيا في العالم مثل “غوغل”
و”مايكروسوفت” (Microsoft) و”أنفيديا” (Nvidia) لابتكار وتدريب “روبوتات ونماذج وبرامج لغوية
متطورة” تعتمد على الذكاء الاصطناعي.
بل إن مثل هذه النقاشات تعود إلى فترة أبكر من ذلك حين تم ابتكار “إليزا” (ELIZA) ) وهي روبوت
محادثة بدائي نسبياً تم إنشاؤه ستينيات القرن الماضي، ولكن مع ظهور التعلم العميق والكميات المتزايدة
باستمرار من بيانات التدريب، أصبحت النماذج اللغوية أكثر تطوراً وإقناعاً في الحديث، كإنسان أو كتابة نص
يصعب تمييزه عن كتابات البشر، وذلك حسب ما ذكرت منصة “وايرد” (wired) ) في تقرير لها عن
الموضوع مؤخراً.
وقد أدى التقدم الأخير إلى ادعاءات مفادها أن النماذج اللغوية أساسية “للذكاءالعام الاصطناعي” (
artificial general intelligence) ، وهي النقطة التي سيعرض فيها البرنامج قدرات شبيهة بالبشر في
مجموعة من البيئات والمهام، وتكون قادرة على نقل المعرفة فيما بينها.
– ملامح الثورة الصناعية الخامسة:
لعل أبرز ملامح هذه الثورة تتجسد في تفوق الصناعات العسكرية بشكل بارز وحادّ، حيث تؤكد الدراسات
وجود صراع متصاعد فيما بين الدول الغربية وروسيا والصين، في حين أكد الرئيس الروسي أن الذكاء
الاصطناعي هو المستقبل، وأن من يتفوق في هذا المجال فسيحكم العالم.
وفي 2018 صرح الرئيس الصيني شي جين بينغ أن على بلاده أن تحتل مركزاً متقدماً في مجال الذكاء
الاصطناعي.
وجاء في تصريحات وزير الدفاع الأميركي السابق مارك إسبر أن الدولة التي تسبق في ميدان الذكاء
الاصطناعي، ستتقدّم في أرض المعارك لسنوات وسنوات عديدة، وعلى الولايات المتحدة أن تكون السباقة.
والسباق على أشده بين الولايات المتحدة وروسيا والصين وألمانيا والهند وبريطانيا وإسرائيل والكوريتين،
وغيرها من الدول في مجال تطوير التكنولوجيا العسكرية، التي تحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط
اشتغالها، وانتشار استخدام المركبات المسيّرة الجوية والبحرية والبرية، وأنظمة القتال التي تعتمد على الذكاء
الصناعي ليس بحاجة إلى دليل، وأخطر ما تحقق دخول النظم الالكترونية مجال اتخاذ قرارات ضرب
الأهداف.
وأشهر الأمثلة على هذا التوجه الخطير؛ الرشاش الآلي الذكي «اس جي آر- أ 1» الذي يحرس حدود كوريا
الجنوبية، ورشاش كلاشينكوف الروسي الذكي، فكل منهما مزوّد بنظام تحكم ذاتي متكامل لتولي المراقبة،
ورصد أية حركة أو صوت، وتتبّع الهدف، وإطلاق النار.
يتوقع معهد ماكينزي الدولي أن يضيف الذكاء الاصطناعي أكثر من 15 تريليون دولار للنشاط الاقتصادي
الدولي بحلول عام 2030، وأكبر الاستثمارات في هذا المجال تقوم بها الولايات المتحدة، فقد طرح وزير
دفاعها السابق تشاك هاجيل في عام 2014 «إستراتيجية التغيّر الثالثة» مؤكداً أن التقدم السريع في مجال
الذكاء الاصطناعي هو الذي سيحدد الجيل القادم من الحروب، زادت وزارة الدفاع الأميركية استثماراتها في
مجال الذكاء الاصطناعي، وذكرت «جابان تايمز» عام 2018 أن حجم الاستثمار الخاص في هذا المجال في
الولايات المتحدة 70 مليار دولار سنوياً، واعتمدت برامج أبحاث جديدة، وتم زيادة تمويل «مشروع مافن»،
والسفينة الحربية «سي هنتر» ذاتية التحكم، المصمَّمة للعمل لفترات طويلة في البحر من دون طاقم، والأسلحة
الذكية العديدة التي يجري تطويرها، ومنها الطائرتان المسيّرتان «اكس 47 بيجاسوس» «إم كيو 25
ستنجراي»، أمثلة على التقدم الأميركي في هذا المجال.
بالمقابل هناك طموح الصين المصممة على أن تصبح الدولة الرائدة في هذا المجال بحلول عام 2030، وهي
توجه استثمارات ضخمة إلى مجالات الذكاء الاصطناعي، والمدن الذكية والآمنة، والطائرات المسيّرة بلا
طيار، وفي تقرير لموقع غلوبال داتا، يظهر أن الصين تتقدّم سريعاً في تطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي
العسكرية بزيادة سيطرتها على منشآت البحث المحلية، وفي عام 2017 تلقت الشركات الصينية الناشئة في
مجال الذكاء الاصطناعي نصف التمويل العالمي لهذا النوع من الشركات.
ومنذ ذلك العام تُوكَّل الصين عقود تكنولوجيات حساسة، مثل الطائرات بدون طيار والذكاء الاصطناعي، إلى
شركات خاصة، ويملك الصينيون خمسة أضعاف ما يملك الأميركيون من براءات الاختراع في هذا المجال،
لقد برزت المخاوف من أجهزة الذكاء الاصطناعي قبل عشر سنوات، وقرعت شخصيات بارزة مثل ستيفن
هوكينج وبيل غيتس وإيلون موسك، أجراس الخطر، ورأى البعض أن التقدم الكبير في مجال الذكاء
الاصطناعي أكبر تهديد وجودي للبشرية، وأنه يشبه «استدعاء الشيطان»، وحذّر خبراء من أن الاعتماد
المتزايد على أنظمة الذكاء الاصطناعي يمكن أن يؤدي إلى حرب نووية بحلول عام 2040.
وفي إحدى التقارير الصادرة عن مؤسسة «أند» الاستشارية أن «الأمر لا يتعلّق بالقلق من الروبوتات القاتلة
في أفلام هوليوود، وإنما مصدره الطريقة التي قد تتحدى بها الحواسيبُ القواعدَ الأساسية للردع النووي،
وتقود البشر إلى اتخاذ قرارات مدمّرة».
وحدّد أسباب تهديد الأنظمة المعزَّزة بالذكاء الاصطناعي للأمن العالمي، وأهمها غياب المعرفة الدقيقة لقدرات
النظم الذكية، ومعدلات الخطأ الواردة في عملها، إذ أنها لم تخضع للاختبارات الجادة بعد، الأمر الذي قد
تترتب عليه عواقب خطيرة، وغلبة روح التصعيد والمواجهة والضرب الاستباقي لتحقيق الردع، بدلاً من حل
الخلافات سلمياً.
وفي مقارنته بين توجه كل من الصين وروسيا نحو الاعتماد الكامل على تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي في
المنظومة العسكرية، يشير الباحثون إلى وجود شواهد على إلحاق الصواريخ النووية والبالستية الخاصة
بمعززات الذكاء الاصطناعي، ما يجعلها قابلة للانطلاق وتدمير الأهداف المحددة مسبقاً في حالة استشعارها
بوجود أي خطر أو هجوم، الأمر الذي ينطوي على آثار تدميرية تهدد البشرية.
– أبرز المجالات التي يمكن للذكاء الاصطناعي العمل فيها على نمو الاقتصادات هي:
أولاً: الأتمتة الذكية أي أتمتة المهام المادية المعقدة التي تتطلب مقداراً كبيراً من التكيف واتخاذ القرارات مثل
العمليات الصناعية والتجارية المتكررة على سبيل المثال قراءة المستندات وتحليلها، إعادة توجيه رسائل
البريد الإلكتروني.
ثانياً: عملية التنبؤ من خلال خوارزميات التعلم العميق (Deep learning) التي تقدم حلاً فعالاً لعمليات
تحليل البيانات داخل المؤسسات وربطها بمئات التصورات والاحتمالات للوصول إلى أدق توقع يشكل أساساً
لاتخاذ القرارات.
ثالثاً: تسريع الإنتاج وزيادة كفاءة العمل من خلال تطبيقات تعلم الآلة (Machine Learning) التي يمكنها
القيام بالعديد من المهام بنسبة خطأ قد تلامس الصفر في الكثير من العمليات داخل المؤسسات،
الذكاء الاصطناعي أيضاً:
التعريف هو العلم الذي يضم كل الخوارزميات والطرق النظرية منها والتطبيقية التي تعنى بأتمتة عملية أخذ
القرارات مكان الإنسان سواء كان ذلك بطريقة كاملة أو جزئية بمعية الإنسان، مع القدرة على التأقلم أو
الاقتباس أو التنبؤ، عادة، يكون البرنامج ذكيا إذا قام تلقائيا بسلوك غير مبرمج مسبقا حيث يستطيع من نفسه
اخذ قرارات جديدة للتكيف مع حالته وحالة محيطه عبر الزمن، إنّ خصائص الذكاء الاصطناعي من
التصرفات التلقائية والتطور الذاتي والتعلم الآلي التلقائي توحي بفكرة حرية الآلة المطلقة في أخذ القرارات في
المستقبل القريب ومنه التخوفات المتصاعدة حاليا على الساحتين الإعلامية والأكاديمية، لكن الواقع التقني
والعوائق الأخلاقية والتكنولوجية إشكالية أخلاقية البرامج المعلوماتية والآلات الذكية ليست بجديدة وهي
مطروحة منذ البداية وتستمر في مرافقة التطور التكنولوجي بل أنها خلقت فرعاً جديداً في علم المعلوماتية
والحقوق يتخصص في هذا المجال.
من خلال بحثنا يمكن إعطاء أسس الذكاء الاصطناعي وخصائصه والبعض من نماذجه الحية دون الدخول في
تفاصيله التقنية كي نسلط الضوء على واقع تطوراته وطموحاته بين ما وصل اليه فعلا وما يأمل للوصول
اليه، هدفنا في هذه الدراسة كمختصين هو رسم صورة أفق التكنولوجيات الذكية المتنامية بشكل حقيقي.
الآثار المترتبة والناتجة عن الثورة الصناعية الرابعة ومحركاتها ومستقبل الذكاء الاصطناعي:
لقد دخلت البشرية مرحلة ثورة صناعية هي خليط بين تطور التكنولوجيا الجديدة وانتشار الإنترنت مع وسائل
التواصل، من أمثلة هذه الثورة التقدمُ في مجالات أنترنت الأشياء، تصنيع الإنسان الآلي، والطباعة الثلاثية
الأبعاد وكذلك الذكاء الصناعي.
ومن محركات هذه الثورة انتشار وسائل التواصل؛ فعدد من يملكون هواتف يبلغ تقريباً خمسة مليارات
شخص، مع 3،7 مليارات شخص يستخدمون الأنترنت، ومليارين وثمانمئة مليون شخص يستخدمون منصات
التواصل الاجتماعي.
تقوم الثورة الصناعية الرابعة على أساس تعويض اليد العاملة بالآلة والتقنية والذكاء الصناعي، لهذا إيجابيات
منها تسريع معدلات النمو الاقتصادي، تخفيض التكاليف وتحسين الجودة، وكذا تقديم خدمات أوسع للناس،
لكن لهذه الثورة سلبيات من ذلك تقليص فرص العمل، وإمكانية اتساع الفجوة بين الفقراء والأثرياء.
بحسب شركة ماكنزي الاستشارية فإن نصف العمالة القائمة حاليا يمكن استبدالها بالآلة والتقنية، مما يوفر
تقريبا ستة عشر تريليون دولار، هي عبارة عن رواتب عالمية.
في آفاق عام 2030 ستستولي الروبوتات على 38% من الوظائف في الولايات المتحدة الأمريكية، 30% في
بريطانيا، 35% في ألمانيا، و21% في اليابان.
وفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي دافوس فإن سبعة ملايين وظيفة اختفت منذ عام 2020 وهناك ملايين
الوظائف المتعلقة بالكمبيوتر والبرمجيات تخلت عن القوة البشرية وتم استبدالها بالآلات.
من ملامح تسارع هذه الثورة قفزةُ التجارة الإلكترونية في عامين فقط وارتفاعها من 16 إلى 22 تريليون
دولار، قفزة تشير إلى حجم التغيير الكبير الذي حصل وسيستمر بذلك.
في المحصلة:
نرى أن خصائص الذكاء الاصطناعي ومن ملامح الثورة الصناعية الخامسة أنّ التصرفات التلقائية والتطور
الذاتي والتعلم الآلي التلقائي توحي بفكرة حرية الآلة المطلقة في أخذ القرارات في المستقبل القريب وقد خلقت
منه التخوفات المتصاعدة حالياً على الساحتين الإعلامية والأكاديمية والسياسية والعسكرية.
لكن الواقع التقني والعوائق الأخلاقية والتكنولوجية تقول غير ذلك، وأنّ الإشكالية الأخلاقية لبرامج المعلوماتية
والآلات الذكية ليست بجديدة وهي مطروحة منذ البداية وتستمر في مرافقة التطور التكنولوجي الصناعوي بل
خلقت فروعاً جديدة ستخلق معها كوارث بشرية في سوق العمل وستتسبب بارتفاع مستويات البطالة والصراع
على العمل وتخلق مشاكل اجتماعية كبيرة.
إنّ الاستمرار في الزمن سيتغير التطور التكنولوجي إيجابياته وسلبياته، حتى عمّا تم ذكره في هذا البحث، ففي
المستقبل القريب ربّما سيتغيّر منظور رؤية الحياة، والكثير من التقنيات الجديدة الناشئة ستظهر وقد يكون
بعضها مفيداً وقد يتسبب البعض في تهديد للبشرية كالذكاء الاصطناعي حيث يرى الخبراء أنّ الذكاء
الاصطناعي قد يتفوق على ذكاء الإنسان في عام 2035 تقريبًا، فإذا حصل الذكاء الاصطناعي على مستوى
إنساني فيمكنه تطوير نفسه أضعافاً مضاعفة وهذا قد يؤدي لدمار البشرية.
إضافة لأمور أخرى كالتكنولوجيا الحيوية والطاقة الخضراء وعلوم الفضاء والحواسيب الكمية والتكنولوجيا
العسكرية وغيرها الكثير من التكنولوجيا المستقبيلة التي حتمًا ستؤثر على الحياة ومستوياتها.
المراجع والمصادر
- الذكاء الاصطناعي بين الواقع والمأمول، سامية قمورة، الملتقى الدولي للذكاء الاصطناعي، الجزائر، ٢٠١٨م.
- الذكاء الاصطناعي، مركز البحوث والمعلومات، غرفة أبها، السعودية،٢٠٢١م.
- الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط، هديل كرنيب، لبنأن، صحيفة النهار، ٢٠٢١م
- من يتفوق سيحكم العالم، رافع البرغوثي، القبس العلمي، الكويت،٢٠٢٠م.
- الذكاء الاصطناعي، محمد سناجلة، السعودية ٢٠٢٢م
- أربع ثورات صناعية غيرت حياة البشرية، مؤسسة الخليج، الامارات العربية المتحدة، ٢٠٢١م.