إعداد هجار شكر
بعد هجرة الرسول من مكة إلى المدينة كانت عشائر وقبائل مختلفة يعتنقون أديان ومعتقدات مختلفة وكانت السيطرة الاقتصادية والدينية فيها لليهود من الأوس والخزرج وغيرهم، مما أبرم الرسول وثيقة بمثابة عقد أو دستور سمي بوثيقة المدينة يحدد طبيعة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والدينية بين المسلمين واليهود وغيرهم.
مقدمة وثيقة المدينة
هذا كتاب من محمد النبي (رسول الله) بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب
بنود الوثيقة
1- إنهم أمة واحدة من دون الناس.
2- المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم وهم يفدون عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
3- وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
4- وبنو الحارث (من الخزرج) على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
5- وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
6- وبنو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
7- وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
8- وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
9- وبنو النبيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
10- وبني الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
11- وأن المؤمنين لا يتركون مفرحاً بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل.
12- وأن لا يخالف مؤمن مولى مؤمن دونه.
13- وأن المؤمنين المتقين أيديهم على كل من بغى منهم أو ابتغى دسيعة ظلم أو إثماً أو عدواناً أو فساداً بين المؤمنين، وأن أيديهم عليه جميعاً ولو كان ولد أحدهم.
14- ولا يقتل مؤمن مؤمناً في كافر ولا ينصر كافراً على مؤمن.
15- وأن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم، وأن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس.
16- وأنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم.
17- وأن سلم المؤمنين واحدة لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم.
18- وأن كل غازية غزت معنا يعقب بعضهم بعضاً.
19- وأن المؤمنين يبئ بعضهم عن بعض بما نال دماؤهم في سبيل الله.
20- وأن المؤمنين المتقين على أحسن هدى وأقومه.
21- وأنه لا يجير مشرك مالاً لقريش ولا نفساً ولا يحول دونه على مؤمن.
22- وأنه من اعتبط مؤمناً قتلاً عن بينة فإنه قود به إلا أن يرضى ولى المقتول (بالعقل)، وأن المؤمنين عليه كافة لا يحل لهم إلا قيام عليه.
23- وأنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثاً أو يؤويه، وأنه من نصره أو أراه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل.
24- وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله وإلى محمد.
25- وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
26- وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم أو أثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته.
27- وأن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف.
28- وأن ليهود بن الحارث مثل ما ليهود بني عوف.
29- وأن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف.
30- وأن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف.
31- وأن ليهود بني الأوس مثل ليهود بني عوف.
32- وأن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته.
33- وأن جفته بطن من ثعلبة كأنفسهم.
34- وأن لبنى الشطبية مثل ما ليهود بني عوف وأن البر دون الإثم.
35- وأن موالى ثعلبة كأنفسهم.
36- وأن بطانة يهود كأنفسهم.
37- وأنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد.
38- وأنه لا ينحجز على ثأر جرح، وأنه من فتك فبنفسه وأهل بيته إلا من ظلم وأن الله على أبر هذا.
39- وأن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم.
40- وأنه لا يأثم أمره بحليفه وأن النصر للمظلوم.
41- وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
42- وأن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة.
43- وأن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم.
44- وأن لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها.
45- وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسول الله، وأن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره.
46- وأن لا تجار قريش ولا من نصرها.
47- وأن بينهم النصر على من دهم يثرب.
48- وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه ويلبسونه، وأنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين إلا من حارب في الدين.
49- على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم.
50- وأن يهود الأوس مواليهم وأنفسهم لأهل هذه الصحيفة مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة، وأن البر دون الإثم لا يكسب كاسب إلا على نفسه وأن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره.
51- وأنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم، وأنه من خرج آمن ومن قعد آمن بالمدينة إلا من ظلم أو آثم، وأن الله جار لمن بر واتقى، ومحمد رسول الله.
تدل الوثيقة أن الرسول قرر النصح والخير للأديان الأخرى، وسمح لهم بالحرية في الدين ولم يتبع الخصام والعداء للأديان الأخرى. وفسح المجال للعيش المشترك على اساس الحرية وقبول الآخر والتشريع لأجله. كما اعترفت الوثيقة بالوضع الخاص لكل فئة وهو اعتراف بخصوصية كل مجتمع وحقوقه.
في حين تكمن مشكلتنا الآن مع الطرف الآخر أنه لا يعترف بخصوصيات الشعوب، حيث يريد المتسلط أن يطبق نظامه، وقيمه، ونمط حياته على جميع الشعوب بالقوة، في محاولة منه أن يعمم ثقافته على كل الشعوب، متجاهلاً ثقافة الأطراف الأخرى وقيمهم الاجتماعية.
يمكننا أن نستنتج من بنود الاتفاقية هذه، بعض المبادئ التي تعامل بها الاسلام مع الأديان والأقوام الأخرى ومنها:
أولاً: حرية العقيدة في الإسلام
في بند 26 من الوثيقة إشارة واضحة إلى حرية العقيدة في الاسلام(لليهود دينهم وللمسلمين دينهم) ولا إكراه في الدين.
ثانياً: استقلال المالية
يوضح البند 39 مبدأ التملك لكافة الأديان والأقوام الأخرى (وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم) ولا يجوز مصادرة ممتلكاتهم.
ثالثاً: التكاتف والدفاع عن الوطن معاً
بنود الوثيقة تشير إلا أنه في حال تعرضت المدينة لعدوان خارجي فعلى الجميع من مسلمين ويهود وغيرهم الدفاع عن المدينة كونهم يعيشون معاً.
رابعاً: العدل التام
العدل أحد أهم مقوِّمات الاستقرار في المجتمعات والشعوب، وبدونه يُصبح الضعيف مغلوباً على أمره، فاقداً لحقوقه، وقد كانت المجتمعات الجاهلية تقوم على نُصرة القريب؛ سواءً كان ظالماً أو مظلوماً؛ إلا أن الإسلام غيّر هذه القاعدة وأقرّ نصرة المظلوم، بغض النظر عن كونه مسلماً أو يهوديّاً.
خامساً: التعاون والتناصح وحفظ الوطن
يشمل البند 39 من الوثيقة إسداء النصح بصدق واخلاص «وإن بينهم النصح والنصيحة، والبرَّ دون الإثم»؛ والتعاون على الخير فيما بينهم، كما ضمت الوثيقة بنداً يحرم نشوب قتال بين المكونات داخل الوطن الواحد «وإن يثرب حرام جوفُهَا لأهل هذه الصحيفة».
سادساً: مرجعية واحدة
كما تدل بنود الوثيقة على أن الفصل في الخصومات إنما يكون على شريعة الإسلام، وقضاء الدولة الإسلامية، وهذا يدل على مرجعية واحدة لكل المكونات (ما لم يكن الأمر من خصوصيات دينهم)
سابعاً: عناية الإسلام بحقوق غير المسلمين
لدى النظر في بنود الوثيقة يمكن استخلاص أن الإسلام يحافظ على حقوق غير المسلمين ويعتبر ذلك مسألة مبدأية لأن إسلام محمد هو دين رحمة للعالمين ويدعو إلى التعايش السلمي بين الأقوام والأديان المختلفة ويصون كرامة الإنسان وفيه دعوة للحرية والمساواة والعدل، ويقول الشيخ رياض درار تعقيباً على وثيقة المدينة قائلاً: «إن الإسلام الذي يمتلك شريعة قانونية شاملة يمكن أن ينبثق عنه نظام يمكن أن يستوعب الآخر وفق ما جاء في دستور المدينة الذي أكد على المواطنة وعلى المساواة، وأعلن قيامه على المصالح المشتركة بين الناس لا على انتماءاتهم الدينية، وعلى حقوق المواطنة بالمعنى المعاصر وحقوق الإنسان وحرية التدين من غير إكراه وعلى معيار الكفاءة وليس على الولاء. وأن ما يتناقض مع هذه المبادئ تشويه للإسلام، لأن الدعوات الفاضلة تكون بالإقناع، وخير وسائل الاقناع التداول وسماع الرأي الآخر والاحتكام للتصويت، وهذه مبادئ الديمقراطية التي تسعى للإنجاز على أساس الفطرة والعدل. ومن أجل ذلك مطلوب نقلة نوعية تصحح العلاقة بين الإسلام والدولة».
وقد لعبت تيارات الاسلام السياسي دوراً سلبياً كونها تحاول بناء دول وأنظمة استبدادية سلطوية بتغطية اسلامية أساسها الفكر الواحد والعقيدة الواحدة على عكس ما ورد في وثيقة المدينة في عهد الرسول خاصة بعد ظهور التيارات المتشددة في المنطقة من داعش وغيرها ويضيف الشيخ رياض في ذلك: «بعد الموجة الداعشية وجب تصحيح المسارات والعمل على الشرح والتوضيح، والبدء بتوحيد الخطاب وبذل الجهود للنهوض بالخطاب الإسلامي واستيعاب حاجات العصر ولغته والتأكيد على فقه التعامل وحسن تسويقه وتطوير الخطاب والمنهج والتوجه، بغاية تنقية الإسلام مما نابه على أيدي المتشددين والمتطرفين وطلاب الزعامة باسم الاسلام، والعودة إلى جذوره السمحة الاستيعابية للناس أجمعين وليس لفئة أو طائفة أو شعب يدعي أنه المختار من دون أمم الأرض، العودة إلى الإسلام المنفتح على الآخر ورفض العنف في الدعوة أو التعامل، والسعي للخيارات السلمية دائماً، والتوافق مع الخطاب الإنساني من أين جاء وبناء الجسور وكسر السدود»
وحول تاريخ الوثيقة يرى المستشرق الاسكتلندي مونتغومري وات أن أسلوب الوثيقة قديم واستعمالها لبعض التعابير ككلمة «المؤمنين» للدلالة على المسلمين يعود إلى الفترة المدينية الأولى. وجرى نقاش طويل، فيما اذا كانت الوثيقة قبل معركة بدر أم بعدها، فالمستشرق يوليوس فلهاوزن يرجعها إلى قبل بدر فيما يقول المستشرق هدبير غريم إلى بعدها. ويرجح أن تكون في عام 627م