علي الغوار
الآپوجيا: فلسفة أيديولوجية ومجموعة أطروحات ايكولوجية واقتصادية وسياسية بما تشكل من تقنوية خطوطها العامة برنامجا واسعا متداخلا بمنهاج نظرية وعملياتية. وهي تستند بمفاهيمها إلى طبيعة مجتمعات الشرق الأوسط وخصوصية المجتمع العربي، وبتحول الآپوجيا من الرمز المعنوي إلى الواقعية التطبيقية فإنها تكتسب قوة المصطلحات والمعاني في محاور القيادات الثورية، متناولة بجملة قوانين وأراء أشكال الحياة في طبيعة وطبقة وتقنوية المجتمع وروحيته في المراحل المجتمعية التي تتمحور حولها سياقات التطور الطبيعي في جملة ظواهر انقلابية، تشكل صراعا بين الأطروحات الواقعية للمجتمع الطبيعي والأطروحة الآلية الاقتصادية للمجتمع الطبقي والأطروحة الحضارية لتطور الإنسان في مخاضات الدولة والنظام الهرمي والطبيعي للديمقراطية.
وهي ملف تاريخي ومعلوماتي يجسد قوة الطبيعة الإنسانية غير المنقطعة أمام عنجهية قوة الهرمية الدولتية الرسمية. وتتضمن مدرستها حقائق متنوعة ومتعددة في مرحلة “البدائيات القومية والدينية” المتمحورة حول تاريخ القرية والنيولوتية وكونفدرالية الشعوب الديمقراطية والمراحل المتداخلة والمتعاقبة معها أساسا:
1ـ الدين: يتخذ الدين موقعا نشوئيا بين رمز الوعي والعقيدة التعليمية والأخلاقية، ويفصح عن الوعي الاجتماعي وقواعده بنشوء التزامل التألهي والرموز الروحية في قلب المجتمع الطبيعي وتكويناتها الفكرية. وبما إن الأخلاق تسلك في حقيقة وجودها التقليدية والتعليمية المقدسة المكتسبة كقواعد اجتماعية مسار الوعي الذهني لتكوين طقوس العبادة وممارسة روحانياتها المسهمة في التطور الفكري والاجتماعي والإنساني فان الرمز يغدو ركنا مهما للحضارة في المجتمعات التكافلية باعتبار الدين منبثقا من الوعي الإنساني بصورة فضائلية تجمع بين القوة الضارية والتعليم لتحرير الإنسان من ظلم الإنسان وبالتالي يتخذ الوعي جملة عقائدية لتقديس الرموز وتطور الصياغات الدينية إلى تعاليم وشرائع وقوانين. فالنبي (ص) كان يفكر ويدبر قبل إيحائه بالنبوة في الغار وكان المستحضر بذهنية تفكيره جميع الرموز العباداتية ومقالاتها وحكاياتها ومشاهداتها في مجتمعية الطبيعية وما يطرحه اليهود والمسيحيون العرب لتبدأ لديه الصياغات بنزول الوحي وتلقيناته نحو تأسيس واقعية الدين الروحية والميثولوجية والعلمية والفلسفية والتحليلية في مكونات العقيدة الإسلامية (الايديولوجيا الدينية). بيد إن غزو الأفكار المضادة لمنهجية الإسلام والتلاعب بكتابه، وتحريف وإضافات شاذة في الأحاديث النبوية والنص وكذلك الشوفينية القبلية وأشكال الدجل النفعي وانحسار الاجتهاد الحقيقي جعل من الدوغمائيات أشكالا لقياس الحجة السفسطائية والسلطوية والتفويضية باستخدام الدين وتحويله سلعة تباع بثمن قليل تحت مظهر البديعة أو العمامة أو اللحية أو المسبحة أو الطريقة والقرطاس بسلوك مختلف عن تطور الحياة والعلم (وما أتيتم من العلم إلا قليلا ـ القران المجيد). أو إرهاب دموي أو فكر أو اقتصاد. وكذلك جعله الانتحال السلطوي إرغاما بأنماط فردية أو عائلية أو حزبية سياسية وكذلك إقحام القوى الاحتلالية غزوا يثير خطر السلبيات والتضاد في اختلافات الأديان والهويات والقوميات والطوائف. والآپولوجيا إزاء كل هذا تجسد منظارها النقدي تخليص الدين من الدوغمائية.
وفي مضمار أخر: فالدين مجسد للخلق الاجتماعية مما تشكلت بقوته الروحية مجموعة القيم والتعاليم تاريخية حضارية في مجتمعات الشرق الأوسط “الصراع يتمحور حول حضارة الشرق ألاوسطية والدين الإسلامي الذي يمثل آخر انطلاقة حضارية في المنطقة” (أوجالان) بيد أن أقوى عقيدة وحدث بين القوميات تاريخا وروحا ومنهجيا إنسانيا هو الدين الذي جسد منهجية المجتمعات الشرق أوسطية إذ قاومت القوميات وقاتلت متحدة غزوات المغول والتتر والصليبين وغيرهم.
2ـ الكون فدرالية: بين مركزية المجالسية والتعددية الجماهيرية الديمقراطية تظهر الكونفدرالية جوهرا وشكلا ديمقراطيا تمتلك استراتيجيا سياسيا وتنظيما (حربا) جماهيريا وتكتيكا برنامجيا، فهي بخصوص (KCK) أي المنظومة المجتمعية المتخطية اتفاقية سايكس بيكو ذات الصهر التبعي أو الغنيمة الحاكمة للمستعمر تعد تعبيرا عن المعنى، فنضال المجتمعات المتنوعة بهويتها وثقافتها وحريتها وتراثها تجعل من الانتماءات وحدة تتخطى القوميات البدائية والأطر المجزئة الأخرى، مما تجعل شرعية النضال ديمقراطية قوية في الإنتاج والدفاع والحضارة والسياسة في المواطنة الواحدة (الدين لله والوطن للجميع) فالجوهرية والآلية اللتان تنتهجهما الآپوجيا فلسفة ونظرية، هي جعل خصوصية مشروع الشرق الأوسط قوة تحررية محررة بالقوة المواطنية المقاتلة في الدفاع المشروع، لان القرارات الثورية فكرا علميا وآلة مقاتلة تناضل بعنف ايديولوجي ثوري أيضا ضد المشروع الشرق الأوسط الرأسمالي التبعي المستعمر وضد مشروع الشرق الأوسط الطائفي أو الشوفيني الفارسي. واصل القرارات الساعية لإقامة ميزان العدل هو ما يملى بنظام كون فدرالي ديمقراطي. وهكذا تتصارع بالسيطرة على الشرق الوسط. المواطنة الشرقية المستقلة والاستعمارية الغربية والشوفينية الفارسية ويعد جوهر النظام الكونفدرالي الديمقراطي وتنظيماته وحدة العائلة الحرة في منابتها الشرقية ويعتبر أيضا تعبيرا متصاعدا مستقلا سياسيا واجتماعيا في الخيارات الانتخابية الحرة لأنه اتحاد الشعوب. فبحركة الظواهر الاجتماعية الديمقراطية الايكولوجية تتجسد الانقلابية على الذات والموضوع في تطوير الذهنية العراقية مثلا والثقافية الإنسانية واستيعاب معاني الرمزية وقياداتها للحلول. إذ من المنطقي في متناقضات الفوضى العارمة إنهاء المطاف نحو التحرر فالعدالة، لان فرضية القوانين الحرة هي إثبات الحقيقة الشرقية في الواقع المتمدن بنشاط الايديولوجيا التي تشير للانتفاضة الفكرية النهضوية والاختيارات الجماهيرية السلمية أمام غطرسة الدولة وتلاعبها لا في كتاب القوانين الصحيحة والمفاهيم الشعبية الحرة. لذلك فالديمقراطية السياسية للكونفدرالية تعمل خارج الدولة وطبيعة مكاتبها، إنما تنشط في حركة الجماهير المدنية حتى مجالس الشعب ومؤتمراته. لان هذا النظام في رؤية المجتمعات المدنية المتطورة هو: منظومات جماهيرية أمام سياسة الدولة وخارجها ترتكز على قواعد أساسية كوموناتية ومجالسية ومؤتمراتية بناءة وبطبيعة الحال فان النظام يعد التجربة والثورة والممارسة للنضال الشعبي.
3ـ المدافعة الحرة: تتبنى الآپوجيا بين القاعدة الاجتماعية وهرمية الدولة بحد الايكولوجيا والفكر المنظم حكما شعبيا وإدارة وكون فدراليات الثقافة والفن والأدب أساسا قاعديا لثقافات المجتمع الشرق أوسطي بناء، والوحدات العائلية والجمعية وروحية المواطنة وبرامج التشريع والتنفيذات وغيرها خارج ارغامية مؤسسة الدولة. ومن تعددية الخطوط العامة. المدافعة المشروعة كقوة سياسية في تكوينات القواعد الاجتماعية وعيا ذهنيا وتنظيميا وحمايتها من الاستلاب والإرغام بأشكال المسالمة والتقربات. إذ إن النضال وليد الحرية الأشد ردا دفاعيا في قوة الايديولوجيا العلمية والعقيدة المدافعة عن العدالة. ولا شك: فهرمية الدولة واللاهرمية تمثلان سجلات الفكر والأخلاق والتنازع في الحرب بين النخبة الرسمية الضاغطة ومجالس الشعب وقواعدها المؤتمراتية من خلال دستورية الانتخابات وقرارات مؤتمر الكونفدرال الديمقراطي. ولا شك أيضا: فالمجتمع الرسمي العسكري الآلي يطوق بالات استبداد وسلطته وشذوذ نزعة الفكر (الذهان) المجتمع الطبيعي وقيم الأخلاق في الدولة تجعل من العنف إرهابا وقوة حضارة التسليح. ومن هذه النافذة ينبري لنا بان المجتمع الرسمي العبودي نظاما قائما على ذاته في خلق الفوضى المنظمة برمجة للعنف. لكن حقيقة تطور الإنسان تنزع نحو الحرية لتطويق العبودية وإجهاض الدوغمائية في مساحة الروبوتية الممثلة بالية النخبة المستبدة المعتزلة. إذ إن ما تشيعه هذه النخبة هو سرطنة السياسة والجاسوسية والبطالة وتدمير الطبيعة وتسويس الأخلاق وتحويل المجتمع القاعدي إلى سلالات رق مستهلكة. ولا خافية فالديالتيكية تنمو في حركة الفوضى كضد يلتزم الحرية التي يصوغها منطق التغييرات الجذرية والإصلاحية المرحلية (معالجات اجتماعية) والليبرالية الوطنية. وبما إن غائية الدولة الصارمة تغريب الإنسان عن هويته السياسية والاجتماعية بتحويل إلى رق تقليدي رسمي فان فلسفة الآپوجيا تمنحه حق تقرير مصيره وحريته في الانتماء المؤسساتي ونهج حكم الشعب المباشر لأنها هي تنهج من سلوكه الكونفدرالي ومن فلسفتها سياسة الانتماء وانقلابيها على الذات والموضوع.
4ـ البراد يغما:
إن ايجابية الحوارات ووحدة النتائج في الفقه الجدلي بوجهات النظر (البراد يغما) لا تقبل الالتباسات، فوحدة الآراء نتاج وجهات النظر الحرة نحو النهج الحواري. فثمة وجهة رأي يلفت النظر الفكري بالقناعة مستندة لمنطق وقوة الحقيقة في الجدل بالوعي الذهني، وبعد ذاك لا عبثية في المستنتجات لحوار الأطروحة. فنشاط البراديغما على الذات والموضوع بانقلابيتها يتجسد بقرار الحوارات في تكوين وحدة البرنامج البرلماني بنهج ديمقراطيتها اليسارية وأفكارها ناهيك عن كونها تنبع من قوى روحية الأخلاق.
فالحرية هي الكون في زنزانة القسر الرسمي والقنبلة الموقوتة التي لا مفر منها من الإمساك بمربع الضوء: الشرف والقوة والمعرفة والبطولة للسيطرة على وحدة الزمن بلا انقطاع عن التحرر. فهيبة الحق تكمن في عدالة القوة لمحاربة مدمني الحروب الدموية والاحتلالات.
وانه لمن جلاله القول: إن رصاصة المقاومة تنتهي حين تنتصر الإرادة ولا تنتهي رصاصة الفكر حين تبدأ الثقافة. وبالإشارة الدالة: فمبدأ العقيدة التاريخية في وحدة النضال الايديولوجي لدى منهج الآپوجيا يناقض براديغما القومية البدائية والمتآمرين على الفكر الإنساني وقضية الشرق الأوسط. بوجهة نظر القوميين والطائفيين المختلفة البدائية تدور حول إفساد “الجبهة الثقافية الخلفية” للعرب المثقفين الأحرار وغيرهم وتطوير المؤامرة وتطويق الايديولوجية الثورية في الشرق الأوسط.
وإجمالا: بوصف الآپوجيا يوتوبيا مركزية بقيادتها الحرة الديمقراطية، ولا مركزية بآفاقها التنظيمية، ومجالسية بكونفدراليتها وعلمانية بايديولوجيتها وصوفية بروحيتها وشرقية بتاريخها بلا بوابات مغلقة، فان كل الدروب تنتهي في مجتمعاتها الإنسانية نحو حضارة تحولات العصر الجديد. وقد أعطى المفكر الكردي “عبد الله أوجلان” جدلياته الفلسفية أيضا لهذا التحول منطلقا من شرقيته كمشروع شرقي أوسطي تحرري وهو القوة الايديولوجية المنفردة الآن في وضع الأسس الجديدة لهذه الآپوجية إذن لم تأت الايديولوجيا الشرقية اليسارية من يوتوبيا مثالية تجسد حلم ما وراء واقعية الفكر الإنساني ولم تتمخض تأليفا من سلطة افتراضية الامتثال سابقاً لأوانها لتنشا في إمتثال المجتمع الرسمي تركيبة مزاجية تعبر عن غرضية الدولة، بل أتت من آلام الجراح النازفة لنضال الشرقيين اليساريين وكفاحهم وجهادهم ضد سلسلة الإحتلالات المتوالية ومن حلقات تاريخهم والحركات المسلحة وحجرات السجون والاضطهاد. ووقوفا على ظهور تطور المعاناة من ظلم الغزوات العسكرية الدامي وحكومات عملائهم المرتزقة.. ما كانت ثقافتهم الحركية والحزبية والقيادية والجماهيرية ولادة عرضية أو إعدادا سيكولائيا، إنما انفجار ثوري بحركات تحرر قومي شرقي مواطني ديني معبر عن نظرياتها وتطبيقاتها بالنهضة الفكرية الممتدة بالتطور نحو اليسار المعاصر، مستندة لأصول اقتصادية اجتماعية وتاريخية علمانية، وأصول المقاومات المشروعة الميدانية والسياسية الحديثة لمواجهات الموجات الاحتلالية أو استعباد النخب الرسمية. فالاستعمارات مازالت في تطور أساليبها ونظريات مؤامراتها شراسة. ولا غزو فالمصطلحات الشرقية الموائمة للعصر تصب جميعها في الطريق نحو وحدة حياة المواطنة من كل جنس وعرق ودين ولون داخل نظام الايكولوجيا المواطنة داخل أوطانها وتدفع بالايديولوجيا المعاصرة لمحاربة المصطلحات المهيمنة على مواطنية الفرد. وخلاف ذلك فالمنتهكون يكثرون مخاطرهم في كل حقبة والخائنون يمهدون لعجلاتهم طريقا معبدة بالجماجم والدم. في هذا المضمار فلا بد من إن تتحول الايديولوجيا إلى ظاهرة طبقية تاريخية قوية الصلة بتواريخ ثورية ويسارية الجماهير العربية والتركية والكردية والإيرانية وانتفاضاتها الثقافية واللوجستية المعارضة ليمينيات السلطات الدكتاتورية وحكوماتها بقوة الاختراق فيما يظهر في ساحة القبلية والتسييس الديني المتطرف والأفكار الغاصة بالمصطلحات المتداولة العزلاء والحركات والأحزاب الشوفينية في أوقات عصيبة ودوامات اجتماعية، وبالتالي فلا بد من تخطي المفاهيم الخرافية واليسارية المغلقة والمثاليات والعبوديات التقليدية.. دون إلغائها بل نفيها كنقيض داخل قانون وحدة الصراع والتناقض. بالاعتقاد إن حطام الأفكار المتخلفة لا يجدي اصطلاحها نفعا، فالنضال القومي وليس صراعه وبالعمق المتوغل فيه وجب عليه تحطيم الوثنية الكهنوتية والاثنية بفأس ثورة الغضب الثقافية لخلق تاريخ جماهيري متمم بالزخم الروحي لتأسيس الديمقراطية في الحركة الكونفدرالية الشعبية ومحاربة الطوطم السلطوي المتمثلة بالأنظمة القابعة فوق أنقاض الخرائط. وما من بد وجب لتجزر في البنية التحتية للواقع ومسيرته الايكولوجية بخصائص مقومات الحضارة، فان تفكيره بالحداثة العلمية هو: استيعاب خلاصة القوانين الثورية والمجابهات وتجديدها.
والسياقات الدفاعية وصياغات المعرفة كأدوات جدلية لن تتوقف بالامتناع. فوعي القيادات الايديولوجية يدفع المشاعر وبحركاتها بالدفاع بعضا ببعض يسارا علميا متجددا بالسيرورات الفكرية وحداثة العصر الآپوجي والكتابات عن مفاهيم طبيعية وحقيقية النضال القومي الحر في الشرق الأوسط، رافضا أفكار السلالم الاجتماعية وألقابها الإقطاعية والامتيازية دون وحدة النظرية الثورية والفعل التطبيقي. فماذا ينبغي على مسار هذا الحزب أو حركة أو كادر أن يفعل؟ وضرورات التحولات الاجتماعية تفرض تأثيراتها في شخصية الفرد والجماعة وظواهر الحياة وحين تدفع المتعاونون السفليون ورجال الخيانات تفاحتهم البراقة الفاسدة ويحتسي الجنرالات دم الشرقي الحر زجاجة نبذ وهو يصرخ بثرثرة الفاشستية الحديثة في وجه جنوده الجحوش: لا تتفوهوا، خذو صمتكم وكلوا من لحم عدوكم وناموا تحت ظل الجدار العسكري! ولكن ما من ريب إن الجانب الأهم من النضال القومي والجهاد الديني الروحي هو تطوير المدنية الاجتماعية بمفاهيم اليسار العالمي الجديدة بجوانب الآپوجيا وتقبيل قاعدة الكفاح التاريخي للجماهير وحصانة هوية الشرق الأوسط (الكردي الحر هوية الشرق الأوسط ـ أوجلان) كمثال للنضالات القومية الشرقية الحرة. لأن الجماهير تاريخ عريض طويل غير منقطع. وبهذا الوزن فهي قوة رادعة للطغيان الثكناتي والغزو الفكري بالحشود التنظيمية التي يتوهج فيها عقل الشرق من جديد. فبينما تتساقط قنابل الاستبداد والحقد والإبادة على فدائيي ومخلصي القضية والانتفاضة ويصفق المتحالفون لفوهات النار والدم والدموع، فان الدم المفتدي يصنع جنود الآتي المقاتل وولادات الفكر المقاتل. لكنما في قوة القرار: إن البحث لدى الجماهير وسيلة مركزية للتقصي عن حقائق مفقودة تقاتل بعنف مشروع لأجلها. فالظهور بالنضال الايديولوجي والحزبي والطبقي القومي التحرري بمثابة حرب متواليات بلا هوادة على طفولة العسكرة الرسمية وعجرفة الساسة والعبوديات وصبيانيات الأحزاب التي نسختها الاحتلالات المستبدة.
وبهذا الصوب فما تعنيه الآپوجيا من الخوض هو لأجل النضال كثافة تعبئ قوى الشعب في صفوف الحرية المنتظمة. فالمناضلون يخيبون عندما يقعون في البعثرة الاعتزالية فرادى ويفلحون عندما ينخرطون في وحدة الحشد الجماعي بترتيب الخلايا. فالتنظيمات الشعبية المؤمنة بالسلم والديمقراطية والإخاء والرأي العام هي بيوتات حزبية عائلية مقدسة لا يدخلها إلا ملائكة الرحمة والسلام.
فالآپوجيون جميعا قيمون على بيوتاتهم الحزبية لا يغلقون نوافذها وأبوابها نحو النور. من منطلق كهذا فأطروحة الآپوجيا تشكل خطوطا حزبية وحركية وكوادر عامة في الترتيب الهيكلي القيادي والايديولوجي كمنهج ومذهب وفكر وفلسفة وبنوع جدلي وتحليل سيكولوجي. ومن هنا تكمن قوة الدفع والحركة والفعل وجوهر العقيدة لجعل الحياة السياسية حركة شعبية زاخرة بالثورات التقنوية والوعي الثقافي.. وشاملة على قوانين التغير والتطور والتقنية لتكوين علمية المعرفة، واستجماعا لوحدات العلل، التي رسخ بها الاستعمار المخمس (الخماسي) أسافين العبودية المسننة في جسد الشرق الأوسط والحياة الاجتماعية وبما ان الشعوب الشرق تواجه عملا شاقا وثقيلا بهذا فإنها مقبلة على اخطر المواجهات لثورة الجماهير الحديثة .. مترابطة بالتعشق والحبل المتين بين طليعية القمة والقاعدة الايديولوجية الجذابة ترابطا بنيويا وروحيا ونفسيا، واضعا نصب عينيه تكتيكاته المضادة في العمق الاجتماعي لتحولات العصر.. في ضوء تعاميم هذا المسار: حرصت الآپوجيا بشدة ومجاهدة على تمتين حبلها بالسعة التنظيمية باعتبارها الهيئة الكونفدرالية الشعبية العليا التي تدمر المنظمات السياسية والحركات والجمعيات المدنية المتعددة وإنضاج المرحلة لتجاوز العثرات لبناء معايير الشرق، لأن الأوقات تتجمع في استخلاص الجد بتجربته ومسؤوليته الديمقراطية، ليكون بالإمكان تكفيل النصرة على سلبيات زمن الطبقات المنسوخة والأفكار الغربية المشيرة للتمزق.
هنا: لست بصدد شرح لقتالات مفتعلة إرهابية عاطفية. ولكن ذاك يدفعنا إلى التقرب بتاً في حقيقة المواطنة، فبنية الثورة هنا تتمحور بقوة الإرادة الشعبية وثقافة المجتمعات المدنية التي تستعرض مضارب الاضطهاد والعلاقات المدمرة لحرية الإنسان أو المقيدة لإرادته التي آلمتها العبودية فمعركة التمرد الفكري تبدأ لدى الثوري على واقع الفرد، فالجماعة والمجتمع الذي ينتمي إليه، ينزع بما يحمله من مغالبة على خلفية التقاليد المطبقة بموروثاتها الديماغوجية فالكهنوتية على أدمغة الناس الذين لا يرون فيها إلا تضليلهم بالطاعة المخدرة في مناخات اجتماعية متطابخة الأفكار، لذا فهي مجموعة حروب بآفاقها المتعددة.
ـ الآپوجيا والحرب الثقافية:
غدا من الأهمية بمكان: ليس باستطاعة موت السلاطين وسلالاتهم المتحجرة بالتخلف والميعة الارستقراطية لابتلاع المواطنة في الإنسان المرتبط بوطنية، وليس بالإمكان ابتلاع غابة الثقافة النامية ونهرها بشن الغزوات الفكرية والحروب الإعلامية، لأنها تتجذر وتنمو في تربة الأدب بثقافات وحدات متعاقبة ومتصلة بحلقاتها الديالكتيكية العميقة كالبئر الجارية في مسالك التفاعل المعرفي ومعايشة الواقع الفني المتحرك نحو الإبداع اليساري الشرقي والتجارب العالمية لتحصين الفكرة مما يمكننا قولا عما نفهمه: تغدو الثقافة أفكارا قيادية منظمة وموحدة بالمناهج العلمية للآپوجيا التي هي تفاعل التجربة الدبلوماسية والسياسية والثقافية وفنون الجدل.
بهذا الخط الساخن: فالقضايا.. لا يعتريها تعقيد الفدراليات والكونفدراليات لان الحل يكمن في إعطاء الناس حقوقهم، ومغبة الأمر المعاكس في العقدة البارزة ستقع سياسة السلطات في تخبط الجاهلية الحديثة. وللاحتواء الجماهيري في النضال الداخلي لمشاورة المصالح الأساسية نحو مشروع الوفاق والاستغلال فلا بد من تحقيق قيادات شعبية في مجالسها الشعبية الديمقراطية المنتخبة.
اختصارا: إن طبيعة اللقاءات المبنية على إرادة الإنسان الذاتية هي ما كان مواءمة كونفدرالية لاتحادية الأفكار واستقلالها ووحدتها الحضارية والثقافية، لا على جريدة مرغمة له في حوارات السياسة الثقافة للنظام الدكتاتوري الرسمي تحت المظلات الأجنبية المستلبة بخصوصية الدبلوماسية هي بناء الثقة لحوارات الشعوب والأحزاب والدول، إذ إن فقدان هذه الخصوصية خارج الذات لإرادة عربية شرقية مثلا، يدفع نحو التدهور والعمالة والجريرة المرغمة.
يقول احد القادة الثوريين الشرقيين المعاصرة ((يجب الاعتماد على القوى الذاتية وليس المباحث فقط أو الاعتماد على الحلفاء والأمم المتحدة والمطلوب منا هو وضع خطنا الثوري الصحيح موضع التنفيذ)) بهذا المنطق لا زيف للناتج في الأطروحة الثقافية الفلسفية للآپوجيا الشرقية أيضا، لأنها لن تبقى على القديم قديما معوقا منفصلا عن حتمية الحداثة ولان المنتمين للثورة الأخلاقية الثقافية يمسكون بأنماط عالية من قوة الاستقامات المتفوقة. وبناء عليه: فان فنون الطروحات هي أدوات تسهم في أغناء المكتبة المعرفية في تاريخ الأحزاب الوطنية والحركات والمنتديات. فالمنشاة الايديولوجية للفكر اليساري العلماني والتقني الحديث هي مناهج تشكيلية علمية المعارف وتقنية الأساليب ومادية العلاقات في قوانين التطور والتاريخ المادي والمزاحمات الاقتصادية. لقد تعين على مشروع الشرق العربي الأوسطي البرلماني الديمقراطي تكوين دفة ثقافة علمية وأدبية وفنية وسياسية لينفرد بها الايديولوجي الشرقي بوقائع روحية وموضوعية وإحكام تسيطر على حركة الواقع بعمومية التكوين للأنشطة السياسية الجماهيرية بما يسمى بسوية المواطنة. ولعل الدبلوماسية في هذه السوية المنفذ الحواري المهم لبناء المستقبل على صرح ثورية الثقافة وفنونها وتأثيراتها. بيد إن قوات السلطنات الازدواجية المتوارثة تسدل الستار دائما على النافذة الثقافية وديمقراطية الفكر لتفتح بديلا عنها نافذة الجاهلية الحديثة والرعب النفسي وبربرة الدعاية المخيفة لتطوير فضاعة الرذيلة في شبكة الجرائم. ولا ننسى ثقافة الفن الشعبي التراثية المحفزة على التجدد بأصولها بالموسيقى والرسم والرواية، فإنها تظل دوما محافظة على الأصالة وطابعها الجماهيري القومي المناهض لانتهازية التقليد الرسمي للدولة في ثقافة الامبريالية ومؤسساتها التحريفية في وسائل الإعلام الحكومي المزور والمشين للغرض السياسي والفكري بالانتهازية النفعية، على الرغم من كونها عاجزة عن إقامة النضال الشعبي وعن صد تطور الثورة الغنية وقوة روحيتها في واقعية السياسة والدبلوماسية والعسكرة. فالسياسة فن دبلوماسي والعسكرة فن لوجستي في إطار الثورة الايديولوجية الشعبية. فالتطرق في لولبية واقع الأدب والفن المهجور هو تطرف المراقبة المتخلفة السيئة على الحياة ومنعها من الانفتاح والمعايشة. فالأدب بمجمله الثوري لا الأكاديمي السيكولائي (التلقين المدرسي) لسان طبقي وقومي كالفن يبحث في الوقائع البنيوية (التحتية والفوقية) ويربط بينهما ربطا حديثا ابداعيا لا يميت البطل في النص ولا يبتر النص عن موروثة.
فالرواية والشعر مثلا: حالتان مثيرتان للجدل والنقد والصراع لأحداث مساهمات تحررية في خلق مفاهيم فعلية للثورة الاجتماعية، فالرواية تعبير بنيوي فوقي تكاد تكون بنية تحتية لأنها تعبر بواقع مباشر الأحاسيس عما يدور في سيرورة البناء التحتي من حقائق للصراع الطبقي والنضال القومي والوجداني والسياسي وكشف القناع عن وجه الواقعية الأدبية للاستعمار المميزة بالتركيبات الاستلابية لتطوير البلبلة والزيف والخيانة في مظاهر حياة الشعوب المتخلفة، ومع ذلك لا تستطيع الرواية القومية والطبقية والوجدانية (المحلية) بخصوصيتها خلق إبداع حضاري أدبي وسياسي وعلمي دون إن تكون تيارا عاما متعاضد مع التيارات العالمية للرواية الثورية والاشتراكية والوطنية وبالتالي يكون المنجز عاما متجانسا عن مركب اجتماعي أنساني يشاقق ويضادد الخصائص الرجعية وبرجوازية القومية وبيروقراطية وإقطاعية الطبقية والرأسمالية. ولأجل هذا فالشرق الأوسط ومنه العراق لن ينهض ويقف على قدميه إلا بوحدة ثورية القوميات في هوية المواطنة داخل أقطارها في استخدام الرواية والقصة والحكاية ومضامين الحياة الشرقية وأساطيرها الميثالوجية حتى المليئة بقوة التعبير البطولي. ويستطيع رواية معاصرة حديثة بإنسانيتها الدرامية إن تقف بقدرة متفوقة ضد الروايات المتلفزة الهدامة كالروايات الغربية لخدمة الرأسمالية الدولية وتخريب تقاليد الشرق. إن التخريب الشعوبي والماسوني والجنسي لعب دورا روائيا فيلمائيا بجعل شعوب الشرق الأوسط في مختلف تكويناته مستشفى عاهات فكرية ونفسية وجنسية وتحت مأساة الإفساد الأدبي والفني في الروايات: كروايات جورج زيدان والبطولات الأمريكية الخيالية والكارتونية المتوحشة للقتل ومص الدماء ورموز الطغيان.
إن دوران عربة الأدب الروائي حول غموض الحقائق وسطحياتها يظل قائما دون ما استيعاب مظاهر الحقيقة، أمام عما يحدثه الأدب الدموي والرأسمالي في الثقافة القومية البرجوازية وانعكاسات روايات “السوبرمان” والأساليب الديماغوجية لحكايات على مظاهر الشرق الأوسط وتشويه صور الإسلام وفتوحاته الإنسانية الحضارية. إن وقوع ذلك التوجه في الثقل المرحلي يجعلنا نتمعن بعمق في قعر الخصومات والتصرفات الحادة بين الرومانسية الواقعية لأدب السلام والعاطفة المدنية لأدب الحرب لكي نسجل أدب الثورة تاريخا بشكل صحيح قائما على الوعي الشخصاني القومي الإنساني لتجاوز الصراعات المرحلية الراهنة بقوة لايمكن كسب ربحها المعنوي والروحي إلا بعشق الثورة حين يصبح الأدب الروائي جذره الممتد في تربة المواطنة وتصبح الرومانسية والجمالية شكلا روحيا من أشكال هذا العشق. ولا خافية: فالأدب المقاتل حتى برومانسيته المتوحشة هو واقع يزخر بقوة الفنون في مسرح الحياة الاجتماعية واستقلالها الداخلي ضد أولئك الذين يزيفونها ويحولون الماضي إلى سجن محاط بأغلال المرجعيات والأفكار المتطفلة. وبدقة ما يرى من المعنى: فالقصة والرواية والمسرحية والابريت في الثقافات الشرقية المعاصرة لا بد لها منقلبة انقلابا خياليا واقعيا معبرا عن الاستنطاقات العامة واستجوابات الفئات الطبقية والقومية الفردية الإبداعية لتكوين “يوتوبيا” أدبية ثورية تترك وزنا مؤثرا في المجتمع المتعطش للتحرر من أدران الخطيئة السلفية المغلقة بفعل التمسك بالقيم والمثل الواقعية الأخلاقية والروحية والاقتصادية، وحين يغدو هذا الوزن منظما بالقوى الثقافية فانه بعد ذاك يتميز كقضية خطيرة ورسالة عظيمة فالاتجاهات الايجابية في هوية العراق مثلا هي التي تؤدي بوحدتها إلى خلق اطر مؤثرة بانجازات النضال الفردي: التنظيمي والايديولوجي للتيارات الأدبية والسياسية والفنية. فخوض النضال الثقافي في ممارسة التجارب لفهم التوعية الذهنية والفكرية والفنية هو الذي يظهر الحقيقة المنطقية لمنازعة المغالطة أي السفسطة التي تسعي لتشويش دفاع الإنسان باستخدام نظرية التزويق الفلسفي (الماكياج). وبالتالي فالأدب السفسطائي والماسوني يجهزان على طموح العلاقات الثورية ويدفعان نحو التقوقع والتقليد الزائف بغية وصولهما معا لما يبغيان ويضيعان على الأديب الثوري بغيته لتغير البناءات الفاسدة في مسارات الأدب والإعلام.