افتتاحية العدد 19: غروب الأنظمة وشروق الانتفاضات
هيئة التحرير
مازال الشرق العاصي والمنتفض في وجه نظام الحداثة الراسمالية يدق سمفونية الثورة الديمقراطية الحرة بتناغم يتعجب له العدو والصديق، ومطالب الشعوب مكتوبة بافصح الجمل على لافتاتها منذ أن بدأت بالثورة والى هذه اللحظة. ولا يمكن لأحد غض النظر أو إنكار حقيقة المكتسبات الملموسة التي حققتها هذه الثورات عبر وعي وجداني وسياسي طالما كانت الحقيقة الحية في جوهر هذه الأرض التي أصبحت ساحة الوغى لكافة القوى المهيمنة في العالم. منذ لحظة إدراك النظام الرأسمالي العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية هذه الحقيقة، بادرت بمخطط هجومي جديد للقضاء على ثمار هذه الانتفاضات، لذا فجاءت هجماتها على بعض القوى ومنها افغانستان وليبيا وسياساتها في تعديل المحور الحاكم في المنطقة ضمن مخططها الاستراتيجي القائم، وتحويل حلمها في تحقيق مشروع الشرق الأوسط الكبير الى حقيقة. بالطبع كما للحداثة الرأسمالية مصالحها ومآربها في المنطقة، فلها حلفائها الاستراتيجيين من امثال حكومة العدالة والتنمية في تركيا وغيرهم من مخلفات القوى والأنظمة المحتضرة التي لا ترى سوى كوابيس الانهيار في كل ليلة. تحولت الساحة الآن إلى اشد حلقة صراع بين الشعوب المتمثلة في الحركات الشعبية الديمقراطية وقواها السياسية والأنظمة التسلطية المهيمنة بقيادة نظام الحداثة الرأسمالية، مع محاولة الأخير الاستيلاء على النتائج الموجودة على الساحة.
لم تتوانى حكومة حزب العدالة والتنمية عن لعب دورها في تطبيق استراتيجية النظام الرأسمالي باسم الدين، طمعا في تحويل النظام التركي الى نموذج تحتذى به المنطقة، لكن بات المجتمع العربي على دراية بحقيقية مواقفها الازدواجية من بعد سياساتها تجاه ليبيا ومع النظام السوري الجار الذي صدق سياسة اردوغان لالتقاء مصالحهم واعتبرته من الأوفياء له على حساب تصفية حركة حرية الشعب الكردي في البلدين. وما الهجمات الاخيرة التي تشنها حكومة العدالة والتنمية ضد القوى السياسية الكردية الديمقراطية وحزب العمال الكردستاني إلا جزء من المخطط الاستراتيجي الامريكي في المنطقة، وذلك لازالة كل ما يعيق تطبيق هذا المخطط والقضاء على القوى المعادية لسياساتهم.
لا غبار على مطالب الشعوب في تحقيق الديمقراطية والسلام والأخوة، والحركات الشعبية المتطورة في الشرق الاوسط تؤكد هذه المبادرة في كل لحظة من هبوب رياح الثورة التي تهب على تناغم منذ شرارة تونس والى اللهيب المندلع في سوريا بجميع قومياته وفئاته وشرائحه من عرب وكرد وسريان وأشور. بات حتما نجاح الثورات الشعبية التي تحيا ربيع عمرها مثلما صدق عليه قائد الشعب الكردي “عبدالله اوجلان”، لأنه وكما يقال “اهل مكة ادرى بشعابها” والشعوب اليوم أدرى بما تصبو إليه بوعي وإدراك، ولكن المهم هنا تحويل كل ما خلقته عبر تضحياتها هذه إلى نظام رصين متين في بناء مجتمع أخلاقي وسياسي.