أبحاث ودراساتافتتاحية العددالإرهابعدنان كيلومانشيتملف العدد 60

الأخطبوط القطري والإسلام السياسي والإخوان المسلمون

عدنان كيلو

عدنان كيلو

تمهيد

جاءت تسمية شبه جزيرة قطر التي رسمها الروماني بطليموس وتنصّ على لفظين لشبه جزيرة قطر، فكُتبت التسمية بالأحرف اللاتينية (Catara) قطارا، كطارا أو بهيئة (Cadara) (كدارا).

وهي ما يعتقد أنها إشارة إلى بلدة «الزبارة» القطرية التي اكتسبت شهرتها كأحد أهم الموانئ التجارية في منطقة الخليج العربي في ذلك الوقت.

سيطرت الإمبراطورية الساسانية عليها خلال الجزء الأخير من العصر المسيحي، وكانت قطر تضم منطقة تعرف باسم بيت القطريين، حيث لم تقتصر المنطقة على قطر بل شملت البحرين وجزيرة تاروت والخات والأحساء.

وما بين أعوام (661-1783) سيطر عليها كل من الأمويين، القرامطة، العباسيين، الدولة العصفورية، مملكة هرمز، البرتغال، أسرة بني نبهان العمانية، ثم العديد من البحرينيين،العثمانيين، ثم البحرينيون والسعوديون ثم العثمانيون مرة أخرى، وقد تخلى العثمانيون عن جميع حقوقهم في قطر بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى، وأجبرهم عبد الله بن قاسم آل ثاني (الذي كان مؤيداً لبريطانيا) على التخلي عن الدوحة في عام 1915.

نتيجة لتقسيم الدولة العثمانية أصبحت قطر محمية بريطانية في 3 نوفمبر 1916. في ذلك اليوم وقّعت المملكة المتحدة معاهدة مع عبد الله بن قاسم آل ثاني لإدخال قطر في إطار نظامها المتصالح للإدارة.

في عام 1995 سيطر حمد بن خليفة آل ثاني على البلاد بعد عزل والده خليفة بن حمد آل ثاني بدعم من القوات المسلحة ومجلس الوزراء فضلاً عن الدول المجاورة.

قطر والمنظمات الإسلامية (الإخوان المسلمون)

خلال ما يسمى بالربيع العربي، ابتعدت قطر عن دورها التقليدي في السياسة الخارجية باعتبارها وسيطاً دبلوماسيّاً، لقبول التغيير في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ودعم الدول التي تمرّ بمراحل انتقالية.

حيث رأى اللاعبون الإقليميّون أنّ قطر تبالغ في مقاربتها، وازداد التشكيك في دوافع الدوحة السياسية. تتأقلم القيادة القطرية الجديدة التي استلمت سدّة الحكم في حزيران/ يونيو 2013 مع هذا الواقع عبر العودة إلى اعتماد سياسة خارجية أكثر براغماتيكية، ومعالجة تداعيات دعمها للحركات الإسلامية في المنطقة، منتهجة السياسة الناعمة والداعمة للحركات المتعصّبة كـ “طالبان والقاعدة والإخوان المسلمين” والتحالف التام استراتيجياً مع تركيا وبشكل حصري مع ممول الإرهاب الأول رجب طيب أردوغان، وحزبه “العدالة والتنمية” المنحدر من الإخوان المسلمين، إذ يرتبط استقرار  قطر السياسي وثروتها الاقتصادية بالإخوان المسلمين الذين وصلوا إلى قطر مع نهاية الخمسينات من القرن الماضي، بوصول الشيخ عبد البديع صقر الذي أصبح مستشاراً ثقافياً للشيخ أحمد بن علي حاكم قطر آنذاك، الذي أحضر بدوره مجموعة من الإخوان كانوا قد فروا إلى السودان وعلى رأسها الدكتور كمال ناجي الذي استحوذ على الشيخ جاسم بن حمد آل ثاني مديراً للمعارف، وتولى إدارة مكتبه ممسكاً بمفاتيح التعليم، والعضو البارز الآخر كان علي شحاذة الذي أقنع الشيخ سحيم بن حمد آل ثاني أن يكون مدرّساً خاصاً له ومستشاراً ثقافياً، وفي ضوء تلك الصورة يتضح مدى انتشار الإخوان في قطر.

وقد ضمت الدوحة عدداً كبيراً من رموز الإخوان حول العالم ومنحتهم سمعة دولية واستخدمتهم كوسيط ثقة لتأدية دور تدخّلي فيما يسمى بالربيع العربي، محوّلة قطر إلى أخطبوط يحقق أهدافه وتطلعاته من خلال الدعم والتمويل، ففي ليبيا وسوريا ظهر اسمان ارتبطا بقطر  وهما (عبد الحكيم بلحاج ) و( علي الصلابي )، فقد لعب بلحاج دوراً رئيساً في تنفيذ السياسة القطرية بعد أشهر قليلة من اندلاع الأزمة في  ليبيا عام ٢٠١١، حيث شكّل المجلس العسكري في طرابلس علامات الاستفهام حول مصدر السلاح والمال، ليتكشف مؤخراً أنّ قطر هي من تدعم وتوفر إعلامها لترويج أفكار بلحاج المتطرفة، والشخص الآخر في تنفيذ سياسة قطر في  ليبيا هو علي الصلابي الذي أنشأ مع أخيه إسماعيل كتيبة كانت تتلقى الدعم العسكري والمالي من قطر، ونفذت هذه الكتيبة عشرات الاغتيالات ضد أبناء بنغازي العسكريين.

وبعد إسقاط نظام العقيد معمّر القذافي ومقتله بدأت مهمة جديدة في سوريا، حيث ظهر اسم (المهدي الحاراتي) الذي شكل لواء الأمة في معرة النعمان في إدلب بتمويل وأسلحة قطرية جلبت من ليبيا إلى سوريا مروراً بتركيا، وكان الحاراتي وبلحاج وعلي ينظمون رحلات لنقل المقاتلين إلى سوريا من ليبيا عبوراً والداعم قطر.

أما في مصر فقد قامت فيها جماعة الإخوان المسلمين المدعومة مالياً وعسكرياً من قطر بتولي العمل المسلح عبر تشكيل حركات أبرزها (حسم) و (لواء الثورة)، وقامت بتنفيذ عمليات إرهابية استهدفت مواقع للجيش والشرطة ومسؤولين مصريين، كما أيدت قيادة قوى سياسية إسلامية صاعدة في البلدان التي تمرّ في مراحل انتقالية، وقادت الردود الإقليمية تجاه الاضطرابات في ليبيا وسوريا تحت شعار البحث عن حلول عربية للمشاكل العربية، حيث لعبت دوراً حيوياً في الأشهر الأولى الصاخبة من الربيع العربي، إذ هي بلورت عبر شبكة الجزيرة الفضائية سرديات الاحتجاج البازغة، كما أنها عبّأت الدعم العربي بداية لصالح التدخّل الدولي في ليبيا في آذار/مارس 2011، ثم لاحقاً لفرض العزل الدبلوماسي على نظام بشار الأسد في سوريا.

وفي خضم مرحلة من الغموض والشكوك، قدّمت قطر صورة لبلد مستقر ومزدهر، حتى حين تمدّدت الاحتجاجات إلى دول مجلس التعاون الخليجي، علاوة على تعزيزه وتلميعه صورة قطر في أنحاء العالم.

 

قطر والإسلام السياسي

أشاع هذا الاستقرار الثقة في صدور قادة البلاد (الأمير حمد بن خليفة آل ثاني ورئيس الوزراء حمد بن جاسم آل ثاني) وحفّزهم على دعم قوى الإسلام السياسي الصاعدة في الدول التي تمرّ في مراحل انتقالية، وأيضاً على تزعّم التفاعل الإقليمي مع الانتفاضة في ليبيا وسوريا تحت شعار السعي إلى إيجاد حلول عربية للمشاكل العربية. بيد أن النجاح الأوّلي لقطر في تشكيل التفاعل الإقليمي مع الانتفاضات لم يكن مقدَّراً له أن يستمر، فمع تباطؤ عمليات التغيير في العالم العربي، بدأ أمير قطر الجديد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني يواجه مروحةً مختلفةً من التحديات لم يعاينها سلفه، خصوصاً بعد إعادة تثبيت السلطوية في مصر على إثر إطاحة حكم الإخوان في تموز/ يوليو 2013.

وفي ضوء الحملة المتواصلة التي شنّتها السعودية والإمارات العربية المتحدة لتقويض جماعة الإخوان المسلمين في مصر مع تفرّعاتها الإقليمية، تمّ وضع الدعم القطري لإخوان مصر تحت الرقابة المكثّفة في الرياض وأبو ظبي. وتواجه حكومة قطر الجديدة الآن المهمة الصعبة المتعلقة بتخفيف دعم الحكومة السابقة العلني للإسلام السياسي، وفي الوقت نفسه إعادة تحديد طبيعة انخراطها مع الشركاء الإقليميين والدوليين. مثَّلَ التفاعل القطري مع الربيع العربي استمراراً للتوجّهات السياسية الأعمق التي سبقت العام 2011، مثل الموازنة الدقيقة بين القوى المتباعدة؛ هذه الموازنة التي كانت السِّمة المميِّزة للسياسة الخارجية القطرية.

تموضعت الدوحة كحليف للغرب في العالم العربي من خلال الدفع إلى تطبيق التدخّل الإنساني في ليبيا والحل السياسي في اليمن، كما قرّرت على نحو مماثل تمويل ودعم الإسلاميين في المنطقة نظراً إلى اعتياد الحكومة القطرية منذ فترة طويلة توفير ملاذٍ للإسلاميين والمعارضين السياسيين من مختلف أرجاء العالم العربي والإسلامي، وإلى البراغماتية في الحسابات السياسية القطرية الإقليمية. وقد تقاطعت هذه العوامل في علاقة قطر الوثيقة ولكن المثيرة للجدل، فقامت بتوطيد العلاقات والروابط بين الدوحة وبين حركة الإخوان المسلمين العالمية، مع أن قطر تؤيّد رسمياً السلفية وتتبنّى المدرسة الحنبلية في الفقه الإسلامي، التي يختلف تشديدها على الطاعة السياسية للرعايا لحاكمهم اختلافاً جذرياً عن الطبيعة الشعبوية والنشطة للإخوان المسلمين. بدأت هذه الروابط تتطوّر عندما هرب أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين من الاضطهاد في مصر في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وفي سوريا في العام 1982؛ وقد ذهب العديد منهم إلى قطر.

تطوّر هذه الروابط لاحقاً مع الإخوان المسلمين تمخّض عن موقف دول مجلس التعاون الخليجي المجاورة التي فرّ إليها الإخوان، إذ هي وسَّعَت ونوّعت روابطها مع الفروع الإقليمية للحركة، لكنها أبقت قبضتها محكمةً على أي أنشطة لهم في الداخل، في حين سعَت الكويت والبحرين إلى ترويض حركات الإخوان المسلمين.

مُنِح الداعية المصري يوسف القرضاوي، المقيم في قطر منذ بداية ستينيات القرن الماضي، إضافةً إلى آخرين، منبراً في قناة الجزيرة للتعبير عن آرائهم بعد تأسيس القناة في العام 1996، إلا أن منفيّي الإخوان استُقبِلوا في الدوحة على أساسِ تفاهمٍ ضمنيٍّ بأن يمتنعوا عن التدخّل في القضايا المحلية أو التعليق عليها. هذا التفاهم رسم تمييزاً واضحاً بين المجالَين المحلي والإقليمي للنشاط، وحدّد ما هي الأنشطة الجائزة وغير الجائزة.

أقامت قطر نتيجةً لتواصلها مع شخصيات إسلامية، روابط مع العديد من قادة المعارضة الذين اضطلعوا بأدوار قيادية في الاضطرابات الثورية في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن. وتمتّع الإسلاميون السياسيون بقدرةٍ تنظيميةٍ أكبر من مجموعات المعارضة الأخرى في تلك البلدان، الأمر الذي دلّ على أنهم كانوا قادرين على نحو غير متناظر من الاستفادة من الفرص الانتخابية وفرص المشاركة التي تكشّفت، هذا الأمر منح قطر شكلَين من قوة التأثير في الدول والأنظمة التي تخوض مراحل انتقالية عقب الربيع العربي: روابط فردية من خلال المنفيين المقيمين في الدوحة، والذين عادوا إلى أوطانهم الأم، ونفوذ مؤسّسي مع بروز جماعة الإخوان المسلمين بصفتها لاعباً قوياً في عمليات الانتقال السياسي.

 

 

قطر ودعم الإرهاب

إضافة إلى الروابط مع جماعة الإخوان استفادت القيادة القطرية أيضاً من حيّز حرية المناورة النسبية التي تمتّعت بها محلياً، فما ميَّز قطر عن غيرها في العام 2011 كان الغياب شبه التام لأي نوع من المطالب السياسية للمواطنين القطريين، سواء أكانت منظَّمة أم غير رسمية. وحتى في حالة الإمارات العربية المتحدة “الريعية للغاية” المشابهة ظاهرياً لقطر، وُجِدَت جيوبٌ من الفقر والحرمان النسبيَّين في صفوف السكان، كانت قادرةً على أن تولّد (وولّدت فعلاً) استياءً اجتماعياً- اقتصادياً ومعارضةً سياسية.

يبدو أن قطر في كل تبريراتها الخيالية لمواقفها المثبتة في دعم الإرهاب، تنسى أنه ليس باستطاعتها خداع كل الناس كل الوقت، بعد أن نجحت في خداع بعضهم بعض الوقت.

حاولت الدوحة الترويج لمؤسساتها التي وُسمت بالإرهاب منذ سنوات بصفتها مؤسسات خيرية، حاملةً قيمة أثبتت أن ما تصفها قطر بالأعمال الخيرية لا يعدو دورها دور سمسار سلاح أو مموّل لأعمال إرهابية ناقضت سياسات وقيماً إنسانية.

وهذا ما أكدته صحيفة “وول ستريت جورنال” عن أزمة الخليج مع قطر، مشيرة  إلى التناقض في السياسات القطرية ، وإلى استثمار قطر لمليارات الدولارات في الولايات المتحدة وأوروبا وتستخدم الأرباح في دعم حماس والإخوان والجماعات المرتبطة بالقاعدة، مستندة إلى القاعدة الأميركية التي توجه منها الولايات المتحدة الحرب الإقليمية ضد التطرف، وفي الوقت نفسه لديها وسائل إعلام مسؤولة عن تحريض هؤلاء المتطرفين ذاتهم، ونشير هنا عندما اتخذت الإمارات العربية المتحدة ودول مماثلة إجراءات دبلوماسية واقتصادية تجاه قطر ، لم يكن ذلك قراراً اتخذ على تصرف قطر المثير للذهول، الذي يشكل خطراً على الولايات المتحدة والإمارات وقطر نفسها، فقطر تحصد ما زرعت.

وقد صرح الرئيس الأمريكي السابق ترامب مراراً بوضوح (حان الوقت لمطالبة قطر بالتوقف عن دعم التطرف) داعياً للعودة إلى صفوف الدول المسؤولة، وأن تحدد موقفها الصريح في وقوفها مع حرب الإرهاب أو ضده.

وقد تراكمت سنوات دعم قطر للمتطرفين الذين حققوا شهرة عالمية في منتصف التسعينات، من ضمنهم الإرهابي خالد شيخ محمد الذي أصبح فيما بعد العقل المدبّر لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، كما روّجت للزعيم الروحي للإخوان المسلمين يوسف القرضاوي، ولخالد مشعل زعيم حماس، وهي منظمة مصنفة إرهابية في أميركا.

والكثير من هؤلاء يعيش في الدوحة أو يعمل انطلاقاً منها أو يتلقى دعمها. والبعض مرتبط مباشرة بالأسرة الحاكمة، فقطر ليست وحيدة في ذلك، بل تعتبر هي وإيران وتركيا أكثر البقع في العالم يتركز فيها المصنفون دولياً كممولين للإرهاب.

وفي الوقت الذي تركز فيه الدول المسؤولة جهودها على مواجهة التطرف بكل أشكاله، تستمر وسائل إعلام مملوكة لقطر، في مقدمتها الجزيرة، في التحريض على العنف والتعصب في كل أنحاء العالم العربي، ما جعل سياستها مكشوفة، وقد صرّح مدير الاستخبارات الإلماني أوغست هاننغ بضرورة وقف تمويل المساجد التي تروج للتطرف في أوروبا كجزء من جهد مكافحة الإرهاب في الدول الأوروبية، ذاكراً قطر وتركيا بالاسم في هذا السياق ومشيراً إلى التمويل الأجنبي عموماً، خاصة من منطقة دول مجلس التعاون.

واتهم هاننغ تلك المساجد التي يسيطر عليها متشددون وتموَّل من الخارج، بالحيلولة دون اندماج المسلمين الأوروبيين في مجتمعاتهم وقبولهم بالقيم والمثل السائدة في المجتمعات الأوروبية التي يعيشون فيها، مشيراً أنه يتم ذلك من خلال تبرعات المواطنين الأغنياء ومنح المؤسسات الدينية والوزارات الدينية من دول الخليج (الفارسي) مثل دولة قطر، معتبراً أن المؤسسة الدينية في تلك الدولة الصغيرة الغنية تتبع منهجاً أصولياً.

وضرب هاننغ أمثلة بالمساجد التي تمولها قطر: “افتتاح أكبر مسجد في مالمو في السويد يتسع لـ ٢٠٠٠ شخص ليكون أكبر مسجد في الدول الاسكندنافية.

بالإضافة إلى مشروع تحويل مبنى تاريخي مذهل إلى مسجد بتكلفة ٣٠ مليون يورو في مدينة فلورنسا في إيطاليا، والمزيد من المشروعات المماثلة في إسبانيا والدانمارك وفرنسا وألمانيا على مبدأ الذي يدفع هو من يحدّد عادة كافة القواعد.

وأشار إلى أن ذلك التمويل يبدو ظاهرياً كأنه يقدم خدمة لأوروبا، لكنه على العكس يأتي حاملاً قيماً وأفكاراً تتنافى مع القيم الأوروبية.

وأضاف: “مثال آخر معروف لدى الجميع، تركيا ومدى قوة وتأثير رئاسة الشؤون الدينية التركية (ديانات) في أوروبا، وفرعها في ألمانيا المعروف باسم الاتحاد التركي الإسلامي (Ditib) الذي يقوم بالتشاور الوثيق مع أنقرة بخصوص كل شيء وليس فقط خطب الجمعة.

 

قطر والقوى الناعمة

بالعودة لسياسة قطر وانتهاجها مصطلح القوة الناعمة: حيث ظهر على يد (جوزيف ناي) من جامعة هارفرد، لوصف القدرة على الجذب وكسب ثقة الآخر، وذلك عام 1990، حيث جاء ذلك في كتابه الموسوم (القوة الناعمة… وسائل النجاح في السياسة الدولية)، ومما يعنيه المُصطلح زيادة الإنفاق على الأدوات المدنية، سواء في الخدمات أو الاتصالات الاستراتيجية، أو بتقديم المساعدة للدول المحتاجة، والمساهمة في دعم التنمية في دول العالم. ويتّكئ المُصطلح على استثمار عناصر الجذب الحضارية والثقافية، دون اللجوء إلى الإكراه، وذلك بهدف الإقناع ونشر الدعاية والفكر الوطني، عبر الآداب والفنون والدبلوماسية الرشيقة.

ومن مبادئ استخدام القوة الناعمة: حُسن استخدام الأدوات، وكسب العواطف، والتسامح وقبول الآخر، والانفتاح على الثقافات الأخرى.

ويأتي عقد المؤتمرات الدولية لمناقشة قضايا العالم، أو تجمعات النُخب المثقفة التي تمثل مجتمعاتها، لدعم الجوانب الدبلوماسية التي تقوم بها سفارات الدول في الخارج. ولعلنا نشير هنا إلى المؤتمرات السنوية التي تقوم بها وزارة الخارجية بدولة قطر، حيث تتم دعوة كبار السياسيين والقادة للتشاور وتقديم الرؤى حول قضايا العالم.

وتقوم هيئات السياحة باستخدام القوة الناعمة للترويج السياسي والسياحي، عبر الاحتفالات وتقديم العروض المخفّضة لتذاكر السفر وأجور الفنادق. كما يتم تقديم الفنون المادية خلال ذلك الترويج، بما فيها الأزياء والأكلات الشعبية والحرف اليدوية، إضافة إلى الفنون غير المادية من أغانٍ وألحانٍ محلية، إضافة إلى ذلك، قامت بعض الدول باستثمار القوة الناعمة من خلال الأفلام والمسلسلات، حيث أحسنت تركيا تقديم السياحة للجمهور الآخر، عبر المسلسلات ودبلجتها إلى اللغة العربية، وقد حلت تركيا في المرتبة الثانية عالمياً، بعد الولايات المتحدة، في هذا الشأن، ووصلت المسلسلات التركية إلى أكثر من 102 بلد في العالم.

 

كيفية مواجهة الحرب الناعمة

الحرب الناعمة حالة تخريبيّة تقضي وقبل أيّ شيء آخر على قيم المجموعة؛ لذلك لا بد من النهوض للمواجهة.

وبما أنّ أساليب الحرب الناعمة كثيرة ومتعددة، بالتالي لابدّ أن تكون أساليب المواجهة كثيرة ومتعددة أيضاً، وعليه فإن أساليب المواجهة تتمثل في المحورين التاليين:

الأوّل: جذري يهدف إلى التوعية اللازمة لحماية وتحصين الأفراد والمجتمع.

والثاني: احترازي ودفاعي ويراد منه المحاولة دون تأثير الأساليب التي يستعملها العدو، وهذا الأمر يتطلب تتبّع مخطّطات العدوّ والكشف عنها، ومن ثم التفكير في طريقة الرد.

وبشكلٍ عام، فإنّ العامل الأساس والمشترك في هذه الأساليب هو العمل على توعية الأفراد وتنمية ثقافاتهم وزيادة حرصهم، ولا معنى لمواجهة الحرب الناعمة دون هذا العامل، حيث ستكون كافة المحاولات عبثيّة لا فائدة منها.

ختاماً :

أستذكر مقولة الفيلسوف الصيني (صان تزو) المتوفى عام 496 قبل الميلاد، إذ أكد في فلسفته إمكانية تخريب أرض العدو وحضارته وإنجازاته دون إطلاق رصاصة واحدة ودون أن يراك كخصم له.

يرى “صان تزو” سياسة الحرب الخشنة سبيلاً فاشلاً وغير مجدٍ، بل وإن أنجح فنون القتال هو عدم الانجرار للاقتتال والحروب، كونها تؤدي إلى نتائج عكسية وسلبية، ويمكن اللجوء إلى بدائل أخرى لتحقيق أهداف الحروب ومكاسبها من خلال التأثير على المستهدفين سواء كانوا دولاً أو مجتمعات أو مؤسسات، بطرق عديدة تختلف باختلاف الزمن وتطوره تهدف إلى شنّ حملة عدائية على المفاهيم الفكرية والدينية والقيمية والحضارية.

8\2\2023

رئيس حزب التآخي الكردستاني

عدنان كيلو

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى