روشن مسلمكتاب الموقعمقالاتملف المرأة

موجز عن قمع المرأة تاريخيا

روشن مسلم

 

روشن مسلم

روشن مسلم
روشن مسلم

 

للمرأة عالم خاص قائم بذاته، فيه الجهل والحرمان، والكبت والعبودية، التأثير والتأثر، السلفية والتطلعات المستقبلية، العادات والتشرذم، الأمّيّة والتخلف، كلّ هذه المسببات تضع المرأة في موقع لا تحسد عليه.

عندما نتجول عبر الحضارات ونفتش في بنية تفكير كل حضارة عن مفهوم المرأة، لا نعثر على اتفاق موحد حول مفهوم المرأة، فهي تتأرجح بين القداسة والدناسة، بين المرأة المثال الرمز والرامز لقوى الخصوبة واستمرارية الحياة، والمرأة الدونية التي تعامل بدونية وتهميش، بين الآلهة المرأة والشيطان، ولعلنا نتساءل لماذا هناك تضارب حول مفهوم المرأة كإنسان؟

 

فإذا ما رجعنا إلى أقدم ما نعرف من عصور قبل التاريخ، رأينا المرأة ذات مكانة وشأن تمثلت في وجود التماثيل الأنثوية المعبرة عن وضعيات للآلهة الأنثى لها صلة بالخصب والولادة وشبهها الكبير بالطبيعة، وهوما يُقيم الدليل على المكانة المتميزة التي كانت تتمتع بها وقتئذ، ولعل عبادة الآلهة الأنثى كـ ( عشتار)، كانت نابعة من المكانة المتميزة التي شغلتها المرأة في وجدان الإنسان ارتبطت بالخصب والنماء الواسع الانتشار، ودل وبالتالي على أنّ المرأة وارتباطها بالخصب والولادة كانت المثال الأقرب شبهاً بالطبيعة، تشبه دورة الخصب والإثمار والربيع وعودة الحياة، خاصة مع عدم وضوح الدور الذي يلعبه الرجل، وكل تلك التطورات التي تطرأ عليها ولا تطرأ على الرجل، كل ذلك جعل من المؤكد أنّها الآلهة المسؤولة في مخيلة الإنسان آنذاك عن الخصب. مما دفعه لصنعها كالآلهة تشبيهاً لتلك القوى الخفية المسؤولة في اعتباره عن خلق الكون.

ويجدر هنا التنويه إلى أن توفر تلك الكنوز الآثارية لم يشكل لدى بعض الباحثين أداة جزم بانتشار ظاهرة عبادة الآلهة إلا حين توفّر الأدلّة التاريخية المستوحاة من مادة الأساطير والطقوس، التي بيّنت أن هناك عبادة آلهة كونية هيمنت على كل النصوص، ما ساعد على تدعيم هذه الفرضية بشكل أكبر وأوسع، فضلاً عن أنّه وبالرغم من التحول إلى النظام الأبوي مع العصر الكالكوليتي إلّا أنّ المكانة الرفيعة التي احتلتها المرأة مع الطور الأول من عصر فجر السلالات في بداية العصر السومري، وتمتعها باستقلال ذاتي كبير على مختلف المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والدينية، أكد ما حصل في العصور النيوليتية من تسييد للمرأة، وعبادة للآلهة وظهور مجتمع أمومي.

ويؤكد الباحثون هذا الأمر من خلال الأساطير فكون الديانة النيوليتية كانت ديانة زراعية في اعتقادها وطقسها، كانت الأسطورة الأولى أسطورة زراعية تتركز حول آلهة واحدة هي سيدة الطبيعة في شكلها الوحشي، وشكلها المدجن الجديد الذي تشارك يد الزارع في قولبته وتأهيله، ومع نضوج الثقافة النيوليتية في جوهره، واكتمال الشكل الاقتصادي الجديد وتزايد الدور الاجتماعي للرجل بعد أن كان المجتمع أمومياً في جوهره، فقد أصبحنا نجد إلى جانب الآلهة الأم ابنها الذي نشأ عنها، والذي دعته عصور الكتابة )بتموز أو أدونيس).

لعبت المكانة الاجتماعية للمرأة في تلك العصور، والصورة المرسومة لها في ضمير الجماعة دوراً كبيرا في صياغة التصور الديني والغيبي الأول، فمع انتقال السلطة في المجتمع نهائيًا إلى الرجل وتكون دولة المدنية القوية، ذات النظام المركزي والهرم السلطوي والطبقي المتسلسل الصارم الذي قام على أنقاض النظام الزراعي البسيط، يظهر الآلهة الذكور ويتشكل مجمع الآلهة بزعامة الإله الأكبر، بعد أن كانت الآلهة الواحدة الأم في العصر النيوليتي، ولا يشاركها في سلطانها إلا ابنها الذي نشز منها، وكان مقدّمة لظهور بقية الآلهة الذكور.

 

مكانة المرأة مع ظهور الحضارات القديمة

على الرغم من أنّ مكانة المرأة وانزياح مكانتها كآلهة بدأ من العصر الحجري النحاسي، إلّا أنّ انزياح مكانتها بالكامل على الصعيدين الأسطوري والحضاري لم يحصلا خلال فترة قصيرة، بل تمّ ذلك عبرة فترة امتدّت لتغطّي عصور حضارات كاملة، وصولاً إلى غياب دور المرأة بالكامل على صعيد القيادة والحكم، وكذلك تدنّي مكانتها الإنسانية، والاكتفاء بأنّ لها دورًا منحصرًا في الحمل والولادة، عدا التمييز بسبب الجنس وتحميلها إثم الخطيئة الأولى وغضب الإله، فاسحة المجال لتشكل المجتمع الأبوي حتى الزمن الراهن.

إنّ جملة من التطورات قد زعزعت عرش المرأة، ونقلت المجتمع من سيطرتها إلى سيطرة الرجل، وهو أكبر تراجع للمرأة في التاريخ على حد تعبير -إنجلز – في كتابه أصل الأسرة، وذلك لأنّه استفاد من حريته الشخصية، فسخر المعادن والآلات حسب رغبته، واحتكر المهام التي تفتح له المجال للسيطرة على الطبيعة.

المرأة الآشورية

في الحديث عن التشريعات التي تخص المرأة وعن المكانة المختلفة للنساء اللواتي شغلن مناصب عديدة في الكهانة وفي الحكم وفي الآداب، في تاريخ بابل القديم وخاصة آشور، وذلك  لتحديد مرجعية التشريعات التي طالت المرأة والأسرة وعكست أحوالها ومكانتها وأهميتها، فالمادة القانونية التي تركتها لنا حضارات الرافدين التي ساعدت، بل شكّلت المادة الأهم التي عكست طبيعة العلاقة الاجتماعية ومكانة المرأة، وانزياح هذه المكانة مع العصور وخاصة كلّما اتجهت نحو النهايات، ونقصد بها سقوط بابل، حيث نجد أن الاتجاه بالتشريع والقوانين ينحو باتّجاه المزيد من سلب المرأة حقوقاً كانت تتمتع بها من عصر إلى آخر، بل وحتى المسميات والمفاهيم العديدة تتخذ معاني جديدة مرتبطة بالمكانة الجديدة، فالكاهنة التي كانت تقدم طقس الجنس المقدس  كواحد من الخدمات الدينية في ظل دين الآلهة ستصبح بغياً، ويتحول الجنس المقدس إلى جنس تجاري(الدعارة) وتتحول هدية العرس إلى ثمن للعروس، وتتحول البائنة من أملاك يقدمها والد

العروس لتحميها وتحصن مكانتها الاقتصادية واستقلاليتها إلى هدايا وموائد وولائم في يوم عرسها.

 

المرأة الإغريقية

في العهد الإغريقي لم يكن للمرأة الحرة الكثير من الحقوق، فقد عاشت مسلوبة الإرادة ولا مكانة اجتماعية لها وظلمها القانون اليوناني فحرمت من الإرث وحق الطلاق ومنع عنها التعلم. في حين كانت للجواري حقوقاً أكثر من حيث ممارسة الفن والغناء والفلسفة.

لم يقتصر هذا الرأي فقط على الرجال العاديين أو الجهلاء من الشعب عند الإغريق، بل كانت أيضا نظرة المفكرين والعقلاء والفلاسفة، فهذا ما أبده أرسطو في رأيه عن مكانة المرأة في مجتمعهم بعد تحليل وتفكير حيث قال: – المرأة رجل غير كامل، وقد تركتها الطبيعة في الدرك الأسفل من الخلقة، وأنّ المرأة للرجل كالعبد والعامل للعالم، والبربري لليونان، وأنّ الرجل أعلى منزلة من المرأة.

 

في مدينة إسبارطة اليونانية كان وضع المرأة أفضل، فقد منحت المرأة هناك حقوق، حيث حصلت على بعض المكاسب التي ميزتها على أخواتها في بقية المدن اليونانية، وذلك بسبب انشغال الرجال بالحروب والقتال.

المرأة الرومانية

رغم أنّ الرومان شأنهم شأن الإغريق كانوا ذكوريين في توجهاتهم، إلّا أنّ مكانة المرأة لديهم كانت تختلف عن مكانتها في اليونان، حصلت المرأة على حقوق أكثر مع بقائها تحت السلطة التامة للأب أو لحكم سيدها إن كانت جارية، أمّا المتزوجة فقد كان يطبق عليها نظام غريب؛ إمّا أن تكون تحت سلطة وسيادة الزوج، أو أن تعاشر زوجها وتبقى مع أهلها وسلطتهم.

وكما في اليونان فقد استبعدت المرأة الرومانية عن القيام بأي أدوار تمثيلية على المسرح، لأنها كانت حكراً على الذكور، وإن كان أحد الأدوار يتطلب وجود امرأة كان يظهر به أحد الرجال من خلال ارتداء لباس امرأة، ويضع شعراً مستعاراً ويقوم بأداء الدور لأنهم يعتبرون المرأة التي تقوم بهذه الأدوار ذات سلوك سيء وينظرون إليها نظرة دونية، ومن كانت تغامر بالقيام بأيّ عمل على المسرح كانت تقوم بذلك على حساب سمعتها، ولقد كان المجد الوحيد الذي تستطيع فيه النساء التعبير عن مشاعرهنّ؛ هو من خلال كونهن متفرّجات في مسارح الهواء الطلق، وربما هنا فقط تمكنت النساء من تحقيق أكبر قدر ممكن من المساواة مع الذكور، وهذه الأمور لا تكتمل إلا باختلاط الجنسين معاً فشرعوا في كشف الحجاب عن نسائهم وترقَّوا في ذلك شيئاً فشيئاً حتى أصبحت النساء هنّ المسيطرات على الأمور السياسيّة، وحصل في هذا الاختلاط من الدنايا والمقاذرة، وحدثت أثناء ذلك أحداث غيرت اتجاهات الأفكار بالمرأة، فأخذ الحقد يزداد شيئاً فشيئاً، والتضييق يشتد يوماً فيوماً، حتى وصل الأمر إلى ما وصفت بالقرون الوسطى، لغاية القرن السابع عشر ومقدمة القرن التاسع عشر، فإذا كانت المرأة المسكينة ألعوبة بيد الرجل لهذه الدرجة، يحبسها مادام متديناً، ثم إذا دخله حب اللهو والترف يخرجها ليلعب بضعفها، ثم إذا فتنها وأتلف أدبها بما يخترعه لها من أنواع البذخ والزينة، يراها حملاً ثقيلاً عليه فيعيدها إلى حبسها بأشد مما كان.

المرأة الفرعونية

انفردت الحضارة الفرعونية القديمة بإكرام المرأة، وتخويلها الحقوق الشرعية القريبة من حقوق الرجل، فكانت تشارك زوجها في العمل في الحقل.

ففي عهد الفراعنة في مصر كانت للمرأة حقوق لم تحصل عليها أخواتها في الحضارات السابقة، فقد وصلت للحكم وأحاطتها الأساطير. كانت المرأة المصرية لها سلطة قوية على إدارة البيت والحقل واختيار الزوج، كما أنها شاركت في العمل من أجل إعالة البيت المشترك. كان الفراعنة يضحّون بامرأة كل عام لنهر النيل تعبيراً عن مكانتها بينهم، إذ يُضحّى بالأفضل والأجمل في سبيل الحصول على رضى الآلهة.

المرأة الصينية

لم تكن مكانة المرأة في الصين، بأحسن حالٍ منها في سائر الحضارات القديمة، رغم أنّ الصين شهدت تقدم حضارياً واسعاً في المجال المعماري والعسكري، وقد تركت الكثير من الانجازات الضخمة التي لاتزال إلى يومنا هذا، إلّا أنّ المرأة كان مولدها نكبةً وشؤماً على أهلها وعلى جميع من يراها. ولا حق لهما بالميراث، لا من مال أبيها، ولا من مال زوجها.

كان للزوج الحق في سلب جميع حقوق زوجته، واعتبرت امرأةً ساذجة وحمقاء، وكانت تلقب بعد الزواج ب (فو) أي الخضوع.

وفي الهند لم تكن المرأة بحال أحسن فقد حرمت من جميع حقوقها، وهي مادة الإثم، وبحسب القوانين الهندوسية، إذا مات زوجها فلا بدّ أن تبقى دون طعام إلى أن تموت أو تحرق أو تدفن مع زوجها حيّة بعد وفاته.

مكانة المرأة في العصور الوسطى

لقد اشتدّ سوء الظن بالمرأة في العصور الوسطى، وكثر الخلاف حول خلقها وطبيعتها، فقد شاعت في تلك الفترة عقيدة الزهد والإيمان بنجاسة الجسد، ونجاسة المرأة، ولعنت المرأة بلعنة الخطيئة الأولى، فكان الابتعاد عنها حسنة مأثورة، لمنْ لا تغلبه الضرورة.

من بقايا هذه الغاشية في القرون الوسطى، أنها شغلت بعض اللاهوتيين إلى القرن الخامس الميلادي، فبحثوا بحثاً جدّيّاً في جبلة المرأة، وتساءلوا في مجمع ماكون الكنسي أهي جثمان بحت؟ أم هي جسد ذو روح يناط بها الخلاص والهلاك؟ وغلبت على آرائهم أنها خالية من الروح الناجية، ولا استثناء لإحدى بنات حواء من هذه الوصمة، غير السيدة  العذراء أم المسيح.

كما شاعت عادة أقفال العِفّة، وهي أقفال من حديد، ركبت في أحزمة، وخصّصت لتلبسها النساء حول خصورهن، إذا غاب عنهن أزواجهن في السفر، ثم تغلق بمفاتيح، يبقيها الزوج معه، لا تفارقه لحظة، بل وصل الأمر في بعض المجتمعات، إلى درجة وضع قفل على فم المرأة، تغدو به وتروح، وقد كان يوضع هذا النوع من الأقفال عند خروج المرأة من دارها، حتى لا يدور بينها وبين الرجال حديث، تغويهم به إلى الرذيلة.

وكتب وليام بلاكستون في شروحه على قوانين انجلترا سنة 1765 م يقول: إن القيود التي ترزح تحتها المرأة، يراد بها في الغالب حمايتها وخيرها، ذلك أن القانون الإنجليزي يؤثر المرأة بعطف شديد، ومع ذلك فإن هذه المرأة التي أثرها القانون هذا الإيثار الشديد، حرمت من كل حق مدني، وحيل بينها وبين التعليم وكل شيء، ما عدا أحطّ موارد الكسب، ونزلت عن كل ثروتها عند الزواج.

 

ورغم ذلك العطف الشديد الذي يزعمه بلاكستون: فقد وقف الفلاح الإنجليزي توسون في أسواق بريطانيا، وأمسك بزوجته يعرضها للبيع، لقد خدعتني هذه المرأة، تزوجتها لتكون سلواي، فإذا بها تنقلب فتصبح لعنة عليَّ من السماء، وشيطاناً رجيماً، وباع الرجل زوجته بعشرين شلناً، وخرج الزوج من الغنيمة مرتاح البال.

 

ويؤيد ذلك ما ذكره الفيلسوف الإنجليزي هربرت سبنسر: من أن الزوجة كانت تُباع في إنجلترا خلال القرن الحادي عشر، وقد سنت المحاكم الكنسية في هذا القرن قانوناً، ينصّ على أن للزوج أن ينقل أو يعير زوجته إلى رجل لمدة محددة.

 

ويذكر العقاد في كتابه -عبقرية محمد- عن العصور الوسطى عصر الفروسية، الذي قيل عنه إنه عصر المرأة الذهبي بين الأمم الأوربية، وأن الفرسان كانوا يفدون النساء بالنفس والمال.

فهذا العصر كان كما قال الدارسون له: عصر الحصان، قبل أن يكون عصر المرأة، أو عصر -السيدة المفدّاة.

ويذكر العقاد حادثتين توضحان مدى مكانة المرأة في عصرها الذهبي، من كتاب أغاني الآداب والتحيات يروي فيها: أن ابنة أوسيس جلست في نافذتها ذات يوم فعبر بها الفتيان- جارات وجربرت- وقال أحدهما: انظر انظر يا جربرت، وحقّ العذراء ما أجملها من فتاة! دون أن يلتفت بوجهه.. وعاد صاحبه يقول مرة أخرى: ما أحسبني رأيت قط فتاة بهذه الملاحة، ما أجمل هاتين العينين السوداوين! وانطلقا وجربرت يقول ما أحسب أن جواد قط يماثل هذا الجواد.

وهي حادثة صغيرة، ولكنها واضحة الدلالة، إذ أن قلة الاهتمام تورث الازدراء (الحقارة). والحق أن عصر الفروسية يرينا بعض الشواهد الواضحة على هذا الازدراء.

 

ويروى أن الملكة بلانشفلور ذهبت إلى قرينها الملك بيبن تسأله معونة أهل اللورين ، فأصغى إليها الملك ثم استشاط غضباً، ولطمها على أنفها بجمع يده، فسقطت منه أربع قطرات من الدم، وصاحت تقول: شكرا لك إن أرضاك هذا، فأعطني من يدك لطمة أخرى حيث تشاء.

ويقول العقاد: لم تكن هذه حادثة مفردة، لأن الكلمات على هذا النحو كثيرا ما تتكرر، كأنها صيغة محفوظة، وكأنما كانت اللطمة بقبضة اليد جزاء كل امرأة جسرت في عهد الفروسية على أن تواجه زوجها بمشورة.

 

لم تتغير مكانة المرأة  في الغرب من العصور المظلمة إلى عصر الفروسية إلى ما بعدها من طلائع العصر الحديث، ولما تبرح المرأة في منزلة مسفة، لا تفضل ما كانت عليه المرأة في الجاهلية العربية، وقد تفضلها المرأة في تلك الجاهلية.

ففي سنة 1970 بيعت المرأة في أسواق انجلترا بشلنين لأنها ثقلت بتكاليفها على الكنيسة التي تؤويها، وبقيت المرأة إلى سنة 1882 محرومة من حقها الكامل في ملك العقارات وحرية المقاضاة.

وكان تعلم المرأة عاراً تشمئز منه النساء قبل الرجال، فلما كانت إليزابيث بلاكويل تتعلم في جامعة جنيف سنة 1849 وهي أول طبيبة في العالم يقاطعنها ويأبين أن يكلمنها، ويجمعن ذيولهن احتقارا لها، كأنهن متحرزات من نجاسة يتقين مساسها.

 

وكان بإمكان السيد أن ينهي زواجه منها إذا لم تنجب له ولدًا واحدًا على الأقل. ولم يكن يرى السادة ولا السيدات أنّ التعليم أمر ضروري، وبالتالي فإن قلة قليلة منهم كانت تستطيع القراءة والكتابة.

 

في يوغوسلافيا استبدل فلاح زوجته بحمار، وقال في ذلك: إنّه يحبّ الحمار ويفضله على زوجته، وقد تمّت هذه الصفقة العجيبة عندما كان البائع والمشتري يحتسيان كأساً من الخمر، وأبدى البائع عدم ارتياحه لهذا الثمن، وقال: – إنّ الحمار لا يعتبر ثمناً عادلاً لزوجته، فاقترح المشتري أن يعطيه عنزاً فوق الحمار، وقبِل الزوج بالصفقة.

 

أما في أوروبا القديمة، وفي بلجراد بيعت النساء بالميزان، وكان الرطل الواحد يساوي بنسين، أو ثلاث بنسات، وكان ثمن الزوجة التي تزن مئة رطل أو مائة وعشرين رطلاً لا يزيد عن 28 شلناً.

 

وفي ولاية نيفادا الأمريكية، منذ سبعة أعوام اتفق رجلان على أن يستبدلا زوجتَيهما، وأن تستولي كل زوجة على منزل الأخرى، بما فيه من الأثاث والمتاع والأطفال.

لم يصل احترام المرأة في العصور الوسطى إلى نفس درجة احترام الدجاجة؛ لأنّ الدجاجة تبيض والمرأة لا تبيض.

 

وكان منظراً مألوفا في أوروبا في القرون أو العصور الوسطى أن يخرج الرجل ساحباً وراءه زوجته، وقد لفّ حول عنقها حبلاً طويلاً يعرضها في مزاد علني للبيع.

مكانة المرأة في العصور الحديثة

إن أوروبا في حدود رؤيتها الفلسفية للإنسان، رغم شروعها في تأسيس منظومتها السياسية والقانونية الجديدة للفرد (الرجل أساساً)، فإنّها لم تخلص إلى عهد غير بعيد من نظرتها السلبية للمرأة، من ذلك، ومن خلال الثورة الفرنسية خطاب إمانول جوزيف سييس أحد كبار المنظّرين السياسيين للثورة الفرنسية في عام 1789م، التمييز بين المرأة النشيطة وغير النشيطة، وتم تصنيف المرأة مثل الأطفال، والأجانب، وجميع أولئك لا يستطيعون التصويت، وهم في الفئة الثانية.

 

على الرغم من دعوة ونداء الفيلسوف الفرنسي كوندروسيه، إلّا أنّ المرأة قد استُبعدت رسمياً من حق التصويت عن طريق الجمعية الوطنية الفرنسية في 1789م. وفي عام 1791م تم تنفيذ حكم الإعدام (بالمقصلة) بحق صاحبة بيان حقوق المرأة والمواطن -ماري غوزي -لأنها طالبت بأن تعطي المرأة الفرنسية نفس حقوق الرجال.

 

على الرغم من مساهمات المرأة في صياغة قوائم المظالم والدور الذي تلعبه نساء الشعب الباريسي – خصوصا مظاهراتها في 1789م لطلب الخبز والأسلحة – لكنّهن لم يلقَين أيّة حقوق ممنوحة في بيان حقوق الإنسان والمواطن، وإذا كان النظام الجديد يعترف لهنّ بشخصيّة مدنيّة، لكن؛ لا يحقّ لها التصويت، والانتخاب، في هذه الفترة.

في بداية الثورة، إذا كانت النساء لا يستطعن العرض على المنصة، مع إمكانية حضور مناقشات الجمعية، يأتين غالباً لابسات قميص يظهر موافقة الخطاب الموجه.

كما أعُدمت أوليمب دوغوج، بالمقصلة عام 1793 لمعارضتها سكان الجبال، هذه الأخيرة أعلنت قائلة: – المرأة لها الحق في تركيب سقالة. يجب أن يكون لديها أيضاً الحق في الصعود إلى المنصة، ولكن أيضاً ولدت امرأة حرّة، وتبقى مساوية للرجل في الحق.

وكثيرات عرفن السجن أو السقالة نتيجة الإجراءات العمومية أو السياسية، لأنهنّ كنّ يمنعن من دورهنّ السياسي.

 

وقف الرجال في كل الدول تقريباً بشكل متحفّظ معترضين في الوقت ذاته على مطالب النساء بالمشاركات السياسية. وهكذا في حين أنّ السياسة الخاصة بعالم الرجال تنساق إلى الحقوق الطبيعية للمرأة التي ترى أنها تناسب أعمال المنزل. ولم ترغب أغلبية كبيرة من الرجال بمشاركة النساء مسؤوليتهم وفي المقام الأول زوجاتهم. ويعتقد الرجال أنّهن ليس باستطاعتهنّ أن يتخذن قراراً مستقلاً بسبب الأدوار الاجتماعية للنساء. ويقرّ المصلحون الإنجليز بحق المرأة في الاختيار، والمتعلّق بأعمال الإصلاح عام 1867، والتي ربما تكون سبباً للانقسامات السياسية بين الزوجين في العائلة. ولهذا السبب حصلت النساء العازبات والمطلقات والأرامل على حق الاختيار أولاً في الدول الإسكندنافية، وفي إنكلترا مثلت السيدات المتزوجات مع الأسباب الإدارية أزواجهن، وظلت حتى سنة 1882م  لا حقوق شخصية لها، ولا حق لها بالتملك.

صارعت النساء ضد العوائق التي تتبع مع الجنسيات ولا يتعرض الرجال لأي نوع من شاكلة هذه العقبات. حصلت الأمّهات في بلجيكا وإيطاليا وبلغاريا الأرثوذكسية على حقّ الانتخاب المحلّي، وعدم حصول الأمّهات في هذه الدول على هذا الامتياز أصبح أكثر قيمة في المجتمع بالمقارنة مع كثير من النساء، ولم يعارض الرجال في أيّ وقت هذه الفكرة. وقد ناقشت المرأة البرلمانية جميع الأشكال التي من الممكن أن تجعل التصنيف خاصّاً بالمرأة من أجل تقليل نتائجه غير المتوقعة، فيما يسمى بحقّها الانتخابي، في بعض البلدان مثل- اليونان – وضعت شروط للتقييم التعليميّ السليم من أجل النساء، واضطرت النساء لإثبات تعليمهنّ الدراسيّ على عكس الرجال المنتخبين. وتطبّق شروط السن من أجل النساء أحيانا في إنجلترا والمجر وأيسلندا. كذلك استخدمت النساء اللواتي تتراوح أعمارهنّ ما بين 30 إلى 40 عاماً حقهم الانتخابي. وبشكل آخر كشرط أخلاقيّ أيضاً. حرمت نساء الشوارع في النمسا وإسبانيا وإيطاليا من حق الانتخاب مواجهة بذلك مع التمييز المفروض في الوقت ذاته استخدم غير الأعضاء الحقّ باختيار هذه القيود.

يذهب البعض إلى أنّ التغيير الاقتصادي والاجتماعي والسياسي كفيل بتغيير وضع المرأة، وقد يكون هذا الرأي صحيحاً، إلّا أنّه رأي منقوص، لأن هذا التغيير لا ينعكس على أفكار الناس وأنظمتهم الحياتية إلا ببطء شديد. فالنضال من أجل التغيير يجب أن يتضمّن في نفس الوقت النضال من أجل تحرير المرأة من أروقة آلاف السنين من التبعية الذكورية، في النضال لتحرير الرجل من نظرته للمرأة بل وتحرير المرأة نفسها من نظرتها إلى نفسها كمخلوق تابع وأقل، فما تزال هناك إحصائيات مثيرة عن العنف ضد المرأة في الغرب إلى الآن، مما يشير بوضوح أنّ الارث الحضاري لاضطهاد المرأة التاريخي لم يتخلّص الغرب منه حتى الآن، بالرغم من التغييرات الكبيرة التي جرت على حياة المرأة ومفاهيمها وحقوقها.

المرأة في الربيع العربي وواقع الشمال السوري

على الرغم من أنّ المرأة خرجت وثارت في طليعة الأحداث خلال ثورات الربيع العربي، انطلاقاً من تونس مرورًا بمصر وليبيا وصولًا إلى اليمن وسوريا، إلّا أنّ هذه الثورات والانتفاضات التهمت حقوق النساء، وضيّعت الأمل فيما كن يتطلعنَ إلى تحقيقه. مع أنّها كانت عاملاً فاعلاً للتغيير، لذلك كان من المنطقي أن تلعب المرأة دورًا هاماً في مواقع صنع القرار ما بعد الثورة.

تظلّ قضية المشاركة السياسية للمرأة في الشرق الاوسط، وتقييم الفرص المتاحة لها، في كافة مواقع صنع القرار سواء على مستوى مؤسسات الدولة أو منظمات المجتمع المدني من القضايا التي تحتاج إلى مقاربة مختلفة، وغير تقليدية في التعامل معها، مقاربة قادرة على نسج العلاقات بين الجوانب والأبعاد التنموية والحقوقية والسياسية، تتحرّك بقضية التمكين السياسي للمرأة من مجرد النضال في سبيل تخصيص بعض المقاعد للمرأة هنا وهناك، أو ضمان وجود عدد ما من النساء في مواقع صنع القرار أيًا كانت إلى تحقيق مشاركة سياسية ذات نوعية متميزة.

المرأة في مصر بعد ثورة يناير

بعد مشاركة لافتة للنساء في ثورة يناير، كان من المنتظر أن يتغيّر الوضع مجتمعيًّا لصالح النساء المهدرة حقوقهنّ على مستويات عدة، وهو ما لم يحدث، وأن يتغيّر الوضع سياسيًا إلى تمثيل أكثر في دوائر صنع القرار، وتمكينهنّ من مراكز قيادية أوسع، وهوما لم يحدث أيضًا.

ظلّت القيود الثقافية في مصر من أقوى أنواع القيود نتيجة استمرار هيمنة الطابع الذكوري الأبوي على الثقافة السياسية رغم حدوث كثير من التحولات  الإيجابية في السنوات الأخيرة، لكنّها مازالت إرهاصات وبدايات ولم تتحوّل إلى تيار رئيس. وبالطبع لا يمكن دراسة موقف الثقافة العامة من النساء دون فهم علاقة ذلك بالبنى السياسية المختلفة.

ويوجد العديد من القيود التي ترجع في جوهرها إلى طبيعة الثقافة المجتمعية المتوارثة عبر الأجيال، والتي تتحدّد عبر عدد من العوامل، أبرزها: – الخطاب الديني، والثقافة الذكورية الأبويّة المسيطرة على المجتمع المصري. وبصفة عامة في ظلّ تلك العوامل تجد المرأة المصرية نفسها أسيرة ثقافة جامدة، تنظر إليها على أنّها موضوع أكثر من كونها ذات إنسانة فاعلة، وتضع على جسدها وعلى حركتها قيودًا تجعل تفاعلاتها مقيدة، وتعرضها لصور من القسوة والعنف والإهمال بحيث تحل المرأة في معظم الأحيان.

فعلى صعيد الوصول إلى مراكز صنع القرار، بدا الأمر في الحكومة تعيسًا، فالوضع لم يكن أفضل، فقد ظل على سوئه، فلم يتجاوز تمثيل  نسب النساء داخل البرلمان 2 % عام 2012  وكأن ثورة لم تقم، كما انهالت الفتاوى المحرّضة على النساء، والمنتهكة لهن ولأجسادهن، مثل، تحليل ختان الإناث، والمطالبة بخفض سن زواج الفتيات من 18 عامًا.

المرأة في تونس بعد الثورة

تعالت أصوات النسوة التونسيات اللاتي ساهمنَ بدور بارز في الثورة التونسية لعام 2011م، مناديات بحقوقهنّ، رغم أن المرأة في تونس تعتبر عنصرًا فاعلاً في المجتمع، والأكثر إشعاعاً في العالم العربي، والقارة الإفريقية، إلّا أنّه لم يكن كافياً لحماية حقوق المرأة التونسية، حيث تشكل نسبة النساء 25% من القوى العاملة في البلاد عام 2013م، بالرغم من إصدار المرسوم رقم 35 في عام 2011م، الذي يضمن التكافؤ والمساواة بين الجنسين في الحياة العامة. وكان تمثيلها في مواقع صنع القرار فقط وزيرتان وكاتبة دولة واحدة في الحكومة، وطبقاً لإحصائيات المركز الديموقراطي العربي للدارسات الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية، حول انتخابات عام 2014م وهي أول انتخابات برلمانية تعقد بعد الثورة، كانت نسبة مشاركة المرأة 35% من أعضاء المجلس وهذه أعلى نسبة تمّ الوصول إليها في تاريخ تونس والمناطق العربية.

عديدة هي العوائق التي جعلت من قانون حقوق المرأة مجرد حبر على الورق، لأنّ الموروث الثقافي الذي يحمل صورة دونية للمرأة في تونس يعدّ أخطر، فهو يتّخذ قيمة؛ بحكم اعتياد الناس عليه ويتحول الى سلطة تخفي ما فيه من عدم تناسبه مع الواقع، لذا هي تحتاج الى ثورة فكرية لمن مازال يمارس السلطة الذكورية.

هناك دراسات تكشف حقيقة وضع المرأة، وقد تبيّن أنّ أكثر من نصف النساء 53.5% تعرّضنَ إلى أحد أشكال العنف بجميع أنواعه؛ الجنسي والنفسي والجسدي داخل الأسرة أو في العالم العام، على الرغم من صدور قانون حماية الناجيات من أعمال العنف ومحاكمة مرتكبي جرائم العنف ضد النساء، إلّا أنّ القانون مهدد أيضاً، بأن يصبح مجرّد حبر على ورق، فقد ظلّت المرأة تحت تأثير مفارقة، جمعت بين التحرر من جهة، والتمييز والعنف من جهة أخرى.

للتذكير قانون الأحوال الشخصية التونسي، يمنعُ تعدّد الزوجات، كما يعطيها الحق في اختيار زوجها، وألّا تطلق إلّا في المحكمة.

المرأة في ليبيا بعد الثورة

في ليبيا، كما هو الحال في البلدين الآخرين من بلاد الربيع العربي، فما تزال المرأة تواجه مشاكل بسبب البيئة السياسية والاجتماعية والثقافية المحافظة السائدة.

كانت مشاركة المرأة في الانتخابات بعد الثورة، هي التجربة الأولى للمرأة الليبية للانخراط في العمل السياسيّ، وقد بدأت مشاركتها لحقوق المواطنة في 7 تموز 2012م، والتي مثّلت لحظة تاريخيّة لليبيا.

 

المرأة في الشمال السوري ومواقع صنع القرار

إنّ تحليل هوية المرأة التي جربت عليها، ومثلت في شخصيتها كافة ضروب العبودية، ومصاحبة دعواها من أجل الحرية والمساواة كرفيق درب في الحياة، إنما يشكل الشرط الأولي للتحول إلى مجتمع ديمقراطي وأخلاقي وجميل.

لذا فإنّ دور المرأة في الحياة العملية من خلال تطوير دورها وموقفها وممارستها في المجالات العلمية والفلسفية والأخلاقية والجمالية وإحيائها في ذهنية المجتمع ومؤسساتها، كان من شأنها أن تعزّز بدورها في نجاح الثورة في شمال شرقي سوريا، وذلك بمستويات متوازية ومتكافئة في مختلف الحقول الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، حيث بلغت نسبة مشاركة المرأة في الهيئات التي تم تشكليها 60%، بالإضافة إلى مشاركتها الرئاسة المشتركة في كافة المقاطعات التابعة للإدارة الذاتية، وهي انطلاقة لترسيخ مفهوم الأمة الديمقراطية.

 

حقيقةً إنّ مفهوم الإدارة الذاتية يقوم على فكرة نظام الرئاسة المشتركة في المستويات الإدارية القيادية، يعني أن يكون للمنصب الواحد – امرأة ورجل – وينطلق ذلك من أن يكون للمرأة دور إيجابي فعّال لأن تلعب دورها الطليعيّ والرياديّ والقيادي في الإدارة، ويُمكن هذا المشروع المفهوم الجديد- مفهوم الأمة الديمقراطية – فعملية التحوّل الديموقراطي في مناطق شمال شرقي سوريا كانت بإعادة إنتاج النظم السلطوية التي تقتضي فيها بأن تتوازى وتتقابل فيها محركات التغيير.

بعضها يأتي من أعلى، سواء عبر تعديل التشريعات، أو إرساء بعض الإجراءات المؤسساتية أو تعديل السياسات، ويأتي البعض الآخر من أسفل من خلال التغيير المجتمعي عبر تنظيم الناس حول مصالحهم، أو عبر نشر الوعي، أو إثارة النقاش العام من خلال النقد والنقد الذاتي، أو حول القضايا التي تهمّ المواطنين والمرتبطة بمعاشاتهم اليومية. وذلك من أجل حركة متراكمة دافعة لهذا التحول وقادرة على مأسسته، وضمان استدامته و توطيده على المدى الطويل، حيث يأتي في مقدمتها التمكين السياسي للمرأة.

هُمّشت المرأة في الفترات السابقة وظلمت، أمّا الآن فهي موجودة في القوات العسكرية – وحدات حماية المرأة- وقدمت شهداء أمثال (بارين كوباني)، التي استشهدت دفاعاً عن أرضها في مواجهة عنيفة مع جيش الاحتلال التركي والجماعات الإسلامية، الذين سحبوا جثتها بعد أن عرّوها من ملابسها، ومزقوا ثديها، ليأخذوا صورة سيلفي مع الجثة، واضعاً أحدهم قدمه على ثديها مفتخراً، في مقطع فيديو مصور.

بالإضافة إلى العمل الإجرامي لحادثة اغتيال الشهيدة القيادية (هفرين خلف)، التي رصدت تواجد المرأة في الأحزاب السياسية خاصة في مواقع قيادية، فهي كانت مثال الجد والنشاط والعمل والالتزام في نشاطات مناطق الإدارة الذاتية لشمال سوريا، والتي أثمرت جهودها في إنتاج بنية داخلية قوية في حزب سوريا المستقبل بعد أكثر من 9 سنوات من الحرب القاسية.

لا يخفى على أحد أيضًا دور هذه الوحدات مع ظهور تنظيم داعش الذي حول المرأة إلى دمى جنسيّة، ومارس فيها كل أنواع الظلم والعنف والسبي خاصة المعتقلات الإيزيديات، ووضع لهن أسعاراً محدّدة لبيعهنّ في أسواق التنظيم؛ (سوق النخاسة) حيث كانت تتوزع أسعارهنّ حسب عمر كل امرأة.

ليس هذا فحسب بل ان عملية البيع لا تتوقف عند المشتري الواحد، بل سيكون من حق هذا المشتري ان يبيع نساءه في مرحلة لاحق إلى من يشاء وبالسعر الذي يرضيه أووضعهن في المزادات العلنية بين الناس وهن مقيدات الأرجل والأيدي في حبال طويلة لجرهن، في مشهد فيه الكثير من الإساءة إلى الكرامة والقيم الإنسانية.

إن مشاركة المرأة ودعمها في إنجاز ثورة الشمال السوري، هي مسألة حيوية، وليست ترفاً ولا وجاهة سياسية، إنّما هي شرط ضروريّ لحدوث تحول ديمقراطي حقيقي، وهو أمر كان ليس بالسهل.

في ضوء ما سبق، وفي محاولة لنحت مقاربة مختلفة في التعامل مع قضية المشاركة السياسية للمرأة، لكنّ هناك سؤال آخر لابدّ من طرحه، وهو كيف يمكن أن نعيش مع المرأة؟ أي أنّ قضية المرأة لا تحلّ بطلب يد المرأة، أو في البحث عنها، أو في العيش معها في بيت خاص، أو عام أو بمشاركتها الحياة بإنجاب الأطفال أو من دونهم، كلّ هذه القضايا التي تحتل الزاوية الأساسية في قلب وعقل القضايا الاجتماعية لا يمكن حلها دون مشاركتها في الحياة السياسة، أي يتعيّن العمل أساسًا بالمعالجة والمقاربة العلمية والفلسفية والأخلاقية والجمالية لها. وخاصة في ظل ظروف الحداثة الرأسمالية، التي تستلزم التحلي بروح المسؤولية العليا، وتستوجب الاتّسام بالقدرة على التناول العلمي والفلسفي والأخلاقي لها. فمن دون معرفة الوضع الذي أقحمت فيه المرأة طيلة تاريخ المدنية وفي العصر الحديث، فإنّ أنواع الحياة التي ستعاش معها ستنتهي لا بُدّ بالأخطاء واللا أخلاق والقُبح والشناعة.

إن بناء مجتمع ديمقراطي، مرهوٌن أوّلاً بتحقيق الأشكال الصحيحة والأخلاقية والجمالية من الحياة مع المرأة، فالحديث عن تعزيز نفاذ المرأة إلى مواقع صنع القرار، ليس هدفه فقط مجرد ضمان تمثيل كمّي، لكن أيضًا تحقيق نقلة نوعية واضحة في دمج قضايا المرأة في كافة الجهود التنموية والاقتصادية  والسياسات العامة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى