جاسم العبيدمقالات

أزمة مجتمع الشرق الأوسط وحل الحضارة الديمقراطية!

جاسم العبيد

جاسم العبيد 

الشرق الأوسط تعريفٌ حديثُ العهد لدول شرق البحر الأبيض المتوسط التي تتصف بمزايا هامة وصفات عالية الجودة من حيث الموقع الاستراتيجي الذي يتوسط العالم القديم والحديث، وما يملك من ثروات بترولية ومشتقاتها من نفط وغاز ومعادن ثمينة متنوعة وكبيرة وتراث رائع جعلته هدفاً لأعين المستعمرين والإمبريالية العالمية.

إن الوظيفة الأساسية لعلم الاجتماع هي تعريف الحياة، لكن الذين يدعون أنهم زاولوا العلم بدءاً من كهنة سومر ومصر الفرعونية وحتى علماء الاجتماع الوضعيين في أوروبا صاغوا تعابير ميثيولوجية هي الأكثر تحريفاً وتعتيماً للوعي بدلاً من الوظيفة الأساسية الأولية على الإطلاق.

بيد أنه لا يمكن الحديث عن علم الاجتماع مالم تعرف الحياة بمعناها الاجتماعي، كما لا يطور علم شيء مالم يصغ تعريفه، لاشك في أن هذا الوضع متعلق بالصياغة للحقيقة في نظم المدنية.

فمثلما لم توضح حقيقة الحياة الاجتماعية في نظم المدنية منذ لحظاتها الاولى وحتى يومنا الحالي فقد صيغت بعد غمرها بأشكال الإنشاء المنحرفة والخاطئة بمقاييس عظمى من خلال التصنيفات الميثيولوجية والدينية والفلسفية والعلمية فضلاً عن طلي وصقل هذه السرود بالقانون.

وبإقحام الثقافة المادية للمدنية ضمن علاقة جدلية مع ثقافتها المعنوية، لقن العبيد بنمط حياة تخدم مصالح وعقائد ومطالب الآلهة المقنعين وغير المقنعين، وذلك عبر سرد التاريخ المعروف أو الذي سمح بمعرفته، وقد تمكن نمط الإنشاء والتلقين هذا للحياة المهيمنة من الاستمرار بوجوده على الرغم من مواجهته الاعتراض والمقاومة من قبل عدد من الحكماء والحركات والمجموعات.

لقد بذل المفكرُ أوجلان قصارى جهده لتعريف الحياة عموماً وحياة الإنسان الاجتماعية على وجه الخصوص وخاصة في فصول ما يعنى بالحرية.

إن الضررَ الأكبر الذي ألحقته الرأسمالية هو أنها كادت تجعل تعريف الحياة أمراً مستحيلاً ونظام المدنية المستتر وراءها أيضاً مسؤولاً مثلها عن هذا الوضع في وقت وصلت الاتصالات أوج قوتها، إلا أن عجزَ العلم حتى الآن عن تعريف الحياة وأواصرها الاجتماعية رغم تطوره الخارق هذا إنما يثير الذهول إلى حد بعيد. إذاً ينبغي حينها السؤال عن ماهية هذا العلم وهو علم ماذا ومن أجل من؟  وإذا ما صيغ جواب هذين السؤالين فسنفهم دوافع عدم رد علماء الاجتماع على السؤال الأساسي – ماهي الحياة وما علاقتها بالمجتمع؟

إن أبرز الهويات المجتمعية المتميزة التعددية تنطوي تحت مسميات

1-  الهويات القبلية والعشائرية 2- الهويات الوطنية 3- الهوية القومية والدولة القومية التي هي ثاني دعامة للحداثة وهي القوة الناخرة للحقيقة.

الحياة الاجتماعية مصطلح في غاية البساطة إلا أنه يتطلب الإيضاح كمصطلح أساسي لكل العلوم، وعلى النقيض مما يظّن فهو مصطلح لم يتم بلوغ معناه بعد، رغم استخدامه الرائج فنحن لانعرف ماهي الحياة الاجتماعية ولو كنا نعرفها حق المعرفة لكنا أصبحنا حماة حثيثين لحياتنا الاجتماعية المتمزقة إرباً إربا تحت وطأة الأنظمة المهيمنة على الشعوب. فالجهل يسود الحياة الاجتماعية لا الحكمة وبالأصل فما يسري في الطرف المقابل لحياة الهيمنة هو حياة الجهل، ذلك أنه يستحيل الاستمرار بالأنظمة المهيمنة على الشعوب المقهورة دون إسدال ستار الجهل على الحياة الاجتماعية، لكن طورت المجتمعات تمدناً وأصبحت تمتلك الحضارات وإنما باعتبارها سلطة واستغلال مهيمنة على الأشكال الفنية المبالغ فيها والمزخرفة والمهيبة وذلك بغرض إخفاء معناها الاجتماعي المتزايد ضيقاً بالتدرج، وعلى سبيل المثال فالمدنية الرومانية والاغريقية أبدت أهمية فائقة لهكذا عروض في ميادين الإعمار والنحت والموسيقا والموازييك وتقديمها على أنها الحقيقة، أي بقدر ما يغالي النظام في عرض نفسه فهو يسعى بالمثل إلى إخفاء وتعريف معناه الاجتماعي – حقيقة المستغلين والمسحوقين – فيرفق العلم والفلسفة والفن بالسلطة وتبذل الجهود لتدويلهم مثلما كان الأمر في العصر الميثيولوجي والديني، بالتالي تعاش مرحلة من الكفاح العلمي والفلسفي في مواجهة التصدع الاجتماعي. وبقدر ما يتصدى العلم والفلسفة اتجاه زوال المعنى وضياعه بقدر ما تتضاعف قوتهما في التعبير عن الحقيقة، في حين أنه كلما ائتمرا بإمرة أصحاب السلطة والدولة فإنهما يصبحان دوغمائيين ويفقدان عراهما مع الحقيقة ويؤديان دورهما كوسيلة ناطقة باسم الاغتراب أي أن العلم والفلسفة تصاعدا كتعبير عن الحقيقة في وجه التعابير الميثيولوجية والدينية التي فقدت أواصرها مع الحقيقة ولكن عندما يبدلان دورهما فيخرجان من كونهما يتخذان المجتمع أساساً ليقوما بخدمة مصالح احتكارات القمع والاستغلال فإنهما يغدوان دوغمائيين ويدخلان مرحلة فقدان أواصرهما مع الحقيقة تماماً مثلما الاغترابات الميثيولوجية والدينية القديمة. هذا وتعاش سياقات مشابهة في الفنون أيضاً فالفنون التي تفقد صلاتها مع الحقيقة تسقط في حالة المغالاة بالذات وتتصاغر مبتعدة عن التعبير عن الواقع الاجتماعي. القضايا الاجتماعية الناجمة عن التحكم في عصر المدنية تفرض مساءلة الذات وبلوغ الحل في كافة أنماط التعبير عن الحقيقة، وبقدر ما يكون مصدر قضايا الحقيقة اجتماعياً فحلولها أيضاً مندرجة في إطار علم الاجتماع، أما العلم المفتقر لأواصره مع المجتمعية فلا مفر من اغترابه وبالتالي فقدانه عراه مع الحقيقة، في حين أن المجتمعات البارعة في كل أساليب الحقيقة هي مجتمعات تخلصت من الاغتراب ومن كونها معضلة اشكالية وتسودها المساواة والحرية والديموقراطية أي أنها أخلاقية وسياسية. 

من الأهمية تعريف مجتمع الشرق الأوسط كبنية كونية وأرض جغرافية، فهو مجتمع زراعي القرية فيه ركيزة يمتلك من الثروات الهائلة المعدنية والبترولية وما اشتق منها الكثير مما جعل هذه المجتمعات هدفاً لأعين الاستعمار الانكليزي والفرنسي والطلياني وغيره.

إن هذا المجتمع المستمر من عشرات الألوف من السنين شكل القوالب العقلية والروحية الأولية للبشرية وقيمها الثقافية، المادية منها والمعنوية. قد يكون هذا المجتمع بسيطاً يتكون من القرية والزراعة والفلاحة والرعي والقبيلة والقوالب الذهنية والروحية المستندة إلى المرأة الأم ومن بعض تقنيات الإنتاج. لقد رصف أرضية حياة جذرية بالنسبة للبشرية بنجاح مظفر وكل ما أنجز فيما بعد إنما تطور اعتمادا على هذا المجتمع .

ومنذ القرن السادس عشر  تصاعدت قوة الاستعمار الانكليزي والفرنسي خاصة، وشرعت باستكشاف الشرق الأوسط، فنابليون والمدن الايطالية وعلى رأسها البندقية كانوا قد فتحوا الطريق جيداً من قَبل، فضلاً عن أن رأسمال اليهود الذي يعرف بالشرق الأوسط ككف يده كان يهتم استراتيجياً بالمنطقة منذ البداية ويدل أوروبا على الطريق، أي أن الرأسمال اليهودي كان متخصصا ومحترفا في معرفة الشرق الأوسط ومدركاً لاهتمامات كل من هولندا وانكلترا والبلدان الأوروبية الأخرى التي في المقدمة وكذلك أمريكا بالمنطقة. كما أن رأس المال عينه كان الدليل والخبير بنقل المعلومات في الاستقامة المعاكسة أي إلى أوروبا، إذ يتحرك اليهود في هذا المضمار كمجتمع قبلي تجاري خبير منذ أول خروج لهم من اورفا ومصر.

لقد تحركت احتكارية انكلترا والتي يمكن تسميتها أيضاً بالهيمنة أو النظام العالمي أو الاستعمار الرأسمالي أو الامبراطورية ضمن نطاق الميول ذاتها عندما قامت بانطلاقتها استناداً إلى دعاماتها الثلاثية –الرأسمالية –الدولة –القومية الصناعوية وتواجدت المنافسة والهيمنة وأزمات الهبوط والصعود على الدوام ونجحت في السيطرة على منافسيها وبسط نفوذ مركزها على الأطراف والخروج من دوامات الأزمة القصيرة والمتوسطة المدى، لكنها نجحت بالهيمنة على كثير من دول الشرق الأوسط ووصلت إلى دول شرق آسيا، فأصبحت الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس

فقد تحركت انكلترا بموجب المبررات الاستراتيجية نفسها في توسعها صوب الشرق الأوسط، فالحاجات العالمية للنظام هي التي حددت مقاربتها من المنطقة، ذلك أن ما تحمله من قيم استراتيجية من حيث موقعها على طرق مستعمرات الشرق الأقصى وفي مقدمتها بلاد الهند وكذلك الأماكن المقدسة والموارد الاقتصادية التي تحتويها المنطقة تعد الدوافع الأساسية للسيطرة وخطوة بخطوة عزز بسط النفوذ المتكاتف بدءاً من القرن التاسع عشر وأثناء خوض انكلترا صراع السيطرة على المنطقة.

الطبيعة الاجتماعية للشرق الأوسط تحيا أيضاً تناقضاً، حاضره واهن وتاريخه عملاق مارد، فحاضر المنطقة وكأنه فخ منصوب أمام تاريخه الجليل، وكل ما هو موجود من قيم تاريخية يتم شل تأثيره بإيقاعه في هذا الفخ، ولفتح الطريق أمام التاريخ العريق للمنطقة سيتوجب تجاوز حالة فخ الحاضر المنصوب هذا، المعنى الآخر للحاضر هو قابليته لحل القضايا فبقدر ماراكم التاريخ من قضايا فإنه يحشدها جميعاً أمام الحاضر، فبينما يصطفي ما يستطيع حله من بين كومة القضايا تلك محولاً إياها إلى حياة خالية من القضايا فإنه يحيل ما عجز عن حله إلى الحاضر اللاحق ولو تطرقنا إلى القضية اليهودية التي زُرِعَتْ في قلب مجتمعات الشرق الأوسط فقد أصبحت قضية عالمية وليست قضية اجتماعية شرق أوسطية.

لقد نجح اليهود واستفادوا عبر التاريخ من الثقافتين السومرية والمصرية العريقتين وبشكل عام من الثقافات القبلية للمنطقة، ومن دون حل القضية اليهودية عموماً والاسرائيلية خصيصاً لن يكون باستطاعتنا حل قضايا الشرق الأوسط وحتى قضايا العالم.

اليهود أحد الوجوديات في الشرق الأوسط وإنكارهم وإبادتهم خسارة للجميع، وقد ظهر للعيان في القرن الماضي استحالة العيش بسلام وأمان بين مجتمعات الشرق الأوسط المتعددة كما حال بقية شعوب الأرمن والآشور كفكرة في هذا المضمار. وقد يكون مشروع كونفدرالية شرقي البحر الأوسط الديموقراطية بداية حسنة، فالهويات الوطنية والدينية الصارمة والمنغلقة الحواف قد تقلب إلى هويات مرنة منفتحة الأطراف ضمن إطار هذا المشروع، فالتوترات والصراعات والحروب الكثيفة التي شهدها الشرق الأوسط تجعل التعايش السلمي والحداثة ضرورة حتمية إذ يستحيل تجاوز القضايا الوطنية والاجتماعية المتفاقمة مالم يحقق تحول الحداثة بل إن الصراع العربي الإسرائيلي لوحده كاف للتشديد على ضرورة تحول الحداثة، ولئن كان النظام السائد قاصراً عن حل القضايا الأولية، فما يلزم عمله هو تفكيك وهدم النظام السائد. والعصرانية الديموقراطية تبسط بديل هذا الانهيار والانحلال.

إن الشعوب صانعة التاريخ لكن المشكلة أنه لا يصنعه على هواه وإنما تبعاً للظروف الموضوعية وقبل كل شيء تبعاً لأسلوب انتاج الخيرات المادية المحددة تاريخياً وبما أن الإنتاج المادي يتحسن دائماً ويتطور من أدنى إلى أعلى فإن دورَ الشعب في العملية التاريخية يتغير هو الآخر، علماً بأن دور الشعب في التاريخ يزداد مع تطور البشرية التقدمي وكلما ازدادت أعداد الناس المشتركين في العملية التاريخية كلما تعاظم نشاط الجماهير الشعبية ومع ازدياد الفعل التاريخي جدية سيزداد كذلك حجم الجماهير التي يكون هذا الفعل من صنعها.

إن اكتشاف مناجم الذهب والفضة في أمريكا واقتلاع سكانها الأصليين من مواطنهم واستعبادهم ودفنهم أحياء في المناجم وبدايات غزو ونهب الهند الشرقية وتحويل أفريقيا إلى ساحة محمية لصيد ذوي البشرة السوداء، فإن ذلك كله يميز فجر عهد الإنتاج الرأسمالي، ومن ثم التوجه لاستعمار دول الشرق الأوسط، ثم جاءت بعدها الحروب التجارية التي خاضتها الامم الاوروبية جاعلة الشرق الأوسط ساحتها وجزء من العالم، فقد اندلعت بانفصال هولندا عن اسبانية واتخذت أبعاداً هائلة في حرب انكلترا ضد اليعاقبة وماتزال مستعرة في حروب الأفيون ضد الصين وهلم جرا

وظهر نظام المستعمرات التي تضم انكلترا واسبانيا والبرتغال وهولندا

وفرنسا في أواخر القرن السابع عشر وهي في مجموعات منتظمة يشمل نظام المستعمرات ونظام الاقتراض الحكومي ونظام الضرائب الحديث ونظام الحماية الجمركية واعتمدت هذه الطرائق في جانب منها على العنف الوحشي كالنظام الاستعماري مثلاً ولكنها جميعاً تستخدم سلطة الدولة أي العنف المنظم والمركز في المجتمع بغية انماء عملية تحويل الاسلوب الاقطاعي للإنتاج إلى اسلوب رأسمالي وتقليص مراحله الانتقالية، إن العنف هو قابلية كل مجتمع قديم يحمل في أحشائه مجتمعاً جديداً وإن العنف هو بحد ذاته قوة اقتصادية وان وجود السكان هو شرط أساسي وضروري آخر لحياة المجتمع فالإنتاج مستحيل بدون الناس الذين يمثل عملهم تلك القوة الجبارة التي تروض الطبيعة وتجعلها تخدم احتياجات الانسان وهنا يلعب عدد السكان الدور الحاسم في تطور المجتمع ولقد صاغ مالتوس نظريته المنافية للعلم لتبرئة الرأسمالية وتبرير المصائب التي تجلبها للشعب العامل.

إن العوامل العامة المتكررة في تطور شعوب مختلف بلدان الشرق الأوسط التي تكشف من خلال مفهوم التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية لا تستبعد الخصائص المميزة الملازمة لمختلف الشعوب التي تنتمي إلى الشرق الأوسط، وتتجلى هذه الخصائص في تفاوت وتأثر ومستويات تطورها، ويرجع هذا إلى اختلاف زمان نضوج عناصر هذه التشكيلة أو تلك في مختلف بلدان الشرق الأوسط وإلى خصائص ظروفها الداخلية والخارجية وإلى طابع وجوهر التشكيلة نفسها. إن مجتمعات الشرق الأوسط تشمل الحالة الاقطاعية التي فيها السيطرة والخضوع وعلاقات استغلال الاقنان من قبل الأسياد الإقطاعيين.

إن السيطرة والخضوع والاستغلال من قبل الإقطاع في مجتمعات الشرق الأوسط جعلت صراع ما بين الطبقة العريضة من المجتمع التي تدعى البروليتاريا وأسياد الإقطاع، فمن أهم خصائص الحركة العمالية المعاصرة التقليدي للطبقة العاملة هو الفلاحون الكادحون الذين يشكلون قوة سياسية هامة.  ان التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية هي مجموع الظواهر والعمليات الاجتماعية الاقتصادية والايديولوجية والعائلية والمعيشية القائمة على اسلوب معين تاريخيا لإنتاج الخيرات المادية لشعوب الشرق الأوسط، وتطور المجتمع هو عبارة عن إيجاد الحلول الحتمية لتشيكلة اجتماعية اقتصادية أكثر تطوراً محل أخرى قديمة .

إن مجتمع الشرق الأوسط تسوده الأفكار القديمة الحديثة، فهو متفاوت طبقيا وفرديا لذا تنشأ بين الحين والآخر صراعات تصل إلى حد الثورة الغير منظمة لتبدل أو تطيح أو تغير، ويسود مجتمعات الشرق الأوسط القوى البرجوازية التي تتصارع مع القوى الكادحة فتستخدم هذه القوى أشد أساليب التنكيل وممارسة العنف على الطبقات الفقيرة المعوزة مستخدمة السلطة لكبح جماح صوت الجماهير الكادحة وكبتها لتتنازل لها بالنهب والسلب والظلم والقسوة. إن توسيع القاعدة الاجتماعية للحركة الثورية يهيء أساساً متينا للجبهة الموحدة المناهضة للاحتكارات، لكن الرجعية والامبريالية تتعاون مع البرجوازية في ضرب الحركة العريضة من العمال.

إن تغيير المجتمع الشرق أوسطي يحتاج إلى تكاتف الطبقة العاملة 

ومنع كل تصرف يؤدي إلى إضعاف هذا التكاتف وهذا التلاحم بين أبناء الطبقة الواحدة وهو شرط لازم لانتصار النضال في سبيل التحرر الوطني أولا ونشر الديموقراطية والسلام ثانيا.

في ظل الرأسمالية تستغل المدينة الريف استغلالاً لارحمة فيه وبالتالي توجد هوّة في المصالح بين المدينة والريف، وفي مجتمعات الشرق الأوسط تظل الهوّة ويظل العداء قائما بينهما وكذلك أسلوب الحياة، وتكمن هذه الفروق قبل كل شيء في تمركز ملكية الدولة والشعب كله في المدينة في الصناعة بينما تتمركز ملكية الجماعات الملكية التعاونية في الريف، والريف يختلف عن المدينة في المستوى الثقافي فقط بل وهناك تفاوت في مستوى المعيشة ونمط الحياة.

وهناك إشكاليات كثيرة في مجتمع الشرق الأوسط من حيث وجود العشيرة    التي  ظهرت تاريخيا جمعتها علاقة الدم والروابط الاقتصادية والدفاع عن المصالح المشتركة والمقاومة المشتركة لقوى الطبيعة العاتية، وقام النظام العشائري على أساس اقتصادي من الملكية الجماعية والاستخدام الجماعي لوسائل الإنتاج. كان أفراد العشيرة يعملون معا ويقتسمون معا وسائل المعيشة التي يحصلون عليها ويرأس العشيرة مجلس يضم البالغين سواء كانوا نساء أو رجالا، وكان المجلس يقوم بانتخاب وفصل زعماء العشيرة الشيوخ والقادة العسكريون ويصبح عمل الذكور أكثر أهمية من الناحية الاجتماعية وخاصة التوسع في الزراعة والرعي. وقد نشأت العشيرة والقبيلة في النظام البدائي ولعبت دوراً هائلا في تطور المجتمع الشرق أوسطي، ومع تطور الإنتاج وظهور المجتمع الطبقي والدولة، تمزقت تدريجياً رابطة الدم وأفسحت العشيرة والقبيلة المجال لظهور مجتمع بشري جديد تاريخيا .

أما الجماعة القومية فهي تعتبر في التاريخ البشري الشكل النموذجي للجماعة في المجتمع العبودي والمجتمع الاقطاعي، فهي على عكس العشيرة لا تقوم على رابطة الدم بل على أساس مشترك من الأرض واللغة والثقافة. وتظهر الجماعات القومية أساسا من خلال امتزاج العشائر المترابطة بصلات القربى – تقوم الجماعة القومية المتميزة بوحدة الأرض واللغة والثقافة المشتركة على قاعدة مادية محددة هي الاقتصاد الطبيعي الذي تعتبر الزراعة العنصر السائد فيه مع وجود تقسيم اجتماعي ضعيف جدا للعمل.

 أدى الاستغلال الوحشي اللاإنساني للبلدان المستعمرة والتابعة بواسطة الضواري الامبرياليين إلى نشأة النضال التحرري لشعوب الشرق الأوسط ضد القهر الاستعماري ومن أجل الحرية والاستقلال  الوطني.

 إن تناسب القوى الجديد على الصعيد الدولي بعد الحرب العالمية الثانية وانتصار الثورة الاشتراكية في عدد من البلدان الأوروبية والآسيوية وظهور المنظومة الاشتراكية العالمية كل ذلك أوجد ظروفا مواتية جدا للنضال الوطني التحرري الناجح، ولئن كانت الإمبريالية قد حرمت غالبية الشعوب من الاستقلال الوطني والحرية وقيدتها بقيود العبودية الاستعمارية الوحشية فإن ظهور الاشتراكية كان بمثابة إعلان عن حلول عصر تحرر

الشعوب المقهورة وتكتسح موجة قوية من ثورات التحرر الوطني النظام الاستعماري وتقوض دعائم الامبريالية فقد ظهرت ومازالت تظهر دول فتية ذات سيادة في المستعمرات واشبه المستعمرات السابقة تغير جذوريا وجه آسية وافريقيا والشرق الأوسط التي سيطر عليها الاستعمار الاوروبي مئات السنين لكنها انتفضت وهزت كيان الاستعمار والامبريالية العالمية من انكليز وفرنسيين وغيرهم وانتصرت معظم الثورات. لقد انهار الاستعمار وتحطم نظام العبودية الاستعمارية تحت ضربات حركة التحرر الوطني وها هي تصنع التاريخ لوطنها بسيادة تامة وكقوة جبارة محطمة للإمبريالية  

لكن شعوب الشرق الأوسط وفي البلدان التي تحررت واجهت مشاكل جديدة من حكوماتها التي جثمت على صدر هذه الشعوب وخانته وأذاقته بديكتاتوريته الويلات من العذاب والسجون والقهر والظلم وكما قال الشاعر لا يلام الذئب في عدوانه   إن يك الراعي عدو الغنم

إن اختيار طريق التطور والتحرر والديموقراطية  هدف منشود للشعوب  المقهورة المضطهدة، وهذا يحتاج إلى ثورة اجتماعية انقلابية من الجذور في الحياة السياسية والاقتصادية والايديولوجية لمجتمع الشرق الأوسط. ليست الثورة الاجتماعية مسألة صدفة بل ظاهرة طبيعية حتمية نابعة من الظروف المادية لحياة مجتمع الشرق الأوسط في مراحل معينة لتطوره ومن تناقضاته الداخلية.

 إن الشعوب ما كان بمقدورها أن تسكت على سيطرة المستعمرين. لقد خاضت معارك متواصلة وناضلت نضالا مستميتا ضد الكواسر الامبرياليين وفي سبيل الحرية والاستقلال الوطني ونالت مطالبه لكنها اليوم تناشد الحلول الديموقراطية للخلاص من الظلم والقهر الناتج من حكامها المستغلين.

إن إزالة نير الاحتكارات غير ممكن بدون تصفية مخلفات الاقطاعية والعلاقات القبلية وما قبل الاقطاعية والتي كان أصحابها يشكلون السند الاجتماعي الرئيسي للإمبريالية داخل بلدان الشرق الأوسط وان تصفية مخلفات علاقات ما قبل البرجوازية التي تعيق تطور الاقتصاد والوصول للديوقراطية والحياة السياسية الحرة السليمة هي مهمة كبيرة أخرى لثورات التحرر الوطني ولهذا فان ثورة التحرر الوطني هي ثورة ديموقراطية مناهضة للامبريالية والاقطاع بطبيعتها.

  ان القوى المحركة لثورة التحرر الوطني تجدر الاشارة إلى ان البلدان المستعمرة والتابعة كانت على مستويات مختلفة من التطور الاقتصادي والسياسي ويمكن ان تنسب بعضها إلى طائفة البلدان الزراعية الصناعية كما يمكن ان تنسب البعض الاخر إلى البلدان الزراعية المتخلفة التي لايوجد فيها صناعة متطورة ذات شأن اما البعض الثالث فهو البلدان الزراعية المتخلفة جدا التي ظلت باقية فيها مخلفات راسخة للعلاقات الاقطاعية واحيانا ماقبل الاقطاعية –العشائرية 0

 ان القوام الاجتماعي لسكان البلدان النامية متنوع للغاية وخاصة الشرق الأوسط ففي جميع هذه البلدان تقريبا توجد طبقة عاملة وفلاحون وبرجوازية وطنية صغيرة من سكان المدن ومثقفون وطنيون مدنيون وعسكريون واقطاعيون موالية للامبريالية ان كل هذه الطبقات تعاني من نير الاحتكارات الاجنبية ومن ظلم حكامها لكن ماهي الحلول للوصول بمجتمع الشرق الأوسط ليكون ديموقراطيا تنتظم فيه العلاقات الاجتماعية وتكافؤ الفرص ويتساوى فيه المواطنون ويحكم الشعب نفسه بنفسه ؟

ان الحلول واضحة المعالم وبينة الدروب فالانقلاب المعمق الذي يتناول الجذور في الحياة السياسية والاقتصادية والايديولوجية للمجتمع هو النور الذي يهتدى به للوصول إلى مجتمع لاتمايز فيه ولا طبقية ولا رئيس او مرؤوس.

  ان الديموقراطية انقلاب عميق الجذور في حياة المجتمع فهي انهيار الديكتاتورية والفاشية وانتهاء الظلم وتجاوز السيء ليتحول المجتمع إلى مبنى متماسك البنيان شاهق الفكر عالي الجودة في التنظيم ويبقى المثقفون الوطنيون الديموقراطيون شخصيات العلم والثقافة وقسم من الموظفين والضباط التقدميون والطلبة وغيرهم اولئك جميعاً لهم الدور الاساس في تثبيت الديموقراطية بمجتمع الشرق الأوسط.

يمكن الحديث عن أربع أمم أكثرية في الشرق الأوسط ألا وهي الأمم العربية والتركية والكردية والفارسية وهي ذات تاريخ عريق واضح

فالاتراك والتركمان ورغم أنهم ليسوا من سكان المنطقة الأصليين وجاؤوا متأخرين إلى منطقة الشرق الأوسط وإلى جانب كونهم كثر إلا أنهم يشاطرون المفاهيم السلطوية الايديولوجية المتشابهة ويتميزون بروح التعصب القومي للغاية ويحبون القوموية الدينية والعرقية حتى النخاع فالقضايا الوطنية التركية جسيمة جداً والديموقراطي في هذه الظلال الوصول اليها مع الترك شبه مستحيلة لكنها الأنسب لكل المتعايشين في المجتمع التركي الشرق أوسطي وأما الكرد وتطوير كردستان ككونفدرالية مؤلفة من الكومونات الاقتصادية والايكولوجية عبر الكيانات السياسية الديموقراطية العاملة أساساً بجميع خصائصه المذكورة إنما يتميز بأهمية تاريخية وبناء الأمة الديموقراطية المرتكزة إلى الهويات الوطنية المتعددة هو حل مثالي تجاه عقم الدولة القومية وقد يكون نموذج حل لأجل كافة القضايا الوطنية وقضايا الأقلية في الشرق الأوسط أما جذب أمم الجوار إلى هذا النموذج فسيغيّر مصير الشرق الأوسط وسيعزز فرصة العصرانية الديموقراطية في تكوين البديل.

لقد بلغ التاريخ بكردستان والكرد إلى حالة جعل فيها الشعب الكردي الذي يناضل في سبيل الحرية والمساواة والديموقراطية وكذلك شعوب المنطقة التي تناضل في سبيل الحرية والمساواة والديموقراطية مرغمين على توحيد مصيرهم. أما إيران فقد تحول الشعب الايراني إلى المذهبية الشيعية وهو يلاقي صعوبة بالغة كي يتحول إلى الديموقرطية وهناك أمم كثيرة تعيش في الشرق الأوسط تحتاج للديموقراطية والحرية كي تصبح مالكة للمساواة مع الآخر وهي تواقة للديموقراطية كتجربة امة فيها النجاح وفيها العيش المشترك المتآخي والسعيد مثل الأمة الأرمنية.

 إن الديموقراطية هي العلاج الناجع للعيش المشترك واذا ما خالفت الثورة أهدافها فيكون التحليل غير صائب في قضية الهرمية والسلطة والدولة.

المصادر –

1- مانيفستو—الحضارة الديموقراطية – القائد عبدالله اوجلان

2- رأس المال –    كارل ماركس

 الاقتصاد السياسي—

4- مجلة الطليعة — بحوث–  روجيه جارودي   

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى