جوان جمال
تبحث الورقة في مفهوم ” الدولة ” ، ” المدنية ” ، ” الديمقراطية ” والمصطلح التركيبي لهم ” الدولة المدنية الديمقراطية ” حيث تحاول تسليطَ الضوء في المساحة المسموحة للكتابة هنا في تلخيص سريع مع الإشارة إلى أهمية البحث المطول في أساس كل مصطلح وأهمية تحديد الأولوية هل هي لنشوء الدولة كحالة مستحدثة بالأساس قد أوجدها طبيعة نظام عالمي ساد منذ آلاف السنين ؟ ، وما دور الحاضرة والتمدن في هذا التشكيل لما يسمى ” الدولة ” ؟ ، وهل يجب أن تعقد الصدارة لتلك ” الدولة المدنية ” أم يجب مراجعة حقيقية لتاريخ البشرية، قبل الحسم بقبول مفهوم الدولة الحالي من عدمه ؟ وهل القبول ” بالدولة المدنية ” يستدعي إلحاق مفهوم ” الديمقراطية ” في تذييلها أي أنها نتاج طبيعي للدولة المدنية، أم العملية جدلية بين المفهومين. أوليس من الممكن تصور ” الديمقراطية ” خارجها، هل ” العقد الاجتماعي ” أو ما يسمى ” الدستور ” والقائم على معاقدة بين المجتمع أو الشعب والسلطة حالة ثابتة أم تم انشاؤه بفترة لم تعد تستطع البشرية دارة شؤونها دون تعاقد منصوص ؟ تلك بعض الأسئلة وغيرها كان لابد بالإشارة لها قبل البدء، مع التنويه بأن ما سيذكر لا تستطيع الورقة أن تحمله بين طيّاتها لوحدها، ولكن بالتأكيد تستطيع القيام بدورها الوظيفي في الإضاءة البحثية عن ” الدولة المدنية ” و ” الديمقراطية ” .
أولا – مفهوم الدولة : ما نقصده هنا هو مفهوم الدولة الحديثة وما تحويه من مقومات لاعتبارات الدولة من حيث ” الأرض – الشعب – السلطة ” إضافة للاعتراف الدولي والذي يشكل المقوم الرابع في مفهوم الدولة الحديثة
هذا المفهوم لم يكن رائجاً في العصور القديمة والوسطى حيث انتشرت مسميات أخرى مختلفة منها ” الإمبراطورية، السلطنة، الممالك ” تميزت أغلب تلك المسميات بشكل حكم فردي ذي طابع ديني بأغلب الأوقات أي سلطة ” ثيوقراطية ” إلى حد بعيد حيث كان يعامل الملك أو الإمبراطور على أساس من القدسية الإلهية والأوامر الصادرة بحقه هي ذات طابع ألوهي إلى حد بعيد وعلى الرعية الطاعة وعدم الاعتراض .
الطابع المميز لمفهوم ” الدولة الحديثة ” هو الثورية بنزع تلك القدسية عن الحاكم وتحييد الدين عن الحكم وشكل السلطة إلى حد بعيد ، أي أن مفهوم ” الدولة الحديثة ” ليس بامتداد طولي تطوري عن المسميات السابقة كالإمبراطورية وغيرها بل هي حالة قطع تام وإنشاء فكري جديد دعامته الأولى وجوهره هو ما يسمى ” العقد الاجتماعي ” أي ” الدستور ” الذي يعتبر تصريحا توافقيا بين مجموع الشعب والسلطة، أي رضى الشعب بتسليم جزء من حقوقه إلى فئة لإدارة شؤون الدولة بما يحقق الخير العام لهذا المجتمع ضمن الدولة .
تعتبر اتفاقية ” وستفاليا ” في أوروبا عام 1648 ، التي وقعت بعد الحروب الدينية التي امتدت لثلاثين عاما هي نقطة ولادة مفهوم ” الدولة الحديثة ” والتي تعتبر إحدى الحقائق السياسية المعاصرة التي رسخت تدريجيا حتى أصبحت تشكل اللبنة الأولى في بنية النظام الدولي الراهن، إلا أن تعريفها واسع ومتنوع لا يكاد يجمع عليه اثنان.
إن إيجاد تعريف واحد لمفهوم الدولة هو صراع إيديولوجي إلى حد بعيد كون التعاريف المختلفة ناتجة عن نظريات مختلفة لوظيفة الدولة، مما يولد استراتيجيات سياسية ونتائج مختلفة. فمصطلح “الدولة” يشير إلى مجموعة من النظريات المختلفة والمترابطة والمتداخلة في كثير من الأحيان، حول مجموعة معينة من الظواهر السياسية.
1 – في التعريف: تعود جذور كلمة الدولة للغة اللاتينية لكلمة Position التي تعني الوقوف، كما ظهر مصطلح الدولة في اللغات الأوروبية في مطلع القرن الخامس عشر، وفي القرن الثامن عشر تطور مصطلح الدولة واستخدم تعبير Publican اللاتيني والذي يعني الشؤون العامة.
يتبنى المفكر الألماني ” ماكس فيبر ” تعريفها بأنها منظمة سياسية إلزامية مع حكومة مركزية تحافظ على الاستخدام الشرعي للقوة في إطار معين للأراضي ،لحفظ المصلحة العامة .
بينما تتبنى موسوعة ” لاروس ” الفرنسية تعريفا آخر للدولة بأنها مجموعة من الأفراد الذين يعيشون على أرض محددة ويخضعون لسلطة معينة .
في حين يرى فقهاء القانون الدستوري بأن الدولة كيان إقليمي يمتلك السيادة داخل الحدود وخارجها، ويحتكر قوى وأدوات إكراه .
2 – مفهوم الدولة كحقيقة سياسية: تلعب الاعتبارات السياسية عادة دوراً رئيسيا في نشأة واختفاء الدول، فقد تنشأ دول جديدة عن طريق الوحدة “الجمهورية العربية المتحدة” نتيجة الوحدة بين سوريا ومصر.
وقد تنشأ عن طريق الانفصال والتفكك سواء بشكل سلمي أو عن طريق الحرب، كما حدث لدولة ” تشيكوسلوفاكيا ” السابقة .
الواقع أن التقسيم السياسي للعالم لم يستقر على شكل يمكن اعتباره نهائيا لضبط المفهوم، ومبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها لايزال يواجه صعوبات كبيرة كممارسة عملية، فهناك الكثير من الشعوب المجزأة والتي تسعى للاندماج، وهناك بالمقابل شعوب أخرى خاضعة لإرادة خارجة عنها وتسعى إلى التحرر وتشكيل كيانها الخاص ودولتها المستقلة .
يمكن الملاحظة بأن الميوعة المتبعة اتجاه مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، بالإضافة للتعتيم عن ضبط مفهوم الدولة سياسيا على الساحة الدولية يشكل أحد المصادر الهامة في عدم استقرار الحياة الدولية وتناحر الشعوب .
3 – مفهوم الدولة قانونيا: لا يكتفي الفهم القانوني للدولة بالمحددات الثلاث التقليدية والتي تشكل مقومات الدولة الحديثة “الأرض، الشعب، السلطة” بل يضيف كما ذكرنا سابقا الاعتراف الدولي لإعطائها الشخصية الاعتبارية القانونية التي تسهل عمل وظائفها.
ويميز القانون بين مفهوم ” الدولة ” التي تحتاج إلى اعتراف لمرة واحدة في المجتمع الدولي بوجودها, ومفهوم ” الحكومة ” الذي يعتبر متبدل ومتضمن في شؤون الدولة .
في التحليل النهائي تكمن أهمية الشخصية الاعتبارية والدولية للدولة والاعتراف بها من جانب المجتمع الدولي، بباب سيادة هذه الدولة وممارسة حكومتها للسلطة الفعلية حيث تعتبر ” السيادة ” أهم خصائص الدولة وأهم سماتها عبر أمرين : الأول هي أن للدولة سلطة مطلقة في مواجهة رعاياها في الداخل، والثاني أن الدولة لا تخضع لسلطة أعلى منها في مجتمع الدول .
4 – مفهوم الدولة ككيان اجتماعي: توصف “الدولة” بأنها كيان اجتماعي لسبب بسيط وهو أن العنصر الأساسي فيها يكمن في الرابطة المشتركة التي تجمع بين الأفراد الذين يتكون منهم شعب هذه الدولة، وهنا يجب التمييز بين مفهوم الشعب ومفهوم الأمة.
فالشعب عبارة عن مجموعة من الأفراد تربطهم رغبة مشتركة وقوية في العيش معا، بصرف النظر عن تجانس هؤلاء الأفراد أو عدم تجانسهم من النواحي العرقية أو الدينية أو اللغوية ..إلخ ، ولكن ما يجمع بينهم هو الرغبة في التنظيم المؤسساتي والمصلحي في الحياة المشتركة على أسس مواطنية تعتبر أولوية في تعريف هوية الفرد ضمن الدولة، أما الأمة فتتكون أيضا من مجموعة أفراد تجمعهم أيضا رغبة في العيش معا يضاف إلى ذلك وجود روابط بينهم طبيعية ومعنوية مثل وحدة الأصل العرقي ووحدة اللغة والدين والعادات والتاريخ والثقافة المشتركة ..إلخ ، وبغض النظر عن شكل وروابط الأفراد ببعضها البعض فإن الدولة في نهاية المطاف أداة لضبط علاقات اجتماعية أصبحت شديدة التنوع والتعقيد، تهدف إلى أفضل صيغة ممكنة لشكل الدولة والحكم، لتكون قادرة على تلبية احتياجات وطموحات أفرادها ” شعب ، أمة ” ، وتنطوي في الوقت نفسه على الآليات والضوابط التي تمكّن أي حكومة منتخبة من إدارة شؤون الدولة بأعلى قدرة من الكفاءة.
ثانيا – مفهوم المدنية : تجدر الإشارة إلى ضرورة التمييز بين ” المدنية ” و ” الحضارة ” رغم العلاقة الجدلية بينهما والتي تؤدي في الكثير من الأحيان إلى الخلط بين المفهومين ، حيث أنهما لا يختلفان من اختلاف النوع، إلا أن ” المدنية ” تعتبر إلى حد بعيد قمة الهرم الاجتماعي، بينما ” الحضارة ” قاعدته .
يمكن تعريف المدنية بأنها المقدرة على التمييز بين قيم الأشياء والتزام هذه القيم في السلوك اليومي، حيث لا تلتبس الوسائل مع الغايات، ولا يضحى بالغاية في سبيل الوسيلة، والوصول إلى تحقيق توازن بين حياة الفكر وحياة الشعور، والأهم القدرة في حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة .
تعالج الحضارة إلى حد بعيد ارتقاء الوسائل المساعدة للمجتمع والفرد بتأمين سهولة الحياة وطراوتها، أي تحقيق التقدم المادي والرفاه في هذا الجانب وهذا الشق يمكنّنا من أن نطلق على مجتمع معين أو فرد أو دولة صفة ” التحضر “، ولكن لا يمكن أن نحكم عليه بالتمدن إن حصل ذلك المجتمع أو الفرد أو الدولة على تلك الوسائل بتفريط في حريته، وعلى النقيض يمكن أن نطلق على مجتمع أو فرد أو دولة صفة ” المدنية ” دون إرفاقها ” بالحضارة ” في حال المحافظة على القيم في السلوك اليومي الذي يبدأ بالفرد وقد لا ينتهي عند رأس الهرم السياسي المؤسساتي، وقد تنشأ ” المدنية ” المحترمة للقيم البشرية ” حضارة ” أو ” حضارات ” بينما ، ” الحضارة ” دون تمدن أخلاقي وقانوني قد تهدم وتباد وتندثر نتيجة همجية المستوطنين لها .
إن غاية فكرة ” المدنية ” هي إنشاء التوافق بين حاجة الفرد وحاجة الجماعة، حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة، وحاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة .
ثالثا – مفهوم الديمقراطية : يعبر المفهوم إلى حد بعيد عن شكل من أشكال الحكم وتحديدا شكل ” حكم الشعب ” حيث يشارك جميع المواطنين المؤهلين على قدم المساواة ، إما مباشرة أو من خلال ممثلين عنهم منتخبين ، في اقتراح وتطوير واستحداث القوانين وهي تشمل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تمكن المواطنين من الممارسة الحرة والمتساوية لتقرير المصير السياسي.
ويطلق مصطلح الديمقراطية أحيانا على المعنى الضيق لوصف نظام الحكم في دولة ديمقراطيةٍ، أو بمعنى أوسع لوصف ثقافة مجتمع والديمقراطيّة بهذا المعنَى الأوسع هي نظام اجتماعي مميز يؤمن به ويسير عليه المجتمع ويشير إلى ثقافةٍ سياسيّة وأخلاقية معيّنة تتجلى فيها مفاهيم تتعلق بضرورة تداول السلطة سلمياً وبصورة دورية.
يعتبر منشأ المصطلح مناقضاً ” الارستقراطية ” التي تعني حكم النخبة، بينما يتناقض هذين التعريفين نظرياً. إلا أن الاختلاف بينهما قد طمس تاريخيا، هذه الإشارة ضرورية وتحديداً ” الطمس ” في الحذر حقيقة من مصطلح ” الديمقراطية ” والخوض في تفاصيل الأشكال المتعددة والأساليب والنماذج التي تواجدت من ” الديمقراطية ” لمعرفة سلبيات المفهوم، ومتى من الممكن أن يتحول لنموذج أسوأ من الديكتاتورية مثلا أو الفوضى، لا تتسع الورقة الخوض في تفاصيله هنا، ولكن تجدر الإشارة إلى ذلك .
1 – بعض أوجه خلط المصطلح : كما ذكر آنفا الديمقراطية تعني في الأصل حكم الشعب لنفسه، لكن كثيراً ما يطلق اللفظ علَى الديمقراطية الليبرالية لأنها النظام السائد للديمقراطية في دول الغرب، وكذلك في العالم في القرن الحادي والعشرين، وبهذا يكون استخدام لفظ “الديمقراطية” لوصف الديمقراطية الليبرالية خلطا شائعاً في استخدام المصطلح سواء في الغرب أو الشرق، فالديمقراطية هي شكل من أشكال الحكم السياسي قائمٌ بالإجمال علَى التداول السلمي للسلطة وحكم الأكثريّة بينما الليبرالية تؤكد على حماية حقوق الأفراد والأقليات وهذا نوع من تقييد الأغلبية في التعامل مع الأقليات والأفراد بخلاف الأنظمة الديمقراطية التي لا تشتمل على دستور يلزم مثل هذه الحماية والتي تدعى بالديمقراطيات اللا ليبرالية، فهنالك تقارب بينهما في أمور وتباعد في اُخرى يظهر في العلاقة بين الديمقراطية والليبرالية كما قد تختلف العلاقة بين الديمقراطية والعلمانية باختلاف رأي الأغلبية.
وتحت نظام الديمقراطية الليبرالية أو درجةٍ من درجاتهِ يعيش في بداية القرن الواحد والعشرين ما يزيد عن نصف سكّان الأرض في أوروبا و الأمريكتين والهند وأنحاء أخرَى. بينما يعيش معظمُ الباقي تحت أنظمةٍ تدّعي نَوعاً آخر من الديمقراطيّة كالصين التي تدعي الديمقراطية الشعبية فالديمقراطية تتناقض مع أشكال الحكم التي يمسك شخص واحد فيها بزمام السلطة، كما هو الحال في نظام الحكم الملكي، أو حيث يستحوذ على السلطة عدد قليل من الأفراد، كما هو الحال في الأوليغارشية . ومع ذلك، فإن تلك المتناقضات المورثة من الفلسفة الإغريقية، هي الآن أفكار غامضة لأن الحكوماتِ المعاصرة قد تحتوي على عناصر من الديمقراطية والملكية وأوليغارشية مختلطة معاً، كارل بوبر مثلا يعرف الديمقراطية على النقيض من الديكتاتورية أو الاستبداد، وبالتالي فهي تركز على الفرص المتاحة للناس للسيطرة على قادتهم والإطاحة بهم دون الحاجة إلى ثورة .
2 – بعض أشكال الديمقراطية السائدة : تعتبر الديمقراطية المباشرة أو كما تسمى النقية ، إحدى الأشكال الأقل شيوعاً وتمثل النظام الذي يصوت فيه الشعب على قرارات الحكومة كالمصادقة على القوانين أو رفضها، حيث يمارس الناس بشكل مباشر سلطة صنع القرار من دون وسطاء ونواب ينوبون عنهم، تتناسب إلى حد بعيد الديمقراطية المباشرة ضمن المجتمعات الصغيرة. سويسرا على سبيل المثال أحد الأشكال الأخرى هي ديمقراطية نيابية حيث يصوت أفراد الشعب على اختيار الحكومة الذين بدورهم يتخذون القرارات التي تتفق مع مصالح الناخبين حيث يقومون بالتصويت على قرارات الحكومة عن طريق النواب ويختارون عن بقية فئات الشعب. من الأشكال أيضا الديمقراطية الليبرالية، والديمقراطية اللا ليبرالية ، تتيح الأولى فرصة الدفاع عن الأقليات حتى في مواجهة ديمقراطية الغالبية وهو ما يصاغ بالدستور بشكل واضح وصريح، بينما تتميز الثانية بطابع سلبي إلى حد ما ، يتمثل بعدم وجود حدود تسمح بالحد من سلطة النواب المنتخبين والذين يمثلون في أغلب الأوقات الأغلبية المجتمعية . يعبر شكل الديمقراطية التشاركية وهو أحد الأشكال الممارسة من الديمقراطية عن تمثيل نخبوي إلى حد ما حيث يقوم على مشاركة أكبر قدر ممكن من الفاعلين السياسيين المتمثلين في أفراد المجتمع المدني والجمعيات والخبراء والباحثين وغيرهم، إلى جانب السلطة المنتخبة بقصد إيجاد حلول فعالة وواقعية لمختلف المشاكل السياسية، وهذا إلى حد معين يرسم طريق المساهمة الشعبية في التشريع والتفاعل عن طريق الجمعيات المدنية والمؤسسات الوسيطة بين المواطن وأجهزة الدولة .
” تحليل مفهوم الدولة المدنية “
في الحقيقة لا يوجد مصطلح الدولة المدنية في مجال العلوم السياسية ومصطلح الدولة المدنية ليس مصطلحا متعارفا عليه، فهو ليس له أثر في مراجع المصطلحات والمفاهيم السياسية ولا في مراجع العلوم الاجتماعية حيث تشير تلك المراجع إلى مصطلح ” مجتمع مدني ” وليس دولة مدنية التي تعتبر محملة بدلالات من البيئة القادمة منها، ومع ذلك إن ضرورة تأسيس “الدولة المدنية ” الكفيلة بسيادة الروح المدنية والتي تمنع الأفراد من الاعتداء على بعضهم البعض، وذلك من خلال تأسيس أجهزة سياسية وقانونية خارجة عن تأثير القوى والنزاعات الفردية أو المذهبية، تستطيع أن تنظم الحياة العامة وتحمي الملكية الخاصة وتنظم شؤون التعاقد وتطبق القانون على جميع الناس بغض النظر عن مكانتهم وانتماءاتهم. فتعبير ” الدولة المدنية ” يعتبر إلى حد بعيد في ماهيته التعبيرية مجرداً حقيقيا للدولة من الرتوش إن صح التعبير بأنها مدنية أي ليست بطابع سياسي أو اقتصادي أو عسكري، بل مدنية أي ملك كل إنسان سواء مدني أو عسكري أو اقتصادي ….إلخ ، لذلك يعتبر المصطلح من حيث الشكل والجوهر جسراً معبراً عن معاني المساواة والعدالة والديمقراطية والوطنية.
إن الدلالات النظرية لمصطلح ” الدولة المدنية ” تدل بشكل صريح على قيم ” الديمقراطية – العدالة والمساواة – احترام القوانين – السلام الاجتماعي – حرية العقيدة والتفكير – احترام الاختلاف – احترام القرارات والمواثيق – احترام كرامة الأمة أو الشعب – العدالة الاجتماعية – فصل الدين عن السياسة وذلك التعبير دقيق جدا أي فصل الدين عن السلطة التي تشكل جزءاً من الدولة وليس فصله عن الدولة – استقلال المؤسسات الدينية ” ، تلك الدلالات النظرية في الاستخدام الواقعي كثيرا ما يتم التعدي عليها حيث التوغل في تفاصيل بعض الدول من الداخل نراها لا تحمل أي دلالة على كونها مدنية فنجدها استبدادية وديكتاتورية وقد تكون ذات حكم عسكري أي “دولة ادعائية ” بأنها تشكل نموذجا للدولة المدنية .
في تشريح عناصر مفهوم ” الدولة المدنية ” نلاحظ بأنه يتكون من مجموعة من العناصر التي تعبر عنه في الممارسة العملية ” احترام القانون – القيم والثقافة المدنية – المواطنة – الديمقراطية – العدالة – المساواة وغيرها ” ولكن تلك العناصر تعتبر دعامة في تشكيل المفهوم أي العلاقة جدلية ووجودها ليس دمجي بل متضمن بحالة تفاعلية، لذلك يجب الحذر من الخلط بين مفهوم ” الدولة المدنية ” الذي يعتبر كيانا مستقلا عن كيانات مفاهيم أخرى ” الثقافة المدنية – العلمانية – السلام الاجتماعي وغيرها ” .
أي أن العلاقة المفاهيمية مما لاشك فيه تتكون من أصل وجذور ومراحل تكوين وعوامل مساعدة أسهمت في إنشائه على الصورة التي نراها حيث أن هنالك مفاهيم تعتبر الأساس والأصل التي انبثق منها المفهوم وتسمى مفاهيم منظومة ” الجذر ” إن صح التعبير مثل ” الديمقراطية – الحرية – العدالة – المساواة – السلام الاجتماعي” ، وهنالك مفاهيم ساعدت على نشأة المفهوم مثل ” الثقافة المدنية – العلمانية – احترام القوانين” بالإضافة لمفاهيم أخرى تعتبر ” عائلة ” المفهوم مثل ” الدولة الحديثة – المجتمع المدني “.
عند تدقيق النظر في مفهوم ” الدولة المدنية ” سنلاحظ شيئاً واضحاً أن دولة هي الركن الثابت الذي لا يتغير. فلابد لكى يوجد أي شيء لابد من وجود بيئة له هكذا صفة المدنية لكى توجد فلابد من وجود دولة التي تمثل البيئة والمحيط الذى تتكون فيه المدنية وتلقى عليه صبغتها لتلونه كيفما تشاء لوضع أركانها، فالدولة هنا هي الجزء الثابت الذى لابد من وجوده وثباته .
أما المدنية فهي الركن المتغير لأن الدولة قد تكون عسكرية، ثم تتحول إلى مدنية وقد تكون مدنية ثم تتحول إلى عسكرية، وهكذا فالصفة التي تتميز بها الدولة هنا هي الجزء المتغير في المفهوم(المدنية).
لذلك عندما تعرضنا إلى مفهوم ” المدنية ” كمفهوم مجرد نراه بعيداً إلى حد ما بتعبيراته، عن ما يرمي له عندما يصبح مركباً مع مفهوم آخر ” الدولة – المجتمع ” إلا أنه لا يفقد جوهره الأساسي الذي يعبر عنه كالتعبيرات الأخلاقية والقيم الرفيعة .
تجدر الإشارة بالملاحظة أن كثيرا ما نرى عند تعريف الدولة المدنية يتم توضيح أنها استبعاد رجال الدين عن الحكم ولكن لا يتم التطرق إلى الرجال العسكريين حيث إن من أهم الصفات التي تميز الدولة المدنية والتي إذا توفرت تصبح الدولة مدنية والعكس هي: استبعاد الرجال العسكريين عن الحكم ووضع إدارة الحكم والسلطة في يد أبناء الشعب “المدنيين”.
كما يجري أن يتم توضيح أن “الدولة المدنية” تعني استبعاد رجال الدين عن الحكم ويتم السكوت عند ذلك دون أن يتم الوضع في الاعتبار أن القارئ العادي قد يظن في قرارة نفسه أن المدنية تعني استبعاد المتدينيين حيث لابد من توضيح أن المدنية لا تعني استبعاد المتدينيين، ولكنها تعني ألا تجتمع السلطة الدينية والسياسية في قبضة رجل واحد حتى لا يتحول إلى شخص فوق المحاسبة لأن رجل الدين يمتلك سلطة كبيرة فإذا أضيف لها السلطة السياسية يصعب مراقبة هذا الشخص لأنه في هذه الحالة سوف يمثل الإله في الأرض من وجهة نظر الكثير مما قد يؤدى في النهاية إلى تفحل الفساد والاستبداد.
” نماذج عن الدولة المدنية الديمقراطية في العالم الحديث “
لابد في البداية من التوضيح بأن انتصار مدرسة فكرية وسيطرتها على معالم العالم إثر مراحل تطورية في التاريخ قد سمح لها إلى حد بعيد بكتابة ” المعجم الفكري ” بالشكل الذي ناسبها كقوى عظمى احتكرت مفاهيم القيم إلى حد أصبح من الصعب تبني القيم إلا بما يتناسب مع ذاك المعجم، لذلك يبقى الاعتراف بأن الأمثلة المذكورة تمثل ديمقراطية حقيقية ونموذجا للمدنية أو لا تمثل ذلك هو وجهة نظر تحتاج إلى بحوث متعددة، ليست الورقة معدّة لها، لذلك نختار الأمثلة على ضوء الاعتراف الدولي إن صح التعبير بالدول التي تتمتع بنماذج مشرقة من المدنية والديمقراطية .
1 – الولايات المتحدة الأميركية:
أ – الحكومة الأميركية : تتألّف الحكومة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة من مجموعة من المؤسسات، والكونجرس، والمحكمة العليا الدستورية، والهيئات، والوكالات، ومن المسؤولين السياسيين الذين ينتخبهم الشعب الذين يقومون وبصفة عامّة بمسؤولية تجهيز وتنفيذ وشرح القوانين والسياسات العامة، والأهداف الرئيسية للحكومة تتمثّل في حفظ النظام العام، وتوفير السلع والخدمات الضرورية للأمّة، وحماية حقوق الشعب وحرياته الأساسية، سواء كان ذلك على المستوى المحلي لكل ولاية أو على كل ولايات البلاد.
ب – نظام الحكم في أميركا : يعرف الدستور الأميركي وواضعيه بأنه ” ديمقراطي جمهوري ”
ج – الفيدرالية : والتي تشير إلى تقسيم ومشاركة السلطة -التي لها الحق وذلك بنص الدستور- بين الحكومة القومية وحكومة المحافظات -الولايات- والنظام الفدرالي الأمريكي هو خليط من حقوق الولايات وأحقية السلطة القومية، وتتمتّع الحكومة الفدرالية بسلطة كبيرة، وعلى عاتقها أن تقنع الولايات بتنظيم شؤون الحكم بداخلها، بشكل متّفق مع الأهداف السياسية والاقتصادية والقومية الاجتماعية، لكن الولايات قد لا تقبل بذلك، لذلك جاء في بنود الدستور ما يحمي الولايات من الحكومة الفيدرالية، متجاوزاً بذكاء ثغرة قد تسمح إلى تحول النظام الديمقراطي إلى استبدادي نخبوي بامتياز .
د – توضيح المبادئ الأساسية للدستور الأميركي :
- حكومة محدودة السلطات : يعتبر نموذج توزيع السلطات معقداً، ولكن يمكن القول بأنه استطاع أن يخلق حكومة قوية وفعالة، مع الحرص على عدم القدرة على استخدامها بالشكل الخاطئ وأن لا يتم الاعتداء على سلطة الأفراد، فوزعت السلطات بين سلطة مركزية، سلطة تنفيذية، سلطة قضائية في مقدمتها محكمة الدستور العليا، وبين الحكومة المركزية وحكومات المحافظات، من ناحية أخرى .
- مبدأ الفصل بين السلطات :الدستور الأمريكي يقوم على فكرة الازدواجية في المجالس التشريعية، سواء كان ذلك على المستوى الاتّحادي أو على مستوى المحافظات -الولايات-، وأشار الدستور الأمريكي وبشكل صريح وفي أكثر من مادة إلى أنّ سلطة الدولة مقسمة إلى ثلاث أفرع أساسية، وهي السلطة التشريعية، السلطة القضائية، السلطة التنفيذية، حيث إنّ واضعي الدستور الأمريكي كانوا ينحازون إلى لزوم وجود كتلة سياسية منتخبة من قبل أفراد منتخبين تقوم بصياغة القوانين،
واتخاذ القرارات ووضع برامج المصالح، لذلك فإن الكونغرس الأمريكي هو الموصوف بأنه صانع السياسة الوطنية الأولى. - مبدأ التوازن والمراقبة المتبادلة : توقّع واضعو الدستور الأمريكي أنّ أحد السلطات الثلاثة قد تتوسّع اختصاصاتها وسيادتها الحقيقية والمخوّلة لها من قبل الدستور على حساب السلطات الأخرى، لذلك قد يحدث تنازع وتنافس على السلطات، وهذا الافتراض هو منطقي يتفق مع طموح الإنسان وميوله في حب التسلط والسيطرة، لذلك قام واضعو الدستور بابتكار طريقة المراجعة والموازنة المتبادلة مع الكونغرس والسلطة التنفيذية من ناحية أخرى.
ق – الاتّحاد الفيدرالي : وهو الاتّحاد المكلف بتوزيع السلطات القومية بين المحافظات، وقد تميّز الدستور في تحديده للسلطة القومية بشيء من السهولة، حيث تعتبر الولايات المتحدة الأميركية متعددة الأعراق وليس من السهل تجميد المعنى التعريفي لمفهوم السلطة القومية.
ن – الأحزاب السياسية في أميركا : تعدّ الولايات المتحدة من الدول ذات الحزبين ، الجمهوري والديمقراطي، بالطبع هذا لا يعني بأن هنالك مجرد حزبين بل ما يقدر 51 حزب ذو ميول توصف بالتقدمية تصطف عند الانتخابات لتشكل كتلة ونواة الديمقراطيين، مقابل المحافظين أي الجمهوريين والذين يقدر عدد الأحزاب التي تصنف بأنها جمهورية 49 حزب
يتمثل التباين الخلافي إن صح التعبير بين الحزبين أغلبه في الجانب الاقتصادي والديني، حيث يلاحظ أن نسبة جيدة من الجمهوريين هم من أصحاب الدخل المرتفع ، بينما يشكل أصحاب الدخل المنخفض ومواطني الأعراق المختلفة التي يشار إليها ضمنيا بأنها ليست أصيلة في تشكيل الولايات الأميركية نواة الديمقراطيين، بالإضافة إلى الحزبين الرئيسين، يتواجد في أميركا الكثير من الأحزاب التي حاولت أن تنافس الجمهوريين والديمقراطيين في الانتخابات الرئيسية إلا أنها فشلت بسبب القاعدة الجماهيرية التاريخية الكبيرة وقوة الحزبين .
تتألف الأحزاب السياسية من لجان متعددة، كاللجنة الوطنية التي تعمل على تنظيم وإدارة الحزب، وتتمتع بقوة سياسية كبيرة كترشيح العضو الذي عليه أن يخوض جولة الانتخابات الرئاسية، كما تقوم بتنظيم وإدارة وتنسق مؤتمرات الحزب المختلفة وعقد مؤتمرات الخاصة بالانتخابات وجمع الأموال اللازمة للحملة الانتخابية، كما يوجد لجنة منافسة لانتخابات مجلس الشيوخ، ولجنة أخرى لانتخابات المجلس التمثيلي. تتألف اللجنة الخاصة بانتخابات مجلس الشيوخ من سبعة أفراد يتم انتخابهم لمدة عامين من قبل أعضاء الحزب الذين يتواجدون في مجلس الشيوخ، بينما لجنة مرشحي المجلس التمثيلي تتكون من ممثل واحد فقط عن كل ولاية، يتم انتخابهم من قبل ممثلي الحزب للاجتماع الشعبي في كل ولاية، حيث تكون مهمة هذه اللجان في الغالب المحافظة على المقاعد التي يمثلها الحزب في مجلس النواب ” الشيوخ ” أو زيادة عددها ، بالإضافة للجنة الولاية المركزية التي تهتم بمتابعة أعمال الحزب في كل ولاية حيث تقوم بالدعاية للحزب على مستوى المكان التي تغطيه .
2 – فرنسا:
أ – نظام الحكم : يعدّ نظام الحكم في فرنسا جمهورياً نيابياً ديمقراطياً ” خليط ما بين النيابي والرئاسي “، حيث تنقسم فرنسا إلى 22 إقليم ومنطقة مقسمة إلى 96 إدارة ، يعد دستورها من الدساتير المكتوبة والمبني على أسس القانون المدني والمفاهيم المحلية، ونظامها القانوني مبني أيضا على أساس القانون المدني والمفاهيم المحلية حيث تتم المراجعة على أساس القوانين الإدارية، دون مراجعة القوانين التشريعية ، حيث يقوم النظام القانوني على أسس التعددية الحزبية والحقيقة الليبرالية للنظام ، ويكون حق الاقتراع والتصويت من 18 سنة للذكور والإناث، ويتم الانتخاب في كل دائرة ولكل ألف ناخب مرشح واحد.
ب – السلطات السياسية :
- السلطة التنفيذية : تتمثل بكل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، حيث ينتخب رئيس الجمهورية لمدة 5 سنوات بالاقتراع العام المباشر طبقاً للدستور، سلطته تعلو فوق سلطة رئيس الوزراء، يستمد سلطته من الشعب لأنه منتخب منهم وليس من البرلمان، رئيس الجمهورية يمارس السلطة السياسية بعكس رئيس الوزراء الذي يمارس السلطة الإدارية.
- السلطة التشريعية ” البرلمان ” : تتكون من مجلسين، المجلس الأول هو الجمعية الوطنية التي تضم 577 نائبا يتم انتخابهم عن طريق الاقتراع المباشر بالتصويت الفردي بالأغلبية في جولتين لمدة خمس سنوات ، ولا يحق حل الجمعية مرتين في السنة إلا إذا وجدت أزمة سياسية خطيرة. والمجلس الثاني هو مجلس الشيوخ ويضم 322 عضواً يتم انتخابهم بالاقتراع العام غير المباشر لمدة 9 سنوات عن طريق أعضاء مجلس الشورى والبلديات، ويجدد ثلثهم كل 3 سنوات، تعد صلاحية المجلسين متماثلة في ناحية القوة والصلاحيات إلا أن ما يميز الجمعية العامة عن مجلس الشيوخ قدرتها في حجب الثقة عن الحكومة وإسقاطها، ومقابل ذلك لرئيس الجمهورية حق حل الجمعية العامة، بينما مجلس الشيوخ لا يستطيع إسقاط الحكومة، كما أن رئيس الجمهورية لا يستطيع حل هذا المجلس .
- السلطة القضائية : يتألف القضاء من ثلاثة مجالس رئيسية، الأول يسمى المجلس الدستوري الذي يشرف على الانتخابات وينظر في دستورية أي مشروع قانون أو معاهدة قبل إعلانها رسميا يقوم رئيس الجمهورية بتعيين ثلاثة منهم، الثاني يسمى مجلس العدل الأعلى، يتم اختيار أعضائه عن طريق مجلس البرلمان ويتكون من عدد متساو ينتخب من بين أعضاء مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية ومن صلاحياته محاكمة رئيس الجمهورية والوزراء، أما الثالث فهو مجلس القضاء الأعلى ويتكون من رئيس الجمهورية ” يرأس المجلس ” ووزير العدل ” وكيلا ” وتسعة من الأعضاء يعينهم الرئيس، ويحدد القانون شروط تعيينهم، والمجلس مستقل فيما يختص بتعيين القضاة وترقيتهم وتأديبهم .
ج – الأحزاب السياسية : يتميز النظام الحزبي الفرنسي عن باقي الأحزاب الأوروبية بأن كل اتجاه سياسي لا يمثله حزب واحد وإنما مجموعة من الأحزاب ، وتتقارب دائما الاتجاهات المعتدلة وتحكم معاً.
3 – سويسرا “نظام الكانتونات الفيدرالي”:
أ – الوحدة الوطنية : تعتمد على مقدرة الدولة التوفيق بين مختلف العناصر السياسية واللغوية والإثنية والدينية المكونة للمنطقة الأوروبية الضيقة التي تستحوذ عليها سويسرا عن طريق ” الفيدرالية ” الإطار الوحيد لإدارة ذلك التنوع، فيدرالية تقتضي درجات من التبعية. بمعنى أن القرارات السياسية تتخذ دائما من أدني مستوى ممكن سواء كان فيدرالي أو كانتوني أو بلدي، حيث تعتبر الاستقلالية التي تتميز بها الكانتونات من المقدسات الوطنية. تتكون سويسرا من 26 كانتون يتوفر فيه دستوره الخاص الذي يصادق عليه البرلمان الفيدرالي، يحق لكل كانتون سن قوانينه الخاصة بما يتوافق مع خط التشريعات الفيدرالية .
ب – الحكماء السبعة : أعضاء الحكومة السبعة الذين يشكلون حرفياً ” مجلس الحكم الفيدرالي ” هم من يعتبرون السلطة التنفيذية في سويسرا، يتم انتخابهم وإعادة انتخابهم لأكثر من مرة من طرف مجلسي النواب والشيوخ، وسلطات الحكومة الفيدرالية مرسخة بشكل وطيد في الدستور وتشمل الدفاع والأمن الداخلي والسياسة الخارجية والعلاقات الدبلوماسية والجمارك والبريد والاتصالات وغيرها من مهام .
ج – التوافق السياسي : يعتبر من واجب الأحزاب الأربعة التي تشكل الحكومة السويسرية تحقيق التوافق السياسي بينها وإظهار ذلك أمام الشعب والبرلمان، وكثيرا ما يحدث أن يخالف أحد الوزراء موقف الحزب الذي ينتمي له في مصلحة التوافق العام في الحكومة .
ء – حكومة ائتلافية : لا يمكن القول بأن سويسرا تمثل حكومة ائتلافية بكل معنى الكلمة حيث لا يوجد برنامج متفق عليه من قبل الأحزاب، بل يوجد ما يسمى تقرير مشترك من إعداد الوزراء وليس ملزم يعرض الأهداف الحكومية للدورة التشريعية التي تتواصل أربعة أعوام وعليه يمكن التوافق الشعبي والبرلماني من عدمه .
و – الدستور الفيدرالي : يعتمد الدستور الفيدرالي حقوقاً وطنية واسعة منحت للسويسريين فرصة التأثير الحقيقي على الحياة السياسية، ويعتبر القانون الفيدرالي مهيمنا على قطاعات التأمين الاجتماعي الوطني الإجباري وتأمينات التعويضات على العجز والشيخوخة والباقين على قيد الحياة .
ن – صلاحيات ومهام : يترأس الحكومة والكونفيدرالية أحد أعضاء الحكومة السبعة لمدة عام الذين يحملون صفة ” مستشارين فدراليين ” ويتناوبون على منصب الحكم، ويترأس الرئيس المنتخب اجتماعات الحكومة ويمثل البلاد في الزيارات والاستقبالات الرسمية. وخلافا لأغلب الأنظمة العالمية أعضاء الحكومة ليسوا أعضاء بالبرلمان، ولكنهم يقومون بالنقاشات الدورية والدفاع عن المشاريع أمام مجلس النواب ومجلس الشيوخ .
ل – البرلمان : سـنُّ التشريعات الوطنية مـُهمة مُلقاة على عاتق البرلمان الفدرالي ، الذي يلـتئـمُ كل عام خلال أربع دورات (خريفية وشتوية وربيعية وصيفية) تتواصل كل واحدة منها ثلاثة أسابيع.
يتكون البرلمان من غرفتين تتواجدان في نفس المبنى ، يضم مجلس النواب الذي يمثل الشعب 200 مقعدا (تُوزعُ تبعا لحجم السكان في كل كانتون)، بينما يضم مجلس الدّويلات (مجلس الشيوخ) الذي يمثل الكانتونات 46 عضوا (نائبان عن الكانتونات العشرين، ونائب واحد عن أنصاف الكانتونات الستة.
لا توجد غرفة عـُليا وغرفة دنيا، إذ يـمكن طرح القوانين التشريعية على أيّ من الغرفتين، لكن المصادقة على نفس نص مسودة المشروع المعروض، يجب أن تتم من طرف الغرفتين.
يبدو النظام السويسري، إذا ما تم النظر إليه من الخارج، أشبه ما يكون بديمقراطية برلمانية نموذجية. لكن ما يجعل من الكنفدرالية حالة خاصة، هو عدم تمتع الوزراء والبرلمانيين السويسريين بنفس سلطات نظرائهم في دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا.
و – سلطة الشعب : على مستوى التطبيق، يمكن للشعب السويسري – أو “صاحب السيادة” مثلما يـُدعى الجسم الانتخابي أحيانا – أن يـقلب الموازين ويغير ما تطلبه الحكومة أو ما يصادق عليه البرلمان.
فور مصادقة البرلمان على قانون ما، وهو ما يعني أن القانون أصبح جاهزا للدخول حيز التطبيق، يحق للناخبين تجميع خمسين ألف توقيع على الأقل في ظرف لا يتجاوز 100 يوم لطرح استفتاء شعبي يدعو إلى تعديل أو إبطال القانون.
ي – سلطة الناخبين : وتعدُّ هذه الممارسة بمثابة مكبح في يـد الشعب، الشيء الذي يفسر عملية الاستشارات الطويلة والشاملة التي تتم بين الأحزاب المعنية بالمواضيع المطروحة قبل عرض أي مسودة قانون على البرلمان
سلطة الناخبين لا تقتصر على كبح التشريعات فحسب، بل تذهب إلى حد إقرار تشريعات جديدة. يكفي لذلك تجميع المائة ألف توقيع الضرورية لطرح مبادرة شعبية تهدف إلى تعديل الدستور أو إضافة مواد إليه.
ويـُفترض أن يكون لأي مبادرة شعبية علاقة بالمسائل الدستورية، سواء تعلق الأمر بإبطال مادة أو إدخال بند جديد.
أما التوقيع على المعاهدات الدولية الدائمة مثل الانضمام إلى الأمم المتحدة، فيخضع بدوره لإرادة الناخبين. وفي حالات كثيرة يكون فيها تنظيم الاستفتاء اختياريا، تبادر الحكومة باقتراح تنظيم استفتاء شعبي حتى لا تترك مجالا لمعارضي الإصلاحات للقيام بحملة صاخبة.
قائمة المراجع :
1 – تاريخ الفكر السياسي: جان توتشار – لويس بودان – بيار جانين – جورج لافو – جان سيرينلي ،
ترجمة :الدكتور علي مقلد.
2 – حول الحرية – الحرية: جون ستيوارت ميل ، ترجمة: طه السباعي.
3 – من التعددية إلى سياسات الوطنية: تشارلز بلاتبيرغ.
4 – مقالات عن الديمقراطية: موسوعة ستانفورد للفلسفة.
5 – النظرية الاقتصادية في الديمقراطية: أنطوني داونز.
6 – الدولة المدنية الديمقراطية هي الحل: د.محمد محفوظ.
7 – الدولة المدنية الديمقراطية الدستورية: خالد يونس خالد.
8 – البرامج والمنظومات الديمقراطية: ياسمين أبو الحجاج عبد الراضي ، دراسة بحثية في مفهوم الدولة المدنية.
9 – مبادئ علم السياسة: حسن نافعة.
10 – مقدمة في علم السياسة والعلاقات الدولية: د.هادي الشيب ، د. رضوان يحيى.
11 – حول الدولة المدنية الحديثة وأسس بنائها: ماهر الشيال “مقال”
12 – الدولة المدنية: دمفس – يوتيوب.