كاوا رشيد
كانتون (عفرين)هو رابع كانتون في فدرالية شمال سوريا (روج افا)، تقع في أقصى الزاوية الشمالية الغربية من الحدود السورية التركية. يحدها من الغرب سهل العمق و النهر الأسود الذي يرسم في تلك المنطقة خط الحدود بين سوريا و تركيا، من الشمال خط سكة القطار المار من ميدان أكبس حتى كلس، من الشرق سهل أعزاز و من الجنوب منطقة جبل سمعان.
منطقة عفرين منطقة جبلية معدل الارتفاع 700 – 1269 م، أعلى قمة فيها الجبل الكبير (Girê Mazin) الذي يعد جزءاً من سلسة جبال طوروس، يبلغ عرضها من الشرق إلى الغرب 55 كم و طولها من الشمال إلى الجنوب 75 كم، و تساوي مساحتها حوالي 3850 كم2
التسمية الجغرافية والسكان
إن منطقة عفرين متنوعة في جغرافيتها بين السهول والجبال، ويمر بها نهر عفرين الذي يمتد في سوريا مما يقارب 85 كم ويعتبر هذا النهر وروافده من أهم المصادر المائية لهذه المنطقة الزراعية.
إداريا تتبع منطقة عفرين محافظة حلب, ومركزها مدينة عفــرين التي تبعد عن حلب 63 كم، تتألف بالإضافة إلى مدينة عفرين من سبع نواح هي : (شران, شيخ الحديد, جنديرس, راجو, بلبل، المركز ومعبطلي) و 360 قرية ويبلغ عدد سكان مدينة عفرين حالياً حوالي / 80000 / نسمة ، حسب تقديرات بلدية المدينة ، ويبلغ عدد سكان منطقة عفرين حسب سجلات الأحوال المدنية في نهاية عام / 2000 / ما يقارب / 450000 / نسمة، أما المقيمون فعلياً في المنطقة حسب إحصاء عدد السكان لعام / 1994 / ونسب الزيادة السنوية للسكان في سوريا فقد بلغ في نهاية عام / 2000 / حوالي / 200000 / نسمة تقريباً.. غالبيتهم من الكرد . ويبلغ إجمالي مساحة منطقة عفرين ( 202775 ) هكتار كما جاء في إحصاء مديرية الزراعة في المنطقة.
الجغرافيا
في عفـرین سلاسـل جبلیـة یتـراوح ارتفاعهـا بـین (1269 – 70 م)، وأعلـى قمة فیهـا هو (الجبل الكبیر)، یسمى بالكردیة (Giré Mezin)، إنها سلاسـل تمتـد ، فتملأ الأفق، تخترقها الودیـان، وتوسّـطها السـهول، وتـزدان بأشـجار الزیتـون، والعنب، وبساتین التفاح والرمان وغیرها وهنـاك أشـجار السَّـرْ و والجَـوز واللَّـوز والسِّـندیان، وكـروم العنب ومـن الصـعب مقاربـة جمالیـات الطبیعـة فـي عفـرین مـا لـم تأمـل جمالیـات شـجرة الزیتـون.
و(عِفْرین) اسم جامع مانع، یُطلَق على المنطقة والنهر ومدینة المركز، ولاسـم عفـرین جـذور قدیمـة، تم تعريبها من كلمـة Av rén (آڤ ریـن)، وتُنطـق (آبْ رَین) Ab rén أیضاً، ومختصرها (آڤرَ ى) Av ré و(آبْ رَ ى) Ab ré، وكلٌّ من هـذین الاسمین یعني بالكردیة (الماء الجاري).
التاريخ القديم لمنطقة جبل الأكراد
يؤكد الباحثون أن الحياة استمرت في حوض نهر عفرين على مدى عشرات الآلاف من السنين، كما شهدت البدايات الأولى لاستقرار الإنسان في أكواخ ثابتة. حيث توجد بجانب تل عين دارا قرية زراعية تعود إلى العصر الحجري الحديث، أي 10000 ق.م، كما أن هناك عشرات التلال والمواقع الأثرية الأخرى تعود إلى فترات قريبة أو بعيدة من ذلك التاريخ، وهي لاشك، في حال القيام بالبحوث الأثرية فيها ستزيل اللطام عن الكثير من تاريخ عفرين
إن الهيكل العظمي للطفل الذي أكتشف في كهف Duderiyê في جبل ليلون (منطقة عفرين)، يدل على أن إنسان نياندرتال كان يقوم بدفن موتاه، أي أنه كان صاحب معتقدات وأفكار وطقوس بدائية، تصلح أن تنسج عليها عقائد دينية متفرعة، فقد وجد رأس رمح من الصوان على صدر ذلك الطفل، وقد يكون ذلك أحد الطقوس الدينية البدائية في ذلك العصر.
كما يعتبر معبد عين دارا أحد أقدم المعابد المكتشفة لفترة ما قبل الميلاد في جبل الأكراد، وقد حافظ على بنائه سليماً إلى حد كبير، ولا يعرف بالضبط الإله الذي شيد المعبد لأجله، إلا أن الآثاريين يفيدون بأن هذا المعبد هو من الفترة الحثية الحديثة، والألف الأول قبل الميلاد ، وفي المعبد مصلى، وعلى بابه آثار أقدام بشرية بمقاييس غير بشرية، يدل ترتيب توزعها على طقس معين في العبادة عند الدخول إلى المعبد. ويحرس المعبد وأروقته أسود بازلتية ضخمة مع أشكال للإنسان الثور وتماثيل أخرى، تشير، كما يعتقد بعض الباحثين ، أنه كان لإلهة الجبال (كوماربي)، وإله الطقس (تيشوب) الذي يمثله الثور، مكانة عالية لدى المتعبدين في هذا المعبد. كما عثر في السوية الخامسة من التل المذكور، التي تعود إلى العهد الأخميني (الفارسي)، على تميمة من الحجر البلوري، مثل عليها إله الخير الزردشتي (أهورامزدا ) الممتد مع قرص الشمس المجنح.
وفي قرية خراب شمس على جبل ليلون ، يوجد نحت لرأس ثور وقرص للشمس على نجفات بعض الدور الأثرية القديمة، وعلى واجهة معبد (لم يبق منه سوى نجفة ضخمة) رسم نافر لقرص الشمس والقمر، أحاط بهما من كل جانب رأس ثور وإكليل من الزهر. ويقول الباحثون عن ذلك، بأنه ربما كان مدخلا تابعاً لمعبد وثني من القرن الثالث للميلاد. وعبادة مظاهر الطبيعة كالقمر والشمس هي من العبادات الآرية القديمة في كردستان، حيث كان الزردشتيون يقدسون الشمس والقمر . وكما هو معروف فإن للشمس مكانتها المرموقة في الديانة الزردشتية قديما، والشمس هي عيون الإله ( آهورا مزدا). كما اعتبرها الهوريون قبلهم إلهاً، وفي الديانة الميثروية (الشمس) منبع النور وإله الحقيقة.
وتقول المصادر التاريخية إن الإله (نابو) الرافدي كان يعبد في جبل ليلون، في القرون السابقة للميلاد وما بعدها، وكان له هياكل منتشرة عليه، وأضخمه في موقع قرية (كفر نبو) الحالية، ولا يزال اسم العلم (نبو) دارجاً بين الأكراد في جبل ليلون. و(نابو) من الآلهة القديمة لدى شعوب الرافدين، ثم اكتملت هيئته ووظائفه لدى الآشوريين، وأنيطت به الحكمة، وأصبح ينادى (ينبوع الحكمة) واستمرت عبادته في مناطق ليلون من كرداغ إلى نهاية القرن الرابع الميلادي.
أما كزينفون فيذكر في كتابه [رحلة العشرة آلاف]، أن القاطنين على ضفاف نهر كالوس (عفرين) كانوا يقدسون أسماك النهر.
وقد أفاد بعض النباشين عن الآثار، أنهم عثروا بجوار قرية (ساتيان) على مدفن أثري قديم ضم رفاة موتى، وفي وسط المدفن تمثال ديك أجوف بحجم أكبر من الطبيعي أحمر اللون، وهذا ولاريب من طقوس العبادات الوثنية لفترة ما قبل انتشار المسيحية في المنطقة.
ومن الجدير ذكره هنا أيضا، أن هناك رسمان متقابلان لطائر الطاووس موجودان على مذبح كنيسة في قرية كيمار يعود تاريخ بنائها إلى عام 537م، وهما يحيطان بدائرة تحتوي على دائرة. إن طائر الطاووس في المعتقدات الإيزدية، يرمز إلى رئيس الملائكة (طاووس ملك)،. أما الدائرة التي تحيط بصليب متساوي الأضلاع، وهي شكل موجود بكثرة على الآثار التي تعود إلى الفترة المسيحية، فيقول عنها الإيزدييون: أنها ترمز في ديانتهم إلى الأرض وجهاتها الأربع، وهو صليب آري، فكما هو معروف إن الصليب الميتاني- الهوري متساوي الأذرع، على خلاف الصليب المسيحي الذي يستطيل ذراعه السفلي . حيث يعتقد أن عبادة الإله (ميثرا) الميتاني – الهوري، ظلت قائمة في الشرق الأدنى وفي أوربا حتى القرن الثاني للميلاد، وقد انتقلت عبادة ميثرا من الشرق إلى الغرب على يد الرومان. وكان يرمز إليه بطائر الطاووس.
أما مزار شيخ بركات في قمة جبل شيخ بركات، الذي يعتبره الإيزديون والدروز مقاماً لأحد شيوخهم، فقد كان في فترة ما قبل الميلاد حتى القرن الأول للميلاد، معبداً للإله الإغريقي (زيوس) إله الصاعقة، مثلما كانت مدينة سيروس (نبي هوري الحالية) مركزاً هاماً لعبادة الإلهين (أثينا) و(زيوس).
إضافة إلى كل ذلك، هناك مزارات قديمة في كردداغ، ذكرتها المصادر التاريخية، وهي ذات دلالات قبل مسيحية، فمزار ( Parse Xatûn )الإيزدي حاليا فوق قمة جبل( Parsê )المطل على أعزاز من جهة الشمال الغربي، تقول عنه المصادر إنه كان موضع مقام النبي داود ومعبده.
أما عن زيارة حنان المعروفة فيقول عنها المؤرخ ابن الشحنة: إن فيها قبر أخي النبي داود. أما المزار المسمى حاليا (نبي هوري) بجوار المدينة الأثرية القديمة (سيروس)، فيقال أن فيه قبر (أوريا بن حنان) أحد قادة النبي داود، حيث دفن هناك بعد مقتله. ومما يلفت الانتباه أن النجمة السداسية التي ترمز إلى الديانة اليهودية والنبي داود، توجد على بعض الدور القديمة التي يعود بناؤها إلى أوائل القرن التاسع عشر للميلاد، وقد وجدت ذلك على بعض الدور في قرى Maratê و Çobana و Gazê، و Turind.. وهناك قبر في مقبرة زيارة ( Qere curn). منقوش على واجهاتها الأربعة نجوم سداسية.
إن أكراد كردداغ لا يزالون يُقسِمون بمكونات الطبيعة، كالماء والنار والشمس والقمر، ويكوون أطفالهم بجمرات النار لحمايتهم من الأمراض، ويضيئون الأماكن المقدسة بالمصابيح والشموع (النار) كطقس أساسي يومي أو أسبوعي .
إن مجمل ما ذكرناه، يحمل في طياته دلالات دينية لعهدين:
ما قبل الزردشتية: حيث كان تقديس الطبيعة وعبادة قواها، ومن بينها الصليب المتساوي الأذرع الميتاني – الهوري رمز الإله (ميثرا)، وهو لايزال يرسم على أجساد الأطفال المرضى، وتوضع في رقاب الأطفال والحيوانات الأليفة، كما يرسم على الأدوات المنزلية. وهناك اعتقاد سائد بأن للخرزة الزرقاء التي تستعمل في الوقاية من العين والأذى صلة باللباس الأزرق الذي كان يرتديه رجال الدين المجوس الآريين قبل ظهور الديانة الزردشتية. وجدير بالذكر أيضا، أن اسم أحد آلهة الميديين (أسلاف الأكراد) كان (نازاتيا) و (نازي) Nazê، نازو، نازليه، ناز، هو اسم علم مؤنث لا يتداوله غير الأكراد، ولهذا له دلالة ما قبل زردشتية أيضا.
ثم عهد الزردشتية: حيث كانت للنار وللشمس مكانة مرموقة في معتقداتها كما ذكرنا سابقا.
على ضوء على ما سلف نستطيع أن نقول أن معظم ديانات بلاد الرافدين وجدت طريقها إلى عفرين إضافة لعقائد الإغريق والرومان، إما عن طريق الاستيطان كحالة الهوريين والحثيين أو عن طريق الاحتلال كحال الإغريق والرومان.
قلعة باسوطا
تقع قرية باسوطه إلى الجنوب على بعد /9 /كم من مدينة عفرين. بنيت قلعة باسوطه على تلة صخرية كبيرة في وسط القرية، يتراوح ارتفاعها بين 40م من الشرق، إلى 50م من الغرب، ليأخذ شكل جرف صخري حاد. ورغم زوال آثار القلعة، إلا أن الناس لا يزالون يسمونها بـ”القلعة”. تبلغ مساحة سطح التلة نحو سبعة دونمات، يوحي شكلها بأنها قد انفصلت من جبل ليلون في الأحقاب الجيولوجية القديمة.
بناء القلعة وتاريخها
ليس هناك تاريخ معروف لبناء قلعة باسوطه، وجاء أول ذكر لها في كتاب /تاريخ حلب لمحمد بن علي العظيمي 1090 – 1161م/، عن أحداث جرت عام 1145م، وواقعة حربية جرت لصاحب باسوطه. ولكنه لم يذكر شيئا عن صاحبها، ولا عن القوم الذين كانوا يعيشون فيها والدولة التي كانت تتبعها. ويلاحظ من كلامه وجود كيان خاص لباسوطه مستقل عن السلطة الزنكية في حلب.
وفي عهد الدولة الأيوبية -أي خلال القرن 12 وبداية 13- سلم الأيوبيون ناحية القصير ومنطقة جومه شمالا إلى الأسرة المندية، واستمر الأمر في هذه المنطقة بيدها حتى بداية القرن السابع عشر, أعيد ترميم القلعة منذ القرن السادس عشر، وحكمت قلعة باسوطه في القرون الثلاثة اللاحقة، عائلات معروفة، وهم آل روباري في النصف الأول من القرن الثامن عشر، ثم آل كنج-أومر آغا في النصف الثاني من القرن الثامن عشر والربع الأول من القرن التاسع عشر. بعد أن فقدت القلاع أهميتها العسكرية أُهملت وغادرها سكانها فتهدم جزء كبير منها بفعل العوامل الجوية و أكمل أهالي المنطقة الأميون هدم البقية الباقية منها ليبنوا بحجارتها دوراً للسكن. فقد استخدم مالكوا قرية عين دارة “من عائلة سفر في حلب” حجارتها في بناء قصر لهم بعين دارة. كما أن آل كنج، بحكم امتلاكهم السابق للقلعة، نقلوا قسماً من حجارتها إلى قرية جلمه لاستخدامها في البناء. ولم يبق من القلعة حاليا سوى بضعة أمتار من أساسات سورها الشرقي. وتم مبنى بلدية باسوطه في مكان القلعة حاليا.
وكان في القلعة بئر ماء، ردمت، وخندق واسع يحيط بها، يملأ بالماء أثناء الغزوات والحروب كخط دفاع عنها. كما كان فيها طاحونة مائية في الجهة الشمالية من القلعة. وتشير التقديرات إلى أن سكان باسوطه في القرن السابع والثامن عشر كان يتراوح بين 2000 – 3000 نسمة، أن موقع قرية باسوطه ومحيطها كانا عامرين منذ أقدم العصور. فهناك موقعان أثريان في الشمال الغربي منها قرب نهر عفرين، الأول، تل باسوطه، تتناثر عليه الكثير من الأدوات الحجرية الصوانية، ويعود تاريخه إلى العصور الحجرية. والثاني، المسمى جومتك، يعود إلى عصور تالية، تشبه حجارة بنائه، طراز الأبنية الرومانية – البيزنطية، حينما كانت باسوطه مركزاً إداريا هاما في تلك الفترة. وتظهر بين الحين والآخر أحجار مقابر مندثرة في تلك الأنحاء، يشابه نوع الخط والمسميات المدونة عليها، ما كان موجوداً في نهاية العصر العباسي وما بعده، وأغلب الظن أنها تعود إلى الفترتين الزنكية والأيوبية.
(كالي تيرو) يقع هذا الوادي على الطريق العام الذي يربط مدينة عفرين بناحية راجو الواقعة إلى الشمال الغربي منها بنحو 25 كم، وذلك بين جبلين شاهقين تكسوهما أشجار السنديان والزعرور والبلوط والزيتون البري وتمر به سكة قطار الشرق السريع الذي يصل سوريا بتركيا منذ العام 1912. وباعتباره ممراً إجبارياً للنقل البري والحديدي فإنّ المجاهدين والثوار كمنوا على أطرافه عشرات الكمائن خلال ثورتهم على المستعمرين الفرنسيين في البلاد
يُرجع البعض تسمية عفرين إلى عهد الميتانيين و الهوريين (3500-1300ق.م). أما أول ذكر لاسم عفرين بشكله الحالي من حيث اللفظ والمعنى، فقد جاء في نصوص آشورية تعود إلى القرن التاسع قبل الميلاد على شكل.apri وبلفظ قريب ورد في نصوص تاريخية للمؤرخ سترابون منذ القرن الخامس قبل الميلاد ، ويجمع المؤرخون أن(ap),تعني الماء في اللغات الآرية القديمة ، وهي الكردية الحالية ربما تعني مجرى أو مسيل ماء
وسمى الجبل بجبل الأكراد أو كرد داغ بسبب الكثافة السكانية العالية من الكرد حيث يشكلون 99% من السكان كما قال ( روجيه ليسـكو) في مقدمة بحثه: كرداغ و الحركة المريدية .
يصعب تحديد وصول الأكراد إلى الجبل، و مع ذلك يمكن إرجاعه إلى عهد تاريخي قديم, فشرف نامة , يذكر شخصاً اسمه مانـد Mand الذي حصل في بداية القرن السادس عشر على كوصيرة أنطاكية كإقطاعية…” و الأمير مانـد كان يحكم كلس و منها منطقة عفرين لأن منطقة عفرين كانت تتبع إداريا ولاية كلس حتى عشرينات القرن الماضي, حيث انفصلت عن كلس و أصبحت منطقة بحد ذاتها تتبع محافظة حلب بعد أن تم رسم و تثبيت الحدود بين سوريا و تركيا بموجب اتفاقية الحدود بين تركيا و فرنسا .
إذا توغلنا في التاريخ إلى العصر النحاسي والبرونزي فقد كان يسكن الجبل والسهول القبائل الهورية التي تشكل أسّ الشعب الكردي الحديث . وكانت عفرين تتبع مملكة (الالاخ) الذي يعتبر (ادريمي) أشهر ملوكها والالاخ الآن هي (تل عطشانة) الواقع في ولاية (هاتاي) وبعد غزو (شوبليما ) تحولت السيطرة إلى الحثيين في القرن الثالث عشر ق.م بعد هزيمته للميتانيين.
في العهد الروماني، كان یمر من موقع مدینة عفرین الحالیة، طریق روماني معبَّـد، وذلك كان من الضروري أن یكون هنـاك جسـر، و قـد كشـفت الحفریـات عن حجارة ،هي قاعدة الجسر والطريق الى القاعدة الرومانية.
اكتشف في الحي الجنوبي من المدینة القدیمة عن أحجار بناء ضخمة، ربما كانـت أساسـات لأبنیـة وتذكر كتب التاریخ أنه في القرون الوسطى- حوالي القرن الرابع عشر للمیلاد- كـان فـي موقـع المدینـة جسـر یسـمّى (جسـرقِ یبـار) Qîbar، باسـم المـدعو علـيقِ یبـار صـاحب (حِصن قيبـار)،و لا تـزال آثـار ذلـك الحصـن قائمـة فـي شـمال غربـي قریـة (عـرش قیبـار) الحالیة.
وفي أواخـر العهـد العثمـاني كـان فـي موقـع مدینـة عفـرین خـانٌ لإیـواء المسـافرین وحیوانـاتهم، وكـان موقعـه بجانـب الجسـر فـي مكـان مبنـى البلدیـة الحـالي تقریبـاً ، أمـا منطقـة كُـرْد داغ (منطقـة عفـرین بعدئـذ) فكانـت تابعـة بأجمعهـا لقضـاء (كِلِّـس) إداریـاً، وكِلِّـس الآن مدینـة تقـع علـى الجانـب التركـي شـمالي مدینـة عَزاز السـوریة، ومـا زال كثیـر مـن الوثـائق أرشیفات (كِلِّس). الإداریـة والعقاریـة وسـجلات قیـد النفـوس القدیمـة المتعلقـة بسـكان كـرد داغ.
وفـي عهـد الانتداب الفرنسي على سوریا تـمّ ترسـیم الحدود السوریة التركیة عـام (1922)، وقـُسِّـمت منطقـة (كـرد داغ) إلـى قسـمین: قسـم تركـي، وقسـم سـوري. وبقي القسـم السـوري دون مركـز إداري یحـلّ محـلّ مدینـة (كِلِّـس)، وصـارت الحاجـة ماسّـة إلـى مركـز إداري للقضاء، فوقع الاختیـار علـى موقـع مدینـة عفـرین الحالیـة، بجانـب الجسـر الـذي كـان الألمان قد أقاموه فـي أواخـر القـرن التاسـع عشـر، ولـذلك كـان النـاس إلـى أمـد قریـب یسـمون المدینة بـ (كُوپْرِي) Kopri أي (الجسر).
وباشر الفرنسیون بناء الدوائر الحكومیة ابتداء مـن عـام (1923)، وكـان أوائـل سـكان مدینـة عفـرین یتـألفون مـن بعـض آغـاوات المنطقـة، مـنهم آل سَـیْدُ ، وزعیم الأیزدیين دَوْرَیش آغا شَمّو،و أحمد خلیل من قریة (مَعْمِل أُوشاغي) وغیـرهم، وسـكنها أیضاً بعض الأرمن الذین هربوا من بطـش الأتـراك، و كـانوا متخصصـین فـي مهنـة الحـدادة، وغیرهـا مـن المهـن التـي كانـت المنطقـة و القـوات الفرنسـیة بحاجـة إلیهـا، وخاصـة فـي مجـال الخیـول والحراثـة.
عندما قررت ألمانيا بناء سكة قطار برلين-بغداد مرت السكة في منطقة عفرين وتم الانتهاء منها عام 1913 طبعا مع الأخذ بالحسبان عدم وصول السكة إلى بغداد لاندلاع الحرب العالمية الأولى. يبلغ طول القسم المار من منطقة عفرين ” بين محطتي قطمه وميدان اكبس” 61.5 كم، عليه أربع محطات رئيسية هي: قطمه، وقرط قلاق، وراجو، وميدان اكبس على الحدود التركية، إضافة إلى نقطة كتخ. ويمر الخط في أربعة أنفاق محفورة في المرتفعات الجبلية، وهي: نفق مشعلة بطول 235م، نفق راجو الأول 540م، راجو الثاني 165م، نفق راجو الثالث 130م. ويسير الخط على خمسة جسور حديدية، هي جسور: جومكه على نهر عفرين، وآستارو، وزراڤكي على ماء زراڤكي، وكتخ، وجسر المشهور على وادي حشارگه العميق، ، ويسمى أحيانا جسر هره دره، يصل هذا الجسر بين نفقي راجو الثاني والثالث، وأبعاده هي: 450م طولا، و 95م ارتفاعا من أسفل .
المناخ
لقرب منطقة جبل الأكراد من البحر يعتبر مناخها متوسطيا, حيث أنه معتدل صيفا و بارد شتاء و الأمطار غزيرة نسبيا و تهطل الثلوج ؛ لهذا تعتبر منطقة خصبة و نموذجية للزراعات المتوسطية. فالمناخ المتوسطي، و وجود الوديان و السهول و الجبال و خصوبة التربة و وفرة المياه في منطقة عفرين جعلها مناسبة لكل الزراعات المتوسطية. حيث تزرع الحبوب: قمح, عدس, شعير… و الخضار بأنواعها و القطن و الشوندر السكري و الحمضيات و التفاحيات و العنب و الفواكه الأخرى. أما الزراعة الرئيسية التي تشتهر بها منطقة عفرين و تعتبر رمزا لها فهي الزيتــون الذي يزرع في كل أنحاء و قرى المنطقة دون استثناء, و يفوق عدد أشجارها الثلاثة عشر مليون شجرة.
كما تتميز المنطقة بوجود غطاء حراجي طبيعي و صناعي . و الأشجار الحراجية في معظمها صنوبرية إلى جانب السرو. و هذا الغطاء الحراجي يستفاد منه في استخراج الأخشاب و انتاج البذور من أشجار الصنوبر المثمرة. أما تربية الحيوان و لاسيما الماشية: فإنها تراجعت كثيرا و لا تلعب درواً يذكر في حياة المنطقة الاقتصادية, و ذلك لفقدان المراعي و استقرار السكان في قراهم منذ زمن طويل, فلا وجود لقطعان الماشي
أما الصنـاعة نجد في عفرين بعض الصناعات أهمها صناعة السجاد اليدوي التقليدية, والصناعات المرتبطة بالزيتون التي تعد عفرين من المناطق المشهورة في سوريا بالزيتون وتقوم صناعة استخراج زيت الزيتون التي تشتهر فيها عفرين و صناعة الصابون و هذه تعتمد على زراعة الزيتون و تتأثر به. وتنتشر المنشآت والمعامل والمصالح والمحلات التجارية الهامة في المدينة، وحديثاً وبعد الثورة بدأت معامل الألبسة تنتشر في عفرين وهي ذات جودة عالية وغزت أسواق العراق والخليج رغم الصعوبات .
الحياة الاجتماعية
كانت منطقة عفرين تدار من قبل حكام (كلس) من آل جنبلاط وخلفائهم معظم فترات الحكم العثماني، إلى أن بدأت عصر الإصلاحات التي دشنها السلطان محمود الثاني ونشر ما سمى (مرسوم كلخانة) والغرض منه إقامة إيالات عصرية تحكم من قبل ولاة يعينهم الباب العالي، وكان من جملة الاصلاحات المتتابعة قانون الطابو الذي ساعد الأسر القوية على الاستحواذ على معظم الأراضي الزراعية مستغلين جهل أبناء عشائرهم وبمساعدة من الموظفين المرتشين، مما أدى إلى زوال الزعامات التقليدية المحلية و ظهور طبقة ارستقراطية جديدة تشكلت من ملاّكي الأرض الكبار – الاقطاعيين. و بالتالي فقدت الزعامات القديمة سلطتها و نفوذها مفسحة المجال للزعامات الجديدة. و هكذا اختفت العشائر و العلاقات العشائرية و تحولت البنية العشائرية لبنية اقطاعية. فبعد أن كان الزعيم يستمد سلطته و نفوذه سابقا من علاقات الدم أصبح يستمدها من قوته الاقتصادية, و من اتساع رقعة الأرض التي يملكها. وبعد أن كان الولاء للعشيرة و شيخها, أصبح للأرض و مالكها الاقطاعي, فلم يعد الفلاح مرتبطا بعشيرة أو زعيم معين, و إنما بالأرض التي يعمل فيها و بالأقطاعي – الآغـا المالك. و هكذا تطورت العلاقة و البنية الاجتماعية في جبل الأكراد, و تحولت من العشائرية إلى الاقطاعية. و استمر الوضع على هذا النحو حتى بداية ستينات القرن العشرين, حيث بدأ بعدها الزعماء الاقطاعيون يفقدون سلطتهم و نفوذهم تدريجيا بعد تفكك و تفتت الاقطاعات .
اللباس والزينة
ألبسة المرأة تختلف من فئة اجتماعية إلى أخرى، فالمرأة في الأسرة الغنية تلبس القماش الجيد الغالي الثمن، كالمخمل والحرير. أما المرأة الفقيرة، فتقتني الأقمشة الرخيصة . والصفة المشتركة بين لباس الفئتين، كانت الألوان الزاهية. أما أسماء وأنواع اللباس فهي واحدة تقريبا.
فلباس الرأس في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كان يختلف بين المرأة المسنة والزوجة الشابة والفتاة. فكبيرة السن كانت تضع الكوفية، والأصغر سنا تضع الطربوش في المناسبات، أو منديلاً خاصا يسمى جيور، ثم استبدلت الكوفية بمنديل خاص شال ذي ألوان مختلفة، ويوضع تحته منديل أصغر يكلل الجبهة مع الرأس، يعرف بـ بارني، وهذا الزي لايزال موجودا لدى بعض النساء المسنات.
أما الفساتين فهي ملونة تلبس فوق إزار داخلي (كراس)، وسروال داخلي (هفال كراس) يشبه سروال الرجل، مصنوع من القماش الخام الملون، وهاتان القطعتان هما من الخام الأبيض لدى المرأة الإيزدية.
أما اللباس التقليدي لرجل من أسرة ميسورة في القرن التاسع عشر وحتى النصف الأول من القرن العشرين، كان يتألف من لباس الجسد و بديل عن اللباس الداخلي، يغطي الجسم إلى الركبة، ويلبس فوقه قميص طويل يسمى (ميلتان)وهو بطول جاكيت معاصر ذو أكمام قصيرة، مفتوح من الأمام، ويزين بخيوط ملونة صفراء عادة، ويلبس فوق الاثنين عباءة( ايبى كزيني) ، وهي تصنع يدويا من خيوط ناعمة من وبر الماعز الواقي من البرد والمطر، وكانت العباءة لباسا تقليديا واسع الانتشار. وحينما حل الفرنسيون في هذه البلاد، جلبوا معهم الجاكيت، الذي حل محل العباءة الجبلية التقليدية.
أما من الأسفل فيلبس السروال العفريني التقليدي( شلوار) فوق سروال أبيض فضفاض( دربى سبي). والسروال في منطقة طويل وفضفاض من الخلف، ضيق عند الساقين، ويشد إلى الخصر بخيط طويل وسميك مصنوع من الصوف والوبر المشغول يدويا، يسمى( بيزى). والرجل يشد خصره بلفافة عريضة مصنوعة من الحرير تسمى( بيشتىسورمى)، يوضع تحتها الخنجر والمسدس وأداة التدخين الطويلة Şiv، إضافة إلى حزام جلدي يسمى( بيلسى) له جيوب ومخابئ توضع فيها الأدوات الشخصية الصغيرة.
أما سواد الناس فكانوا يلبسون (داربى سبيكروس )من الخام الأبيض.
العائلات والعشائر الكردية في منطقة عفرين
عائلة آل عميكو(عميكي كالي)
أقدم عائلة سكنت منطقة جبل الأكراد, يرجعون إلى ( عشيرة مللي ) وهم أحفاد( تيمور باشا مللي ). هاجر العديد منهم جبل الأكراد قديما نتيجة حكمهم للعشائر وبقائهم معهم و لكن ما زالوا موجودين في جبل الأكراد في قرية( سيويان )
عشيرة شيخان
من أكبر العشائر الكردية في المنطقة ، وتعتبر ناحية راجو منطقة شيخانية بحتة ( ، ولهم ( 8 ) قرى متاخمة لعشيرة (آمكا) شرقاً ، بدءاً من قرية ( جلا ) شمالاً إلى ( شيخ بلا ) جنوباً ، مع ( 8 ) قرى مجاورة لعشيرة ( خاستيان ) بدءاً من ( بربند وبعدنلي ) في الشرق ، إلى ( آلكانا ) في الغرب ، ومجموع قرى هذه العشيرة ( 75 ) قرية على الخط الحدودي مع تركيا مازالت أربع من قراهم داخل تركيا هي ( عنجارا – كوميته – تلبير – خراب جاموس ) .
عشيرة رشوان
أصلها من الأكراد الرحّل ، بين ( كلس وقونية و محافظة حلب ) ، ومازالوا موزعين بين قرى : سهل جومه ، وجبل ليلون ، ومن أبرز عائلاتها ( آل هنانو ) عائلة الزعيم الوطني المعروف ( إبراهيم هنانو ) .
عشيرة آمْكا
من أقدم العشائر الكبيرة الموجودة في جبل (Hawar) ، وأكثرهم حفاظاً على خصائصها الذاتية ، ومعروفون بكرمهم ورجولتهم ، وكان استقرارهم في نحو ( 26 )قرية موزعة في أطراف جبل هاوار ، وآخرون يقطنون بنسبة كبيرة في نحو ( 10 ) قرى خارج جبل هاوار . ورجالها من أوائل الذين شكلوا فرقاً مسلحة ضد الفرنسيين ، ومن أبرز عائلات هذه العشيرة ( ايحوكا – ديكو – آل إيمر ، آل روطو ، آل إيبو ) .
عشيرة شكاك
أصلها القديم : مجرى نهر ( قره سو ) أحد روافد نهر الفرات ، ولها فروع في إيران والعراق وتركيا وسورية ، تزدهر مناطقهم بالأشجار المثمرة والزيتون والكروم ، وتجاورهم عشيرة ( رشوان ، وآل حج أومر ) .
ويستقر أفراد هذه العشيرة في ( 37 ) قرية عامرة بسبب خصوبة أراضيها الممتدة من ناحية شران وما حولها لمسافات بعيدة تكن علاقتها جيدة مع العثمانيين ، أما علاقتهم مع عشيرة ( رشوان ) فكانت جيدة ، لصلات المصاهرة أما زعامة هذه العشيرة ، فاستمرت منذ بداية القرن التاسع عشر، وما تزال محصورة لعائلة ( جلوسي ) .
عشيرة روباري
عينت السلطة العثمانية ( محمد شاه روباري ) حاكماً لإمارة كلس ، بعد مقتل ( علي بك بن جانبولات ) أحد أمراء الأسرة المندية الكردية الذين دام حكمهم على إمارة كلس منذ العهد الأيوبي .
على الرغم من عزل ( محمد شاه ) من حاكمية كلس ، فإن نفوذ أولاده وأتباعه استمر في سهل جومه ، وفي منطقة الروباريين الحالية وحتى كلس ، متخذين من ( قلعة باسوطة ) مركزاً لهم . إلى أن استقروا في مكان إقامتهم الحالية ( جبل ليلون ) في قرى ( جلبل – باصلحايا – ابين – زريقات – خريبكه – كشتعار – أُقيبه – دير مشمش ) على الجبل ، إضافة إلى قرى ( كفر بطرة وجومكه وكرسانة ) في سهل جومه .
عشيرة كوجر
هم أكراد رُحَّل ، وأصحاب الخيام السود من شعر الماعز ، يتنقلون بمواشيهم في الأقاليم العثمانية إلى أربعينات القرن العشرين ، ويعود أصلهم إلى ( كوجرى ميرشَم ) وينتشرون على امتداد القوس المنحني بين ( كلس ، واصلاحية ، وقرقخان ) وصولاً إلى جبال أومانوس . وتقوم حياتهم على البساطة ومذهبهم الأساسي ( علوي ) إلى أنهم أصبحوا من أهل السنة مع مرور الزمن .
ظهر منهم رجال ذوو نفوذ في المنطقة ، شكلوا ( جته ) عصابات قوية ضد أعدائهم ، نتيجة حياتهم البدوية إلى أن أقرتهم الظروف لاستيطان قرى مأهولة ، خاصة بعد تقسيم الحدود بين سورية وتركيا . وصارت لهم ( 23 ) قرية داخل سورية بين ديرصوان إلى شيخ الحديد والحمام وقرزيحل .
المراجع
وكبيديا
موسوعة المعرفة
تاريخ كرد وكردستان الجزء الاول
موقع وزارة الزراعة السورية
وثائق من الارشيف الفرنسي ترجمة الدكتور خالد عيسى
-موقع كردستانا بنختي