افتتاحية العدد 20: من سيراجع حساباته؟
هيئة التحرير
لم تصمد الانظمة طويلا امام هبوب الغضب الشعبي الدفين بين طيات دخائله منذ عقود طوال كمن يرمي ببردة الكفن الابيض الشتائي ليستعد لربيع مزدهر بجام قوته، هذا ما حدث ويحدث في شرقنا الاوسطي. لن يزدهر ربيع أي شعب إذ مالم يحفى ببرودة الشتاء. ازدهر ربيع الشعوب في الشرق الاوسط من بعد سبات عميق ورقدة دامت طويلا الى ان طفح الكيل بذاكرته الاجتماعية، ليحي مجددا كل ما حفظته هذه الذاكرة من قيمه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والاخلاقية بعزم لا يلين.
عندما بدات الشعوب بالعودة الى الاصل برفض الظلم والضغيان الدولتي الحداثوي الراسمالي وفي كل بلد من بلدان الشرق الاوسط عبر تقديم كل غال ونفيس رخيصا في سبيل الحرية، لم تقف قوى المصالح مكتوفة الايدي، وكمن يحاول اتباع سياسة ابن آوى حتى يحصل على ما حصلت عليه هذه الشعوب من انجازات يستحال التفريط بها حتى إذا قدم ضعف ما يقدمه. تحاول القوى الراسمالية بقيادة امريكا ترتيب الحاصل وفق مشاريع غاب الدهر عليه ويقظ الملايين من كابوسه المريع، وما الربيع العربي اليوم إلا انذار لهذه القوى وتاكيدا على عدم التعرض لمصالح الشعوب لانها عرفت درب الخلاص. لذا فجميع القوى الحاكمة تراجع حساباتها من بعد فيض الحركات الشعبية وترتعد خوفا من الوعي الاجتماعي المصحوب بمتطلبات سياسية ديمقراطية حرة، ليس كتلك التي مكيجتها القوى الراسمالية لتقدمها كعربون اخوة بين الشعوب المتنوعة في الشرق الاوسط من امثال حكومة العدالة والتنمية التي تقف عارية الان امام جميع دول ومجتمعات الشرق الاوسط من دون خجل. وحتى الادارة السورية والايرانية عبرا عن رفضهما لازدواجية اردوغان ونيته المقصودة في بناء السلطنة العثمانية حتى تكون تركيا من اولى القوى في الشرق الاوسط، من بعدما كانوا الثلاثة قبضة في القضاء على الحركة الكردية الى الامس القريب.
وصلت الحركات الشعبية الى المرحلة الثانية من البناء والتي هي بحاجة الى اتباع سياسة ديمقراطية تعبر عن متطلبات المجتمع بكل فئاته بعيدا عن كافة انواع المبررات المنومة. السياسة الديمقراطية من احد اهم المهام الثورية التي تقع على عاتق الحركات الشعبية في هذه المرحلة التي تراجع فيها كافة القوى الرسمالية في العالم وفي الشرق الاوسط حساباتها الخاطئة استعدادا لترتيب نظام جديد في الشرق الاوسط على اطلالة القديم، وياتي بناء نظام اسلامي معتدل في مقدمة نماذج الانظمة المفروضة. لكن تاريخ الشرق الاوسط شاهد على جميع نماذج الانظمة الدولتية التي تسببت في جرحه النازف الى راهننا، وهذا كان السبب الحقيقي وراء جميع ثوراته وانعطافاته المتوجة بقيمه الاخلاقية والسياسية من دون الانحناء لاي رادع. تتلخص متطلبات جميع شعوب الشرق الاوسط بكرده وعربه وتركه وفرسه وكافة فئاته وشرائحه الاجتماعية في بناء نظام يتخذ من السياسة الديمقراطية مقياسا لانبعاث مجتمع اخلاقي وسياسي يكون الشعب فيه هو صاحب الكلمة والقرار.