عبدالله اوجلان

أزمة الحضارة الشرق أوسطية و الحلول الممكنة

عبدالله أوجلان

عبدالله أوجلان

عبدالله أوجلان
عبدالله أوجلان

ثمة حقيقة واقعة تشير إلى أن منطقة الشرق الأوسط تشهد حرباً عالمية ثالثة على نحو خاص بها. لكن هذه الحرب تتميز بخاصيات مختلفة عن الأبعاد العسكرية والسياسية الكلاسيكية. وإلى جانب صحة تعريفها بصراع الحضارات، إلا إنه لا يفسِّر مضمونها بالشكل الصحيح. حيث لا يكشف النقاب على نحو كافٍ عن أبعادها التاريخية والاجتماعية. كذلك ثمة غموض في تحديد الأطراف المعنية فيها، وفي أساليبها ومآربها. ورغم كثرة التطرق إلى المخططات والمشاريع المتعددة فيها، إلا إنها الحرب الأكثر عشوائية وافتقاراً للتخطيط، وكأنها تسير من تلقاء نفسها، أو كأنها وجهاً لوجه أمام حرب تهدف إلى خلق الفوضى، لا غير.
إن مجتمع الشرق الأوسط (ودوله) يعبِّر بكل معنى الكلمة عن ركام متكدس من المشاكل العالقة. فالمشاكل المتنوعة المكبوتة والمتراكمة منذ الماضي الغابر، قد تركت المجتمع مقطوع الأنفاس. أما الأنظمة المفروضة عليه من قِبَل النظام الرأسمالي بغرض إيجاد الحلول لها، فقد أضحت بحد ذاتها منبعاً لخلق المشاكل. فلا الدول المعنية قادرة على إيجاد الحل، ولا هي تفسح المجال للقوى الممتلكة للحل – الداخلية منها والخارجية – بأن تقوم بدورها. إن تسمية المشاكل بأنها مجرد أزمة إسلامية، هو تعبير خاطئ للغاية. حيث ثمة ذهنيات سائدة تتخطى نطاق الأديان التوحيدية، وتمتد بجذورها لتصل إلى العهد النيوليتي.
تشكلت الكثير من النُّسُج والأنظمة الاجتماعية التي لا يمكن تفسيرها بالظاهرة القومية. إذ تكاد كل عائلة، وليس كل عشيرة وحسب، تتضمن اختلاطاً وتعقيداً أشبه بمشكلة الدولة. تعاني الهوّةُ الشاسعة بين المرأة والرجل اغتراباً حاداً، بقدر ما تعانيه الهوة الكائنة بين المجتمع والدولة. وكأنه ثمة فوضى يعج فيها حشر من الصُّمُّ والبُكم والعُمي الذين لا يتفاهمون فيما بينهم، وقابعون في قاع برج بابل، مثلما تقول الأسطورة. وكأن تلك الأسطورة انتعشت مرة أخرى في نفس المكان. حيث تَبذل ما يناهز السبعون من القوى القومية جهودها ومساعيها. لكن الخلل يتفاقم يوماً بعد يوم. فالصراع العربي – اليهودي المتبقي من أيام الفراعنة، لم يفقد من وتيرته شيئاً. كذلك تسير التمشيطات المرتبة تجاه الكورتيين (الكرد) بنفس الهمّة والسرعة منذ أيام الملوك السومريين. إذن، والحال هذه، من الضروري البحث عن جواب أكثر وضوحاً للسؤال التالي: كيف تصل المشاكل مثل هذه الحالة في الشرق الأوسط؟
يشكل مجتمع الشرق الأوسط الخلية النواة لجميع المجتمعات. وهو يستمد قوته من ماهيته هذه. نظريات الخلية النواة دارجة على المجتمعات أيضاً. لقد أبدى النظام الرأسمالي قدرته على التوسع والانتشار من ثقافة القارة الأمريكية إلى أوستراليا الباسيفيكية، ومنها إلى الثقافة الهندية والصينية واليابانية؛ ومن أفريقيا إلى الثقافتين الروسية والسيبيرية الجنوبية. لقد انتصر في حرب هي ضرب من ضروب صراع الحضارات والثقافات. إلا أن نفس النظام لم يستطع تحقيق فتوحاته تلك في منطقة الشرق الأوسط، رغم محاولاته العديدة المتعاقبة منذ أعوام 1800. ولربما مر فيها بحالات أكثر شحناً بالمشاكل من الحروب العالمية. حيث ثمة عناصر تتجاوز حروب الصهر والإذابة. لا شك في أن السبب الأساسي لكل المصاعب المتلقاة ينبع من النسيج الاجتماعي للمنطقة.
إن المَلَكية والإقطاعية اللتين قضت عليهما الثورة الفرنسية تشبهان القيصرية والإقطاعية التي قوَّضتهما وأطاحت بهما الثورة الروسية. لكن كلتا الثورتين انشغلتا أثناء ذلك ببنى فوقية لا نسيج غائر لها. مع ذلك، فتشخيص تلك البنى وتفكيكها تضمَّن مصاعب جليلة. بيد أن هاتين الثورتين قامتا في البنى الفوقية، ولم تتخلصا من الالتحام الأعظمي بالنظام الرأسمالي.
وناهيك عن حل مجتمع الشرق الأوسط وبنيته الفوقية للمشاكل، بل انتهى فَرْضُ هذه النماذج عليه بتجذرها أكثر فأكثر. لذا، لا يتبقى من الأمر سوى ضرورة الفهم الحسن لطبيعة صراع الحضارات. الأصح من ذلك هو التساؤل: ما الذي يبقي على حضارة الشرق الأوسط عقيمة ومقاوِمة عنيدة لهذه الدرجة؟ لماذا تُحرَز النتائج المرجوة في كافة الحضارات الشهيرة في العالم لدى المداخلة فيها، في حين أن الحلول الشبيهة تلقى الفشل الذريع في الحضارة الشرق أوسطية؟
يكمن الرد على هذه التساؤلات في حقيقة الحضارة الأم. فكيفما يشبه الابنُ أمَّه بالضرورة – ولا تشبه الأمُّ ابنَها – فالحضارات الوليدة من الحضارة الأم، لا يمكنها أن تشَبِّه أمها بنفسها. بل هي مرغمة على التشبُّه بحضارتها الأم من بعض النواحي بأقل تقدير. إذا ما رجعنا ثانية إلى مثال الخلية النواة، نجد أنه من الممكن العثور على البنى الجينية (الوراثية) الموجودة في جميع الخلايا المتكاثرة ضمن الخلية النواة. في حين أنه من المحال العثور على كافة جينات (مورثات) الخلية النواة في الخلية المتكاثرة منها. لا شك في أن المقارنة المفرطة للظاهرة الاجتماعية بالظواهر البيولوجية تتضمن أخطاء فادحة. لكنها، مع ذلك، تزودنا بالسهولة المتوخاة لتَفَهُّم الاتجاهات الموجودة بشكل صحيح. لذا، جلي للعيان مدى ضرورة أن تتقرب حضارة النظام الرأسمالي بعمق وخصوصية أكبر إزاء الحضارة الشرق أوسطية.
يجب النظر أولاً إلى البنية الذهنية، لدى البدء بتحليل الحضارة الشرق أوسطية. فنشوء وتوطد بنى الأديان التوحيدية الثلاثة في هذه المنطقة، يشكل أحد أهم حقائقها. ثمة العديد من المواضيع الأساسية التي يتوجب على السوسيولوجيا الدينية تحليلها في هذه المنطقة. هذا ومن اللازم تحديد خطوط هذه المحاولات عبر السلوكيات الأدبية والفنية الأخرى أيضاً. علاوة على أن رسم الخريطة الذهنية فيها دون تمييزِ أو فصلِ قيم المجتمع النيوليتي – الذي لا يزال مؤثراً في المنطقة – عن غيرها؛ سيتضمن أخطاء حقيقية. من جانب آخر، لا تزال ظواهر المذاهب والقبائل والعائلة، حقيقة معاشة فيها كوحدات سفلى لظاهرتَي الأمة والدين الملتحمتَين مع السلطة. أما القوالب الذهنية الناجمة عن الرأسمالية، فلا تجد معناها في المنطقة إلا بعد انكسارها وتحطمها.
إن تناول ودراسة جذور القوالب الذهنية ضمن بدايات التاريخ، بل وحتى قبلها في التعددية الألوهية، وفي العالم الميثولوجي، وخاصة ضمن نطاق العلاقة مع الميثولوجيا السومرية؛ سيساعدنا على الفهم الأمثل لخصال الذهنية المتداخلة فيما بينها. إن ثنائيات القول والعمل، المصطلح والظاهرة، الحقيقة والوهم، الدين والحياة، العلم والأيديولوجيا، الفلسفة والدين، وكذلك الأخلاق والقوانين تشهد تخالطاً وتشابكاً وخراباً وفساداً ولا تمايزاً حاداً في راهن منطقة الشرق الأوسط. حيث تكاد جميع الشرائح الذهنية التي شهدتها البشرية مخزَّنة على شكل ركام متكدس من المشاكل العالقة، مع ما نجم عنها من تلوث. ولا تتوانى البنى اللغوية أيضاً – القديمة منها والحديثة – عن عكس الحالات الذهنية القائمة وتصويرها بكل ما تحتويه من تزمت وتصلّب. هذا وتعاني مصطلحات المماليك والأوطان والقوميات والدول المُبَيَّنة حدودها، والمتأسسة في غضون القرن الأخير؛ من جهالة مركَّزة وضيق أفق حاد.
ثمة تزاوج مشحون بالشوائب والعيوب بين عناصر الذهنية المعاصرة من جهة، وعناصر ذهنية العصور الوسطى والأولى من الجهة الثانية. لذا، فأي قصف للبنى الفيزيائية الطبيعية (على الصعيد السياسي والاجتماعي والقانوني والاقتصادي)، دون قصف البنى الذهنية في واقع الشرق الأوسط؛ لن يُسفِر في مضمونه إلا عن ممارسات وحشية قصوى للمجازر والإرهاب والتعذيب، الرسمية منها وغير الرسمية، مثلما شاهدنا ذلك في يومنا الراهن.
كذلك تشير البنى السلطوية في منطقة الشرق الأوسط إلى فروقات هامة تميزها عن غيرها من الميادين في العالم. كما أن ظاهرتَي الحرب والسلطة ليستا أقل اختلاطاً وتعقيداً من الخصال الذهنية. فرغم كونهما من أقدم المؤسسات القائمة في المنطقة، إلا أن العلاقة بينهما وبين الحياة الاجتماعية والاقتصادية، تعاني من انقطاع ومفارقات مذهلة. والعلاقات المتبادلة بينها، منفتحة لكل أنواع الديماغوجيات والقمع، من أدقها إلى أغلظها. أما العقلانية (المنطق)، فهي “الربح” الأقل معنى وجدوى. وفيما يخص السوسيولوجيا (علم الاجتماع)، فكأنها مصقولة داخل الروابط الدينية والإثنية والاقتصادية والطبقية والسياسية للحرب والسلطة، كظاهرة بعيدة كل البعد عن التحليل والتفسير. من الصعب الحصول على منظر واقعي للشرق الأوسط، دون القيام بتحليلات صحيحة للسلطة والحرب؛ بدءاً من كونهما مصطلح ديني تجريدي للغاية، وحتى كونهما عصا وهراوة غليظة مسلَّطة.
تتضمن مؤسسات البنى الاجتماعية، وبشكل خاص ظاهرة الأسرة، تشابكاً وتعقيداً، يماثل ما عليه في ظاهرة السلطة، بأقل تقدير. فالرجل والمرأة الشرق أوسطيَّين يتميزان بتشابك يستلزم بالضرورة تحليلاً خاصاً بهما. وأي تحليل للأسرة والمرأة والرجل الحاكم، من خلال القوالب السوسيولوجية العامة، سيحتوي نواقص مهمة جداً. فالواقع السياسي والأيديولوجي والأخلاقي ينعكس على الرجل والمرأة، بأكثر جوانبه قساوة وحِلكة. والتناقضات القائمة في مؤسسة الأسرة، ليست أقل مرتبة من تلك التي في مؤسسة الدولة. فالأسرة هنا أبعد من أن تكون مؤسسة اجتماعية، وأدنى إلى أن تكون “الثقب الأسود” للمجتمعات. إذا ما وضعنا المرأة تحت عدسة المجهر، لربما تَمَكّنّا من قراءة جميع دراميات الإنسانية فيها.
تتطلب كل من المجتمعية التاريخية والجيومجتمعية (المجتمعية الطبيعية) الاقتراب من المنطقة ودراستها ضمن روابط دياليكتيكية كثيفة للغاية. فبدون تحليل كل فترة (كل جزء) من فترات (أجزاء) الأزمنة التاريخية والأمكنة الجغرافية؛ لن يكون بمقدورنا الإدراك الكامل لراهننا، ولا للأنظمة الحضارية برمتها. التاريخ الغير مدوّن أهم بكثير من التاريخ المكتوب. هذا وحكايات الأمكنة غير المذكورة، وغير المكتوبة، أهم بكثير أيضاً من تلك المذكورة والشهيرة.
بدون معالجة التخلف الاقتصادي ضمن كافة هذه الروابط المجتمعية، فإن التحليل عبر المبادئ الجافة والمجدبة للنظريات الاقتصادية، لن يجدي نفعاً يذكر.
علاوة على أن تحليل الكل بعد تجزيئه وتشريحه إلى أقسام صغيرة – والذي يعد مرضاً عاماً يسود علم الاجتماع – سينمّ عن أكثر نتائجه تضمُّناً للأخطاء والنواقص، لدى إسقاطه على الفعاليات الحضارية للشرق الأوسط، وفي مقدمتها الاقتصاد. فالتحليلات الاقتصادية المفتقرة لتداوُل ومعالجة “السلطة والحرب” و”الذهنية والمجتمعية” بشكل متداخل، لن تؤدي سوى إلى تجذير الجهل والافتقار للمعلومات أكثر. إذن، ساطع سطوع النهار أن البحث والتدقيق في منطقة الشرق الأوسط، عبر القوالب التحليلية للحضارة الغربية، يحتوي أخطاء وأغلاطاً نظرية وعملية مهمة. والفوضى القائمة حالياً، هي – لحد ما – ثمرة لمثل هذه التوجهات.
لا يمكن لأحد – بعد الآن – إنكار وجود الفوضى في الشرق الأوسط، كموضوع يكثر عليه الجدل في وقتنا الحالي. لكن المؤسف في الأمر هو أنه، لا المُدَّعون بأنهم أصحاب المنطقة الحقيقيون، ولا دُعاتُها الجدد، يتناولونها بتحليلات ذات جدوى. إنهم يخافون. فالتناول الحقيقي لواقع المنطقة لا يعني فقط فتح فوهة “علبة الباندورا Pandora Box”*. بل وسيعني أيضاً ضرباً من ضروب نزول “سفينة نوح” على سفوح “جبل جودي” الجديدة. حينها لن تزدهر الحياة إلا بنسل جديد (سواء على الصعيد البشري أو الأيكولوجي). فالحياة الحالية مرتدية رداء من الرياء والاستبداد، يغيطها من رأسها حتى أخمصها. ومثلما هي مليئة بحيثيات ورواسب التقربات الاستبدادية والاستغلالية المعمِّرة منذ آلاف السنين، فإن مساماتها الاجتماعية محتقنة بكل أنواع الدعارة والفحوش الممتدة في جذورها إلى دولة الرهبان السومريين المعمِّرة رسمياً خمسة آلاف عاماً. وتلتقط أنفاسها بمشقة بالغة، بحيث – وإن لم تكن ميتة تماماً – تكون بعيدة كل البعد عن الحياة الطبيعية.
تُرى، هل ستسفر الإمبراطوريات الأمريكية (الإسكندراوية المعاصرة – نسبة إلى الإسكندر المقدوني) عن تطورات تذكّرنا بالهيلينية، عبر مشاريعها الشرق أوسطية الأخيرة؟ وهل ستقدر أمريكا عبر تحالفها مع الأرستقراطيين الكرد (مدراء الإقليم العراقي)، أن تخلق مستجدات شبيهة بتلك التي قام بها الإسكندر بتعزيزه للحركة الهيلينية، عبر تحالفاته التي أبرمها مع الأرستقراطيين الكرد الذين كانوا يشكلون بنية خاصة بذاتها داخل الإمبراطورية البرثية؟
الأهم من ذلك، هل من الممكن أن يتكرر الدور الذي لعبته الأصول الكردية الآرية في كونها مهد الحضارة لدى بزوغ فجر التاريخ؟ بمعنى آخر، هل ستلعب دوراً شبيهاً لدورها السابق، أثناء العبور إلى عصر الحضارة الديمقراطية أيضاً في منطقة الشرق الأوسط؟ حيث أنها تمثل بالأرجح دور الأنساب الكردية عبر التاريخ على نحو “التأثير والارتكاس” من الخارج، إزاء الحضارات المجاورة لها. هذا وشهدت تطورات حضارية محدودة العدد في أراضيها. إذ انهمكت بالأغلب بالمقاومة والصمود وحماية الوجود إزاء الاعتداءات والغزوات الخارجية، وذلك على أساس مقاومات الإثنيات (القبائل، العشائر)، والدخول في تحالفات مساعدة على تحقيق مآربها تلك. وهي لا تزال تحافظ على ماهيتها هذه في راهننا أيضاً.
من جانب آخر، لن يكون من السهل المقاومة وصون الوجود وإبرام التحالفات بأساليبها القديمة، تجاه الرأسمالية العالمية الشارعة في شن حملة جديدة. فحتى لو أرادت العوائل الأرستقراطية التقليدية المتواطئة أن تستمر في هذه السياسة، فالشعب لن يكتفي بتلك الأساليب القديمة، بعد أن تجاوز نطاق الإثنية وغدا شعباً ديمقراطياً (شعب النصر serkeftin). وبات من الصعب أن تتحكم به هذه القوة أو تلك.
سيكون من الواقعي أكثر بالنسبة للتحرريين الاجتماعيين، أن يروا في عدم قدرة الكرد – كشعب – على تأسيس دولة كلاسيكية حُسْنَ طالع وفرصة حسنة؛ عوضاً عن تقييمها كخسارة. إذ، كم هو عدد قيم الحرية الاجتماعية، وكم هو عدد التحرريين القادرين على إرضاء شعوبهم بتطلعهم إلى الدولة وتمحورهم حولها؟ كل الشعوب الأمريكية اللاتينية والإفريقية والآسيوية أصبح لها دولها. فهل تمكنت من حل مشاكلها؟ وخلافاً لذلك، ألم تتثاقل مشاكلها أكثر من السابق؟
المهم هنا من الناحية التاريخية، هو توحيد هوية الشعوب المشاعية والديمقراطية كطراز سلوكي أساسي لها، مع إمكانيات وفرص العلم والتقنية، ومأسستها. إن ما تحتاج إليه شعوب الشرق الأوسط في راهننا، هو الديمقراطية، بقدر حاجتها إلى الماء والهواء والطعام. وأي خيار آخر غير الديمقراطية، لن يقدر على تلبية آمال الشعوب وتأمين سعادتها ورغدها. وقد جُرِّب ذلك طيلة التاريخ. إذا ما استنفر الكرد، الذين يحتلون صدارة هذه الشعوب، كل خصائصهم الاجتماعية وزمانهم التاريخي وأراضيهم التي أصبحت عضواً استراتيجياً مهماً إلى أبعد الحدود في منطقة الشرق الأوسط، وإذا ما سخّروها لصالح بناء الحضارة الديمقراطية ونجحوا؛ سيكونون قدّموا أفضل خدمة لجوارهم، وللبشرية جمعاء.
تاريخ أزمة الحضارة الشرق أوسطية
ثمة حقيقة واقعة تفيد بامتداد جذور حالة الفوضى المتفشية في الشرق الأوسط إلى الماضي القديم. فالثنائية الكائنة بين الجذور الحضارية المتوغلة إلى آلاف السنين، وبين النظام الذي طبقته الحضارة الأوروبية خلال القرنين الأخيرين، لا تثمر الحلول، بل العقد الكأداء. فبينما تُطوِّر الحضارة الأوروبية أنظمة قابلة للتنفيذ والإحياء في كافة الثقافات الطبيعية، تبقى قاصرة عن النجاح في ذلك في الثقافة الطبيعية لمنطقة الشرق الأوسط. المشكلة ليست إقليمية هنا. ورغم الانتقادات الموجهة إلى أحاديث “هون تينغتون Huntington” بشأن صراع الحضارات، إلا إنها واقعة ماثلة ببعض نواحيها. أي، هناك صراع بين الحضارات. لكنه ليس صراعاً بين الحضارتين الإسلامية والغربية. إن الحدث أعمق من ذلك وأشمل. فلو أطيح بالإسلام كلياً، سيبقى الصراع مستمراً في أساسه. نخص بالذكر هنا أن انفتاح علبة الباندورا في العراق، وخروج كل السيئات منها؛ إنما يشير إلى تواري أشياء كثيرة في الأعماق. وأي محلِّل نبيه وحاذق لن يرى صعوبة في الإدراك بأن ما برز إلى الميدان في مستنقع العراق يفضي إلى نتائج كثيرة؛ بدءاً من القول بخروج الحل التاريخي، أو عدم خروج أي شيء منه، وحتى بروز ضروب من العناصر والعوامل العصرية والاجتماعية التاريخية باسم الحل. والأطراف المتصارعة هنا، ليست كما يتم تصويرها بأنها صَدّام وبوش. بل هي أعداد غفيرة من الأنظمة المتداخلة فيما بينها. فالأنظمة المتكونة منذ العصور النيوليتية تسعى جميعها، وبكافة ألوانها الإثنية والدينية والجنسوية، إلى احتلال مكانها، أو البحث عن منفذ لها في إمبراطورية الفوضى التي تتزعمها أمريكا.
الدولة القومية. ما لها و ما عليها في هذه الأزمة
إذا كنا سنقَيِّم تاريخ 11 أيلول 2001 بأنه حقاً نقطة انعطاف مهمة، فعلينا إذن أن نراها كمرحلة استراتيجية للحرب المبتدئة بعد الحرب الباردة (لنُسَمِّها بحرب ما بعد الحداثة)، لا أن نراها كبداية للحرب العالمية الثالثة. كم لعبت المؤامرة دورها في ذلك؟ هل كانت استفزازاً أو إثارة من قِبَل النظام العالمي؟. يبقى الجواب عن كافة هذه التساؤلات المطروحة مجرد تفصيل، إزاء المستجدات الموضوعية. فقد وَجَد العديد العديد من المفكرين والقوى البيئية والسياسية، أن الانطلاقة الأمريكية لا معنى لها، وأنها منافية للقانون الدولي والأخلاق. وأعربوا عن ردود فعلهم وسخطهم. ورغم كل العراقيل المزروعة، إلا إن القوة الآمرة للنظام قامت بحملتها على الصعيد الاستراتيجي.
كل التحليلات التاريخية والاجتماعية التي قدمناها حتى الآن، تنظر بعين واقعية إلى التحرك الأمريكي كإمبراطورية في خضم الفوضى. ورؤيتها بأنها منافيةً للأخلاق والقانون لا تعيق كونها واقعية. تساور الريبة والمخاوف العميقة العديد من الدول القومية في هذه المرحلة، وعلى رأسها الدول القومية الديمقراطية الجمهورياتية في الاتحاد الأوروبي. قد تكون مُحِقَّة في مخاوفها تلك، ولكنها ليست واقعية، حيث تستمر عولمة الأنظمة وتحولها إلى إمبراطوريات منذ أيام الدولة الأكادية في عهد سارغون. هل يمكن الاستغراب من استمرار وجود الإمبراطوريات العالمية المتواصلة منذ ذاك الوقت بإضافة المئات من الحلقات الجديدة إليها، والمقدَّمة أخيراً من قِبَل إنكلترا والسوفييتات إلى أمريكا ـ دون أي صراع يذكر – لتستفرد بها لوحدها؟ بالمقدور النقاش حول مدى عمق الأزمة التي تمر بها الحملة العالمية الثالثة الكبرى للرأسمالية. وبالإمكان سرد مزايا الفوضى السائدة فيها. تؤكد كل هذه الوقائع مدى صحة احتياج الطراز الإمبراطوري المرحلي لإدارة معينة. حيث يُنَوَّه بكل إصرار إلى أن الدول لا تعرف الفراغ، وأن السياسة لا تستسيغ الفراغ في كل مكان تسود فيه الحضرنة (التحول إلى حضارة). إذن، والحال هذه، لا مناص من مواصلة أمريكا للتوسع والانتشار، انطلاقاً من دواعي النظام القائم، بعد أن استحوذت على الثورة العلمية والتقنية مؤخراً، وفرضت ريادتها في هذا المجال، وبعد أن كوَّنت لديها قوة عسكرية واقتصادية عملاقة. الأمر كذلك كضرورة من ضرورات طبيعة السياسة والدولة. وقول ذلك لا يعني القول بأحقيتها.
كما أن القول بأن عهد الدولة القومية قد مضى، لا يفيد بالمصادقة على الإمبريالية العالمية. فغالباً ما نظر الاقتصاد العالمي إلى هذا النمط من الواقع العسكري والسياسي بأنه عقيم ومكبِّل للأرجل. والدولة القومية ليست بدولة مستقلة كلياً، على حد الزعم القوموي. بيد أنه لا وجود لمصطلح “الاستقلال التام” في أي ظاهرة من عالم الظواهر. فالبقاء ضمن الروابط تصنيف كوني. ولا وجود لأي مادة أو ذات لا تكون ضمن تبعية متبادلة. أما فَتَشية استقلالية الدولة القومية، فهي من يوتوبيات البورجوازية الصغيرة. فلا استقلال الدول، ولا استقلال الشعوب ظاهرة متحققة. بل ثمة تبعية كل واحد للآخر ضمن خواص متغايرة. وما الاتجاه الإمبراطوري الذي تفرضه أمريكا سوى ضرب من التبعية بأكثر أشكلها مرونة ورخاوة. حيث لا يعمل أساساً بالأساليب العتيقة التي عفا عليها الزمن، كالاستعمار الفظ والمسح الإثني والتعصب الديني. بل وحتى إنه يجرب أشكال تبعيةِ ما بعد الحداثة في استعماره الحديث. بيد أن عدداً غفيراً من الدول القومية ترى في التبعية إلى أمريكا بمثابة جائزة لها، انطلاقاً من بناها الإدارية.
لا تتم إزالة الدولة القومية من الميدان. ولكن لا يُسمَح لها أيضاً بحركاتها المهذارة، مثلما كانت عليه في السابق. أي لا مهرب من إعادة مَوقَعَة الدول القومية في مرحلة العولمة الجديدة. تستمر هذه المرحلة بدءاً من الاتحاد الأوروبي إلى الصين، لا بغرض شن حرب جديدة، بل بهدف إنهاء الحرب المندلعة والمستمرة، أو إسقاطها إلى مستوى معجزات رابحة ومفيدة للنظام القائم. يقوم النظام بتوجيه إدارة الفوضى عبر الأساليب الاقتصادية أو السبل العسكرية، حسبما تتطلبه الحاجة. وذلك إما بالحفاظ على وضعها الموجود وإعاقة تقهقرها، أو بتوجهه نحو إعادة بنائها بشكل أكثر إثماراً. كما يسعى إلى تحقيق مخططاته البديلة عبر صياغة حلول وطيدة خارج نطاق الفوضى.
كيف يمكننا التنبؤ مسبقاً بالمستجدات في واقع الشرق الأوسط؟
يجب الإدراك يقيناً أن أمريكا تُسنِدُ وجهة نظرها إلى العالَم الظاهراتي إلى الثورة العلمية وطرازها التفسيري للواقع الديني والفلسفي. كما أنها تطِّور من نماذجها ومشاريعها على الدوام، بإدراجها الآلاف من الآراء والأفكار (Thing _Thang)* حيز التنفيذ، وبمراقبتها الدائمة للمعطيات، وقيامها بالترتيبات والإجراءات، دون الوقوع في الدوغمائية كثيراً. هذا وتسعى لإضفاء المعاني عليها بالعثور على المقومات التاريخية لنماذجها، دون غض الطرف عن سياق التطور التاريخي. كل ذلك يزودها بفرصة بلوغ مفهوم مرن ومتعدد الخيارات في مشاريعها تلك.
علاوة على أنها تعمل أساساً بمشروع الشرق الأوسط الكبير ـ حسب التعبير الراهن ـ منذ بُعَيد عام1990 وفق مضمون يقوم بتحليل الماضي القريب، ويسعى إلى تحليل المشاكل الحالية. حيث ترى أن النظام الذي أنشأته فرنسا وإنكلترا بعد الحرب العالمية الأولى، خاطئ وناقص. كما ترى أخطاءها في ممارساتها التي طبقتها بعد الحرب العالمية الثانية، والتي عززت من الاستبدادية بذريعة ترسيخ الأمن والاستقرار؛ فتقترب منها بانتقاد للذات. وهي مدركة أيضاً لأضرار ومخاطر العَوَز والفاقة المفرطة لشعوب المنطقة، بالنسبة لنظامها. لهذا الغرض فهي تود تأمين التطور الاقتصادي والحريات الفردية والدمقرطة والأمن، بشكل متداخل. بالتالي، فهي ترغب – عبر هذا الأنموذج – في حل المشاكل المزمنة لكل من العرب – فلسطين، والكرد – العرب، والترك – إيران من ناحية، وفي حل وتفكيك النسيج الاجتماعي المنبثق من الاستبدادية من الناحية الأخرى؛ لتعيق بذلك حدوث انفجارات جديدة. أي، ثمة في الميدان ضرب من ضروب مخطط مارشال الأوروبي والياباني الجديد، والمؤقلَم حسب شروط المنطقة. إذا كانت المنطقة مهمة بالنسبة للنظام القائم – وهي كذلك فعلاً – وإذا كانت تمر بمرحلة مشابهة للفوضى؛ فإن فكرة صياغة مخطط معتمد على هذه الأهداف، ضرورية وواقعية في آن معاً. بل وقد بقيت متأخرة في ذلك. كل الخطوات المخطوة من قِبَل النظام تتحول تدريجياً إلى محور للمخطط. هكذا تتكاثف محاولات ومساعي المشروع.
لكن المشقة الكبرى المنتصبة أمام ذاك المشروع هي حالة الشرق الأوسط المختلفة كثيراً عن كونها يابان أو أوروبا منهارة ومتحطمة. حيث لم يشهد الشرق الأوسط مرحلة التنوير، ولا الثورة الصناعية. ولم تُطرَح الدمقرطة بعد في جدول أعماله. لذا، لا يمكن القيام بتحديث من الطراز الأوروبي أو الياباني، دون دك دعائم النظم السياسية الاستبدادية ذات النسيج المذهبي والإثني المشحون بالقوموية والديانوية التي تذهب أبعد من إطار الفاشية.
فالنظم الدارجة حالياً لا تسفر سوى عن الأزمات الدائمة. وأحلاف الدول المحلية المكّارة الخبيثة، إنما هي ماهرة وخبيرة بشأن صون وجودها، أياً كان الثمن. أما البارزون تحت اسم “معارضة النظام”، فليسوا سوى مطّاطاً احتياطياً للاستبدادية عينها. وهدفهم الأولي هو الدفاع عن الدولة وحمايتها. إذن، فحيثيات مفهوم الدولة الإله أقوى مما يُظَن في رسوخها. إن الدولة الحالية فارغة الفحوى، ولا تمتلك أية فاعلية تاريخية. إنها الأقوى بين الجماعات الموجودة. وهي تتمخض عن الأفراد، مثلما يتمخض الأفراد عنها. وأكثر المعارضات ادعاءً للثورية، لا تَسوق إلى هدف أبعد من التفكير في كيفية بلوغها إلى إدارة حسنة للدولة.
هل يُكتب النجاح للإمبراطورية الرأسمالية في المنطقة؟
من جانب آخر، تكشف المنطقة عن سمات فيدرالية على الصعيد التاريخي. بالتالي، فهي لا تطيق تحمل العشرات من الدول القومية. فحتى العدد الحالي للدول الموجودة لا يفرز سوى العقم. هكذا تدخل المذاهب والبنى الإثنية والطرائق الدينية وغيرها من الجماعات وأشكال المجموعات، في مرحلة تغذية متبادلة لبعضها البعض، بربطها الدولة بذاتها. والعقم يكمن في هذا الكيان بالذات. وهو عينه الكيان الذي طالما غذته الدول الغربية. إذا كان المشروع يرمي إلى الحظي بالنتائج المرتقبة سلفاً، فمن الضروري وضع هذه الأنظمة جانباً قبل كل شيء.
تواجه أمريكا ورطة ومأزقاً حقيقياً، بكل ما للكلمة من معنى. فقد خطت خطوة بعد حادثة 11أيلول، بحيث قد تعزز نتائج أشد وطأة مما أسفر عنه دخولها للحربين العالميتين. لم تكن النتائج المتمخضة عن الحرب العالمية الأولى عميقة كثيراً، ولم تبلغ أبعاداً تؤثر في مصير النظام. بل كانت كشفت النقاب عن أهمية أمريكا. حيث، وحتى لو كانت هُزِمت في الحرب، لكان بمقدورها حينئذ الانسحاب إلى قارتها ومواصلة وجودها فيها بكل سهولة. كما استطاعت تطويق النظام السوفييتي بُعَيد الحرب العالمية الثانية، وحافظت على قوتها وعززتها أكثر، رغم خسرانها لبعض المواقع والخنادق الحربية. في كلتا الحالتين أيضاً كانت تنشغل ببنى الدولة الأكثر حداثة، والتي كانت تتشاطر نفس الثقافة المسيحية. بالتالي، فقد كانت المؤثرات المعمِّقة لصراع الحضارات محدودة. ولو أن مؤثرات الفوضى بدأت بالظهور في تلك الأوقات، إلا إنها لم تكن بأبعاد مهدِّدة للنظام.
أما في الشرق الأوسط، فلا يمكننا العثور على عوامل محاكية أو متماشية مع هذه النتائج. فإما أن تضع نصب عينيها محاربة نظام مستبد ومتزمت منذ أعوام 1250، وإلا، فعليها الانسحاب. فالحروب من قبيل ما حدث في أفغانستان والعراق غير كافية. وكل خطوة ستُخطى، لن تعني سوى الفشل الذريع، إن لم تتحطم أحلاف السلطة في المنطقة. أما تكتيكات الاستناد إلى دولة مستبدة في حل وتفكيك دولة أخرى، فهي بعيدة كلياً عن الإثمار. فثقافة الشرق الأوسط خبيرة في إفراز الاستبدادية في مثل هذه الحالات. وفي حال هدفت أمريكا إلى تحطيمها جميعاً، ستتولد عندئذ مشكلة مراقبة حشود الشعب وضبطها. في الحقيقة، فالورطة والمأزق العراقي مليء بالدروس والعظات، من ناحية ما سيجري لاحقاً، بقدر المجريات الحاصلة حالياً. لقد لقي النظام المسانَدة والدعم مدة طويلة. والمحصلة كانت مشاكل أشد وطأة. لقد دُكًّت دعائمه. لكن، ثمة أحلاف سلطة وأوساط ثقافية قادرة على تغذية بنى مشابهة للسابقة المحطَّمة. أما تخطي هذه الأوساط الثقافية عبر الفردية الغربية، فهو احتمال عسير. في حين أن تشتيت وتجزئة أحلاف السلطة، يعني القيام بحملة ثورية حقيقية. هكذا هو دياليكتيك المأزق.
بالتالي، فتَدَخُّل هيئة الأمم المتحدة وحلف الناتو في الأمر ضرورة لا بد منها. لكن هذا التدخل لا يمكن أن يكون سطحياً، كما حصل في أفغانستان والصومال. بل إن الظروف تستدعي كونه دائمياً وشمولياً. حيث تنكشف أهمية حل مشكلة الشرق الأوسط حديثاً. وستتم مواجهة مشاكل انهيارٍ، تتضمن مشقات ومصاعب تضاهي ما كانت عليه في النظام السوفييتي أضعافاً مضاعفة. لا تشبه النتائج التي ستتولد من تحطيم بنى الذهنية والسلطة المتزمنة دائماً على مر ثمانية قرون بحالها، ما حدث في أي بقعة أو منطقة من العالم. وستستمر العلاقات التي ستتحرر على مستوى الفرد والقبيلة والجماعة، لتنتصب في الوسط بحالة أشبه باللغم الموقوت. بأي ثورة ذهنية واقتصادية ستتمزق هذه الأحلاف الاستبدادية الصغيرة، لتنشأ البنى الذهنية والاقتصادية الجديدة عوضاً عنها؟ كيف، وبماذا سيتم تخطي الفوارق الجذرية بين كلٍ من الفرد الأوروبي المستند إلى تقاليد جذرية في النهضة والإصلاح والتنوير، والفرد الشرق أوسطي المعرَّف سابقاً؟ رغم عدم وجود بُعد كبير بين ثقافة أوروبا الشرقية والبنية الثقافية العامة لأوروبا، فإن الأولى فلحت حديثاَ في ولوج العبور من نظام تحديثي للغاية – من قبيل الاشتراكية المشيدة – إلى النظام الليبرالي، وذلك بعد مرورها بمتغيرات دامت ربع قرن بحاله. ثمة حل كامن داخل النظام ذاته. أما بلوغ الانهيار الحاصل في الشرق الأوسط للحلول المرتقبة من داخل النظام ذاته، فهو ادعاء قابل للنقاش والجدل بكثرة. جلي جلاء النهار أنه ينتظره مستقبل مليء بالمشاكل.
أما فشل الائتلاف بزعامة أمريكا، فسيفضي إلى مشاكل أكثر استراتيجية، بحيث تكون ضربة عالمية بالنسبة لأمريكا، تُسَرِّع من مرحلة تقهقر واندحار الإمبراطورية. وأمريكا التي ستخسر في الشرق الأوسط، ستدخل مرحلة الخسران الكبير في كافة القارات الآسيوية والأوروبية والأفريقية أيضاً. ولن تستطيع وقتئذ ضبط كل من أمريكا الجنوبية والمكسيك وكندا، مثلما كانت تفعل سابقاً؛ لتقع في حالة أشبه بكونها روسيا الثانية. لكن قبول أمريكا وقوعَها في هذه الحالة ضمن توازنات القوى الموجودة، أمر منافٍ لواقع السلطة. بالتالي، لا بد من سلوكٍ استراتيجي تتبعه. فهي مرغمة على البقاء والحظي ببعض النتائج الحلاَّلة، مهما كلَّفها ذلك، ومهما واجهت في سبيله اعتراضات على الصعيد العالمي.
الفيدرالية من ضمن الاوراق السياسية
إذا ما قمنا بترتيب المشاكل القصيرة والمتوسطة والطويلة الأمد التي نُخَمِّن ظهورها أمام النظام الرأسمالي الغربي الذي سيُجبَر على حلها؛ فسنجد أنه هناك مشكلتا أفغانستان والعراق على المدى القصير. حيثُ يزعَم بتأسيس الفيدرالية الديمقراطية، ويُفَكَّر فيهما كبلدَين للأنموذج الجديد في المنطقة. تَقتَرِح مخططات الدستور الُمعَدّ لها على الورق النظامَ الفيدرالي الديمقراطي. جلي أنه تَوَجُّه عازم يحتوي على التحديث. والكل ينتظر بكل فضول تحديد المسار الذي سيسلكه التنفيذ العملي. فتَعَرُّف الثقافات المحتوية في طياتها أعداداً كثيرة من المجموعات الإثنية والدينية على الفيدرالية الديمقراطية؛ يُعَد تحولاً حضارياً عظيماً. سيخلق الشرق الأوسط بذلك تأثيرات أشبه بتلك التي تمخضت من الثورتين الفرنسية والروسية. فترميم الأنظمة الاستبدادية القديمة احتمال ضعيف جداً. في حين أن الفيدرالية الديمقراطية كيان يصعب تسييره حقاً ضمن شروط إمبراطورية الفوضى. أين يمكن العثور على القوى التي سَتُروده؟ فالقوى المنادية بالسلطة، والمتسمة بالاستبدادية بقدر الأنظمة الماضية كأقل تقدير؛ بعيدة كل البعد عن الصياغات الذهنية والسياسية التي تخولها للسمو بميزاتها الإثنية والمذهبية إلى مستوى تركيبة جديدة إيجابية. أما الفرد الحر والليبرالي، فلم يقطع سوى مسافة محدودة على مسار التطور. والمثاليون الديمقراطيون والاشتراكيون نادرون لدرجة العدم. والقدماء منهم من الضحالة والجدب بدرجةٍ يعجزون فيها حتى على حمل أنفسهم. تتوجه الثقة بالأغلب نحو هيئة الأمم المتحدة، الناتو، الاتحاد الأوروبي، ونحو قوى الائتلاف. في حين أن الفيدرالية الديمقراطية لبنية تابعة للخارج على الدوام، ستكون موضوع جدل دائم. وعلى المدى الطويل، تبرز أمامنا أهم المشاكل متجسدة في العلاقات القائمة بين كل من العرب ـ إسرائيل، والكرد ـ العرب، والكرد ـ إيران، والكرد ـ تركيا. لا شك في أن المساعي الخاصة الجديدة لكل من هيئة الأمم المتحدة والناتو وقوى الائتلاف والاتحاد الأوروبي، ستكون ذات تأثير في التسريع من وتيرة حل هذه المشاكل المتطورة على أساس تاريخي. لكنهما مشكلتان مستعصيتان وعسيرتان. وبقدر سباتهما في أغوار الحضارة، فهما مشحونتان بالتناقضات والاضطرابات والحزازيات في علاقاتهما مع الحداثة.
يرتبط حل المشكلة العربية ـ الإسرائيلية بنسبة كبيرة بتعزيز واستتباب الأمن والسلام والدمقرطة في المنطقة. والقول بحل القضية الفلسطينية ـ الإسرائيلية أولاً، يحمل بين طياته ـ وعلى عكس ما يُظَن ـ مخاطر تأجيلها خمسين عاماً أُخَر. حيث تتوارى الدول العربية ومجتمعاتها التي لم تتدمقرط بعد في أرضية المشكلة. ستسرِّع دمقرطتها من إعداد شروط السلام للقضية الفلسطينية ـ الإسرائيلية. وفي حالة العكس، فسيُزيد الصراعُ الفلسطيني ـ الإسرائيلي من تعزيز الذهنيةَ والبنى المتزمتة ـ البعيدة عن التطور الديمقراطي والحر والمتساوي ـ في كل من المجتمع العربي والدول العربية؛ تماماً مثلما عزَّزها حتى يومنا الراهن.
القضية الكردية و سبل الحل
أما القضية الكردية، فهي أكثر تعقيداً وتنوعاً في اتجاهاتها. حيث لها مشاكل غائرة مع بنى المجتمعات والدول العربية والإيرانية والتركية، لأنه لا يُسمَح لها حتى بالانتفاع من أبسط الحقوق المدنية. أما الحقوق السياسية والاقتصادية، فلا تًطَرح أصلاً في جدول الأعمال. من جهة أخرى، ثمة مجزرة ثقافية مُعاشة. قد تسفر الفروضات الأمريكية الأخيرة عن بعض التحركات والتململات البسيطة، أو تولِّد بضعة انفتاحات محدودة للغاية. نخص بالذكر هنا فيدرالية كردستان العراق، المنفتحة للتحريض والإثارة. إذ يُنتَظَر استثارات أكثر بتأثير من هيئة الأمم المتحدة والناتو وقوى الائتلاف. فالوضع الكردي الراهن يكافئ التحريض لإثارة تمردات جديدة. وإذا لم تُبْدَ المواقف المتبعة بطراز حل قابل للديمومة، ديمقراطي وذي معنى؛ فمن الوارد تحَوُّل المنطقة إلى جغرافيا دموية، تترك في حِدّتها الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني في الوراء، لتضاهيه بأضعاف مضاعفة. ستُزيد الاشتباكاتُ التي ستندلع في الجغرافيا الوعرة والشاهقة، مع الجماهير الكردية التي تتراوح بين أربعين وخمسين مليون نسمة؛ من ثقل المشاكل في المنطقة أكثر فأكثر، وستُقحِم المنطقة في حال منفتحة لجميع أنواع المستجدات المحتملة.
لا يمكن ترسيخ الحلول الجذرية الطويلة الأمد، إلا بتعزيز وتحقيق حقوق الإنسان والدمقرطة والتنمية الاقتصادية داخل المجتمعات والدول الإيرانية والعربية والباكستانية والجمهوريات التركية. لكن التزمُّت الموجود في بنى تلك المجتمعات والدول، وكذلك الأحلاف المنفعية الوطيدة؛ سوف تقاوم إلى أقصى حد. وإنْ أمكن الوصول إلى الشعب وطرح البدائل الحلاّلة، ولم يُنقِص النظام المهيمن من همته القمعية رغم ذلك؛ فلن يتحقق التحول داخل النظام إلا بحدود ضيقة.
من اللازم وجود القوة العسكرية والاقتصادية بمقدار هائل ضمن المراحل الثلاث. فإمكانية تنفيذ مشروع الشرق الأوسط ستستلزم على الدوام حصول التمشيطات العسكرية والاقتصادية. إلى جانب ذلك، تتميز تنشئة الأفراد الليبراليين وحرية المرأة – التي طالما يتم التنويه إليها – بأهمية حياتية لا غنى عنها. فإنْ لم تستيقظ المرأة، ولم تشهد حريتها ولو بالحدود الأصغرية؛ فإنَّ كل المساعي الأخرى محكوم عليها بالعقم الوخيم. هذا ومن المحال تحقيق تحرر كافة الشرائح الاجتماعية – وفي مقدمتها المرأة – ما لم ترسخ الحرية الفردية في العموم، دون التمييز بين كلا الجنسين.
الخلاصة
بالامكان رسم ثلاث سيناروهات في موضوغ النفاذ من فوضى الشرق الاوسط
أولها:
ستسعى بلدان المنطقة المتكونة فيما بعد الحربين العالميتين، وكذلك العاملون على حماية الوضع القديم القائم؛ للإصرار على أنموذج الدولة القومية، على الصعيدين السياسي والاقتصادي. لكن هذا الأنموذج سيَعسُر عليه – حقاً – السير وفق حالته القديمة، بسبب بطلان مفعول التوازن السوفييتي – الأمريكي وخلله، وبسبب التحامل الأمريكي على المنطقة بطرازه الإمبراطوري. إذاً، لا مفر من التحول الاقتصادي والسياسي والثقافي. فالبنى الدولتية والقوموية والدينية، الاقتصادية منها والسياسية، والمتبقية جميعها من الماضي العتيق؛ تشكل حجر عثرة من جميع النواحي، إزاء حملة العولمة الجديدة. من المنتَظَر التحاق الرأسمالية المللية بالنظام مجدداً، بسبب مرور عصرها عليها منذ أمد بعيد من جهة، وبسبب ضيق الخناق بدرجة ملحوظة على إمكانياتها في تسيير سياساتها التوازنية المتبعة في القرن العشرين من الجهة الأخرى. ما ستسعى للقيام به هو مجرد الالتحاق بالنظام بزيادة أسعارها قليلاً. وستعمل على تأمين ذلك عبر أساليب الدعايات الإعلامية التي يمكن استساغتها بين صفوف القاعدة الجماهيرية؛ وذلك بتقمص المظاهر القوموية والمحافظية والاجتماعية. أما هذه المحاولات – التي يصعب علينا نعتها بالتطور – الضحلة والسطحية والعقيمة المعاشة حالياً بكثافة بارزة؛ فهي مجرد أسلوب ديماغوجي مخادع بكل معنى الكلمة، مهما سُعِيَ لتصويرها بأنها سياسة. ما تسعى هذه المجموعات المنفعية التقليدية الدولتية (سواء كانت جمهورياتية أم مَلَكية، فهذا ليس مهماً) والدينية والمذهبية إلى إنقاذه؛ إنما هو السمسرة الاقتصادية والسياسية.
من غير الوارد أن تسير البؤر الرأسمالية (أمريكا، الاتحاد الأوروبي، اليابان، وحتى الصين أيضاً) التي تتزعم الدعاية والعزم على إعادة بناء النظام وفق معايير عصر المعرفة والمعلوماتية؛ مع هذه البنى السمسارية الاقتصادية والسياسية. بل عليها الإدراك يقيناً أن الرأسمالية الكومبرادورية الكلاسيكية قد عفا عليها الزمن. نخص بالذكر هنا مدى المشقات التي ستزداد أمام كل من تركيا، مصر، باكستان، وإيران، والتي تسعى جميعها للحفاظ على الوضع الراهن؛ ومدى صعوبة صمودها تجاه تحاملات النظام المتكاثفة على المنطقة. حيث أن شروط وظروف إمكانية استمرارها في وجودها بالتحالفات الجديدة، سواء فيما بينها أو مع الخارج؛ ليست كما كانت عليه سابقاً. ولن يكون منطقياً تخمين وجود خيارات أمامها، عدا الالتحاق مجدداً بالنظام تحت ظل الزعامة الأمريكية، وضمن إطار المشروع الكبير؛ ولو بدلال وغنج.
السيناريو الثاني
هو عملية إعادة البناء في ظل الوزن الأمريكي. حيث يُخطَّط لممارسة أشبه بما قامت به كل من إنكلترا وفرنسا بُعَيد الحرب العالمية الأولى. يمكن التفكير به كوضع وسطي كائن بين الدولة القومية والاستعمار الحديث. سيرجح احتمال تحقيق هذا السيناريو الثاني عملياً، في حال استمرت أمريكا في إصرارها على المنطقة، وأبرزت الوضع الراهن في المنطقة كهدف للناتو المتسع نطاقاً والتابع لها بشكل أكبر؛ وفي حال إدراج هيئة الأمم المتحدة أيضاً في ذلك. وإذا ما حاولنا إعطاء مثال شبيه؛ فيمكننا الإشارة إلى إعادة بناء أوروبا واليابان ضمن إطار مشروع مارشال، بعد الحرب العالمية الثانية. بمقدورنا إضافة بلدان الجوار أيضاً إليها، كالمكسيك وكندا. لكن، ساطع سطوع الشمس أن البنية الموجودة في الشرق الأوسط تستدعي تطويرها بشكل مغاير تماماً لتلك الأمثلة الماضية. بالتالي، بات ضرورياً جداً على كافة الدول التي نسميها بالعربية (وفي مقدمتها مصر) بالإضافة إلى الدول التركية (بما فيها تركيا) وإيران وأفغانستان وباكستان أيضاً؛ أن تعي دروسها جيداً في عملية إعادة البناء، باعتبار أنه من المحال استمرارها بطرازها القديم.
يتمثل المنطق الأولي لعملية إعادة البناء تلك في التوجه نحو الليبرالية في الميدان الاقتصادي، والتحرر (خاصة لدى المرأة) في الميدان الاجتماعي، والدمقرطة (الديمقراطية البورجوازية) في الميدان السياسي ضمن إطار النظام القائم. سوف تصر أمريكا على تحقيق هذه البلدان تحولاتها القصيرة والمتوسطة والطويلة المدى، بكسبها مؤازرة أوروبا واليابان، وبتأمين مشروعيتها عبر هيئة الأمم المتحدة، وبإشهارها عصا الناتو الجديدة إن تطلب الأمر. وستجذب كل من يزرع العراقيل أمامها إلى النقطة المطلوبة، بلجوئها إلى كافة الخيارات التي بحوزتها، العسكرية منها والسياسية والديبلوماسية والاقتصادية (صندوق النقد الدولي IMF، والبنك الدولي). وإلى جانب عدم إطراء تعديلات جدية على الحدود السياسية الراهنة في هذا السيناريو، إلا إنه سيتم تفضيل بنية سياسية أكثر مرونة وديمقراطية من البنية المركزية البيروقراطية (مثلما شوهد في كل من أفغانستان والعراق، بل وحتى جورجيا ودول البلقان)؛ بحيث تترسخ فيها الإدارات المحلية، وتبلغ مستوى الفيدرالية. ومن الناحية الاقتصادية، ستولى الأولوية لبنية اقتصادية معتمدة على القطاع الخاص والشركات الخارجية، بالإضافة إلى الشركات المتعددة الجنسيات؛ بعد تفكيك وتفتيت الاقتصاد الدولتي. وبينما يتم الإيداع اللازم من أجل المساعي الثقافية والفنية المعتمدة على حرية المرأة والفردانية، فسوف يعاد بناء القوة الإعلامية أيضاً على نحو يسخِّرها لخدمة عملية إعادة البناء هذه. ويمكن أن يكون العراق وأفغانستان نموذجاً مصغراً لهذا السيناريو.
لكن الجانب الأضعف في هذا السيناريو يكمن في المشقة البالغة لتنفيذه بإرادة النظام الأحادية الجانب. حيث سيُكرَه على تقديم التنازلات أمام الدول القومية القديمة الثابتة من جهة، وأمام المطاليب المتزايدة للمعارضة الاجتماعية من الجهة الثانية. سيقود عجزُ النظام عن تحقيق الالتحاق به بإرادته الأحادية الجانب، إلى بقائه منفتحاً للبنى الأكثر تعقيداً.
السيناريو الثالث:
فسيتطور على خلفية الرد على هذه الاحتياجات المفروضة. حيث سيفرض النظامُ التساومَ والوفاق على كلا الطرفين، بشرط أن يكون هو القوة الرئيسية المهيمنة. وسيتحول ما كنا نسميه سابقاً بالخنوع والإخضاع إلى وفاق يتماشى وشروطنا الحاضرة. علاوة على أنه لن تُعطى الفرصة للحركات التحررية الوطنية أو الانتفاضات الشعبية الشاملة والطويلة الأمد والواسعة الآفاق، مثلما لم تُعطَ الفرصة سابقاً لأشكال الاقتصاد العقيمة وغير المثمرة والمسرفة، ولا للدول القومية المنفردة بذاتها. بل سيُفرَض خياران: إما الوفاق السريع أو الانسحاق. يمكن أن يكون التعبير الملموس لهذا السيناريو شبيهاً بضرب من ضروب الوضع الحالي، الذي تمر به بلدان أوروبا الشرقية وبلدان أوروبا الغربية القديمة. بمعنى آخر، لن يكون الوضع مثلما كان في المكسيك وكندا، ولكنه لن يبقى مثلما في تركيا ومصر وباكستان. بل سيتم تخطيه بالتوجه قُدُماً نحو الديمقراطية البورجوازية الأكثر تطوراً. من المنتَظَر أن يزداد تأثير القوى الشعبية، ويُشَلّ تأثير قوى الدولة القومية الثابتة تدريجياً. وقد نشهد تجربة غريبة الأطوار بين كل من الديمقراطية ذات الأرضية الشعبية، والديمقراطية ذات أرضية الدولة البورجوازية. كما تتطلب حالُ التوازن بين القوى أثناء الخروج من الفوضى – بالضرورة – عدمَ إغفال مثل هذه الخيارات. النقطة الأساسية الواجب الانتباه إليها هي، عدم الدخول في مقاومة عمياء، ولا في وفاق لا مبدئي تجاه كافة عمليات النظام في إعادة البناء. كذلك عدم تكبد الخسائر الكلية في حال التطلع إلى الربح الكلي، مثلما شوهد في الكثير من التجارب.
من المحتمل ظهور مساعٍ للخروج من فوضى الشرق أوسط وتطوير الحلول في غضون ربع القرن المقبل، عبر تطبيق هذه السيناريوهات الثلاثة بشكل متداخل، وبخيارات قد تزداد أكثر فأكثر. لكن النقطة الأهم تكمن في كيفية تطوير يوتوبيات وسيناريوهات القوى الشعبية الكادحة ذات الأرضية الاجتماعية، والتي تُبرِز نفسها عن طريق اجتماعات بروتو آللاغرا. لم يُحدَّد التاريخ حسب الإرادة الأحادية للقوى التسلطية، في أي وقت من الأوقات. بل إن التحديد الراسخ والدائم قام به السلوك الديمقراطي المشاعي للمجتمعات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى